الخاطرة 122 : اﻷلوان الروحية واﻷلوان المادية

خواطر من الكون المجاور 

عندما تسقط اﻷشعة الضوئية على جسم معين ،يمتص هذا الجسم بعض هذه الأشعة ويعكس بعضها ، والعين ترى فقط تلك اﻷشعة المعكوسة ، فعندما تسقط أشعة الشمس مثلا على ثمرة التفاحة الحمراء فإنها تمتص جميع اﻷشعة الملونة وتعكس فقط اﻷشعة ذات اللون اﻷحمر عندها ترى العين هذه اﻷشعة الحمراء الصادرة من التفاحة فنقول بأن لون التفاحة أحمر. أي أن التفاحة نفسها من خلال إمتصاصها لنوع معين من اﻷلوان لتعكس لون محدد ( اﻷحمر ) ليعطيها هذا اللون اﻷحمر فهي هنا عبرت روحيا عن ذاتها بهذه الطريقة . بمعنى آخر إن وجود كل جسم بلون معين ليس صدفة ولكن هي طريقة يعبر فيها الجسم عن نفسه. لذلك تعتبر اﻷلوان لغة تستخدمها الطبيعة في التعبير عن العناصر التي تتألف منها ، وتعتبر اﻷلوان بشكل عام أحرف أبجدية البيئة الروحية التي تستخدمها الطبيعة لتعبر بها عن نفسها. 

اﻷلوان مثل الآثار التاريخية ، فحتى يستطيع الشيء اﻷثري أن يعبر عن نفسه بشكل مطلق يجب دراسته في المكان الذي وجد به ، ﻷن دراسته بدون معرفة مكان وجوده اﻷصلي قد يحوله إلى قطعة فقيرة المعنى. هكذا أيضا هي الألوان ، فالمعنى الحقيقي للون معين يتوقف بشكل كبير عند دراسته مع الجسم الذي يحمل هذا اللون ، فللأسف نرى معظم المختصين بعلم اﻷلوان يقولون بأن اللون الفلاني يعني كذا ، وكأن اللون نفسه له معنى واحد في جميع أماكن ظهوره ، وهذا خطأ ، لذلك إذا بحثنا في المقالات التي تتكلم عن اﻷلوان ، سنجد أن لون ما يعني كذا وكذا ،كذا. .... وسنلاحظ فيها وجود تعارض كبير في معاني اللون نفسه وتأثيراته دون فهم أسباب هذه اﻹختلافات وهذه التناقضات. 

لكل لون إيجابياته ولكل لون أيضا سلبياته وذلك حسب مكان وجوده وطريقة إستخدامه فشعورنا أثناء رؤيتنا اللون اﻷحمر في ثمرة البندورة ( الطماطم ) مثلا يختلف عن شعورنا عند رؤية اللون اﻷحمر في إشارة المرور، رغم أن اللون المرئي هو نفسه في كلا الحالتين وهو اللون اﻷحمر ، وحتى نفهم بشكل أوضح سبب وجود هذه التناقضات في فهم لغة اﻷلوان لا بد هنا أن نشرح إختلاف نوعية اﻷلوان ، فالألوان ليست من نوع واحد ولكن هناك نوعين من اﻷلوان ، الوان ضوئية و ألوان مادية : 

الألوان الضوئية وتتألف من اﻷلوان الرئيسية الثلاثة ( اﻷحمر واﻷخضر وألأزرق) حيث بإتحادها تعطي اللون اﻷبيض ، ومن إتحادها يمكن أيضا الحصول على بقية اﻷلوان اﻷخرى ،كاﻷصفر والبرتقالي ، والبنفسجي.....إلخ ( الصورة ) 

اﻷلوان المادية وهي الألوان المستخدمة في الرسم ، حيث إتحادها مع بعضها البعض ينتج عنه اللون اﻷسود بدل اللون اﻷبيض في الألوان الضوئية ، وهي تتألف من الألوان الرئيسية الثلاثة ( اﻷحمر واﻷصفر واﻷزرق ) ، حيث يحل اللون اﻷصفر كلون رئيسي بدل اﻷخضر حتى يمكننا من إتحاد اﻷلوان الحصول على جميع بقية اﻷلوان الثانوية اﻷخرى ( الصورة ).

