اجتماع الكلمة

مقدمة :

إن اجتماع الكلمة ووحدة الصف من الأمور المهمة التي حث عليها الدين ، وأمرت بها الأدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه . وإن التفرق يشل حركة المجتمع ويوهن البناء ويضعف الشوكة ، ولا بد من الحرص من الأهواء ، والحرص على الحب والإخاء ؛ لأن اتبـاع الأهواء يفرق ، والحب والإخاء يجمع .

محاور الخطبة:

1.   أهمية اجتماع الكلمة ووحدة الصف.

2.   أسباب الفرقة والاختلاف.

3.   مقومات الاتفاق والاختلاف.

هدايات قرآنية :

1.      يقول تبارك وتعالى آمرا عباده المسلمين : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [آل عمران:103] : هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج ، قبيلتان من القبائل التي أسلمت في عهد النبي ، وكان بينهم حروب طاحنة ، لما اسلموا صاروا كما قال الله تعالى : بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا. حاول يهودي ـ كعادة اليهود ـ أن يفرق بينهم ، لما رآهم متفقين متآلفين ساءه ذلك، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم بما كان بينهم من حروب ، وهذا شأن اليهود ، يحاولون دائما التفريق بين المسلمين ، ويعملون جاهدين على تمزيق وحدتهم. فانظروا ماذا فعل هذا الخبيث ، أرسل رجلا ـ واليوم اليهود قد يفعلون ذلك ، يفعلونه من خلال قنواتهم ، أو من خلال وسـائل إعلامهم ، أو حتى عن طريق أذنابهم من بني جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا ، الذين يلجؤون إليهم ويتلقونهم بالأحضان ، ليستعملوهم من أجل تفريق المسلمين ـ فأثر ذلك الخبيث حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، فثاروا وحملوا السلاح ، وتواعدوا الحرة ، فعلم النبي ، فأخذ يسكنهم ويقول : (( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟! )) وتلا عليهم الآية، فندموا واصطلحوا وتعانقوا رضي الله عنهم وأرضاهم.

2.       يحب أن يكون المسلمون إخوة ليس بينهم فرقة ، يحب جل جلاله أن يكون المؤمنون على مستوى من المحبة وعلى درجة عالية من الألفة والترابط ، ولهذا يقول جل جلاله : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [الحجرات:10].

3.      يقول تبارك وتعالى : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال:63] : فلا يجتمع الناس ولا تتآلف قلوبهم إلا إذا عملوا بكتاب الله عز وجل وتمسكوا بسنة نبيه.

قبسات نبوية :

1.       وأما اجتماع الكلمة في السنة ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أنه قال : (( إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا . يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم . ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال )).

2.       ويقول النبي عليه الصلاة والسـلام : (( لا تباغضوا ، ولا تحاسـدوا ، ولا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) متفق عليه : فاجتماع الكلمة من الأمور المهمة التي يجب وينبغي أن تكون بين المسلمين ، ولهذا حرم الله عز وجل كل أمر من شأنه التفريق.

3.       ولكي ندرك اهتمام الدين بوحدة الكلمة والحرص على عدم الفرقة والتحذير من الاختلاف نتأمل هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي قال : (( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا )).

4.       ويقول النبي : (( كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض )) : ولا يؤلف بين القلوب فيجعلها متآلفة متآخية متحابة إلا التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه .

5.       وخطب النبي الأنصار فقال : (( يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلّالاً فهداكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟! )).

6.       الاستقامة على أمر الله وعلى أمر رسوله بها ومن خلالها نكون إخوة متحابين متآلفين ، أما إذا كان الناس على خلاف ذلك فليبشروا بالفرقة والتشتت في هذه الدنيا وبالنار يوم القيامة ، يقول النبي : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار وواحدةٌ في الجنة ، والذي نفسُ محمدٍ بيده ، لتفترقنّ أُمتي ـ يعني نحن ـ على ثلاث وسبعين فرقةً ؛ فواحدةٌ في الجنةِ واثنتان وسبعون في النار )) والحديث في السلسلة الصحيحة.

7.       وقد سأل النبي عن الفرقة الناجية فقال : (( هم الذين على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) فحري بالمسلم أن يحرص على أن يكون من هذه الفرقة السالمة من جهنم.

 

والحمد لله رب العالمين