خواطر من الكون المجاور، الخاطرة 145 : لعنة توت عنخ أمون

في شهر نوفمبر من عام 1922 تم إكتشاف مقبرة فرعون الملك توت عنخ آمون ، وكما يحدث عادة في كل مقبرة فرعونية ، حيث توجد كتابات تخويف وتحذير لكل من يدخل المقبرة لسرقة كنوزها ، هكذا كانت أيضا في مقبرة توت عنخ آمون عبارة تقول " سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك ". لا أحد من المشاركين في فتح المقبرة أعطى أي أهمية لهذه العبارة ، فحتى تلك الفترة لم تكن هناك أحداث غريبة قد حصلت مع علماء اﻵثار لتجعلهم يأخذوا حذرهم من هذا النوع من التهديدات الموجودة عادة في جميع المقابر ، ولكن هذه المرة كانت اﻷمور مختلفة نهائيا. 

في البداية كان جميع المشاركين في فتح المقبرة يشعرون بفرحة كبيرة عندما تبين لهم أن المقبرة لم يصلها اللصوص وأنها تحوي على كنوز لا تقدر بثمن ، فتلك كانت أول مقبرة فرعونية في تاريخ البشرية بقيت كما هي بجميع كنوزها ، ويبدو أنه من فرحتهم الشديدة وهم يشاهدون كنوز هذه المقبرة التي لا تقدر بثمن لم ينتبهوا إلى شيء آخر ، وهو وجود جميع هذه الكنوز في حالة غريبة من الفوضى ، التي تدل على شيء واحد أن بعض لصوص المقابر قد دخلوا هذه المقبرة وأنهم قد أخرجوا جميع محتوياتها لسرقتها ، ولكن شيء غريب حدث فجأة وأرغم اللصوص إلى إعادة ما حاولوا سرقته بسرعة ثم ولوا هاربين، وكأن شيئا ما قد أفزعهم فزعا شديدا ، لذلك كانت محتويات القبر عند إكتشافه ليست في أماكنها بشكل منتظم ومتناسق ولكنها كانت مركومة عشوائيا واحدة فوق اﻷخرى.

وفجأة بدأت المصائب تقع على الذين ساهموا في فتح مقبرة توت عنخ أمون واحدا تلوى اﻵخر :

في يوم اﻹحتفال الرسمي بافتتاح المقبرة أصيب اللورد كارنرفون الممول المالي لفريق التنقيب بحمى غامضة لم يجد لها اﻷطباء تفسيرا لسببها والتي أدت إلى وفاته في منتصف الليل بعمر 57 عام، والغريب في اﻷمر أن في لحظة وفاته قد إنقطع التيار الكهربائي في جميع أحياء القاهرة دون أي سبب واضح يفسر سبب إنقطاعها.وفي نفس العام أيضا توفي أصغر أولاده أثناء عملية في أسنانه.

في نفس اليوم الذي قام به اﻷمير علي كمال فهمي باشا بزيارة للمقبرة المكتشفة وصله خبر وفاة زوجته في لندن.

عالم اﻵثار اﻷمريكي أرثور ميس والذي ساعد في فتح المقبرة ، بعد موت اللورد كارنرفون فجأة بدأ يشعر بارهاق ثم وقع في غيبوبة لم يفهم اﻷطباء سببها، ومات هو اﻵخر في نفس الفندق الذي توفي فيه اللورد كارنرفون.

جورج جاك كولد صديق اللورد كارنرفون الذي أتى إلى مصر لرؤية صديقه ، ذهب إلى مقبرة توت عنخ آمون ،وفي اليوم التالي أصيب بحمى غامضة وبنفس الليلة توفي.

جويل غول رجل اﻷعمال البريطاني الشهير الذي زار المقبرة أثناء تقييم وتسجيل محتوياتها ، بمجرد عودته إلى إنكلترا أصيب هو أيضا بحمى غامضة وتوفي على أثرها مباشرة.

السير ارشيبالد دوغلاس ريد ، وهو الطبيب الذي قام بعمل الأشعة السينية لـ مومياء توت عنخ أمون، أصيب فجأة بنوع من اﻹرهاق الشديد وتوفي مباشرة بعد عودته إلى إنكلترا من مرض غامض.

ريتشارد بيثيل السكرتير الشخصي لمكتشف المقبرة هوارد كارتر ، وجد مخنوقا في فراشه في شقته في إنكلترا ، وعندما علم والده اللورد 87 عام ، سقط هو اﻵخر من شقته الطابق السابع وتوفي مباشرة ، واﻷغرب من ذلك أنه أثناء نقل جثته، العربة التي تحمله أصطدمت بطفل وقتلته هو اﻵخر.