من إتحاد اﻷلوان الضوئية وجدنا أننا نحصل على اللون اﻷبيض ، بينما من إتحاد اﻷلوان المادية وجدنا أننا نحصل على اللون اﻷسود ، وهذه ليست صدفة ، وكذلك فإن إعتماد فن التصوير وفن السينما في بداية ظهورهما على هذين اللونين ( اﻷسود واﻷبيض ) أيضا لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية ، فمن هذين اللونين يتم تحديد تكوين اﻷشياء ، حيث اللون اﻷبيض هنا يرمز للروح واللون اﻷسود يرمز للمادة ، وبدون أحد هذين اللونين لا يمكن تكوين اﻷشكال ، فاللون اﻷبيض لوحده يعجز عن تكوين شكل معين وسنرى عندها صفحة بيضاء خالية من اﻷشكال ، ونفس الشيء بالنسبة للون اﻷسود عندما يكون لوحده فإننا سنرى صفحة سوداء خالية أيضا من اﻷشكال. فحتى يظهر الشكل لا بد من تعاون اللون اﻷبيض مع اللون اﻷسود أي الظلام والنور. 

الكائنات الحية البدائية ترى بهذه الطريقة ، نور وظلام فقط أي أبيض وأسود بدون ألوان ، ومن خلال النور والظلام تستشعر باﻷشياء التي حولها ، فدرجة إدراكها للأشكال من خلال اللون اﻷسود واﻷبيض فقط يجعلها كائنات مادية عديمة اﻹحساس الروحي للأشياء من حولها . 

ولكن تكوين اﻷشياء والكائنات الحية من حولنا ليس بهذه البساطة لذلك وجدت اﻷلوان لتساهم بشكل أدق في التعبير الروحي للأشياء عن نفسها ،ولهذا تطور كذلك اﻹدراك عند الكائنات الحية حتى وصل إلى قمته في اﻹنسان ليفهم معاني هذه اﻷلوان وطريقة إنسجامها وتنافرها مع بعضها البعض. فكما يرمز اللون اﻷبيض عن الروح واﻷسود عن المادة ، هكذا ظهرت اﻷلوان بأنواعها المختلفة لتعبر عن الروح والمادة ولكن بشكل أدق وبمعنى أوضح.

كما ذكرنا في المقالة السابقة بأن اﻷلوان هي البيئة الروحية التي تحيط بنا، وأن النور هو الروح اﻹلهية العالمية كما تذكر اﻵية القرآنية ( الله نور السموات واﻷرض. ... ) حيث النور من خلال ظهور ألوانه على اﻷشياء يساعدنا على فهم ما يوجد في مضمون هذه اﻷشياء لنأخذ فكرة عنها وعما يحدث حولنا ،فمن خلال اﻷلوان المختلفة يمكن تكوين أشكال اﻷشياء بدون اﻹستعانة باللون اﻷسود ، ﻷن اﻷلوان نفسها فيها ألوان تعبر عن الروح وألوان أخرى تعبر عن المادة فاﻷلوان هنا بإمكانها أن تحل محل اللون اﻷبيض واللون اﻷسود. في التعبير عن الشيء. 

لفهم معاني ورموز اﻷلوان وكذلك لفهم إيجابيات وسلبيات كل لون ، لا بد من إعتماد القاعدة الرئيسية والتي على اساسها تم خلق اﻷلوان ، فكما ذكرنا في مقالات سابقة بأن الخطوط الموجودة في كف اليد اليمنى في اﻹنسان والتي لها شكل رقم ثمانية عشر ( \/ ا ) بأنها تمثل رمز روح الله التي نفخها في آدم وهذا الرمز بشكل عام يمثل اللون الضوء اﻷبيض ، ولكن بعد ذلك مع خلق حواء تم إنقسام هذا الرمز إلى قسمين : القسم اﻷول ( ا ) ويمثل روح آدم أو الرجل بشكل عام ، والثاني ( \/ ) ويمثل روح حواء أو المرأة بشكل عام. 

