خواطر من الكون المجاور..الخاطرة 121 : فلسفة الألوان وتعبيرها الروحي

في عام 1830 إستخدمت شركة السكك الحديدية البريطانية ﻷول المرة الألوان كإشارات مرور لتنبه السائق بالتوقف أو باﻹستمرار في متابعة سيره ، حيث إستخدمت اللون اﻷحمر كإشارة لها معنى (وقوف ) والضوء اﻷبيض كإشارة لها معنى ( حركة ) ، وإختيار هذا اللون لم يكن صدفة ولكن حسب تأثير اللون على نفسية اﻹنسان ، فاللون اﻷحمر هو لون الدم و يحمل في داخله معنى الخطر ، وبالإضافة إلى ذلك تعتبر موجات الضوء اﻷحمر هي أطول الموجات الضوئية التي يمكن رؤيتها عن بعد أكثر من بقية الألوان. فطول موجة الضوء تحدد طول مسافة إمكانية رؤيته. فكما هو معروف في أيام زمن الحروب كان زجاج نوافذ المنازل والمحلات تلون باللون اﻷزرق ﻷن موجاته هي أقصر موجات الضوء لذلك لا تستطيع أن تراه أعين طياري الطائرات المعادية. ولهذا السبب لا يستخدم اللون اﻷزرق على اﻹطلاق في إشارات المرور.

فيما بعد تبين أن إستخدام الضوء اﻷبيض قد أحدث مشاكل عديدة حيث بعض اﻷحيان كانت تنعكس عليه أضواء من أماكن مختلفة تجعله يبدو من بعيد بلون مختلف ، ففي عام 1914 وقعت عليه أشعة ضوئية حمراء من مكان قريب فبدا من بعيد أن ضوء إشارة المرور البيضاء وكأنها حمراء فحدث إصطدام بين قطارين مما دفع شركة السكك الحديدية إلى تغير لون ضوء إشارة ( الحركة ) من اللون اﻷبيض إلى اللون اﻷخضر . حيث أن اللون اﻷخضر أيضا يمكن رؤيته من بعيد بشكل أفضل من اللون اﻷبيض.

وبعد دراسات أخرى وصلت ألوان إشارات المرور الضوئية إلى شكلها الحالي ، حيث أصبحت كما يلي : في أعلى لوحة إشارة المرور تم وضع اللون اﻷحمر ويعني ( الوقوف ) ، تحته في الترتيب يأتي اللون البرتقالي ويعني ( اﻹنتباه والتهيء ) وفي اﻷسفل تم وضع اللون اﻷخضر ويعني ( الحركة واﻷمان ) .

نرى يوميا ألوان إشارات المرور ولضمان سلامة أنفسنا نتقيد بها في طريقنا سواء كنا نقود سيارة أو دراجة أو نمشي على اﻷقدام ، ومع ذلك لم نعطيها أهمية كبيرة في تفكيرنا ، وقد نظن بأن هذه المعاني التي نفهمها من ألوان لوحة إشارة المرور هي معاني وضعت بالصدفة دون إي إعتماد على قاعدة علمية ، وأننا نفهم معنى هذه اﻷلوان ﻷنهم فرضوها علينا ، ولكن في الحقيقة أن سبب إستخدام الوان في تحديد سيرنا في الطريق حسب أوامر الألوان هو أعمق بكثير مما نتصوره،ويمكن أن نقول بأنه فكرة إستخدام اﻷلوان كإشارات مرور هي فكرة أتت عن طريق وحي إلهي ، ﻷن اﻷلوان في الحقيقة هي ألف باء تكويننا الروحي وهي التي تحدد جهة طريق مسيرنا الروحي سواء كأفراد أو كشعب أو كإنسانية جمعاء أو ككون بأكمله كما تقول اﻵية القرآنية 35 من سورة النور ( الله نور السموات واﻷرض. .......) والنور يظهر على شكل ألوان وهي التي تساعدنا على فهم ما يوجد وما يحدث حولنا.

