في ذاكرتي.. سقوط بغداد

انتصار العبد الله

انتصار العبد الله

في ذاكرتي.. طفلة في الثالثة عشر من عمرها تستعد للذهاب إلى المدرسة عقب صلاة الفجر.. وحركة غير اعتيادية في المنزل.. لأول مرة يجلس الوالد ليشاهد التلفاز مباشرة بعد الصلاة.. والجميع تتغشاه موجة حزن.. الكلام قليل والوجوم سائد.. عجباً تساءلت عما يحدث ولم أنتظر الإجابة طويلاً فقد بدأت الحرب على العراق..

ومرت الأيام ثقيلة 20 يوماً تعدادها لكأنها 20 من السنوات.. الجميع يتجمهر أمام الشاشة يطالع العجب.. ذلك الجهاز الصغير لم يهدأ سوى سويعات من كل نهار.. كما لم تهدأ القذائف الأمريكية على العراق.. نتابع التصريحات .. التحركات.. الوقائع..التفجيرات والشهداء والجرحى.. المعتقلين والمفقودين.. أصبح هذا حديثنا المدرسي الصغير..بالأمس 20 شهيداً.. حرب على الفلوجة.. تصريحات تتوج بكلمة العلوج الشهيرة.. نقضي النهار نتابع الأخبار ونحلل بمعلوماتنا الضحلة أحداثاً ضخمة ترسم مساراً جديداً للأمة..

لم نكن ببراءتنا الطفولية نصيب الصواب في معظم الأحيان لكننا حملنا الهم بثقل الجبال في ما يجري على أرض العراق.. حتى أصبحت من أهم الأناشيد التي تحتل الصدارة عندنا في تلك الفترة "قتلوك يا بغداد.."للتاسع من أبريل ذكراه الأليمة.. سبقها بيوم استشهاد طارق أيوب مراسل الجزيرة وأحداث اطلاق النار على الصحفيين في فندق "فلسطين".. ولا يزال الجرح ينكأ كلما مرت الأيام بنا.. نستذكر ما جرى ونعلم أن لا يزال المشوار طويلاً أمامنا ونرى الحال الآن.. وجميع الأخطاء تكرر..

في ذاكرتي دبابة أمريكية عليها أشباه رجال من أبناء جلدتنا -باعوا وخانوا أوطانهم وأمتهم- يعتلونها بكل زهو.. وفي الذاكرة أيضاً غوانتانامو وتعذيب مبرمج وقتل على الهوية مورس ضد إخوان لنا على أرض العراق الغالية..ذاكرة طفولة لم تنسى خيانة حكام مضى عليها عقد من الزمن...