الخاطرة 123 : فلسفة اللون اﻷحمر

خواطر من الكون المجاور 

كل شيء موجود حولنا من قريب أو بعيد له علاقة باﻹنسان ، سواء كانت هذه العلاقة مباشرة نشعر بها أو غير مباشرة لا نشعر بها نهائيا على اﻹطلاق ،وما سنذكره هنا عن اللون اﻷحمر هو نظرة فلسفية شاملة تشرح الحكمة اﻹلهية في خلق اللون اﻷحمر وعلاقته بالتكوين الروحي والمادي للإنسان. 

اللون اﻷحمر هو رمز المذكر أي الرجل ، وكما أن دور الرجل في العائلة هو تأمين الحاجات المادية ﻷفرادها وكذلك تأمين حمايتهم ، هكذا أيضا هو سبب وجود اللون اﻷحمر من حولنا فدوره الحقيقي هو تأمين حاجة اﻹنسان التي تتعلق فقط في اﻷمور المادية والدفاع عن النفس وعن اﻵخرين ، لذلك حتى نستطيع أن نأخذ فكرة عامة عن معاني اللون اﻷحمر وتأثيراته في نفسية وسلوك اﻹنسان يكفي أن نضع في ذهننا طبيعة الصفات الشخصية التي يتميز بها الرجل ، والتي تجعله مختلف نهائيا عن المرأة.

قد يتساءل البعض هنا بأن من العادة أن الطفل المذكر عند ولادته أهله يلبسونه ثيابا بلون أزرق كدليل على جنس المولود ، بينما المولود المؤنث تكون ثيابه زهرية أي مصدرها من اللون اﻷحمر. 

هذه العادة صحيحة ولكن تفسيرها خاطئ ، فالمولود هنا يرتدي اللون المكمل له ليأخذ صفة الكائن الكامل ، فرمز المذكر هو اللون اﻷحمر لذلك تكون ثيابه زرقاء ﻷن اللون اﻷزرق يعتبر لون مكمل للون اﻷحمر حيث اللون اﻷحمر يعتبر رمز المادة أما اﻷزرق فرمز الروح ، بينما في حالة المولود المؤنث الذي لونه الحقيقي هو اﻷزرق لذلك تكون ثيابه بلون الزهري والمقصود هنا اللون اﻷحمر ولكن بشكله اللطيف ليكمل اللون اﻷزرق ، وهكذا في كلا الحالتين كل طفل بثيابه التي تحمل اللون المكمل للونه الحقيقي يتحول رمزيا إلى كائن كامل والذي هو الهدف الذي يجب على كل إنسان في حياته أن يسعى إلى تحقيقه. 

الحكمة اﻹلهية وضعت اللون اﻷحمر ليكون لون الطبقة التي تقع تحت القشرة اﻷرضية والتي تسمى الوشاح حيث نرى جزء منها يخرج من فوهات البراكين لتسيل على سطح اﻷرض بلونها اﻷحمر والمعروفة بإسم ( لافا ) ، ليعلم اﻹنسان أن وجود اللون اﻷحمر في ذلك المكان ليس صدفة ولكن ليكون رمز للمادة. أما السماء والتي تأخذ اللون اﻷزرق فوجوده هناك ليأخذ رمز الروح. 

حتى نفهم طبيعة اللون اﻷحمر وطريقة تأثيره على نفسية اﻹنسان لا بد أن نعلم أن موجات اللون اﻷحمر هي اﻷطول بين جميع اﻷلوان اﻷخرى وهذا ما يعطيه تلك المميزات التي سنتحدث عنها. 

اللون اﻷحمر يعتبر لون صارخ. لذلك وجوده بين اﻷلوان اﻷخرى يجعله يبرز أولا في عين الناظر ، فإذا نظرنا مثلا إلى صورة فيها عدة أشكال بألوان مختلفة ، فإن الشكل الذي يحمل اللون اﻷحمر سيبدو لنا في البداية وكأنه أقرب إلينا من بقية اﻷشكال التي تحمل اﻷلوان اﻷخرى وسنجد أنفسنا نحول بنظرنا نحوه لنراه هو أولا من بقية الألوان. 