الرمز ( ا ) والذي يمثل الرجل هو رمز للون اﻷحمر والذي يعتبر اللون اﻷول في الألوان الرئيسية للضوء .

الرمز ( \/ ) والذي يمثل المرأة حيث يتألف من خطين يتحدان في القمة ، حيث الخط اﻷيسر ( / )يرمز للون اﻷخضر ، والخط اﻷيمن ( \ ) يرمز للون اﻷزرق. فإجتماع هذين اللونين اﻷخضر واﻷزرق مع اللون اﻷحمر نحصل على اللون اﻷبيض ، فالرمز ( \/ ا ) هنا يمثل اﻷلوان الضوئية الرئيسية وهي تعتبر اللغة الروحية التي تخص أحاسيس الكائن العلوي ( العواطف ) .

إذا نظرنا إلى خطوط كف اليد اليسرى سنلاحظ أن شكلها معاكس لشكل خطوط اليد اليمنى أي أن شكلها معاكس للرقم ثمانية عشر ( \/ ا ) أي لها شكل الرقم واحد وثمانون ( ا \/ ) ، هذا الرمز يمثل آدم وحواء بعد أرتكابهما الخطيئة والتي كانت سببا في خروجهما من الجنة ، لذلك فالرمز ( ا \/ ) هنا يمثل النوع الثاني من اﻷلوان وهي اﻷلوان المادية ، حيث الرمز ( ا ) هنا أيضا يمثل آدم ويرمز إلى اللون اﻷحمر ، أما الرمز ( \/ ) فهنا يمثل حواء ولكن الخط اليميني هنا ( \ ) يمثل اللون اﻷصفر ، والخط اليساري ( / ) يمثل اللون اﻷزرق ، حيث إتحاد هذه اﻷلوان الثلاثة مع بعضها البعض - كما ذكرنا - يعطي اللون اﻷسود وهو رمز أحاسيس الكائن السفلي ونقصد هنا ( الغرائز ) .

اﻷلوان الضوئية والتي رمزها الشكل ( \/ ا ) تمثل الصفات الروحية التي كان يملكها هابيل الذي عندما رأى أخاه قابيل يريد قتله قال له ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ﻷقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) ،وفي هذه الحالة يكون اللون اﻷزرق هو اللون المسيطر على بقية اﻷلوان. لذلك فإن إتحاد ألوانه الرئيسية مع بعضها البعض يعطي اللون الأبيض أي النور وهو رمز الولادة والحياة .

أما في اﻷلوان المادية التي رمزها ( ا \/ ) فرغم أنها تبدو وكأنها مشابهة لألوان الرمز السابق ، ولكنها تختلف في معانيها عن السابقة ،فهي عندما تكون كألوان تعبر عن مادة اﻷشياء فانها في هذه الحالة تمثل الغرائز المفيدة ، أما عندما تتواجد لتعبر عن معاني روحية عندها تمثل صفات الروحية لقابيل الذي طوعت له نفسه في قتل أخيه فكان أول مجرم في تاريخ البشرية أي أنها تمثل الغرائز بشكلها الحيواني ، وعندها يكون اللون اﻷحمر هو اللون المسيطر على بقية اﻷلوان. حيث اللون اﻷحمر هنا يأخذ معنى الحرب والقتل ، لذلك فإن إتحاد الألوان الرئيسية في هذه الحالة يعطي اللون اﻷسود وهو رمز الموت والفناء. 