كما تذكر الوثائق التاريخية خلال خمس سنوات بعد فتح مقبرة توت عنخ آمون حوالي 22 شخص من الذين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر بفتح المقبرة ، لاقوا حتفهم بطريقة غريبة لا يمكن تفسيرها. أكثر من أربعين عالم وباحث عملوا على إكتشاف المقبرة وفحص المومياء ماتوا ﻷسباب غامضة عجز اﻷطباء عن تفسيرها.

الدكتور عز الدين طه عالم اﻷحياء ،في عام 1962 حاول أن يثبت أن " لعنة الفراعنة " هي خرافة وأن سبب حالات الوفيات هي وجود بعض الفطريات والبكتريا على جلد المومياء المتحللة وأنها هي السبب في ظهور الحمى الغامضة ، ولكنه توفي بحادث سيارة بعد أسابيع قليلة من تصريحاته ،قبل أن يستطيع إثبات صحة رأيه، وتبين من تشريح جثته أن سبب الوفاة هو ضيق في التنفس.

الدكتور جمال محرز المدير العام للمتحف المصري للآثار في أحد تصريحاته قال " إنني أصدق مثال على عدم وجود لعنة الفراعنة فقد قضيت عمري بين الموتى والتوابيت والمومياوات دون أن يحدث لي شيء " وبعد أشهر قليلة أصيب بهبوط في جهاز الدوران مما أدى إلى وفاته ، والغريب في اﻷمر أن وفاته حدثت في نفس اليوم الذي نزع فيه القناع الذهبي للفرعون توت عنخ أمون للمرة الثانية ، الدكتور جمال محرز عندما توفي كان عمره فقط 52 عام .

الدكتور زاهي حواس عالم اﻵثار المصري الشهير ، كان يرفض نهائيا فكرة لعنة الفراعنة ، ويعتبرها خرافة أطلقها الصحفيون وصدقها العالم ، عندما شارك في عملية إخراج مومياء توت عنخ آمون من المقبرة لدراستها باﻷشعة السينية ، فجأة هبت عاصفة رملية قوية جدا غطت منطقة وادي الملوك بأكملها، فاضطر فريق العمل إلى التوقف ، وكثير منهم شعروا بنوع من الرعب من أن تكون العاصفة الرملية هي لعنة من لعنات الفراعنة ، لكن الدكتور زاهي طمأنهم وأصر على رأيه " مفيش حاجة إسمها لعنة الفراعنة " وعندما هدأت العاصفة وتم إخراج المومياء خارج المقبرة لفحصها تعطل جهاز اﻷشعة لمدة أكثر من ساعة ونصف رغم أن الجهاز كان حديث الصنع ولم يكن هناك أي سبب لتعطله ، وعندما بدأ العمل على اﻷشعة السينية رن جرس التليفون المحمول الذي يملكه الدكتور زاهي ، فسمع صوت شقيقته تبكي وتخبره بأن زوجها مات. وبعد إنتهائه من العمل قرر أن يسافر إلى بلدته للمشاركة في جنازة زوج شقيقته، فاتصل بالوزير فاروق حسني ليبلغه سبب سفره ولكنه سمع من سكرتير الوزير أن الوزير تم نقله إلى المستشفى بسبب شعوره فجأة بإرهاق شديد وعدم إنتظام ضربات القلب.

هناك أحداث كثيرة أخرى تتعلق بمقبرة ومومياء الفرعون توت عنخ آمون بعضها حدثت حقيقة وآخرى تم نسجها من الخيال لتعطي نوع الغموض والتشويق للموضوع ، هذه اﻷحداث سواء شئنا أو أبينا جعلت الكثير من الناس تصدق أو ربما على اﻷقل تعتقد بأنه ربما توجد لعنة تسمى لعنة الفراعنة ، فكثير من السواح الأجانب بمجرد وصولهم إلى مصر يقومون بشراء بعض اﻷدوية المضادة للإسهال فهم يعتقدون أن لعنة الفراعنة ستصيبهم في أي لحظة.

