خواطر من الكون المجاور.. الخاطرة 115 : حقيقة التقويم الشمسي

رغم أن جميع بلدان العالم اليوم مدنيا تستخدم التقويم الشمسي ( الميلادي ) ولكن قليل من الناس يعلمون ما مر على هذا التقويم من تغيرات ليصل إلى شكله الحالي. فهذا التقويم وحسب أسماء اﻷشهر فيه في اﻷصل كان يستخدم في الدولة الرومانية وفي شكله البدائي كان يعتمد على التقويم القمري وكان يتألف من عشرة أشهر ، فكما هو معروف أن العام القمري يحوي 355 يوم ، وبسبب كون العام الشمسي أكبر من العام القمري ب11 يوم كان يضاف إلى العام الثاني شهر إضافي يتألف من 22 أو 23 يوم ، فكان العام مرة يتألف من 355 يوم ومرة أخرى من 377 أو 378 يوم. ولكن في عام 44 قبل الميلاد وعندما إحتل يوليوس قيصر مصر ، رأى تفوق المصريين بجميع العلوم وخاصة علم الفلك فطلب من الفلكي اﻹسكندراني سوسينجيو بتصحيح التقويم الذي تعتمده الدولة الرومانية ،فأصبح العام في التقويم الروماني بعد تعديله يتألف من 12 شهر حيث الشهر الفردي يتألف من 31 يوم والزوجي من 30 يوم ، وﻷن العام يتألف 365 وربع ، لذلك تكون هناك سنة كبيسة كل أربع سنوات تتألف من 366 يوما. وسمي هذا التقويم الجديد بالتقويم اليولياني نسبة ﻹسم القيصر يوليوس.

في ذلك الوقت كان تقويم اﻹمبراطورية الرومانية يعتمد على عام إنشاء مدينة روما ، فعندما قام القيصر يوليوس بتعديل هذا التقويم من قمري إلى ميلادي كان عام 709 من تأسيس مدينة روما ، ولكن في عام 1285 من تأسيس روما ،حيث كانت اﻹمبراطورية الرومانية قد تحولت إلى دولة مسيحية طلب الراهب ديونيسيوس أن يكون عام ميلاد المسيح هو بداية هذا التقويم بدلا من عام تأسيس مدينة روما ، وهكذا بدلا من عام 1285 أصبح عام 532. حيث عام تأسيس مدينة روما يقع في 753 قبل الميلاد.

وعلى هذا النحو إستمر إستخدام هذا التقويم حتى عام 1582 ، في ذلك العام رأى البابا غريغوري الثالث عشر أن بداية الفصول بدأت تأتي قبل أوانها ، وبما أن عيد الفصح عند المسيحيين مرتبط باﻹعتدال الربيعي فكان موعد هذا العيد مع مرور السنوات ينحرف أكثر عن موعده المحدد ، و هذا اﻹنحراف كان سببه أن العام الشمسي في التقويم اليولياني يتألف من 365 يوما و6 ساعات ، ولكن الحقيقة أن العام الشمسي بشكل دقيق يتألف من 365 يوما و 5 ساعات و48 دقيقة و12 ثانية ) فهناك فرق يعادل 0،002 بينهما ، وهذا يجعل ظهور فرق يوم واحد كل 128 عام. لذلك قرر البابا غريغوري الثالث عشر تعديل هذا الخطأ ، وهكذا تم طرح 11 يوم من ذلك العام ، فنام الناس في أيطاليا يوم الخميس 4 أكتوبر ( تشرين اﻷول ) وإستيقظوا يوم الجمعة 15 أكتوبر. وسمي هذا التقويم الجديد بالتقويم الغريغوري نسبة إلى البابا غريوري الثالث عشر.

