الخاطرة 136 : د. ذاكر نايك يدعو إلى السلام أم إلى الفتنة؟

خواطر من الكون المجاور

قد يتساءل البعض لماذا هذا المسلم - أي أنا - الذي يدعي بأنه يؤمن بدينه كامل الإيمان ، ينتقد أعمال وآراء الدكتور ذاكر نايك ، الداعية الذي يستخدم أسلوبا حضاريا في المجادلة في مناظراته ، والذي يبذل مجهودا كبيرا في بحوثاته ليحصل على معلومات قيمة هدفها هداية المسلمين وغير المسلمين إلى دين اﻹسلام ، ألم يأمرنا القرآن الكريم في دعوة الناس إلى هذا الدين. فما يفعله د. ذاكر هو واجب على كل مسلم ، إذا لماذا يوجد مسلم آخر ينتقده ليشوه سمعته أمام المسلمين وغير المسلمين ؟

إن جوابي على مثل هذا السؤال هو أنه لو كانت محاضرات ومناظرات الدكتور ذاكر فيها خيرا لﻹنسانية لكنت مدحته في كل محاضرة أو مناظرة قام بها. ولكن الحقيقة هي غير ذلك نهائيا ، وأود أن اقول لجميع أولئك الذين ينتقدونني ، بأن كل المواضيع التي أبحث فيها تتعلق بموضوع واحد وهو (فلسفة السلام ) وجميع مؤلفاتي الصغيرة والكبيرة هدفها حماية البيئة الروحية للأطفال وذلك عن طريق تنمية عاطفة حب السلام لتسيطر هي على سلوك أفراد المجتمع. الدكتور ذاكر أسس مركزا عالمياً للدراسات والبحوث اﻹسلامية والدعوة إلى دين اﻹسلام ، وأطلق على هذا المركز ( مركز السلام العالمي ) فإسم هذا المركز الذي تجري فيه أبحاث عديدة عن القرآن واﻹسلام ،يحمل إسم ( السلام ) و لكن من يبحث في فلسفة السلام كما بحثت أنا لسنوات عديدة سيجد أن معظم أعمال هذا المركز تدعو إلى الفتنة والكراهية ، ﻷن الدكتور ذاكر رغم أنه يبدو للمسلمين وكأنه ذو معارف غزيرة ومتنوعة ،ولكنه في الحقيقة ليس لديه أي فكرة عن ماهية (عاطفة السلام ) وأنا أعني تماما ما أقوله فأعماله جميعها بعيدة عن تنمية عاطفة السلام وبالتالي فهو قد يبدو للآخرين أنه يدعو إلى اﻹسلام ولكنه لا يدعو إلى السلام ولكن إلى الفتنة . وهدفي هو إثبات هذه الفكرة لجميع القراء.لذلك رجاء من الإخوة القراء متابعة قراءة المقالة حتى النهاية ﻷن الموضوع حساس جدا.

الدكتور ذاكر إستطاع أن يبهر المسلمين بمقدرته الخارقة في الحفظ غيبا، ولكن هذه المقدرة الخارقة التي أنعم الله عليه إستخدمها في طريق خاطئ ، فطريقته في الدعوةفيها نوع من الخداع فهو وكأنه يضع المسلمين في غرفة مظلمة ويفتح لهم نافذة واحدة تطل على إتجاه واحد ،ليجعلهم جميعا يشاهدون ما يريده هو فقط أي أنه لم يأخذ معاني اﻵيات المحكمات التي هن أم الكتاب ولكنه أخذ معاني اﻵيات المتشابهات ، لذلك صدقه المسلمون وإستسلموا لجميع أفكاره فظنوا أنه يدعو إلى اﻹسلام ولكن مصدر كلمة إسلام هو الكلمة ( سلام ) و د. ذاكر لا علم له نهائيا بماهية هذه الكلمة .

في مقالتي سأحاول - بإذن الله - أن أفتح بقية نوافذ تلك الغرفة المظلمة التي صنعها د. ذاكر ، ليرى المسلمون من هذه الغرفة جميع الجهات اﻷخرى ليأخذوا فكرة صحيحة عن كل ما يحدث حولهم ، ليروا ما يريد الله منهم أن يروه ،سواء كان مذكورا في القرآن أو الكتب المقدسة أو من خلال تلك العلامات التي تركها الله لهم في صفحات التاريخ ليستعينوا بها في طريقهم لكي لا يخرجوا عن الصراط المستقيم . وحتى يستطيع القراء أخذ صورة واضحة جدا عن حقيقة ما يفعله د. ذاكر في أيامنا هذه ، سأذكر لكم هذا المثال التشبيهي البسيط :

