همسات القمر 153

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

*في ألحان الريح رسالة تكاد حروفها تنطق بنغم قديم يستفز السامع

أصغي إليها بانتباه، تصمت قليلا جذبا لمزيد من الاهتمام، ثم تعاود عزفها المشروخ على أوتار نفس مخنوقة بحرف وبوح

تعلو وتخفت، تضجّ وتثور، تسكن وتنفث زفرات تلجم الشفاه المتحفزة لترديد ألحانها..

من يفهم لغة الريح ويفك طلاسم بوحها الهادر؟

*يبقى القلب بخير، ما دامت فيه جذوة من ضوء ترسل شعاعا من أمل، ما دام قنديل الأماني متقدا وإن كان بذبالة خافتة لا تكاد تضيء إلا نفسها، ما دامت شمعة الأحلام تبعث في شعلتها بريق حياة يجذب فراشات رقيقة تهمس بالحب وبشارة خير تنسج ثوبها شمس فرح تتأهب للقاء ..

فإذا انطفأت هذه الجذوة وزحفت آخر خيوطها إلى قبر التشاؤم واليأس.. حملت معها ما بقي من حياة في النفس..

فما عاد يظهر، غير جسد ما هو إلا آلة تحركها مطالب وحاجات مادية بلا معنى ولا قيمة .. 

هو والموتى سواء!

*هل الأمل حاجة وضرورة ملحّة علينا التمسك بها والعيش في أكنافها

أم أنها الوهم الذي نخدع به نفسنا كالغريق المتمسك بقشة لا تملك شيئا لنفسها فضلا عن غيرها..

لست أدري

ولكنني أميل إلى أنها الحاجة التي إن نزعت من قلب المرء، نزعت من حياته كل شيء جميل

أيها الأمل.. دع حبلك موصولا بقلبي، منك أصنع أطواق النجاة.. وبك أمتلئ طاقة ترسم على ثغري بسمة الحياة

*هناك.. شاطئ ومرسى.. وكوب من الذكريات يتصاعد بخاره مسافرا نحو الأفق البعيد

رمال تسترخي بتكاسل لا يخفى.. زهرة أمنيات تبدو كلحن نشاز في نغم غريب.. حلم يختبئ بين طيّات موج ينساب برقّة حالمة.. بسمة في صفاء البحر وجماله هائمة ..

خطوات عابرين، ضحكات مارقين، أيدٍ متشابكة، وقلوب تتردد نبضاتها ألحانا كما الهمس بلذيذ جرْس..

أمشي بتؤدة مطلقة لفكري العنان.. أحادث نفسي، أحاورها، أبتعد وإياها إلى ركن قصيّ نغيب فيه عما حولنا..

أغمض العينين مستدعية أحلام يقظتي .. وكأنها باتت أنيستي وسلوتي!

أخط على بحر الرمال قصيدتي .. أنتظر طيورا عابرة تقرؤها وترسلها ملء الكون ألحانا تطرب الآذان .. 

ترى؟ أيكتب لها البقاء .. أم تذروها رياح مارقة تدفعها نحو الفناء؟

متى تتصالح أحلام يقظتنا مع واقعنا؟ متى؟

*على مذبح الكلمات والحروف الثائرة ألف سيف وسيف

وعلى أعتاب حرية الرأي، نائحة تكبت صوت بكائها خوف حيف

أفواه تكمم، وجلاد يكتب بسوطه قصائد بطش كقبيح نقش ...

بأي قلم سيسجل التاريخ سطورنا؟

 

*أنكفئ بشرود على ذاتي.. 

يمتدّ قلمي المكسور بحثا عن رشفة الحياة في دواتي..

يرسم خيالات بألوان باهتة كما خربشة طفل بلا هدف ولا معنى

يرمقني بخجل ويكفّ عن محاولاته السخيفة باقتناص حروفي وكلماتي..

تروق لي محاولته رغم فشلها، أكوّر ورقة مواساته، أجعلها كرة لهو أمرح بها.. 

أقلب صفحة.. أستدعي أخرى .. أختصر من الحزن بعض مسافات ..

*حقائب ذاكرتي مفتوحة بعبثية مزعجة

أية فوضى حلّت بي وجعلتني أهمل العناية بها وترتيبها..

كلما سألت نفسي هذا السؤال الأحمق الذي أعرف إجابته، أجدني أعتذر لها عن هذا الاتهام الظالم..

ما ذنبها إن كانت ذاكرتي متمردة تهوى الاحتفاظ بكل شيء وإن تمزّقت حقائبها امتلاء وغيظا!

وسوم: العدد 723