البعض يرفض فكرة وجود " لعنة الفراعنة " بحجة أن عدد الذين شاركوا في إكتشاف وفتح مقبرة الفرعون توت عنخ أمون يبلغ أكثر من 85 شخص وكثير منهم لم يصاب بأي مرض غريب وتابع حياته بشكل طبيعي ، وأفضل مثال على ذلك هو هوارد كارتر مكتشف المقبرة والذي يعتبر المسؤول اﻷول في فريق التنقيب فإذا كانت فعلا لعنة الفراعنة حقيقة لماذا لم يصاب هو أولا بهذه اللعنة ؟

الحقيقة هي أن جميع الذين يبحثون في شرح هذه الظاهرة ينظر إلى مفهوم اللعنة بشكل سطحي وكأنها نوع من أنواع السحر اﻷسود ، وهذا طبعا يعطيها شكلها الغامض ويحولها إلى نوع من الخرافات والشعوذة، ولكن حتى يأخذ الموضوع شكله العلمي يجب أن ننظر إليه من ناحية المضمون لفهم هدف هذه اللعنة أو بكلام آخر من أجل فهم الحكمة اﻹلهية من وجود هذه اللعنة ، وكما تقول اﻵية القرآنية " سنريهم آياتنا في اﻵفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ، فمهما كان ، هناك شيء غريب يشبه نوع من أنواع اللعنة لا يستطيع أحد أن ينكره قد حدث بعد إكتشاف وفتح مقبرة الفرعون توت عنخ أمون ، والذي حصل فيما يتعلق بمقبرة الفرعون توت عنج أمون هو عدم فهم سبب اللعنة ، فاللعنة ليس سببها العبارة التي وجدت مكتوبة في المقبرة " سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الفرعون " فمثل هذه العبارة موجودة في جميع المقابر الفرعونية ولكن ومع ذلك لم يحدث أي شيء غريب مع كل من شارك في إكتشافها وفتحها ، ولكن اﻷمر إختلف فقط مع مقبرة توت عنخ أمون ولهذا السبب أيضا ظلت هذه المقبرة بكامل محتوياتها بعكس ما حصل تماما مع بقية المقابر ، حيث جميعها تم سرقتها ومنذ زمن طويل جدا ، وأما بالنسبة لمقبرة توت عنخ أمون ، فرغم أنه كان مصيرها مشابه تماما لبقية المقابر ، ولكن بقدرة إلهية حدث شيء غريب دفع لصوص المقابر إلى إعادة كل ما أرادوا سرقته ، وهذا ما أعطى نوع من الحماية اﻹلهية لهذه المقبرة من أن يمسها أحد لتبقى كما هي وﻷكثر من 3300 عام بكامل محتوياتها سواء كان كنوزها أو مومياء فرعون نفسه لتراها أعين الناس في العصر الحديث. وكأن هذه المقبرة تذكرنا باﻵية القرآنية 92 من سورة يونس (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثير من الناس عن آياتنا لغافلون). فما حدث بمقبرة الفرعون توت عنخ أمون مشابه نوعا ما لمعنى الآية القرآنية ، فهي المقبرة الفرعونية الوحيدة التي ظلت كما هي خلال آلاف السنين.

فاللعنة هنا هي بمثابة علامات إلهية يريها الله لنا لنعطي أهمية كبرى لدراسة سبب أهمية هذا الفرعون في فهم تاريخ اﻹنسانية وعلاقته بالتطور الروحي لها، فإذا تمعنا جيدا في نوعية عمل كل شخص من الذين شاركوا في عملية فتح المقبرة سنجد بشكل عام أنه فعلا يوجد نوع من أنواع اللعنة ،وهذه اللعنة قدا أصابت كل شخص شارك في فتح المقبرة بهدف الشهرة والربح المالي، أما هوارد كارتر الذي لم تصبه اللعنة، فكان هدفه مختلفا تماما ، فجهوده ونشاطه الدؤوب كان أصله هو حب المعرفة وإكتشاف اﻵثار المدفونة تحت التراب لتخرج إلى النور ليراها الناس و لتساعد العلماء في فهم حقيقة اﻷحداث التاريخية في تطور اﻹنسانية.لذلك كان من الطبيعي أن لا يصاب هوارد كارتر بهذه اللعنة.ولهذا السبب أيضا نرى أن اللعنة قد أصابت كل عالم أو باحث حاول أن ينفي بإصرار وجود هذه اللعنة ، ﻷنه بإصراره هذا يريد أن يتحدى القدر وينفي وجود علامات إلهية في هذه المقبرة لها معنى معين ويجب دراستها لتساهم في فهم المخطط اﻹلهي في تطور البشرية .

هل من المعقول أن يكون الفرعون " توت عنخ أمون " له علاقة مع ذلك الفرعون الذي ذكرته الكتب المقدسة والذي إستعبد قوم موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، طبعا الموضوع ليس بهذه البساطة للإجابة عليه بنعم أو لا. ولكن يمكن عرض عناصر كثيرة تتعلق بتلك الفترة التي عاشها هذا الفرعون لتساعدنا على فهم سبب هذه اللعنة التي وضعها الله عز وجل لحماية هذه المقبرة.

