شيء عن الروح

الخاطرة 30 من خواطر الكون المجاور

( شيء عن الروح )

ز. سانا

البحث في ماهية الروح هو من الغيبيات التي يعجز عنها عقل اﻹنسان في فهم طبيعتها "..ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا... " فهي شيء يخص الماهية اﻹلهية ،فعندما نسأل ما هي الروح كأننا نسأل ما هو الله ، ومثل هذا النوع من اﻷسئلة يعتبر ضياعا للوقت ﻷننا بذلك نحاول أن نتجاوز مقدراتنا العقلية وعندها سندخل في متاهات لا حصر لها ولن نجد أي إثبات يمكن له أن يؤكد على صحة ما توصلنا إليه،

فكما تقول اﻵية الكريمة "ولو أنما في اﻷرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات ربي إن الله عزيز حكيم " هكذا هي تماما محاولة البحث في ماهية الروح ﻷنه علم خارج نطاق المقدرات اﻹنسانية ومحاولة البحث فيه يعني بإختصار نوع من اﻹشراك، ﻷنه يحتاج إلى مقدرات إلهية.

كما ذكرنا في المقالة الماضية أن فيزياء الكم والتي تبحث في عالم الصغائر ( جسيمات تحت الذرة ) هي نافذة على عالم الروح ، فمن خلال فهم سلوك هذه الجسيمات الدقيقة نستطيع أن نأخذ فكرة عن مبدأ عمل الروح ، فالروح في عالم الصغائر تستطيع بسهولة أن تعبر عن وجودها لأن ماديتها بسيطة لذلك نراها تجعل من طبيعة عالم الصغائر عالما عجيبا له قوانين تختلف كليا عن قوانين العالم الواقعي الذي نعيش فيه ( كما شرحنا في المقالة الماضية ) فـ كرؤية مادية تبدو لنا قوانين عالم الصغائر مختلفة كليا ولكنها في الحقيقة هي نفسها ولكن في مرحلة متطورة أكثر لذلك تفقد بعض خصائصها ، فكما ذكرنا أن الجسيم في عالم الصغائر يتواجد في حالة إزدواجية ( جسيم -موجة ) أي (مادة - روح ) حيث وجوده كموجة ليس إلا تعبيرا عن حالة الروح التي تكمن في هذا الجسيم وهي في حالة نقية ، أي بدون المادة التي تصنعها من أجل إستمرار تطورها، ففي هذه المرحلة تكون الروح في مرحلة بدائية بسيطة، ولكن عندما تصل الروح إلى مرحلة مركبة وتنتقل من عالم الصغائر إلى العالم الواقعي ( ذرات ومركبات كيمائية ) عندها تفقد الروح المقدرة في التعبير عن نفسها بسهولة ، وعندها تظهر الخصائص المادية بشكل أقوى وذلك بسبب ظهور حالة ثالثة لم تكن موجودة في عالم الصغائر ( جسيم - موجة ) ، ففي العالم الواقعي تتحول الحالة المزدوجة إلى حالة ثلاثية (غاز - سائل - صلب ) كما يحصل مع الماء ، فالماء في درجة حرارة أكثر من 100 مئوية يكون في حالة غازية ( بخار ) وفي درجة ما بين ( 0- 100%) يكون في حالة سائلة وعندما تكون درجة الحرارة أقل من 0 مئوية فإنه يكون في حالة صلبة ( جليد ).

الحالة الغازية هنا تعبر عن الحالة الروح وهي في بداية وجودها لذلك الغاز بشكل عام ( الهواء مثلا ) غير مرئي للعين وغير ملموس، تماما كما في الروح فهي غير مرئية ولا يوجد أي جهاز يمكن أن يشعر بوجودها سوى فكريا، أما الحالة السائلة فهي تعبر عن الحالة الموجية التي تعتبر لامادية ولكن يمكن اﻹحساس بها عن طريق اﻷجهزة ، وأما الحالة الصلبة فهي تعبر عن الحالة الجسيمية كمادة ملموسة. (حسب رأي علماء الفيزياء عدا عن الحالات الثلاثة غاز، سائل ،صلب، هناك حالة رابعة تدعى البلازما فعندما تصل درجة الحرارة أكثر من 3000 درجة مئوية عندها تحدث عملية التأين فتنفصل اﻷلكترونات عن النواة التابعة لها ، هذه الحالة فلسفيا هي بداية مرحلة جديدة ليس لها علاقة بالحالات الثلاثة السابقة).