في قرية صغيرة ، يسكنها عدد قليل من العائلات الكبيرة ، حيث كل عائلة لها حقلها تزرع به نوع واحد من أشجار الحمضيات ، العائلة اﻷولى - لنفرض أنها تمثل المسلمين - تزرع أشجار البرتقال وكبيرهم يفكر بأسلوب مشابه لأسلوب أحمد ديدات ، العائلة الثانية - لنفرض أنها تمثل المسيحيين - تزرع أشجار الليمون ، وكبيرهم يفكر مثل القس أنيس سروش، والعائلة الثالثة - يهودية - يزرعون اليوسفي وكبيرها يفكر مثل تفكير كاهن يهودي معاصر ، العائلة الرابعة - هندوسيين - يزرعون الجريب فروت وكبيرهم يفكر ككاهن هندوسي معاصر ، العائلة الخامسة - بوذيين - يزرعون أشجار النارنج وكبيرهم يفكر ككاهن بوذي معاصر ..... في إحدى اﻷيام يأتي إليهم موظف من وزارة الزراعة ويخبرهم بأنه ظهر نوع من الدود يهاجم ثمار الحمضيات ويتلفها ،وطلب منهم أن يكونوا حذرين وأن يستعدوا لمكافحة هذا الدود . ثم يتركهم ويذهب ، يخرج كبير العائلة المسلمة ( الذي يفكر مثل أحمد ديدات ) إلى ساحة القرية ويصرخ قائلا بأن ثماره - البرتقال - هي أفضل أنواع الحمضيات وأشجاره هي اﻷفضل ،ثم يبدأ بشتم جميع أنواع أشجار الحمضيات اﻷخرى ويتهمها بأنها هي السبب في ظهور الدود ﻷنها أشجار عديمة الفائدة ويجب قطعها ﻷنها تسبب أضراراً خطيرة على أشجاره أشجار البرتقال. فيسمع كبير العائلة المسيحية ( أنيس سروش ) ما قاله كبير العائلة المسلمة فيصرخ قائلا أن ثماره - الليمون- هي أفضل أنواع ثمار الحمضيات، وأن أشجاره هي اﻷفضل ويبدأ هو اﻵخر بشتم أشجار البرتقال وبقية أنواع الحمضيات . كبير العائلة اليهودية يسمع الشتائم في حقه ،يخرج هو اﻵخر و يصرخ قائلا بأن ثمار اليوسفي هي أﻷفضل ويبدأ بشتم بقية أنواع ثمار الحمضيات ، وهكذا يفعل كبير العائلة الهندوسية ، وكذلك كبير العائلة اليوذية. الصراخ بينهم يحتد ويكاد يتحول إلى مشاجرة ، كل واحد منهم يحاول أن يثبت أن ثماره هي اﻷفضل وأن بقية ثمار الحمضيات هي سبب ظهور الدود. ... فجأة يأتي أحد أفراد العائلة المسلمة ( مشابه للدكتور ذاكر ) ومعه أجهزة كمبيوتر ، ويطلب من الجميع أن لا يتشاجروا ، وبأسلوب هادئ ولطيف يحاول إقناعهم بطريقة علمية بأن ثمار البرتقال هي فعلا اﻷفضل على اﻹطلاق وبأنه يجب قطع جميع أنواع أشجار الحمضيات اﻵخرى ﻷنها عديمة الفائدة، ودليله على ذلك نتائج القياسات التي ستعطيها اﻷجهزة ، ويبدأ بإستخدام أجهزته ليعطي تحليلاته الكيمائية ، فيقرأ لهم المكونات الغذائية في حبة البرتقال : السعرات الحرارية 86، كربوهيدرات 21.62 غرام ، فيتامين سي 70 ملغرام ،البوتاسيوم 250 مليغرام ، فوسفور كذا ،حديد كذا ، .. ويتابع ذكر العناصر في البرتقال، يرى أفراد عائلته الطريقة البارعة التي يستخدمها أخوهم المسلم ﻹثبات أنهم اﻷفضل فيصفقون له بعنف ويصرخون. .الله أكبر..الله أكبر...أحد أفراد عائلة المسيحية التي تزرع الليمون يأتي هو اﻵخر بأجهزة ويبدأ هو بقياس المواد الغذائية في الليمون . فيتامين ب 0،040... فيتامين الريبوفلفين 0،020. ..مغنزيوم 16 ميلغرام. ..صوديوم كذا . ..بوتاسيوم كذا ..ويرى أفراد العائلة المسيحية أخاهم المسيحي وهو يعطي هذه القياسات فيفرحون ويصفقون ويرسمون إشارة الصليب على صدورهم ، ثم يأتي أحد أفراد العائلة اليهودية بأجهزته هو الآخر ويبدأ بالقياس فيصفق له أفراد عائلته ، وكذلك يفعل الهندوسي والبوذي ، الكبار يتابعون كل واحد منهم قياساته بينما بقية أفراد العوائل المختلفة تتشاجر مع بعضها كل طرف يصرخ نحن أفضل منكم جميعا. . صراخ....شتائم. .. معارك. ... ومن هناك ليس ببعيد عن مكان الشجار ، ثمار الحمضيات بمختلف أنواعها ، البرتقال والليمون واليوسفي والكريب فروت ونارنج ، من آلامها تصرخ إلى أصحابها المسؤولين عنها لينقذوها ، الدود ينهشها يريد الوصول إلى أعماقها إلى البذرة ليتلفها كي يقضي عليها ويفنيها إلى اﻷبد. ولكن أصحابها للأسف التعصب اﻷعمى فيهم كان قد أصمهم فلم يسمعوا لها أي صراخ......هذه الثمار التي ينهشها الدود ويجعلها تصرخ من آلامها هي في الحقيقة أطفال العالم ، مسيحيين ومسلمين ويهود وهندوسيين وبوذيين ...... .

في إسبانيا قبل عام ونصف، ذهبت أم إلى مدرسة طفلها ، تشكو إلى مدير المدرسة مما يعاني إبنها من وحشية زملائه في الصف، راحت تتوسل له باكية تطلب منه حماية طفلها ، حيث أصبحت ساعات دوامه في المدرسة بسبب إيذاء زملائه له جحيم لا يطاق ، في نومه بدأ يرى كوابيس ﻷنه في اليوم التالي سيذهب إلى المدرسة. ..وبعد شكوى وبكاء هذه اﻷم المسكينة ، كل الذي إستطاع أن يقوله المدير لها بأنه سيفعل ما يستطيع ، ...ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا ، و بعد أسبوعين الطفل ( دييغو كونزالز 11 عام ) إنتحر ﻷنه لم يستطع تحمل الجحيم الذي يعيشه في المدرسة . . زملائه في الصف كانوا يكرهونه ﻷنه الطالب اﻷول في جميع المواد ، كانو يكرهونه ﻷنه كان مثالا للأخلاق الحميدة والقيم السامية ، كانوا يكرهونه ﻷن روحه أرادت أن تكون لها صفات يسوع ، محمد، موسى، إبراهيم..... عليهم الصلاة والسلام ، ولكن زملائه اﻷطفال كانوا يكرهونه ﻷنه يحمل هذه الصفات ، الطفل الصغير لم يستطع تحمل ذلك الكابوس المرعب الذي كان يعيشه يوميا في ساعات الدوام في المدرسة ، لذلك إنتحر ليذهب إلى يسوع هناك حيث يعيش الجميع بمحبة وسلام.

مشكلة العنف في المدارس وعصابات اﻷطفال ليست فقط في إسبانيا ،ولكن تعاني منها جميع دول العالم ، في مصر، في جزائر ،في السعودية ، في أمريكا ، فرنسا ، بريطانيا .....أفريقيا ، آسيا، أوربا ،ملايين الأمهات تشكين وتبكين ، بعضهن يبكين على ما يعانيه أطفالهم في المدارس من سوء معاملات زملائهم له ، بعضهن يبكين على أطفالهن الذين قتلوا في المدارس بسكين طفل زميل لهم . .. مشكلة العنف في المدارس أصبحت أخطر مشكلة تواجهها اﻹنسانية ، ﻷول مرة في تاريخ البشرية تولد ظاهرة غريبة تدعى ( الجريمة الطفولية ) جرائم قتل يرتكبها أطفال بأعمار 7-8-9 سنوات ، جنود داعش يعلمون أطفالهم ذبح اﻹنسان وكأنهم يذبحون الخرفان. ....خمسة آلاف عام مضت على إستخدام اﻹنسان للكتابة ، والتاريخ لم يذكر ولا مرة واحدة في صفحاته عن جريمة قتل إرتكبها طفل ، فقط اليوم نسمع في جميع صحف بلدان العالم كل فترة وفترة ( طفل يرتكب جريمة قتل ) .