عالم اﻷلوان عالم قائم بذاته ، فقد يبدو لنا من خلال نظرة سطحية بأننا نعيش في عالم أساسه يتكون من ذرات عناصر مادية مختلفة كالهيدروجين واﻷكسجين والحديد و الكربون. ...وغيرها، وأننا نتكون من هذه العناصر الكيميائية وأن وجودنا وسلوكنا ومصيرنا مرتبط بهذا العالم المادي فقط، ولكن إذا تعمقنا في الرؤية سنجد أننا في الحقيقة نعيش في عالم يتألف من ألوان مختلفة حيث هذه اﻷلوان هي التي تؤلف عناصر العالم الذي يوجد حولنا وكذلك هي التي تحدد النوعية الحقيقية لتكويننا وأقصد هنا تكويننا الروحي وليس المادي ، وهذا هو ما يهمنا كبشر ، فاﻹنسان يختلف عن الكائنات الحية اﻷخرى كونه كائن روحي يحوي في داخله جزء من روح الله تلك الروح التي نفخها الله في آدم أبو البشرية ، هذه الروح التي جعلت من اﻹنسان كائنا مبدعا إستطاع إكتشاف العلوم وبناء الحضارات.كما تذكر اﻵية التي ذكرناها أعلاه ( الله نور السماوات واﻷرض. ...) فالألوان هي النور والنور هو كل شيء وبدونه يختفي كل شيء.

العالم يتألف من ألوان واﻷلوان هي التعبير الروحي للعناصر الكيميائية التي تتكون منها المادة التي تدخل في تركيب كل شيء في هذا الكون.

يتكون الكون من ضوء وظلام ، الضوء ( الضوء اﻷبيض ) يتألف من ثلاثة ألوان رئيسية وهي ( اﻷزرق واﻷخضر واﻷحمر ) فإذا وجهنا حزمة من الضوء اﻷبيض نحو موشور ثلاثي زجاجي سنجد حزمة الضوء اﻷبيض تتحلل إلى هذه اﻷلوان الرئيسية ، وذلك حسب طول موجة كل لون فنجد في اﻷعلى تظهر حزمة من الضوء اﻷحمر وفي الوسط حزمة من الضوء اﻷخضر وفي اﻷسفل حزمة من الضوء اﻷزرق ، وبين هذه اﻷلوان سنجد حزم من اﻷلوان الناتجة عن إتحاد لونين من هذه اﻷلوان الثلاثة ، فمن إتحاد هذه اﻷلوان الثلاثة يمكن صنع جميع اﻷلوان اﻷخرى التي نراها من حولنا.

ليس من الصدفة أن ألوان الكرة اﻷرضية بشكل عام تتألف من هذه اﻷلوان الرئيسية الثلاثة وتوجد أيضا بنفس الترتيب ، فمركز اﻷرض يعتبر جمرة من المعادن المنصهرة فعندما يحدث بركان نجد هذه المواد المنصهرة تخرج على شكل كتلة سائلة بلون أحمر ، أما سطح اليابسة فنجد أنه تغطيه الأشجار واﻷعشاب فتعطيه اللون اﻷخضر ، وفي اﻷعلى نجد السماء في النهار تأخذ اللون الثالث وهو اللون اﻷزرق. فظهور هذه اﻷلوان بهذا ترتيب يؤكد لنا على أن خلق اﻷرض لم يحدث صدفة ولكن ضمن خطة معينة حيث فهم معاني هذه الألوان وعلاقتها مع بعضها البعض يساعدنا على فهم الحكمة اﻹلهية في هذه الخطة.