مع تطور الروح أكثر نصل إلى مرحلة ظهور الكائنات الحية ، معظم المفكرين عبر التاريخ يعتقدون أن الكائنات الحية هي التي تملك روح فقط ﻷنها تولد وتموت وكذلك ﻷنها تتصف بقيامها بالوظائف الحيوية كالتنفس والهضم والحركة والتكاثر. .. للأسف هذه الرؤية لظاهرة (الحياة ) بهذا المعنى هي رؤية سطحية فقيرة لا تساعد على فهم حقيقة ما يحدث حولنا وما يحدث في داخل أنفسنا ، فظهور الحياة في الحقيقة له معنى أن الروح وصلت إلى مرحلة جديدة في تطورها حيث إكتسبت صفة التضاعف من اللاشيء ، وهذه هي إحدى خصائص الروح ، فكما هو معروف بأن الكون في بداية تكوينه كان نقطة سوداء حجمها أصغر بآلاف المرات من ثقب اﻹبرة ، ثم حدثت ظاهرة big bang ( اﻹنفجار الكبير ) ومن بعدها بدأ حجم الكون يزداد بسرعة فائقة فتكونت الجسيمات تحت الذرية ( اﻹلكترونات ، كوراكات ، فوتونات. .. ) ثم بدأت هذه الجسيمات تتحد وتشكلت منها ذرات الهيدروجين ثم تكونت الذرات اﻷخرى ثم تشكلت النجوم والمجرات... والسؤال الذي يحير علماء الكون هو ماذا كان يوجد قبل اﻹنفجار الكبير ، فجميع معلوماتهم تأتي من دراسة المادة وقبل اﻹنفجار الكبير لم يكن هناك مادة لذلك فهم يعلمون فقط ما حدث بعد اﻹنفجار أي بعد ظهور المادة ، أما ماذا حدث قبل اﻹنفجار الكبير فليس لهم أي علم على اﻹطلاق. فاﻷمور هنا تحتاج إلى رؤية فلسفية (شاملة ) ،فبهذه الرؤية يمكن اﻹستدلال عن السبب وذلك عن طريق دراسة النتيجة.

إن ظهور الحياة هي مرحلة جديدة لتطور الروح ويمكن عن طريق دراسة فلسفة الحياة أن نأخذ فكرة عما حدث قبل اﻹنفجار الكبير أو بمعنى آخر يمكن معرفة خصائص الروح في تلك الفترة ، فكما هو معروف أن الكائن الحي يأخذ مما حوله من مواد غذائية فيزداد نموه حتى يصل إلى مرحلة حيث بدلا من أن يتابع نمو حجمه يتحول نموه إلى نوعية جديدة حيث يبدأ بالتكاثر ، أي يتضاعف عدده ، ففي حالة التكاثر باﻹنقسام يتضاعف عدده من فرد واحد إلى إثنين ومن إثنين إلى أربعة ثم إلى ثمانية.....وهكذا ،

الكائن الحي من أجل نموه يتغذى مما حوله ، ولكن الروح في البداية ( قبل اﻹنفجار الكبير ) لم يكن حولها أي مادة تستهلكها لتتضاعف سوى نفسها، ولكن هنا يجب أن نفكر أن طبيعة الروح تختلف عن طبيعة الكائنات الحية ، فالروح تحوي في داخلها ما يسمى الحركة الذاتية ، فإذا نظرنا إلى محتويات الخلية الحية نجدها تدور بحركة دائمة ، وكذلك الكواكب تدور حول نفسها حركة دائمة ، وأيضأ المجموعة الشمسية تدور حول نفسها حركة دائمة وكذلك المجرات... فكل شيء في هذا الكون يدور حول نفسه ، هذه الحركة ليست صدفة ولكن أصلها من حركة الروح حول نفسها. وهذه الحركة الدورانية في الكون حسب علماء الفيزياء سببها الجاذبية ، ولا تزال الجاذبية كخاصة فيزيائية تعتبر من أكبر ألغاز علوم الفيزياء، وكثير من العلماء يعتقدون بأنه هناك جسيم مسؤول عن الجاذبية يدعى ( جرافتون ) ولكن حتى اﻵن لم يتمكن أحد من إكتشافه ، وحسب أبحاثي لن يستطيع أحد إكتشافه مهما طال الزمن ﻷن مثل هذا الجسيم غير موجود أصلا، فسبب وجود الجاذبية هو وجود الروح وليس شيء آخر ، فعند خروج الروح من الجسم تتوقف جميع الوظائف الحيوية ويموت الجسم فالروح هنا ليست جسيم أو فيتامين أو مادة معينة تقوم بالتحريض على القيام بالوظائف العضوية ولكنها روح ذات طبيعة مختلفة عن المادة ، هكذا هي الجاذبية فهي أيضا خاصة من خواص الروح والتي تجعل اﻷشياء في الكون تدور حول نفسها .

