نتعامى عن الورد ولا نرى سوى الأشواك

وخزة ضمير (7)

نتعامى عن الورد ولا نرى سوى الأشواك

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

ما أبدع الورد نديا! يعطيك بجماله ودفقة روحه العذبة الطبيعية أرق المعاني وأجمل الأحاسيس، حاول أن تقف بجانب وردة متفتحة، ناجها، أصغ إليها جيدا، واسمع بوحها، وتأمل وجهها المتفتح، وأساريرها المنبسطة، فما عسى تلك الوردة أن تقول؟

أظنها لن تتمالك نفسها، وستأخذ بالبكاء المر حسرة وألما، فقد خبرت الناس وعرفت معادنهم، تتذكر منهم كم من شخص داس جمالها في زحمة الحياة، وحطم قامتها الرهيفة، وتتذكر من غبيِّ أفعالهم، كم من دابة دبت على الأرض لم تنتبه إلى سحر وريقاتها المشعة التي نبهت كل شي إلا إنسانا غارقا في أوهام حياته العصرية ومشاكله الاجتماعية، ونسي الورد وأريج رائحته المنبهة للروح والوجدان.

فالعجب كل العجب لذلك الإنسان الطاغية، الأسود في نظرته المتهالك في أصقاع روحه، كيف لا تهزه الوردة قامة وروحا، جسدا ومعنى، ولماذا لا يرى فيها إلا شيئا عابرا هامشيا لا يستحق أن يرى؟! يا له من سقم روحي وبلادة مشقية!

عجبا وألف من العجب تتراكض مسرعة، تصطف كسرب من الآهات ولهى وحيرى على هذه التصرفات التي تنم عن آلية الإنسان وتشيئه وفقدانه أعز ما وهبه الله: إنه الإحساس بالجمال، فكيف تحول وتردى وماتت الأحاسيس، واقترب العدم، وتصحرت الروح، وعم الأصفر جوانبها.

إنه ذلك الإنسان الذي لم يكن ليرى الورود الزاهية البهية التي تحدثه بنعمة بارئها، ويصرّ على أن يرى الشوك المختبئ تحت جناحيها وأدنى ساقها، فلم يتدبر حكمة الله في هذه الخلقة التي كانت الوردة تاجا في الأعلى، وتصاغرت الأشواك لتكون نتوءات لا تكاد ترى في ساق يستغيث الله في حمله لتلك الأشواك التي تزعجه وتشغله عن استمتاعه بحمل الوردة درة يموج بها ويفخر.

لقد أدرك الشاعر الفذ إيليا أبو ماضي ذلك، وذكره في قصيدته الإنسانية "فلسفة الحياة"، محذرا من التشاؤم داعيا إلى الالتفات إلى الحياة وجمالها، وإلى الورود وما تخبره من معاني الروح في اكتمال عطائها لتحدث اليوم أخبارها: في أن الحياة وردة من ورود المولى عز وجل، خالقا مبدعا، ولن تخلو هذه الحياة من الأشواك، ولكن أشواكها نتوءات تافهة، يجب أن لا تؤثر بالاستمتاع بها ورؤيتها كما هي خضِرة بهية جميلة، ولنحذر من الوقوع فيما حذر منه إيليا أبو ماضي في قصيدته تلك:

وترى الشّوك في الورود، وتعمى                     أن ترى فوقها النّدى إكليلا

فلنتعامل مع الحياة كما يجب أن نتعامل معها، فالله عز وجل لم يخلقها لتكون مصدر هم وحزن وكآبة للبشر، بل لتكون مصدر سعادة وبهجة وسرور، ولنتمتع بجمال ورودها، متحملين ما فيها من شوك ناتئ غصبا في هامش الحياة، فلا بد من ذلك، لأن الضد يظهر حسنه الضد، ولا بد من وجود القبيح ليتميز الحسن بحسنه، فبضدها تتميز الأشياءُ!!