عبارة ( عليه الصلاة والسلام ) التي فرضت على المسلمين ذكرها بعد ذكر أسماء اﻷنبياء ، لم تفرض عبثا ولكن لها معنى أن الله عز وجل قد أعطى كل نبي دوره ( عليه الصلاة ) وتعني مواصلة تطوير روح اﻹنسانية لتصل إلى الصفاء الكامل من تلك الشوائب الشيطانية التي كانت سببا في خروجه من الجنة ،وهذا التطور يجب أن يتم بإستخدام السلام ( عليه السلام ) وليس العنف والقتال.

أكبر مشكلة يعاني منها عصرنا الحاضر ، ليست تلك المشاكل التي يطرحها ذاكر نايك في محاضراته ومناظراته (أيهما كتاب الله القرآن أم اﻹنجيل ؟ هل صلب المسيح أم لا ؟هل المسيح هو إبن الله أم لا؟ ، ......وغيرها ) المشكلة الكبرى هي ولادة ظاهرة (الطفل المجرم ) ، إن فكرة مقارنة الديانات في العصر الحديث التي بدأها أحمد ديدات ويستمر بها ذاكر نايك هي في الحقيقة ليس إلا رش الرماد في عيون الناس لكي لا ترى ذلك الدود الذي ينهش بأرواح اﻷطفال ليجعلها تفقد إنسانيتها ، ليجعلها تفقد اﻹحساس بذلك الجزء من روح الله في داخلها .. ما نفع هذه المواضيع لشخص دخلت فيه روح اﻹجرام منذ طفولته ، فهذا الشخص لا يشعر أصلا بشيء عن وجود الله ، والحديث معه عن الله وكأنك تحاول أن تثبت لشخص مصاب بعمى ألالوان باللون اﻷحمر ، بأن اللوحة التي يراها فيها لون أحمر ، فمهما أقنعته بوجود اللون اﻷحمر في اللوحة لن يقتنع ﻷنه لم يره ولا يراه ولن يراه.

الدكتور ذاكر الذي يحفظ غيبا اﻵيات وأرقامها وأرقام إصحاحاتها في الكتب المقدسة ويذكرها بإستمرار لينال تصفيق الجمهور في القاعة. لماذا لم يتوقف قليلا عند كل آية وبدلا من أن يضيع وقته في حفظها مع أرقامها غيبا أن يحول الدخول في أعماق رموز هذه اﻵيات ليكتشف مضمونها اﻹلهي وليس معناها الحرفي ، للأسف الدكتور ذاكر يقرأ ويحفظ بهدف تدمير الكتب المقدسة في أعين المسيحيين واليهود ،لو أنه حاول قراءتها بهدف البحث عن الحقيقة والتي يكمن فيها قانون الله ، لكان رأى في اﻹنجيل اﻵية التي تتكلم عن اﻷطفال المذكورة في أناجيل متى، مرقس ، لوقا . .. ( فقدموا إليه الأطفال أيضا ليلمسهم فلما رآهم التلاميذ إنتهزوهم. . أما يسوع فدعاهم وقال : دعوا اﻷولاد يأتون الي ولا تمنعوهم ﻷن لمثل هؤلاء ملكوت الله. . الحق أقول لكم : من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله.....18: 15- 16 - 17 لوقا ) في هذه اﻵيات يسوع يوضح طبيعة التكوين الروحي للأطفال بأن أرواحهم طاهرة ، هذه اﻵية لم يتم ذكرها في القرآن ، والسبب أنها مذكورة في اﻹنجيل ، ولكن أشار رسول الله إلى معنى هذه اﻵية بطريقة تساعد على فهمها أكثر ، وتحدد لنا وجه الفرق في التكوين الروحي بين الطفل والشخص البالغ ،فهناك عدد من الأحاديث الشريفة ينوه فيها الرسول عن تحريم مشاركة الصبيان في الحروب ، ﻷن مشاركتهم في الحروب يعني تناقض أفعالهم مع تكوينهم الروحي ، ﻷن روح الطفل خالية تماما من غريزة القتل ، ولكنها تظهر شيئا فشيء في مرحلة المراهقة وتكتمل في سن الرشد ، وهدف اﻷديان جميعها هو السيطرة عليها ليكون سلوك اﻹنسان تحت سيطرة عاطفة السلام لكي تبقى روحه طاهرة طوال حياته.

إن سبب طرد اﻹنسان من الجنة هو أن الخطيئة التي إرتكبها آدم وحواء كانت نتيجتها ظهور غريزة القتل في قابيل وهذا يعارض قوانين الجنة ، ﻷن الجنة هي أرض السلام. لذلك طرد الله اﻹنسان من الجنة ليصحح تكوينه الروحي وينظف نفسه من هذه الغريزة ليستطيع العودة إلى الجنة أرض السلام ولهذا كانت آخر ديانة تحمل إسم الإسلام الذي معناه فرض حب السلام على المؤمنين . اليوم وبعد آلاف السنين من التطور وبعد عشرات اﻷديان التي أرسلها الله لتساهم في تطهير اﻹنسان من غريزة القتل ليبقى طوال حياته كائن مسالم مثل هابيل إبن آدم الذي تقبل الله قربانه ﻷنه طاهر من هذه الغريزة كما يدل معنى اﻵية القرآنية ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ﻷقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) ،ولكن اليوم فإن ولادة ظاهرة الطفل المجرم في عصرنا الحديث يعني أن اﻹنسانية وكأنها عادت إلى نقطة البداية بعد طردها من الجنة. بمعنى آخر أن جميع الديانات كما يعرفها أتباعها اليوم هي ديانات محرفة في معاني آياتها ، لا علاقة لها بتلك اﻷديان التي أرسلها الله إلى أنبيائه ، بمعنى آخر ، إن ولادة ظاهرة الطفل المجرم يعني أن ذلك الحاجز المقدس الذي يمنع روح الشيطان في دخول بيوت الله من مساجد وكنائس ومعابد، هذا الحاجز المقدس اليوم قد إنهار ، فاليوم روح الشيطان تدخل بيوت الله بكل سهولة وتجعل الشيخ المسلم أو القس المسيحي أو اليهودي. ...يتكلم بلسان روح الشيطان ليسمعه المصلين في المساجد أو الكنائس ويظنون أنه كلام الله...... أحمد ديدات والدكتور ذاكر قاما بآلاف المحاضرات والمناظرات وألفا عشرات الكتب وعشرات الكتيبات ، هل كان في واحدة من هذه المحاضرات أو المناظرات أو الكتب تحمل عنوان ( أسباب جرائم اﻷطفال ) أو ( أسباب مشكلة العنف في المدارس ) أو أي شيء له علاقة باﻷطفال؟ أنا بحثت و حتى اﻵن لم أجد ولا واحدة. "البصيرة هي تلك الرؤية التي ترى مضمون المشكلة وليس نتائجها "، الوقاية خير من العلاج.