ما حدث قبل اﻹنفجار الكبير هو - كما ذكرنا - موضوع فلسفي وليس فيزيائي ﻷن الفيزياء تدرس سلوك المادة ، وقبل اﻹنفجار لم يكن للمادة أي وجود بعد ، لذلك من اﻷفضل أن نذكر بعض الخصائص ( تعابير روحية ) التي تركتها الروح في داخل هذا الكون لتعبر لنا عن نفسها، تمعنوا جيدا في هذه الظواهر التي يعجز المنهج العلمي الحديث عن تفسيرها :

- لماذا الجسيمات التي تدخل في تركيب الذرة توجد في ثلاث عائلات ( كوركات ، لبيتونات ، بوزونات)؟ صورة

- لماذا الضوء يتألف من ثلاثة ألوان رئيسية ( أحمر، أخضر ، أزرق)؟ صورة

- لماذا توجد المادة في ثلاث حالات ( صلب، سائل ، غاز )؟

- لماذا ظهرت الحياة على سطح الكوكب الثالث ( الكرة اﻷرضية)؟

- لماذا الوحدة البنائية ل DNA تتألف من ثلاثة أقسام (أساس، سكر، حمض الفوسفور) ؟ صورة

- لماذا تطورت الحياة إلى ثلاث مستويات من الكائنات الحية ( بحرية ، يابسة ،جوية)؟

- لماذا الإنسانية تتألف من ثلاثة عروق ( الزنجي ، اﻷصفر ، اﻷبيض )؟

- لماذا أول بناء حجري حقيقي ( الأهرام ) في تاريخ البشرية له شكل مثلث؟

- لماذا أول حكيم (فيلسوف) ذكره التاريخ يسمى هرمس ثلاثي الحكمة (ثلاثي القوة ) ؟

- لماذا يوجد ثلاث ديانات سماوية ( يهودية ، مسيحية ، إسلام)؟

- لماذا رمز المسيح الدجال في الديانة المسيحية يتألف من ثلاث مرات رقم ستة ( 666 )؟

- لماذا بعض آيات القرآن تذكر ( ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم . ..)؟

- لماذا لا يجوز الرجل العودة إلى زوجته بعد طلاقها ثلاث مرات ؟

- لماذا خطوط كف يد اﻹنسان تتألف من ثلاثة خطوط لهم شكل رقم ثمانية عشر ( \/1 ) وهو نفس مجموع أرقام رمز المسيح الدجال أي ( 6+6+6).؟ صورة

كما نرى في اﻷعلى أن الرقم/ 3 / ليس رقما يظهر صدفة ولكنه يلعب دورا مهما في تصميم الأشياء الرئيسية، في بناء الذرة و الكون والحياة واﻹنسان ، وكأنه يسيطر على طبيعة تطور كل شيء يحدث في داخل الكون. لذلك فإن عدم فهم أسباب تصميم اﻷشياء بهذه الصورة الرقمية والرمزية لن نستطيع فهم ما حدث قبل اﻹنفجار الكبير ، وبدون فهم ما حدث قبل اﻹنفجار الكبير لن نفهم حقيقة ماحدث وما يحدث وماذا سيحدث في المستقبل وستبقى العلوم بجميع فروعها ذات منهج مادي فقير يحقق فقط الحاجات المادية حيث إهمال الحاجات الروحية ستجعل الصفات الحضارية والمبادئ السامية تختفي يوما بعد يوم إلى أن يتحول المجتمع اﻹنساني إلى مجتمع لا يختلف عن بقية المجتمعات الحيوانية.

ما نحتاجه لفهم حقيقة ما حدث وما يحدث يجب أن نستخدم رؤية شاملة تسمح بتوحيد الرؤية المادية للمنهج العلمي المادي الحديث مع المنهج الروحي القديم ، الذي كان يبحث في اﻷشياء كرؤية روحية بسبب عدم وجود التكنولوجيا في ذلك الوقت لتسمح له رؤية التفاصيل الدقيقة للأشياء ، أنظروا مثلا إلى قصيدة هرمس ثلاثي الحكمة كيف يعبر عن مبادئ دراسة الكون لفهمه :

إسمعوا ما في أعماقكم

وانظروا إلى اللانهاية

للمكان والزمان

هناك ستسمعون أغنية النجوم

وصوت اﻷرقام

وإنسجام اﻷفلاك الكونية

كل شمس هي فكرة من الخالق

وكل كوكب هو نهج لهذه الفكرة

تعلمي الفكر اﻹلهي أيتها اﻷرواح

فهو السبب الذي جعلك تهبطين

وتحاولين باصرار

الصعود نحو السماء

ماذا تفعل النجوم ؟

ماذا تقول اﻷرقام ؟

ماذا تدحرج اﻷفلاك ؟

آه أيتها اﻷرواح ، ضائعة أو متحررة

يقولون

بأنها تغني

تدحرج أقداركم

في المقالة القادمة إن شاء الله وباستخدام رؤية شاملة سنتكلم عن بداية ظهور الروح ومراحل تطورها.