لماذا لا نبتعد عن الألقاب، ونحتفي بجماليات أسمائنا؟

وخزة ضمير (6)

لماذا لا نبتعد عن الألقاب،

ونحتفي بجماليات أسمائنا؟

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

تتناثر الألقاب من حولنا في كل موقع، فترى العقيد والعميد والمناضل والوطني، وترى الأستاذ والدكتور والبروفسور، وتسمع عن العبقري والمبدع والشاعر الفذ والكاتب الكبير الذي لا يشق له غبار، ولكنني أظن أن كثيرا من الغبار قد ران على مجازات اللغة فانحرفت في معياريتها لتبتعد عن حقيقة الألفاظ ومجازيتها إلى وهم اللقب النابع من وهم الأشخاص والنفسيات التي تتمتع بأمراض نفسية، ترى في تلك الألقاب واقترانها بها دواء ومسكنا لأوجاع وهمها المقض لأنساغ المنطق الذي يرفض كل تلك السخافات والأوهام.

فماذا علينا لو تصالحنا مع أنفسنا، واقتصرنا على أسمائنا؟ فاسمك أيها الشخص يشرفك وهو عنوانك والدليل إليك، ولنأخذ من القرآن العبرة والعظة، فإنه خاطب الأنبياء، وهم أفضل البشر، بأسمائهم، على حين أنه قد تعامل مع الكفرة والملحدين بألقابهم، فتدبروا هذه اللفتة القرآنية، فهي غاية في الدلالة.

يذكرني هذا الموضوع بحديث الرسول الكريم موجها أصحابه بكيفية التعامل معه في الخطاب، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، فهذا التوجيه النبوي للصحابة، رضوان الله عليهم، له كثير من المعاني والدلالات الاجتماعية، نقف عند بعضها بقدر ما تسعفنا اللغة الخؤون.

وأول هذه الدلالات يدور في فلك التعامل الشخصي، فالرسول الكريم- وهو من هو منزلة ورقيا وأخلاقا- عليه أفضل السلام، لم يكن يرض بالإطراء والتبجيل وإطلاق الألقاب التي ليس لها واقع، ولذلك فإنه يكتفي من أصحابه بذكر لقبين واقعيين حقيقيين مستقرين ثابتين بأنه عبد الله وبأنه رسول من عند الله، فإذا كان رسولنا بمثل هذا، فقد أطلق الرسول الكريم ألقابا على أصحابه تنم عن حقيقتهم، وكانت تلك الألقاب لحظية أنية، ولم يتعامل الصحابة مع تلك الألقاب كما نتعامل معها نحن اليوم، فمن الأجدر أن يكون ذلك التصرف أسوة لنا، ونحن البشر الخطاؤون، فماذا يغني اللقب إذا لم يدل الآخرين على الحقيقة؟

وأما ثاني هذه الدلالات فإن الحديث يشير إلى البعد النفسي الذي تتركه الألقاب في نفوس الملقبين والملقَبين على حد سواء، ولذلك يعالج الحديث تلك الأوهام والخزعبلات وأمراض الوهم الزائف في السعي وراء الألقاب المنتفخة بلا طائل، فيوجه الناس إلى ضرورة الاكتفاء بالألقاب الحقيقية المتواضعة دون اللجوء إلى غيرها، تلك التي تساهم في تضخيم الذات دون سند من واقع أو حقيقة ثابتة.

ولعله من نافلة القول بأن الألقاب والتشريفات اللفظية، ما هي إلا من باب المجاملات، ولكنها إن كانت حقيقية وينطق الواقع بصدقها فلتكن ولتطلق وليتباهى بها، وهذه إشارة أخرى من إشارات الحديث الشريف، وليس لإطلاق الألفاظ أو الامتناع عنها دخل في الاحترام والتبجيل، بل على العكس فإن إطلاق اللقب أحيانا يكون حاجزا نفسيا معيقا في عملية الاتصال والتواصل، ويشعر طرفي الحوار بالبعد النفسي والمعنوي والفجوة بينهما.

فمن الملاحظ دائما أنه عندما تبدأ عملية التعارف يحرص كل طرف على أن يلقب الآخر بلقب ما يخترعه، وحتى إن لم يكن له واقع، وذلك لدواعي الرسميات والمجاملات، ولكن بعد فترة وبعد توثيق الصلات، وانتقال العلاقة من مرحلة إلى أخرى، فإن تلك الألفاظ ستختفي، ليحل محلها التخاطب بالأسماء بعيدا عن أي لقب، ساعتئذ لن ترى أجمل من التخاطب بذلك، لشعورك بالقرب الوجداني، فإذا ما طلب أحدهم منك الابتعاد عن مخاطبته بالألقاب أو عبارات المجاملة فاعرف بأنك صرت قريبا إلى نفسه ووجداه وقلبه.  

وأخيرا تذكروا بأن الألقاب ما هي إلا أوسمة للحمقى!!