هذه الميزة هي التي جعلت اللون اﻷحمر أن يستخدم في إشارات المرور فعدا أنه يجذب إليه نظر السائق ويجبره على رؤية الإشارة، فاللون اﻷحمر أيضا هو لون الدم ويحمل في داخله معنى الخطر والتحذير ، فعند رؤية السائق للإشارة الحمراء يستيقظ من سهوته وتزيد درجة إنتباهه وتجبره على التقيد بتعاليم اﻹشارة التي رآها. 

يعتبر اللون اﻷحمر بشكل عام لون غني بالطاقة لذلك فهو يعتبر منشط جسدي ، ويختلف هذا التأثير حسب الشيء المؤثر الذي يحمل اللون اﻷحمر. فاللون اﻷحمر يفتح الشهية ويجعل اﻹنسان يأكل بشراهة ، لذلك فكثير من المطاعم وخاصة المعروفة بالفاست فود تستخدم اللون اﻷحمر من أجل هذا الهدف ، فنجد قسما من جدرانها أو أعمدتها أو لون الطاولات أو المقاعد فيها يحمل اللون اﻷحمر ، ﻷن اللون اﻷحمر ينشط الغدد اللعابية فيجعل الزبون يأكل كميات أكبر وبسرعة كبيرة لذلك يحقق اللون اﻷحمر ﻷصحاب هذه المطاعم أرباح أكثر ﻷن زبائنه يأكلون كميات أكبر، وكون اللون اﻷحمر مرهق للعين ومثير للأعصاب عند رؤيته لفترة طويلة فزبائن مثل هذه المطاعم يشعرون بالحاجة لمغادرة المطعم فور إنتهائهم من وجبتهم مما يتيح هذا التصرف أماكن شاغرة بشكل دائم للزبائن الجدد.

اللون اﻷحمر يعطي اﻹنسان الشعور بالحرارة ، فمثلا شرب القهوة في فنجان أحمر سيجعل القهوة تبدو وكأنها أسخن من القهوة الموجود في فنجان بلون أزرق ، أما بالنسبة للشاي فنجد أن الكثير يفضل شرب الشاي في كأس زجاجي شفاف ليأخذ الكأس لون الشاي نفسه والذي يعتبر قريبا من اللون اﻷحمر.

رؤية اللون اﻷحمر أيضا يزيد الضغط الشرياني ويسرع من نبض القلب فيقوم بالتحفيز على القيام بعمل ما ، لذلك عندما تحدث حادثة ونرى الشخص المصاب ينزف الدم منه ،فإن لون الدم اﻷحمر يجعلنا نكتسب فجأة نشاطا مفرط مما يجعلنا نطلب اﻹسعاف ونسرع إلى المصاب لنقوم بمساعدته باﻹسعافات اﻷولية التي نعلمها حتى تأتي سيارة اﻹسعاف والمتخصصين ليقوموا بواجبهم نحوه ونقله إلى المستشفى. 

رؤية اللون اﻷحمر تمد اﻹنسان بالطاقة حيث يزيد من إفراز هرمون اﻷدرينالين فيصبح اﻹنسان أكثر حيوية للقيام باﻷعمال التي تحتاج قوة جسدية كالألعاب الرياضية واﻷعمال التي تحتاج مجهود عضلي ، وهو كذلك يساعد في إكتساب شجاعة أكبر لتحدي المصاعب واﻷخطار والصراع من أجل البقاء . لذلك كثير من الثورات كانت تأخذ شعارات تحمل اللون اﻷحمر لتهيج الثوار ليناضلوا ضد اﻷعداء بكل ما عندهم من قوة . وليس من الصدفة أن كوكب المريخ الذي يسمى أيضا الكوكب اﻷحمر رمزه في اﻷساطير إله العنف والحروب.

المتخصصون بعلم اﻷلوان يعتبرون اللون اﻷحمر بأنه رمز اﻹنتماء لذلك فهم يستخدمونه في معالجة المغتربين الذين يشعرون بالوحدة لتعديل هذا الشعور ، وحسب رأيي إن اللون اﻷحمر هو لون مادي ولا علاقة له بشعور اﻹنتماء ، وهو يساعد المصابين

 بالشعور بالوحدة ليس ﻷنه ينمي عندهم الشعور باﻹنتماء فهذا الشعور هو شعور روحي وليس مادي ولكن كون اللون اﻷحمر لون منشط للجسد لذلك يساعد المصاب بالشعور بالوحدة والكآبة بأن يأخذ بعض الحيوية ليكتسب الشجاعة ليندمج مع اﻵخرين ، أي أن اللون اﻷحمر هنا يقوي به الشعور باللامبالاة ليفعل الشخص المصاب بالوحدة ما يشاء ، فأهم أسباب الشعور بالوحدة والكآبة هو الخوف من آراء اﻵخرين. وهنا يأتي اللون الأحمر ويحطم هذا الشعور بالخوف ويحرر صاحبه من تلك القيود التي كانت تمنعه بالتصرف كما يشاء.