الدكتور ذاكر في محاضراته ومناظراته يحاول أن يظهر نفسه وكأنه يحفظ آيات الكتب المقدسة أكثر من القساوسة المسيحيين واليهود ، ولكن المشكلة أنه يحفظها ببغائيا ، ﻷن قراءة الكتب المقدسة والقرآن ومحاولة فهمها باللغة الإنجليزية الفقيرة روحيا وليس من خلال لغاتها اﻷصلية ( اليونانية والعربية ) يدفعه لا شعوريا إلى فهمها حرفيا ،وكذلك نيته غير الصالحة التي دفعته إلى قراءة هذه الكتب المقدسة ليس من أجل الوصول إلى الحقيقة ولكن من أجل تدمير هذه الديانات ليبقى اﻹسلام فقط ، جعلت فكره يسرح بعيدا نهائيا عن مضمون تلك اﻵيات التي هن أم الكتاب والتي جميعها هدفها تحقيق السلام العالمي، سواء كمعنى مباشر او غير مباشر. مشكلة د. ذاكر كما ذكرت في المقالة السابقة أنه ضعيف البصيرة ،وسنحاول أن نعرض عليكم ما لم تستطع عين الدكتور ذاكر في رؤية مضمون اﻵيات واﻵحداث. .. اﻷحداث التي سنذكرها قد تبدو لكم في البداية وكأنها خارج الموضوع ولكن هي من صميم موضوع مقالتنا ولكنها تحتاج البصيرة لرؤية علاقتها بموضوعنا وستفهمون ما أقوله في نهاية المقالة عندما تتحد اﻷحداث لتظهر وكأنها رواية واحدة :

في عام 37 للهجرة تحدث معركة صفين على مسافة غير بعيدة عن أراضي الروم الذين كانوا يتابعون أخبار جيش المسلمين ، تصل أخبار هذه المعركة إلى المسيحيين ، يسمع بها رجال الدين فيذكروها في الكنائس على المصليين بالشكل التالي (هؤلاء المسلمين يدعون أن دينهم الجديد هو من عند الله ، إنظروا كيف يقتلون بعضهم البعض اﻷخ يقتل أخيه ، في معركة واحدة ذهب ضحيتها أكثر من 50 ألف قتيل ، ويقولون أن دينهم أفضل من ديننا ، يسوعنا المسيح رفض حمل السلاح ورغم أن أعدائه عذبوه وقتلوه ولكنه وهو على الصليب سامحهم قائلا : إلهي إغفر لهم فهم لا يعلمون ما يفعلون ، ديننا أعظم اﻷديان يأمرنا بالمحبة والسلام وعدم اﻹنتقام ، لمدة 300 عام بعد قيام المسيح خلالها كان ديننا المسيحي ينتشر سرا بالمحبة والسلام ،ورغم مطاردة جنود قيصر للمسيحيين ، رغم أن كثير من المسيحيين بسبب إيمانهم بالمسيح قبض عليهم ، بعضهم تم تعذيبهم وبعضهم تم قتلهم وبعضهم تم رميهم إلى اﻷسود والنمور الجائعة ليراها الناس أجمعين وهي تنهش لحومهم ليخافوا ويمتنعوا باعتناق المسيحية ، ومع ذلك صبرنا 300 عام وكان الله معنا حتى تحولت ديانة حكام البلاد كلها إلى المسيحية ﻷنها الديانة الصحيحة التي تجلب السعادة للجميع ﻷنها ديانة المحبة والسلام )....مثل هذا الخطاب الديني إنتقل إلى معظم كنائس المناطق المحيطة بمدينة القسطنطينة. فزرع هذا الخطاب الشك في نفوس جميع المسيحيين من صحة الدين الجديد ( اﻹسلام )، لذلك حاول المسيحيون بكل إيمانهم منع المسلمين من دخول بلادهم.

بعد إثني عشر عاما من موقعة صفين ، في عام 49 هجريا، في عهد خلافة معاوية بن أبي سفيان حاول المسلمون ﻷول مرة دخول أوربا عن طريق فتح القسطنطينية التي كانت تعتبر بوابة القارة اﻷوربية ولكنها فشلت فإضطر معاوية بن أبي سفيان إلى إرسال طلب فك الحصار عن القسطنطينية وعودة جيش المسلمين إلى دمشق، هذه المحاولة الفاشلة جعلت المسيحيين يثقون أكثر بصحة دينهم. بعد خمسة سنوات أرسل معاوية مرة أخرى جيشه لفتح القسطنطينية وبدأ الحصار الثاني وإستمر لمدة سبع سنوات ورغم ضخامة الجيش اﻹسلامي ولكنه فشل للمرة الثانية في مهمته.المحاولة الفاشلة الثانية زادت من ثقة المسيحيين بدينهم أكثر فأكثر.

