على قيد الطفولة

تأثراً وثأراً

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

على أيِّ مرأى و مرمى تراهم ...بدمعهم ودمهم ...يُرمون ويُضربون .. تُصيبهم ما أخطأه الهدف وما أصاب .. هم في كلِّ مكانٍ .. هم المكانُ...وأُنس المكان ... وفاكهة الزمان ...هم الفرحة والبسمة والنسمة .. ..قلبهم لسان ... وعينهم أمل ... نشيدهم حريةٌ وباحة وطن ...نفوس رضية .. وأرواح ندية ..وأكف مشرعة للسلام .... وأقدام لا تُقدم إلا إلى الأَمام .. ومع الإِمام .. إِمامها أبٌ يسير بهم نحو الخير والبرِّ والآمان ...

ها هي الحربُ تأتي بويلاتها .. تضرب ولا ترحم .. تأتيهم .. تُشتتُ جمعهم قذيفةٌ ... وتفصل أطرافهم شظايا ... ثم يُجمعون ويجتمعون على براءةٍ سُفكت وانتهكت ووئدت من غير ذنب اقترفت ... وافترقت بسماتٌ عن شفاهٍ .. تقطعت الأطراف .. وانكسرت الأكتاف .. بُقرت البطون ... وفُقئت العيون... كلُّ شيء داخلٍ أصبح خارجاً ... هنا دماغ لم ترتب أبجديتها الأُولى ... هنا شفة لم تُكمل بسمتها ... هنا يدٌ ما زالت مُشرعةً للسلام ... هنا ساقٌ فقدت قدماً يقودها للأَمام ... هنا عينٌ لم تُكمل دمعتها .. هنا وهناك وهنالك دمٌ تسلق الجدران وعَبَرَ الشوارع .. اجتاز الفضاء .. ونادى و صاح وأعلى النداء .. هنا الطفولةُ هدفٌ لآلة الحرب .. هنا الإنسانية تُباد من مهدها ... هنا الصراع على الوجود والحدود ..

يا لهف قلبي على أبٍ يجمعُ أطراف ابنه من هنا وهناك ... أو على أبٍ يحضن ابنه ويسدُّ بحضنه ويديه ثُقوباً تتسرب منها الدماء ... أو على أبٍ ينادي ابنه ويُعلي الصوت أكثر فأكثر، والطفل ساكنٌ صامتٌ لا يُجيب نداء ... يا لهف قلبي على أمٍّ تعرف بمعالم الإحساس وليدها الذي غدا بلا معالم .... على أمٍّ تُودع وليدها بهدهدة النوم وهو يُودع الحياة بتهديد الموت ... لهفي على أمٍّ تفتح عينيها أكثر وأكثر لترى النظرة الأخيرة ... وما أقصرها وإن طالت !!

لهفي على أخٍ يضم أخاه ويناديه أنْ قُمْ ..هيا لتكتمل اللعبة .. أعترفُ أمامك وأمام كلِّ الناس أنني أنا الخاسرُ .. وأنت الرابحُ ..أنت الأقوى والأكبرُ والأغلى والأجملُ .. كلمني لا تُخاصم .. قُمْ لا تُضع وقتاً .. طفولتنا تضيع ولم نُكمل اللعبة .. قُمْ يا أخي .. قم يا حبيبي .. يا أناي .. لأكون بك الأقوى والأجمل !!

هي ذي الطفولة مرمى لِحقد أعداء حيثما كانوا على قيد حياة وفرح .. في بيتٍ أو مدرسةٍ أو شارع ٍأو على شاطىء بحر .. هم الهدف لقتل الروح في روح كلِّ أبٍ وأمٍّ وأخٍ ... هم الهدفُ والوجعُ الأكبرُ والأدوم ... هم الجرحُ الغائرُ الفائرُ .. لذلك إنْ أصيبوا نُصب في مَقتل !!

نحزنُ .. نتوجعُ .. نتألمُ .. لكننا بِها نقوى .. نتأثرُ ونثأرُ .. ونسيرُ قُدماً لا نتراجع .. لا نتقهقر .. الطفولةُ – عندنا- رَسْمُ حياةٍ و وَسْمُ نقاءٍ ، و وعدُ تجددٍ وبقاء .. الطفولةُ تجذرٌ وامتدادٌ في الزمان والمكان ... ذاكرةٌ خالدةٌ في العقل والوجدان .. كلُّ طفلٍ يرى ويسمع هو شاهدٌ على العصر .. طفلُ اليوم هو المقاومُ المجاهدُ في الغد .. نعدُّ الطفولةَ للحياة ... ونستعيد الحياةَ بالطفولة .. ولئن قاتَلَنا الأعداءُ بالطفولة فإنّا أعددنا بالطفولة قوةً وبطولةً و وعداً و وعيداً !!!