ذكريات

عبدالإله أحمد بن الحسن عبقاري

تمضي بنا السنون إلى الأجل، فما يرضي أنفسا عميا زائر شيب ولا انصرام  قوة الشباب .. تطير أيامنا في هالات من الامال والاحلام، والمنايا تتخطفنا- معاشر الآدميين-  والغفلة ملء الجفون، والأماني قمم سامقات تستنفذ وريقات حياتنا.. فحياتنا شجرة  جدوعها السنوات وأغصانها الشهور وأوراقها الأيام، وقد تضعف مع البصر البصيرة، فتحتمل الأيام زبدا وزللا وخطلا، ما يرتضي الذي شابت مفارقه في معترك الحياة أن ينكص على عقبيه ويرجع القهقرى يراجع سويداء قلبه، فيثني العزم يمنعها من التردي في مهاوي الشهوات فتحدث للقلب إقلاعة مباركة إلى الحضرة الربانية في مجالس الأنس حيث الطيبون والطيبات، قوم لم تشغلهم ملذات الدنيا عن النظر إلى حقيقة وجودهم عليها، فجعلوها قنطرة لا يطمئنون إلى زخرفها، يرون مآسيها نعمة، وأفراحها امتحانا، زهدوا فيها فأتتهم طائعة منقادة، فسادوها أعزة وعلموا عالما سادته العصبيات والنعرات القبلية معاني الشدة والرحمة (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)  رضي الله عن الطيبين والطيبات، عرفوا معنى الرحمة، فاستقاموا كما أمروا فدانت لهم البشرية بصنيع لم يسبقوا إليه، رحمة عمت الأرجاء فتنسم عبقها الأيامى واليتامى في زمن علا فيه الهرْج واختلطت فيه النوايا، فقاصد ومقتصد، وآبق ومرتد منافق، كانت شدتهم من رحمتهم فقد امتطوا صهوة العزة بموعود الله وموعود رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففتحوا الشرق والغرب بسلاح المعرفة والعلم، يستعينون بالعمل على نشر القيم، لأن كل علم لا يجد الخلق ثمرته في واقعهم كان محض افتراء، يتسابقون إلى فعل الخيرات رغبا ورهبا، سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور.

ألا أيها الحالم الوسنان فاز السابقون بالقرب والصحبة المباركة فاقتبسوا من معين النبوة نورا مشوا به في الناس فغدا الوجود ضياء ونورا  ببركة صحبتهم للخيرين، فاربأ بنفسك ساعة واحملها على عزائم الأمور فإنما فسادها في طاعتها، ونجاتها في مخالفتها، تجد اللذة ومنتهاها المر العلقم، فأي نعيم يحلو بعد أن سلمت العنان لنفسك تركض ركض الوحيش في دنياك على حساب آخرتك- وإياك أعني يا جارة السوء- ما سبق القوم إلا بصدق نواياهم مع خالقهم الذي يعلم السر وأخفى، فكان الصدق طبعهم وطبيعتهم بلا مواربة ولا تصنع، فإن من صدق الله صدقه الله وكفاه واغناه، ود الواحد منا في زمن الغربة لو يفتدي بولده ووالده وما يملك، بلحظة مع الذين كانت المروءة عنوانهم، باعوا الدنيا واشتروا الآخرة، هم أرحم الناس بالناس لا يردون الإساءة إلا بالصفح والغفران، والقطيعة بالوصل، يعطون من منعهم، ويح نفسك غاصت إلى الركب في وحل ودنس الدنيا، وتوهم نفسك أنك الصائم القائم وفي قلبك حب ظهور مقيت وحب استعلاء وتكبر على خلق الله، اصحب من صحب تنل البغية والطلب، فالصاحب ساحب، لا يكرم الله عبدا بمقدار ما أكرم به أصفياؤه بصحبة تدل على الله.  

وسوم: العدد 819