في عام (98 هجري) ،في عهد خلافة سليمان بن عبد الملك كانت المحاولة الثالثة لفتح القسطنطينية حيث جمع جيشا ضخما جدا لم يعرف المسلمون مثله من قبل برا وبحرا وأعطى سليمان بن عبد الملك الله عهدا أن لا ينصرف حتى يفتح القسطنطينية ، ولكن الجيوش اﻹسلامية فشلت فشلا ذريعاً ، وبعد عام مات الخليفة سليمان واعتلى عمر بن عبد العزيز الخلافة وأمر بفك الحصار وعودة الجيش إلى دمشق.... كما تذكر الوثائق التاريخية الإسلامية بأن جيش المسلمين خسر أكثر من ربع مليون شهيد على أطراف جدران مدينة القسطنطينية وأن معظمهم ماتوا من البرد والجوع بسبب كثرة الثلوج التي هطلت في تلك الفترة والتي قطعت جميع الطرق أمام جيوش المسلمين لمدها بالمؤن الغذائية ، أما الأسطول البحري فقد تدمر بأكمله بسبب الرياح الشديدة ،كثير من العلماء المسلمين يعللون خسارة الجيش اﻹسلامي بسبب عدم تأقلم الجنود المسلمين بمناخ المنطقة الباردة، وكذلك بسبب فرار العديد من المصريين اﻷقباط الذين أتوا إلى مشاركة الجيش اﻹسلامي البحري لفتح القسطنطينية ، ولكن الوثائق التاريخية المسيحية تقول بأن الطقس في عام حصار القسطنطينية كان قاسي جدا سكان المنطقة لم يروا مثل قساوته من قبل ،فالثلوج ظلت تغطي المنطقة لعدة أشهر متواصلة، حتى أن الجنود المصريين الذين كانوا قد هجروا دينهم المسيحي وإعتنقوا اﻹسلام وجاؤوا كمسلمين للمساعدة في فتح القسطنطينة عندما رأوا التغييرات الفجائية في الطقس البرد والثلج والرياح العاتية ، شعروا وكأن غضب الله يحيط بجيش المسلمين ليمنعهم من دخول القسطنطينية فإرتدوا عن الدين اﻹسلامي وفروا إلى الجيوش البيزنطية ليساعدوهم في الدفاع عن القسطنطينية كمسيحيين ضد المسلمين.

الجنود المسيحيين في القسطنطينية تلك اﻷيام القاسية كانوا يقضون يومهم داخل بيوت جدرانها من الحجارة لديهم الدفئ والطعام الوفير ، ينامون نوما هنيئا ، ولكن من خلف جدران مدينة القسطنطينية ، كان المسلمون في خيامهم يرجفون من البرد ، والجوع يلسع بطونهم . وكما يقول إبن كثير بأنهم من شدة جوعهم أكلوا كل شيء ما عدا التراب ، ربع مليون شهيد في جيش المسلمين ، معظمهم كان سبب وفاته ليس طعنة سيف أو سهم من جندي مسيحي ولكن سببه البرد والجوع واﻷمراض.

هذه الحادثة أصبحت بالنسبة لمسيحيي أوربا علامة إلهية تؤكد لهم للمرة الثالثة وكأنها يقين تام أن الله معهم وأنه يطلب منهم أن يتمسكوا بدينهم وأن يمنعوا اﻹسلام من دخول أوربا. وأن يؤمنوا إلى اﻷبد أن دينهم المسيحي على حق .

هذه الخسارة الفادحة التي حصلت في الجيوش اﻹسلامية بعد الحصار الفاشل للقسطنطينية جعلت كل حكام المسلمين من بعد هذه الخسارة أن يعتقدوا أن مدينة القسطنطينة فيها نوع من اللعنة تحل على كل جيش يحاول دخولها، لذلك امتنع جميعهم عن التفكير في اﻹقتراب من القسطنطينية ، وهكذا بقي الجيش اﻹسلامي بعيدا عن مدينة القسطنطينية لمدة أكثر من 700 عام.

والسؤال هنا لماذا سخر الله كل شيء لصالح الجيوش اﻹسلامية في فتوحاتها لتصل في سنوات قليلة إلى الهند شرقا وإلى إسبانيا غربا ، ولكن بمجرد وصولها إلى مدينة القسطنطينية بوابة أوربا، إنقلبت اﻷمور رأسا على عقب حيث نجد ان الله قد سخر القوى الطبيعية من برد وثلج ورياح في حماية القسطنطينية من المسلمين ؟ لماذا إنقلبت اﻷمور فجأة فبدل أن يساعد الله المسلمين صار ضدهم و ساعد المسيحيين؟ لا يوجد سوى جواب واحد على هذا السؤال، وهو أن الله عز وجل أراد أن تبقى الديانة المسيحية هي الديانة الرسمية للدول اﻷوربية ،وذلك ﻷن الدين المسيحي له دور مختلف عن دور الدين اﻹسلامي ويجب على هذا الدين أن يقوم بدوره في تطوير اﻹنسانية . لذلك وجب أن يبقى إلى يوم الدين ، ﻷنه لو إستطاع المسلمون فتح القسطنطينية في ذلك الوقت لكانت الديانة اﻹسلامية اليوم هي الديانة الرسمية لجميع الدول الأوروبية ، لذلك منع الله المسلمين من دخول أوروبا من مدينة القسطنطينية ولكنه سمح لجيوش المسلمين أن يدخلوا أوروبا عن طريق إسبانيا ﻷن إسبانيا بعيدة عن مركز القوة اﻹسلامية حيث إستمرار الفتح اﻹسلامي داخل أوروبا من هناك سيحتاج إلى تمديد غزير بالجنود والسلاح والمؤنة وهذا كان صعبا جدا تحقيقه ، لذلك فدخول اﻹسلام إلى أوروبا لم يكن هدفه نشر الدين اﻹسلامي فيها ولكن ليكون هناك صلة وصل بين المسلمين والشعوب الأوروبية ، تساعد في دخول الحضارة اﻹسلامية - وليس الدين اﻹسلامي - إلى إسبانيا ، ومن هناك إلى بقية الدول اﻷوربية ، كثيرون من مفكري الغرب المسيحيين تكلموا عن الدور الكبير التي لعبته الحضارة اﻹسلامية في حماية العلوم وتطويرها وكذلك في ظهور حضارة عصر النهضة اﻷوروبية والتي لعب أول دور في تأسيسها الفيلسوف اﻷندلسي محمد بن رشد.

ليس من الصدفة أن مدينة القسطنطينة سقطت أولا على يد الجيوش الصليبية في عام 1204 الذين أتو من شمال أوروبا ، حيث دخلوها وأحرقوا مبانيها العامة وسرقوا ثرواتها وكنائسها ، وعندما وصل الجيش العثماني لفتحها عام 1451 كانت مدينه القسطنطينة قد خسرت الكثير من معانيها وأهميتها بالنسبة للأوربيين ولم تعد بوابة أوربا كما كانت ﻷن حضارة عصر النهضة التي ظهرت من غرب أوروبا راحت تنشر نورها في معظم البلدان اﻷوربية لتقف أمام تقدم الجيوش العثمانية ، في تلك الفترة كانت الحضارة اﻹسلامية قد دخلت في عصور اﻹنحطاط وحلت محلها حضارة عصر النهضة اﻷوربية في متابعة تطوير المعارف، فكان لها دور إكتشاف القارة اﻷمريكية واﻹسترالية والنصف الجنوبي من أفريقيا ، فإن تحول جميع هذه المناطق إلى دول مسيحية لم يحدث صدفة ولكن حسب مخطط إلهي.