اللون اﻷحمر يدفع اﻹنسان إلى إتخاذ قرارات سريعة بدون تفكير وتحليل ، لذلك كازينوهات الميسر والقمار وألعاب الحظ تستخدم اللون اﻷحمر بكثرة في جدرانها وألوان ألعابها ، لتجعل زبائنها يلعبون بسرعة بدون أي تفكير سواء في أسلوب اللعب أو بمقدار المبلغ الملعوب. وطالما أن اللون اﻷحمر أيضا هو منشط جسدي فهذا الشعور يزيد ثقة لاعب القمار في نفسه أكثر فيدفعه في اﻹستمرار في المجازفة رغم أنه يعلم أنه يخسر بإستمرار ظانا نفسه أن سيربح ويعوض جميع خسائره.

وأيضا المحلات التجارية تستخدم اللون اﻷحمر في دعاياتها فتضع لوحات في المحلات بلون أحمر مكتوب عليها بما معناه ( فرصة لا تعوض ) فيراها الزبون وطالما أن اللون اﻷحمر يثير اﻷعصاب ولا يسمح للعقل في التفكير والتحليل في ثمنها فيظن أنها فعلا فرصة لا تعوض فيذهب ويشتري البضاعة التي تم اﻹعلان عنها في لوحة الدعاية رغم أنه لم يكن بحاجة إليها. 

اللون اﻷحمر كما ذكرنا يعتبر منشط جسدي ، لذلك فإن وجود هذا اللون على أشياء لها علاقة بالجنس اﻵخر يتحول هذا اللون إلى لون مثير للشهوة الجنسية عند الرجال ، فالمرأة عندما ترتدي ثوب لونه أحمر ، فطالما أنه لون صارخ سيجبر أعين الموجودين حولها نحوها ، مما سيجعلها تبدو للرجال وكأنها تناديهم ، وطالما أن اللون الاحمر يعمل على زيادة معدل نبضات القلب وبنفس الوقت يعمل على إضعاف التفكير العقلي في اﻹنسان فهذه اﻹثارة وهذا الإضعاف في التفكير والتحليل سيحول الرجال من حولها إلى كائنات تسيطر عليهم غرائزهم الحيوانية وليس عواطفهم السامية ، لذلك ستصبح هذه المرأة ذات الثوب اﻷحمر في نظرهم وكأنها إمرأة لعوبة هدفها المتعة الجسدية. لذلك عادة هذه المرأة تثير الحقد عليها من بقية النساء ﻷنها تستخدم طرق قذرة في السيطرة على قلوب الرجال ،وليس من الصدفة أن اللون اﻷحمر يستخدم بشكل خاص في دور الدعارة ، حيث تسمى هذه اﻷماكن (دور اﻷضواء الحمراء ) وليس من الصدفة أيضا أن السهرات التي يتم فيها الممارسات الجنسية ب ( الليالي الحمراء ) .

فاللون اﻷحمر هنا يصبح لون مثير للشهوة الجنسية عندما ترتديه إمرأة ، أما عندما يرتدي الرجل اللون اﻷحمر فهنا يخسر اللون مفعوله الجنسي ، ﻷن تأثير هذا اللون على النساء يختلف عن تأثيره على الرجال.

اللون اﻷحمر هو لون ثوب الزفاف في شعوب شرق آسيا ، هنا اﻷمر يختلف قليلا عن الحالة السابقة ، فمثلا الشعب الهندي يعتبر بشكل عام شعب عاطفي ، والمرأة هناك لها مكانتها العاطفية في قلب الرجل ، لذلك عندما ترتدي العروس هناك ثوب زفافها اﻷحمر يأخذ هذا اللون هنا لون العشق ، أي تنتقل العلاقة بين الرجل والمرأة من علاقة حب ( إتحاد روحي ) إلى علاقة عشق ( إتحاد روحي وجسدي ) .