رغم أن الفرعون توت عنخ أمون اليوم يعتبر أشهر ملوك مصر على اﻹطلاق ، ولكن جميع الوثائق التاريخية عنه تؤكد بأن فترة حكمه كانت عديمة اﻷهمية من جميع النواحي ، فقد إستلم العرش حوالي عام 1332قبل الميلاد وهو طفل صغير ومات عام 1323وهو في بعمر ثمانية عشر عاما تقريبا ، دون أن يكون له أي إنجاز سياسي أو عسكري ، وربما بسبب عدم أهميته أن شعب مصر قد نسى أمره بعد وفاته بسنوات قليلة جدا ، أما شهرته الكبيرة في عصرنا الحاضر فسببها فقط كنوزه التي لا تقدر بثمن والتي وجدت مع مومياءه كون قبره لم يسرق من اللصوص كما حدث مع جميع المقابر اﻷخرى ، وإذا تمعنا بحجم ونوعية مقبرته سنجدها بأنها مقبرة بسيطة نوعا ما بمقارنتها مع بقية المقابر الفرعونية ، وهذا يؤكد على أن مكانته في فترة حكمه كانت بسيطة مثل منجزاته العديمة اﻷهمية ، ولكن هنا قد يدفعنا التساؤل، ما الذي جعل هذا الفرعون الذي لم يفعل شيئا في حكمه والذي كانت حياته بالنسبة لشعبه أو بشكل عام للإنسانية بأكملها عديمة اﻷهمية، أن يصبح اليوم اشهر فراعنة مصر عالميا ، والتي كان سببها فقط هي تلك اللعنة التي وضعها الله في مقبرته لتمنع لصوص المقابر من سرقة كنوزها؟

فهل من العدالة اﻹلهية أن يصبح هذا الفرعون الذي لم يقم بأي عمل يساهم في تطوير اﻹنسانية أن يصبح أشهر حكام مصر القديمة في حين أن أنبياء الله ( إبراهيم ويوسف وموسى وهارون صلوات الله عليهم ) الذين عاشوا لفترة في مصر وكان لهم تأثير روحي كبير في شعبها وتاريخها ،أن لا نجد لهم أي أثر في الآثار المصرية وكأنهم بلا وجود على الإطلاق في هذه البلاد؟

للأسف المنهج العلمي المادي الذي يستخدمه علماء العصر الحديث في دراسة وتفسير اﻷشياء واﻷحداث جعلهم ينظرون إلى لعنة توت عنخ أمون وكأنها خرافة من صنع الخيال ، رغم أن وسائل اﻹعلام التي تابعت اﻷحداث في فترة إكتشاف هذه المقبرة كانت تؤكد على أن شيئا غير طبيعي يحدث مع الذين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في فتح هذه المقبرة ، وأنه هناك نوع من اللعنة قد ظهرت مع إكتشاف هذه المقبرة ، لذلك أخذت هذه الظاهرة شكلها الروائي المشوق دون أن تأخذ حقها الحقيقي في فكر العلماء والباحثيين لفهم العلامة اﻹلهية المقصودة من هذه اللعنة ، ورغم أن الباحث الألماني فيليب فاندنبرغ قد ألف كتاب كامل عن لعنة الفراعنة وحاول إعطاء تفسيرات علمية لهذه الظاهرة ، ولكن ظلت تفسيراته سطحية لا تتعدى الطبيعة المادية لتلك اﻷحداث الغامضة ، فأن يصاب أحد المشاركين بفتح مقبرة فجأة بنوع من المرض نتيجة تأثره بنوع من البكتريا الموجودة في المقبرة فهذه الحادثة لا تحتاج إلى تفسير ﻷنها حدث طبيعي يمكن أن يتقبله العقل ، ولكن أن يصاب شخص بمرض فجائي غامض ﻷنه فقط تحدى وجود ( اللعنة ) هنا الحادثة تخرج عن طبيعتها المادية وتأخذ طبيعة روحية مختلفة نهائيا عن القوانين التي نستخدمها في تفسير اﻷشياء. وهذا هو المجال الذي علينا دراسته وفهم هذا النوع من الظواهر الميتافيزيقية ( ما وراء الطبيعة ) .وإن شاء الله في اﻷسبوع القادم سنتكلم عن أسباب هذه الظاهرة ولكن من منطق روحي يبين لنا خفايا هذه اللعنة بإذن الله.

وسوم: العدد 734