أول المهاجرين المسلمين الذين وصلوا إلى مناطق العالم الجديد ( أمريكا ، أستراليا ، جنوب أفريقيا ، جذر محيط اﻷطلسي والهادي ) كان في النصف اﻷول من قرن العشرين ، أي بعد أكثر من ثلاث مائة عام من دخول المسيحيين لها ، أي بعد إنتنشار الديانة المسيحية فيها لتصبح هي الديانة الرسمية لهذه البلاد ، فلو كان الدين اﻹسلامي هو الدين الذي أرسله الله إلى اﻹنسانية كافة كما يعتقد المسلمون والدكتور ذاكر ، إذن لماذا لم يسخر الله الطبيعة لمساعدة المسلمين في فتح القسطنطينة في بداية القرن الثامن، ولكن بدلا من ذلك قد حدث العكس تماما ساعد المسيحيين وجعلهم يؤمنوا إلى يوم الدين بأن دينهم على حق. فإذا كان الدين المسيحي على ضلال كما يعتقد الدكتور ذاكر ومعظم علماء المسلمين، هل من المعقول أن يسخر الله الطبيعة لنصر المسيحيين ، فقط ليخدعهم ليبقوا على ضلالهم إلى اﻷبد ؟ لماذا المسلمين عندما تحدث معهم أشياء ميتافيزيقية ( خارج قوانين الطبيعة ) يأخذونها كدليل إلهي على أنهم على حق وأن الله معهم، وعندما يحدث نفس الشيء مع شعوب الديانات اﻷخرى ، ينظرون إليها وكأنها قد حدثت بالصدفة وأنها لا تعني شيئا.

للأسف الدكتور ذاكر ومعظم علماء الدين اﻹسلامي في العصر الحديث، ينظرون إلى معاني آيات القرآن الكريم والكتب المقدسة وإلى ما يجري حولهم من أحداث تاريخية من زاوية صغيرة لا ترى سوى المعاني المتعلقة بالمعنى ( أن الدين اﻹسلامي هو آخر الديانات ) فيعتقدون بأنه يجب على شعوب العالم بأجمعها إعتناق اﻹسلام ، ولكن هناك أيات قرآنية وأحداث تاريخية تعارض هذه الظن. يقول يسوع عليه الصلاة والسلام في إنجيل متى. .5 :17 ( لا تظنوا أني جئت ﻷنقض الناموس أو اﻷنبياء. ما جئت ﻷنقض بل ﻷكمل ) أي أنه لم يأتي ليلغي الديانة اليهودية من الوجود ولكن ليأتي بديانة جديدة تكمل الديانة القديمة. ويقول رسول الله في حديثه الشريف ( إنما بعثت ﻷتمم مكارم اﻷخلاق ) بمعنى أن الدين اﻹسلامي لم يأتي ليحذف الديانات اﻷخرى من الوجود ولكن ليأتي بأشياء جديدة غير موجودة في الديانات اﻷخرى .

لنعود إلى حادثة فشل المسلمون في فتح القسطنطينة ،ونحاول تفسير حقيقة ما حدث من خلال الرموز التي تركها الله لنا في هذه الحادثة لنؤكد على صحة هذه الفكرة :

- إسم الخليفة الذي أعطى عهدا لله بأن لا ينصرف من حصار القسطنطينية حتى يفتحها ، هو سليمان بن عبد الملك ، وهو نفس إسم النبي سليمان عليه الصلاة والسلام.

- إسم سليمان معناه في اللغة العبرية ( رجل السلام ) . وكما تذكر الكتب المقدسة للعهد القديم ، بأن سليمان بعد وفاة والده داوود عليه الصلاة والسلام ، دعى إلى الله عز وجل أن يهبه الحكمة ليستطيع حكم شعبه بشكل عادل وسليم لتعيش بلاده بسعادة وهناء ضمن الصراط المستقيم الذي رسمه الله للمؤمنين ، فأجاب الله دعوته وجعله أفضل الملوك حكمة وعلما.

- مدينة القسطنطينية كانت أهم مركز ديني مسيحي في ذلك الوقت والسبب هو وجود كنيسة ( آيا صوفيا) ، هذه الكنيسة بنيت لتكون شعارا للدين المسيحي ، مماثل لبيت الله الذي أمر الله سليمان ببنائه ، ليعبر عن الحكمة في المحبة والسلام ، لذلك سميت الكنيسة باللغة اليونانية بإسم أغيا صوفيا ΑΓΙΑ ΣΟΦΙΑ ( وليس اية صوفيا ) ومعناها باليونانية ( الحكمة المقدسة) نسبة إلى الحكمة التي وهب الله نبيه سليمان.

- القرآن الكريم يذكر في آياته عن سليمان بأنه سخر له الطبيعة لينتصر على أعدائه ( فسخرنا له الريح. ...سورة ص 36) وفي محاولة المسلمين فتح القسطنطينية الله لم يسخر الطبيعة لسليمان بن عبد الملك أمير المسلمين ، ولكنه سخرها لحماية ما تحمله كنيسة مدينة القسطنطينة من رمز وهو أغيا صوفيا أي الحكمة المقدسة التي ترمز إلى حكمة النبي سليمان ، الحكمة المقدسة هي الحكمة اﻹلهية ، وهذه الحكمة الله عز وجل وزعها على جميع اﻷمم ، كل أمة أخذت جزء من هذه الحكمة اﻹلهية ، لذلك منع الله المسلمين من السيطرة على القارة اﻷوربية ليمنع إنتشار اﻹسلام في جميع شعوب العالم ﻷن المسلمون يملكون جزءا واحدا فقط من هذه الحكمة، أما بقية أجزائها فتملكها بقية اﻷمم ،وهذا مكتوب في القرآن والكتب المقدسة ولكن حتى نرى هذا المعنى نحتاج إلى قراءة هذه الكتب المقدسة بعين البصيرة ، وليس بعين كمبيوتر يحفظ ببغائيا كما يفعل الدكتور ذاكر وغيره من العلماء المسلمين.فلو بحثنا في كتب العهد القديم سنجد سيرة حياة النبي سليمان قد ذكرت في كتابين ، نفس القصة تماما تم ذكر أحداثها في الكتابين ولكن باختلاف بسيط ولكنه جوهري. الكتاب الأول (سفر الملوك اﻷول ) يذكر أن النبي سليمان في آخر حياته قد كفر ﻷنه راح يساعد الشعوب الوثنية المجاورة ببناء معابدها الوثنية وأنه كان يذهب إليهم ويتحدث معهم عن إيمانهم وإعتقاداتهم. بينما في الكتاب الثاني (سفر أخبار اﻷيام الثاني) يعرض سيرة حياة سليمان وكأنه من ولادته إلى وفاته كانت جميع أعماله من أجل خير الناس وما يرضي الله، ولا يذكر شيئا عن كفره.والقرآن الكريم يقول عن سليمان (... وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا....البقرة 107) بمعنى أن مساعدة سليمان للشعوب الوثنية في بناء معابدها لم يكن كفرا، وهذا يعني بأنه هناك ديانات تبدو لنا أنها وثنية ولكن في الحقيقة هي أيضا من عند الله وتحمل فيها جزء من الحكمة اﻹلهية التي وزعها الله على جميع اﻷمم كما في قول الله تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا. .النحل 36 ) وكذلك ( وإن من إمة إلا خلا فيها نذير..... فاطر 24) ، الله عز وجل ساعد المسلمين في القضاء على الديانات الوثنية التي ليست من عند الله ، وكذلك ساعد المسيحيين في القضاء على الديانات التي ليست من عند الله.

