الخُطب المسيلة للدموع

سلمان عبد الأعلى

 يحرص الكثير من رجال الدين ((الخطباء)) على إلقاء الخطب المؤثرة في نفوس الجماهير، ولذلك نراهم يتفننون في جعل خطبهم تحظى بتأثير كبير لدى المستمعين، بكونها تمتاز بأنها من ضمن الخطب المسيلة للدموع، لأنهم بهذا يعتقدون بأن الخطبة الناجحة هي التي تحدث أثرها في عيون المستمعين لها.

 ولهذا نجد الكثير من الخطب الحزينة والمؤثرة التي تحذر الإنسان من عقوبة الله سبحانه وتعالى للعاصين، ونجد المستمعين كثيراً ما يتفاعلون معها بالضجيج والعويل وذرف الدموع، غير أننا نرى الكثير من هؤلاء (المستمعين المتفاعلين) ينسون هذه الخطب بعد فترة قصيرة، حال توقف الخطبة أو عند خروجهم من مكان إلقائها، بحيث يبدون وكأنهم لم يستمعوا إليها، فضلاً على أن يكونوا تأثروا بها أم لا، حيث نجد الكثيرين ممن يتفاعلون مع الخطب والمواعظ التي تحذر من عواقب المعصية والتمرد و... وتشجع على الطاعة والالتزام الديني، نجدهم في تعاملاتهم الحياتية يتصرفون وكأنهم يجهلون هذه الأمور، لأنهم يؤثرون مصالحهم الشخصية على المبادئ والقيم والمعتقدات التي يدعون الالتزام بها.

 ما أود قوله هو: بأن الكثير من الخطب التي تلقى على مسامع الجماهير، وتحدث زلازل وهزات في مظاهرهم، تذهب أدراج الرياح وتفقد مفعولها بسرعة، وذلك لأنها تفتقد للتأثير الفعلي التي من المفترض أن يكون لها، فمن المفترض أن يكون الهدف من الخطبة هو إحداث تغيير ولو يسير في الواقع الفعلي للإنسان وللمجتمع، وليس فقط التأثير النفسي الوقتي الذي يترجم بإطلاق زفرات ودموع من أعين المستمعين، فلقد أصبحت الدموع روتين معتاد تقابل بها كل الخطب النارية المؤثرة التي من هذا النوع، ولكن دون تغيير واقعي يذكر، إذ أصبح المشهد وكأنه مشهد تمثيلي مسرحي لا بد من لعلب دور فيه.

 إنني أعتقد بأن المشكلة تكمن في أن هذه الخطب أصبح الهدف منها هو البكاء فقط، ولهذا نجد الخطيب يحقق هذا الهدف بيسر وسهولة بحكم خبرته الواسعة في هذا المجال، ويفرح بتحقيقه لهذا الهدف إذا رأى الناس تفاعلت معه في خطبته وعلت منهم أصوات النحيب والبكاء، كما أن المستمعين المتفاعلين معه يفرحون هم أيضاً ببكائهم لأنهم يعتقدون بأنهم بذلك يغسلون أدران ذنوبهم، غير أن هذا الهدف هو هدف وهمي، وغير واقعي، وغير فعال، فمن المفترض أن يكون الهدف من الخطب التي تلقى على مسامع الناس هي أمور أخرى تساهم في تغيير حالهم وحال مجتمعاتهم للأفضل، ولا بأس بأن تكون من ضمن الوسائل التي تحقق هذه الأهداف هو البكاء، لأن للبكاء دور فعال في إحداث هزات عنيفة في أعماق الإنسان، ولكن ما هو مرفوض أن يكون البكاء هو فقط للبكاء دون أن يلعب أي دور آخر.

 ولذلك لو أردنا أن نقيس تأثير بكائنا وتباكينا على واقعنا في حياتنا لما لا حظنا فرقاً كبيراً، لأن بكائنا أصبح عادةً شكلية أكثر كونه تفاعل حقيقي.

 ومن المؤسف له بأن الكثير ممن يلقون هذه الخطب (المسيلة للدموع) جاهلين بالمؤثرات والأسباب الحقيقية التي تؤثر في أفكار الناس وسلوكياتهم، وذلك لأنهم غير مطلعين على العلوم المفيدة في هذا الشأن كعلم النفس وعلم الاجتماع.

 ولا يتصور البعض أنني بكلامي هذا أرفض البكاء وأحاول أن أهاجمه وأنهيه. لا، وإنما كان هدفي هو أن يكون بكائنا فعالاً يخدمنا ويجعلنا نتفاعل مع قضايانا أكثر حتى نغير من واقعنا نحو الأفضل، لا أن يكون بكائنا يحطمنا ويهدمنا ويزعزع ثقتنا بأنفسنا، أو أن يكون مجرد عمل نؤديه لنوهم أنفسنا بأننا نتقرب بذلك إلى الله سبحانه وتعالى حتى نتخلى عن أداء واجباتنا ومسؤولياتنا تجاه خالقنا ومجتمعنا وأنفسنا. 

 ولو سألنا أحدهم عن الفائدة من البكاء الديني، لرأيناه يجيبنا بالعديد من الأجوبة التي قد تعجبنا وتذهلنا، وبأدلة عقلية ونقلية، ولكن لو سألناه عن: ما هي الفائدة التي جناها هو شخصياً من بكاءه؟ لرأيناه يتلكأ ولا يستطيع الإجابة، مع أن هذا هو ما نفقده في مجتمعاتنا.

 ولهذا علينا أن نكون فعالين وعمليين ونثبت مبادئنا وقيمنا الدينية بالعمل والفعل، بدلاً من أن نثبتها فقط بالأقوال والخطب الفلسفية أو الأخلاقية أو بالتفاعل الظاهري الشكلي، لأن هذا وحده لا يكفي.