في عيد الحب ( فالنتين ) نجد أن الملايين من الورد اﻷحمر يباع في هذا اليوم ، حيث أصبحت الوردة الحمراء رمزا لهذا العيد الذي يعبر عن العلاقة بين الرجل والمرأة. فالوردة الحمراء اليوم تستخدم للتعبير عن المحبة التي تربط بين الرجل والمرأة، ولكن في الحقيقة أن اللون اﻷحمر كما ذكرنا يعتبر لون يرمز إلى الشهوة الجسدية والعنف والثورة والقوة البدنية ورؤيته بكثرة يزيد التوتر العصبي ، ونحن نعلم أن أرقى اشكال الحب هو الحب العذري الذي يعتمد على العلاقة الروحية بين الحبيب ومحبوبته ، بينما اللون اﻷحمر يعتبر منشط جسدي والوردة الحمراء في هذه الحالة تعبر عن العشق الجسدي الذي لا مكان للإحساسات الروحية به. إي هنا العلاقة بين الرجل والمرأة هدفها إشباع الشهوة الجنسية لا أكثر ولا أقل . وإذا تمعنا جيدا في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة كما وصلت إليها في المجتمعات الغربية التي تحتفل بعيد الحب ( فالنتين ) ،لتأكدنا أن طبيعة هذه العلاقة قد أصبحت مشابهة تماما للتعبير الروحي للون اﻷحمر ، فالعلاقة هناك لا تدوم سوى فترة قصيرة والسبب في ذلك هو إعتمادها على السعادة الجسدية فقط. فما يحصل اليوم في المجتمعات الغربية ليس إلا صورة مطابقة تماما لما حدث في الجنة ، حيث ثمرة الخطيئة التي كانت السبب في طرد اﻹنسان من الجنة هي ثمرة التفاح اﻷحمر، والتي تحولت اليوم إلى وردة حمراء.

اللون اﻷحمر يزيد من درجة اﻹنفعال ومثير للأعصاب ويسرع من نبضات القلب لذلك لا يفضل إستخدامه بكثرة في ديكور المنازل وخاصة في غرف اﻷطفال فوجوده في غرف اﻷطفال يؤدي إلى اﻷرق وصعوبة النوم ، وهو يسبب أيضا عدم القدرة على التركيز ويقلل من مستوى اﻹستيعاب والفهم عند الطفل ، عدا أن كثرته في غرف اﻷطفال وأماكن لعبهم قد يؤدي إلى تنمية سلوكهم العدواني وحب العنف واﻹنتقام والمشاجرة مع اﻵخرين . لذلك يفضل أن يستخدم اللون البرتقالي أو اﻷصفر كلون منشط للأطفال بدلا من اللون اﻷحمر ،فهذه اﻷلوان تساعد في تنشيط خلايا المخ أيضا وتزيد من مقدرة التركيز ومستوى اﻹستيعاب. 

اللون الاحمر يمكن إستخدامه فقط في حالات خاصة عندما يكون الطفل يعاني من الشعور بالوحدة والكآبة ، وفي هذه الحالة أيضا يفضل أن تدخل الألوان المنشطة اﻷخرى كالبرتقالي واﻷصفر في مساعدة اللون اﻷحمر. 

إذا تمعنا جيدا في صفات عصرنا الحديث سنجد أن أفضل لون يستحق أن يكون رمزا لعصرنا الحديث هو اللون اﻷحمر ، فعصرنا الحاضر يتميز بحب العنف والعدوانية وحب الذات واﻹنحطاط الروحي واﻹباحة الجنسية هذه الصفات التي جعلت من قرن العشرين أن يكتب عنه في صفحات التاريخ ( لم تعرف اﻹنسانية وحشية أكثر من وحشية قرن العشرين ) هذه الصفات جميعها مشابهة لصفات تأثير اللون اﻷحمر عندما يأخذ شكله السلبي في تأثيره على حياة اﻹنسان. لذلك حسب رأيي من اﻷفضل أن نبتعد عن هذا اللون ونقلل من إستخدامه في جميع مجالات الحياة ، فيكفي أن كل شيء من حول أطفالنا يدفعهم إلى حب العنف واﻷنانية ، لذلك حتى نستطيع دفعهم إلى عكس ذلك يجب إستخدام اﻷلوان اﻷخرى بشكل أكبر لنعدل من سلوكهم ونضعهم في عالم فيه توازن روحي وجسدي.

وسوم: العدد 710