الديانة الهندوسية هي من عند الله ، والله أعطانا دليلا على ذلك ،في العصر الحديث نجد أن أرقى ثورة قام بها شخص في الحصول على إستقلال بلاده هو هندوسي وهو الزعيم الهندي غاندي الذي قال عبارته المشهورة ( ليس هناك طريق للسلام ، بل السلام هو الطريق )، في نفس الفترة التي كان فيها غاندي يعرض قوة السلام لشعوب العالم ،كان حسن البنا مؤسس وزعيم أخوان المسلمين يكتب شعار حزبه ( اﻹسلام هو..... القرآن والسيف. ..) فخرج المسلمون لمحاربة اليهود اﻹسرائيلين في فلسطين وهم يرفعون شعارهم ( سنرمي اليهود جميعا في البحر) ..... ومرت 70 سنة على النزاع بين المسلمين واليهود وبدلا من أن يصبح البحر اﻷبيض المتوسط مقبرة لليهود أصبح مقبرة للمسلمين النازحين الذين هربوا من بلادهم بسبب الفتنة و الحروب اﻷهلية التي دمرت كل شيء هناك.

قد يعلل بعض المسلمين أن سبب هذه الفتنة التي تحدث في الدول اﻹسلامية هي أيدي أجنبية غير مسلمة ، هذا تعليل يقبله ضعاف العقول ، فجرثومة الكوليرا لا تنشط إلا في المناطق القذرة ، لذلك قبل أن يتهم أحد جرثومة الكوليرا ﻷنها تقتل أهل مدينته يجب أن يتهم نفسه وأهل مدينته ﻷنهم لم يعطوا النظافة أي أهمية وأن قذارة شوارعهم هي التي سمحت بدخول الكوليرا في بلادهم. هذا هو قانون الخلق. يقول الله في آيته الكريمة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.... الرعد : 11)

عندما ظهرت دور السينما في النصف اﻷول من القرن الماضي جميع شركات إنتاج اﻷفلام السينمائية في العالم وحتى أفلام الدول اﻹسلامية حاولت إستغلال اﻹثارة الجنسية والعنف لتحقيق أكبر مرابح مالية ، إلا السينما الهندية كانت هي الوحيدة التي تنظر على أن دور السينما هي دار مقدسة ويجب على الجميع العاملين في هذا الفن التقيد بجميع القيم السامية والأخلاق الحميدة ، فكانت اﻷفلام الهندية خالية حتى من القبلة ،وهذا ما جعلها أكثر اﻷفلام التي كانت تلائم روح اﻷطفال ليروها ويستمتعوا بها دون أن تشوه تكوينهم الروحي ، وأقصد هنا اﻷفلام الهندية القديمة وليست الحديثة.

لا تنظروا إلى اﻷديان اﻷخرى كما ينظر غير المسلمين إلى اﻹسلام ، اﻹسلام ليس داعش واسامة بن لادن، الهندوسي ليس ذلك الذي يشرب بوله كما يقول أحمد ديدات ،الديانة المسيحيية ليست هتلر ومادونا، الديانة اليهودية ليست موشى ديان وإسحاق شامير ،كل ديانة عبر السنين الطويلة دخلها الشيطان ليعطيها شكلا قبيحا في نظر اﻷديان اﻷخرى لتسخر كل أمة من اﻷمم اﻷخرى وليبث فيهم العداوة والبغضاء ، كثير من اﻷوربيون لا يصدقون كيف أن مئات الملايين من الناس يؤمنون بالدين اﻹسلامي. فهم يعتقدون أن اﻹسلام دين متخلف. ولكنهم لا يعرفون أن اﻹسلام مختلف نهائيا عن ذلك الدين الذي يتصورونه هم ، الشيء نفسه يحصل لكل دين في نظر اﻷمم اﻷخرى. ولكن مثلما المسلم يؤمن تماما بصحة دينه ﻷنه يرى نور الله في اﻹسلام ، هكذا أيضا المسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي. .. جميعهم يرون ذلك الجزء من نور الله الذي أنزله عليهم ،ومثلما المسلم متمسك بدينه ولن يتخلى عنه هكذا أيضا جميع أتباع الديانات اﻷخرى جميعهم يرون نور الله في ديانتهم . إنظروا إلى مقطع الفيديو الذي يحمل عنوان ( بنت غاضبة تسأل د. ذاكر نايك لماذا تريد تغيير ديانة الناس إلى اﻷسلام ) الفتاة يبدو أنها رأت معظم محاضرات د. ذاكر ولم يقنعها منها شيئا ﻷنها ترى في دياناتها ما لا يستطيع رؤيته د. ذاكر وقد أتت إلى المحاضرة فقط لتقول له أن يتوقف عن أعماله ﻷنها تزعج الكثير من الناس. ونجد المحاورة بينها وبين د. ذاكر تنتهي، الفتاة تترك الميكرفون ترفض متابع الجدال وكأنها غير مقتنعة نهائيا بجميع إثباتاته وإكتشافاته.