إذا تأملنا سطح الكرة اﻷرضية وألوانها سنشعر بمعاني هذه اﻷلوان تماما كما شرحناها في الحالتين السابقتين ، فالألوان التي تغطي سطح اﻷرض لم تتبعثر هنا وهناك بشكل عشوائي ولكن ضمن حكمة إلهية تعبر تماما عن الحالتين السابقتين ، فكما ذكرنا في حالة اﻷلوان الضوئية أي الرمز ( \/ ا ) حيث اﻷلوان الرئيسية فيه هي ( اﻷحمر واﻷخضر واﻷزرق ) والتي تعبر عن الحياة وولادتها فنراها بشكل منفصل في الطبيعة حيث اﻷحمر يتواجد في مركز اﻷرض وعلى سطح القشرة اﻷرضية نرى اﻷشجار واﻷعشاب بلونها اﻷخضر ، وصفحة السماء في اﻷعلى بلونها الأزرق . فهي تبدأ من اﻷسفل وتتجه نحو اﻷعلى لتعبر عن جهة تطور الروح التي هدفها من خلال تطورها هو العودة إلى الوطن اﻷم ( الجنة ).هذا الطريق الذي يعبر بالألوان يعبر عن جهة طريق روح الصالحين. 

من الناحية اﻷخرى بالنسبة لﻷلوان المادية والتي تتألف من ألوانها اﻷساسية الثلاثة ( اﻷحمر واﻷصفر ااﻷزرق ) نجد اللون اﻷحمر في مركز اﻷرض واللون اﻷصفر نجده على رمال الصحراء الشبه الخالية من الحياة ،أما اللون اﻷزرق فنجده في البحار والمحيطات ،في هذه الحالة نجد اﻷلوان تبدأ من اﻷسفل ثم تتجه نحو اﻷعلى ثم تسير بجهة أفقية لتنحدر ثانية نحو اﻷسفل إلى أعماق البحار والمحيطات ،وهو يعبر عن جهة طريق روح الكافرين.

لذلك نجد في قصة نوح وموسى عليهما الصلاة والسلام ، بأن الكافرين الذين خرجوا عن الصراط المستقيم كانت نهايتهم الغرق في مياه البحار والمحيطات الزرقاء . فاللون اﻷزرق في هذه الحالة ( الوان المادية ) يعتبر لون الغرق أي الوفاة ، لذلك نجد في بعض حالات الوفاة يأخذ جسم الميت لون احد تدرجات اللون اﻷزرق . بينما في الحالة الثانية ( ألوان الضوء ) فيأخذ اللون اﻷزرق معنى الصفاء الروحي والطهارة ، وليس من الصدفة أن اللون اﻷزرق تم إختياره ليمثل رمز مريم العذراء ، وليس من الصدفة أيضا أن نهاية إبنها عيسى عليه الصلاة والسلام كانت الصعود نحو السماء الزرقاء.

من هذا التوضيح بين نوعية الألوان نستنتج أن معاني اﻷلوان وطريقة تأثيرها في نفس اﻹنسان تتوقف على طبيعة الشيء الذي يصدر هذا اللون وكذلك على حالة الشخص الذي يستقبل هذا اللون. لذلك من الخطأ أن نقول أن اللون فلان يعني كذا ويرمز إلى كذا وله تأثير كذا ، فلكل حالة لها صفاتها الخاصة وهدف إكتساب المعرفة هو وصول اﻹنسان إلى الكمال الجسدي والروحي، لذلك فإن فهم معنى الألوان يحتاج إلى ربط وتحليل لنستطيع تحديد فيما إذا كان يخص الكائن العلوي ( العواطف اﻹنسانية ) أو الكائن السفلي ( الغرائز الحيوانية ) وبالتالي فهم تأثيراته على كل ما يوجد حوله سواء كان سلبيا أو إيجابيا.

اﻷلوان بشكل عام لها معاني عديدة جدا ، فلكل تدرج لوني له معنى خاص به ، وهناك تدرجات عديدة لكل لون ، لذلك من الصعب أن يستطيع الشخص أن يحفظ غيبا معنى كل لون ،لذلك نحن بحاجة إلى الإعتماد على القاعدة التي شرحناها عن علاقة اﻷلوان بالرموز ( \/ ا ) و ( ا \/ ) حيث من خلالها يمكن الوصول إلى فهم معنى كل لون وطبيعة تأثيره على نفسية اﻹنسان، وإن شاء الله في المقالة القادمة سنتكلم عن اﻷلوان الرئيسية والثانوية وطريقة فهم معاني تدرجاتها اللونية.

وسوم: العدد 710