الروح هي أصل كل شيء والمادة ليست إلا ذلك الثوب الذي صنعته الروح التي في داخل هذا الثوب لتعبر من خلاله عن نفسها ، فكما للمادة شكل وطبيعة فيزيائية خاصة بها ، فهي أيضا لها اللون الذي يعبر عنها. ومثلما جسدنا يتكون من عناصر مادية ويحتاج إلى نوع من التغذية ليحصل على هذه العناصر التي تمكنه من القيام بالوظائف الحيوية وتركيب البناء الخلوي في الجسم ، على المبدأ نفسه يعتمد تركيبنا الروحي ، فروحنا تتألف من ألوان وهي بحاجة إلى تغذيتها اللونية لتستطيع متابعة مسيرتها الحيوية. ومثلما تلعب العناصر المادية دوراً في تحديد سلوكنا اليومي ، كذلك نوعية اﻷلوان من حولنا تحدد طبيعة سلوكنا الروحي ، وطبيعة شخصيتنا.

مثلا نقص الحديد في التغذية يؤدي إلى صعوبة التنفس واللهاث وشحوب الجلد وآلام في العضلات وصعوبة الحركة وغيرها من اﻷعراض، وكذلك مثلا نقص الأكسجين في الهواء يؤدي إلى الشعور بالصداع وضيق التنفس والتعب والغثيان ثم الغيبوبة والموت. وهكذا بالنسبة لنقص بقية العناصر الكيميائية اﻷخرى ، فلكل نقص عنصر معين له أعراض معينة على جسم اﻹنسان ، والشيء نفسه يحدث بالنسبة للألوان ، رغم اننا لا نعلم السبب الحقيقي لظهور تلك اﻷعراض، ﻷن المسألة هنا تتعلق بأسباب روحية وليس أسباب مادية كما يحصل في الحالة السابقة. .. فمثلا وجود اللون اﻷصفر أو الرمادي في أماكن جلوس الركاب في مختلف وسائل النقل ( سيارة ، قطار ، باخرة ،طائرة ) تؤدي بالركاب إلى اﻹحساس بالدوار والدوخة ، لذلك نجد أن معظم شركات السفر تبتعد عن إستخدام هذه الوان في وسائل نقلها. أيضا وجود اللون اﻷزرق في المطاعم وأدوات الطعام كالصحون والملاعق والشوك يؤدي إلى فقدان الشهية ، ففي أحدى التجارب عندما تم إستخدام الضوء اﻷزرق فقط في اﻹضاءة حيث تحول لون المأكولات إلى أزرق قد أدى باﻷشخاص الذين تناولوا الطعام تحت أشعة الضوء اﻷزرق إلى الشعور بالغثيان والتقيؤ رغم أن اﻷطعمة كانت طازجة ولا تعاني من أي فساد. وقد أثبتت التجارب أيضا أن اللون اﻷحمر يجعل اﻹنسان يشعر بالجوع وتحفزه على السرعة في اﻷكل ، ووضع هذا اللون بكثرة في المطاعم سيجعل زبونه بدلا من أن يشعر بالشبع من وجبة واحدة سيضطر إلى طلب وجبة أخرى.

اﻷلوان كما ذكرنا لها تأثير كبير في حياتنا اليومية لذلك من المهم أن تكون لدينا ثقافة عامة عنها بحيث تمكننا من فهم أهميتها وإستخدامها لتحسين مزاجنا وسلوكنا سواء كان نحو أنفسنا أو نحو اﻵخرين. وهناك أبحاث عديدة قام بها بعض علماء اﻹجتماع وعلماء النفس في دراسة اﻷلوان وتأثيرها على الصحة النفسية والجسدية للإنسان ، ففي ألمانيا يوجد كلية خاصة بدراسة اﻷلوان ،واليوم تستخدم التكنولوجيا في كشف الحقيقة الفيزيائية للألوان وعلاقتها بالطاقة، ولكن رغم ذلك لا يزال علم اﻷلوان يعتبر علم جديد ومعلوماتنا عنه بدائية ، والسبب إن العلماء لا ينظرون إليه كروح ولكن كمادة ، لذلك نجد أن كثير من نتائج اﻷبحاث والتجارب التي تمت في هذا المجال نراها متناقضة فيما بينها وفي بعض اﻷحيان نجد أن النتيجة هي عكس الحقيقة التي يعبر عنها اللون نفسه، ولعل ما يحصل في يوم عيد الحب ( فالنتين ) هو أكبر إثبات على جهل اﻹنسان المعاصر بعلم اﻷلوان.