هذا التعديل حدث في ذلك العام فقط في إيطاليا وبولونيا وإسبانيا والبرتغال كونها تتبع المذهب الكاثوليكي ، ولكن المذاهب المسيحية اﻷخرى رفضت تعديل تقويمها ، الدول ذات المذهب البرتستانتي وعلى رأسها الامبراطورية البريطانية أضطرت إلى تعديل تقويمها في عام 1752 فنام الشعب البريطاني ليلة 2 سبتمبر (ايلول ) وإستيقظ 14 سبتمبر ، بينما بلاد السويد فقد حدث تعديل تقويم بلادهم في عام 1753 حيث نام الناس هناك في 17 فبراير ( شباط ) وإستيقظ يوم 1مارس (آذار).

الكنيسة اﻷورثوذكسية رفضت تعديل تقويمها وتحويله من يولياني إلى الغريغوري ﻷكثر من ثلاثة قرون ، ولكن في عام 1895 أراد بطريك أنثيموس السادس كبير رجال الكنيسة اﻷورثوذكسية في إسطنبول أن يكون لجميع الشعوب المسيحية تقويم واحد ، وفي عام 1902 أرسل البطريك الذي إستلم من بعده رسالة إلى جميع الكنائس اﻷورثوذكسية للبحث في موضوع تغيير تقويمهم إلى التقويم الغريغوري ، ومن خلال الدراسة التي قامت بها اللجنة المشكلة التي قامت عام 1919 وجدت أن تعديل التقويم لا يؤثر نهائيا على الطقوس الدينية. ولكن رغم ذلك رفض بعض اﻷساقفة اﻷرثوذوكس تعديل تقويمهم ، في اليونان في عام 1923 من ليلة 16 فبراير ( شباط ) تحول في اليوم التالي إلى 1 مارس (آذار ) .

رغم أن جميع حكومات دول المسيحية اليوم تستخدم التقويم الغريغوري ، ولكن توجد بعض الكنائس لا تزال تستخدم التقويم القديم في تعيين اﻷيام المقدسة واﻷعياد الدينية ، لذلك نجد أن بعض الكنائس تحتفل بعيد الميلاد في يوم 25 ديسمبر (كانون اﻷول ) بينما كنائس أخرى في ( روسيا وأرمينيا ومناطق أخرى . .) تحتفل بعيد الميلاد في 7 يناير (كانون الثاني ) وهذا اﻹختلاف سببه وجود فرق 13 يوما بين التقويمين ، وهذا الفرق سيزداد كل 100 عام بمقدار يوم واحد ، فسنجد أن عيد الميلاد عندهم بدلا من 7 يناير سيصبح 8 يناير ثم 9يناير وهكذا ، وذلك ﻷن الكنيسة تعتمد على التقويم اليولياني القديم أما حكومة البلد نفسها فتعتمد على التقويم الغريغوري الذي تتبعه معظم دول العالم اليوم.

التقويم الغريغوري هو أدق تقويم في تحديد مكان الكرة اﻷرضية عن الشمس والتي عليها تعتمد تحديد الفصول اﻷربعة ، فكما ذكرنا التقويم اليولياني نسبة الخطأ فيه هي يوم واحد في كل 128 سنة ، أما نسبة الخطأ في التقويم الغريغوري فهي يوم واحد كل 3320 سنة. ولهذا السبب تستخدمه حكومات جميع دول العالم ، وهو يعتبر أصلح تقويم ﻹدارة اﻷمور اﻹقتصادية والمدنية أو بكلام آخر إدارة الناحية المادية للمجتمع ، لذلك نجد أن جميع الشعوب اﻵسيوية تستخدم إلى جانب التقويم الغريغوري تقويمها الخاص ، وجميع هذه التقاويم تهتم في الناحية الروحية للمجتمع ، لذلك نجد أنه حتى الكنيسة المسيحية نفسها معظمها يستخدم التقويم القمري في تحديد عيد الفصح ، وما أقصده هنا هو ضرورة وجود نوعين من التقاويم مادي وروحي يساعد كل واحد اﻵخر في إدارة الناحية الروحية والناحية المادية للمجتمع.

وسوم: العدد 701