معظم الهندوس والمسيحيين واليهود والبوذيين... يفكرون مثل هذه الفتاة ، فهم يؤمنون بدينهم بكامل عواطفهم ﻷنهم يرون جزء من نور الله في دينهم ، ولن يستطيع أحد لا باﻷدلة ولا باﻹثباتات العلمية أن يغير إيمانهم بدينهم ،للأسف د. ذاكر لا يعلم بأن الشعور الديني ليس نظرية فيزيائية حتى يستطيع إثبات صوابها أو بطلانها، إنه جزء من روحهم. ما يفعله الدكتور ذاكر نايك بدون أن يدري، ليس إلا نوع من أنواع الفتنة وكل فتنة تقود إلى الحروب اﻷهلية ودمار المجتمع كما يقول الله تعالى ( ..والفتنة أشد من القتل. . البقرة191). وخاصة بلاد الهند موطن د. ذاكر ، فهذه البلاد بسبب شدة كثافة سكانها وتنوع لغاتهم وأديانهم وقوميتهم ، وكذلك بسبب تيار حب العنف وحب المال الذي يسيطر على فكر وسلوك المجتمعات في عصرنا الحاضر ، ليس في الهند فقط ولكن في جميع أنحاء العالم ، جميع هذه اﻷشياء تجعل من الهند وكأنها قنبلة نووية تنتظر شخص ليفجرها ، وللأسف ضعف البصيرة التي يعاني منها الدكتور ذاكر جعلته لا يرى جميع هذه الظروف، سوى مصلحته هو ومصلحة حفنة صغيرة من الناس وأقصد المسلمين ، الذين لا يشكلون سوى 13% من الشعب الهندي وخاصة أن أشد أعداء دولة الهند هي دولة مسلمة باكستان وبينهما مشاكل تتأجج كل فترة وفترة . لذلك كان قرار المحكمة العليا والذي فيه يمنع جميع نشاطات الدكتور ذاكر داخل الهند قرار عادل يحمي الأمن القومي والمصلحة العامة للشعب الهندي بأكمله.ﻷن سكوتهم عليه سيحول الهند يوما ما إلى دولة مثل أفغانستان حيث الكراهية والحروب الأهلية فيها دمرت 80% من سكانها وأبنيتها.

يقول الله في سورة الحجرات (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا....13) (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم. .10) ولم يقل إنما المسلمون أخوة ﻷنه هناك مؤمنون غير مسلمين ( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم...11) ويقول الحديث الشريف (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ). ما منفعة المسلمين اليوم كأمة للعالم ؟ جميع اﻹختراعات واﻹكتشافات العلمية الحديثة التي ساعدت في تحسين ظروف معيشة اﻹنسان ، جميع أنواع اﻷدوات الكهربائية والتكنولوجيا ووسائل النقل ، جميع اﻷدوية والعلاجات الطبية التي ساهمت في علاج اﻷمراض المختلفة و خفض نسبة وفيات اﻷطفال ورفع متوسط عمر اﻹنسان، جميع هذه الإكتشافات والإختراعات الحديثة هي من شعوب غير مسلمة.

الدكتور ذاكر يذكر في محاضراته المعلومات العلمية الموجودة في القرآن كمعجزات ، ولكنه لا يفسر لنا أنه طالما أنها موجودة في القرآن لماذا المسلمون لم يكتشفوا منها شيئا و جميع هذه المعلومات العلمية إكتشفها علماء غير مسلمين لم يقرأوا القرآن . هذا يعني أن هؤلاء العلماء الغير المسلمين لهم فضل كبير على كشف معجزات القرآن ،وهذا يعني أنهم مؤمنيين لذلك أعطاهم الله هذه المقدرة العلمية ،إذن لماذا د. ذاكر يريد تغير دينهم ؟ هذا تناقض تام .يقول الله تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا لهم أمنا بالذي أنزل إلينا وإنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون. .. العنكبوت 46) معنى هذه اﻵية ليس أنه واجب على المسلمين أن يجادلوا اﻵخرين ليدخلوهم في اﻹسلام ولكن أن يقنعوهم أن اﻹسلام أيضا هو دين من عند الله. المقصود من تحريف الكتب المقدسة في آيات القرآن له مفهوم مختلف تماما عما يقصده د. ذاكر وغيره من علماء المسلمين. وهو موضوع طويل سنذكره في مقالة أخرى إن شاءالله.ولكن ما يهمنا هنا هو قول الله تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة. ....آل عمران 7 ) هذه اﻵيات المحكمات التي هن أم الكتاب هي تلك اﻵيات التي تدعوا إلى السلام بين شعوب العالم أجمع لتوحد جميع أجزاء الحكمة المقدسة التي وزعها الله على اﻹنسانية، ولهذا السبب كان أقدس يوم في اﻷسبوع عند المسلمين هو يوم " الجمعة " ﻷن دور اﻹسلام هو جمع أجزاء الحكمة المقدسة أي جمع الديانات لتتعاون مع بعضها وليس القضاء عليها ، لتستطيع هذه الحكمة اﻹلهية تطهير اﻹنسانية من تلك الشوائب الشيطانية التي كانت سببا في طرد اﻹنسان من الجنة ، وأهم هذه الشوائب هي غريزة القتل التي تحاول الدخول ثانية إلى التكوين الروحي للأطفال في عصرنا الحديث .

يوجد اليوم 2،2 مليار طفل في العالم ولدوا وفي كل واحد منهم جزء من روح الله ، وهم بعين الله تحت مسؤوليتنا نحن الكبار مسلمين ، مسيحيين،يهود ،هندوسيين، بوذيين... وواجبنا كمؤمنين أن ننمي إحساسهم بذلك الجزء من روح الله لنمنع دخول غريزة القتل وحب العنف في نفوسهم إلى أن يكبروا ويصلوا إلى سن الرشد ، في هذا العصر الذي نعيش به اليوم والذي لم يعرف التاريخ وحشية مثله من قبل ، ليس أمامنا سوى خيار واحد ،أن نؤمن بأن اﻹنتماء اﻹنساني هو أرقى اﻹنتماءات ﻷن جميع الديانات والعلوم والفنون خلقها الله لحماية اﻹنسان ليتابع تطوره نحو الكمال. ولندع أمر الهداية إلى اﻹيمان لله عز وجل ليهدي من يشاء وبدون أن تستطيع الفتنة نشر العداوة والبغضاء بين الأمم المختلفة. ...والله تعالى الأعلم....في المقالة القادمة إن شاءالله سنذكر بالتفصيل أمثلة على أخطاء الدكتور ذاكر في تفسير أيات القرآن والكتب المقدسة التي تدل على ضعف البصيرة في أبحاثه.

وسوم: العدد 724