في عيد الحب ( فالنتين ) نجد أن ملايين من الورد اﻷحمر تباع في هذا اليوم ، حيث أصبحت الوردة الحمراء رمزا لهذا العيد الذي يعبر عن العلاقة بين الرجل والمرأة. فالوردة الحمراء اليوم تستخدم للتعبير عن المحبة التي تربط بين الرجل والمرأة، ولكن في الحقيقة أن اللون اﻷحمر يعتبر لون ناري يرمز إلى العنف والثورة والقوة البدنية ورؤيته بكثرة يزيد التوتر العصبي والعدوانية وحب اﻹنتقام وليس من الصدفة أن الثورة الشيوعية وضعت هذا اللون شعار لها ، فمن المعروف أن أهم مبدأ في الفكر الشيوعية يستند على فكرة عدم وجود الله ، أي بمعنى آخر عدم وجود الروح وأن اﻹنسان هو فقط جسد مادي ، ونحن نعلم أن أرقى اشكال الحب هو الحب العذري الذي يعتمد على العلاقة الروحية بين الحبيب ومحبوبته ، بينما الوردة الحمراء في هذه الحالة تعبر عن العشق الجسدي الذي لا مكان للإحساسات الروحية به. إي هنا لدينا علاقة ذات نوعية حيوانية بين الرجل والمرأة هدفها إشباع الشهوة الجنسية لا أكثر ولا أقل . وإذا تمعنا جيدا في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة كما وصلت إليها في المجتمعات الغربية التي تحتفل بعيد الحب ( فالنتين ) وكأنه عيد ديني رسمي ،لتأكدنا أن طبيعة هذه العلاقة قد أصبحت مشابهة تماما للتعبير الروحي للون اﻷحمر ، فالعلاقة هناك لا تدوم سوى فترة قصيرة والسبب في ذلك هو إعتمادها على السعادة الجسدية فقط. فما يحصل اليوم في المجتمعات الغربية ليس إلا صورة مطابقة تماما لما حدث في الجنة ، حيث ثمرة الخطيئة التي كانت السبب في طرد اﻹنسان من الجنة هي ثمرة التفاح اﻷحمر، والتي تحولت اليوم إلى وردة حمراء.

إذا بحثنا اليوم في معاني اﻷلوان كما يتم طرحها في الكتب و صفحات النت سنجد كما ذكرنا تناقضات كثيرة لا تسمح للقارئ أن يأخذ صورة واضحة عن حقيقة كل لون على حدى ، وعلاقة كل لون مع اﻷلوان اﻷخرى وتناغمها مع بعضها البعض، وكذلك علاقة اﻷلوان بشكل خاص مع نفسية اﻹنسان وتأثيرها على سلوكه بشكل خاص وعلى تطور اﻹنسانية بأكملها بشكل عام منذ ولادتها وحتى اﻵن.

وﻷن موضوع فلسفة اﻷلوان موضوع طويل وشيق لذلك قسمته إلى عدة أقسام لنستطيع أن نوضح عن التعبير الروحي لكل لون بشكل مفصل بحيث نعطي كل لون حقه ليتم فهم نوعية تأثيره على الصحة النفسية والجسدية للإنسان.

فشخصية كل إنسان يعبر عنها لون معين..... ." قل لي ما هو لونك المفضل أقول لك من أنت. "....... يتبع في الأسبوع القادم إن شاءالله

وسوم: العدد 708