هل وجدت بطلك؟ (خاطرة في قصة أهل موسى عليه السلام)

لعل في قصة أهل موسى..أعظم القصص وأجملها وأطيبها.....

لم يرها موسى أبدا..ولم يرفع طرفه إليها ليرى شيئا منها

لم يكلمها...حتى يقع فيه مايقع..

وهو الشاب الوحيد الطريد الغريب....

 ما خطبكما.؟.. إنها الفراسة التي أودعها به رب العزة فيه ، وهو الذي ما فتئ ينجد

 البسطاء المظلومين ..

( ألم تكن نجدته قبل وقت قصير لإبن طائفته سبباً في حالته هذه التي يعيشها الآن ...!؟)

والفراسة لم تدفعه لسؤاله المرأتين : ماقصتكما ؟؟ .. !!

بل قالها حكمة ربانية لما رأى من تعب وضعف وشرود  وقلة حيلة في محياهما..!

ماخطبكما .. ؟

وجاءه الرد بالثقة نفسها ولم تحرجا أبداً منه..

( ...  قالتا لانسقي حتى يصدر الرعاع...وأبونا شيخ كبير... ! )

سبحان الله..... وتولّى الى الظل ودعى ربه الذي يراه وهو بعينه وهو لا يعلم

( رب اني لما أنزلت إلي ّمن خير فقير.... )

اللهم نحن الفقراء اليك...اللهم ارزقنا من خيرك الذي لاينضب واكفنا من شرك الذي لايدانا....... آمين.

فجاءته إحداهمها وهي تمشي على استحياء..... هي راعية أغنام تقضي وقتها كله ،

طول يومها وعرضه وحيدة في البراري قوية جلدة..لكنها فتاة غضة في ريعان صباها...

فتراها مع الرعاع الذين يسقون ، خجلة لاتزاحمهم ، ضعيفة لا تدافعهم  ، بل يكللها

الحياء من مخالطتهم فلا تأخذ دور السقي حتى يفرغون تماما من سقيهم جميعاً ...!

فلما جاءت موسى وقد رأته من قبل  ورأت قوته الظاهرة في أخذ دور السقي ، كيف نهل

الماء الكثير وسقيه للاغنام بكل يسر ،وبهذه السرعة ولم يطلب منهما شيئا أو أجرا لقاء

 عمله لهما....انصرف ولم يكلمهما أبدا....

لقد انصرف يشكو ربه...في حاله وهمّه الذي لايعلمه أحد..... سبحان الله

لقد تكللت بالحياء اذ جاءته وحيدة...

ربما وهي الحصيفة..لتبعد الظن في نفس هذا الغريب القوي من أي أمر قد يرتاب به ..

جاءته وربما والمكان أصبح خاليا موحشا من أي رعاع يعرفها ومن أي مرتاد للبئر

.

جاءت ، وهي تحصن نفسها بالحياء الذي هو سلاحها الرباني..وتحصن أختها وأبوها

الشيخ الكبير..في غيابها عنهما....

 لقد جاءت تحمل الأمانة.... الأمانة التي حمّلها إياها أبوها الشيخ ، لتعادل بها أمانة

النجدة التي أبداها هذا الرجل الغريب وأمانة السقي وإزالة الخطب من أذى الرعاع

والتأخير في العودة للبيت قبل المغيب .

وفي مجلس الأب الشيخ الكبير..   :

تبادلا التعارف وكلا منهما قص للآخر موجزاً عن حالته...

جاء النطق..الرباني بالحكم....يا أبت استاجره....

لقد وقع في نفس الاب الشيخ الكبير ماوقع....وقرأ رسالة ابنته الحصيفة الامينة وترجمها

في الاستجابة السريعة لطلبها الخفي ..

ومن أجل العدل والانصاف ومن أجل أن لايترك (حزّا أو ضغينة) في نفس احدى ابنتيه

 اذا ما وقع الاختيارعلى واحدة منهما...

قال الأب الشيخ الكبير..كلمته العادلة..ورمى الغريب بحق الإختيار...  

(...إني أ ريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين...) ........ فاختر إحداهما !!

سبحان الله....

الأب الشيخ الكبير يخطب الغريب ويخيّره حتى لايحز أويولّد الشقاق بين ابنتيه....

انها الحصافة والحلم والاخلاق.... انه الحق الناصع....

قليلا ما يحدث هذا....ولا دور أو ذكر للأم هنا...ابدا...

سبحان الله وبحمده

وسوم: العدد 753