معنى الدين

العلامة محمود مشّوح

26 / 9 / 1974

العلامة محمود مشّوح

 (أبو طريف)

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فبعد أن قال الله جلّ وعلا لأهل الكتاب الذين كانوا ( يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ) وينتقصون محمداً صلى الله عليه وسلم ويطعنون بالإسلام .. بعد أن قال لهم ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون ) قال الله بعد ذلك ملقناً رسوله عليه السلام ومعلماً الأمة الاعتقاد الأمثل ، بل الاعتقاد الوحيد المقبول عند الله جلّ وعلا ( قل آمنا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أُوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون ) . هل من فارقٍ بين هذه العقيدة التي قدمها الله جلّ وعلا للأمة وبين عقيدة اليهود والنصارى في ذات الأمر ؟ نقول : نعم ، فاليهود والنصارى لا يؤمنون إلا بأنبيائهم ، ويكفرون بمن وراء أنبيائهم ، اليهود يقفون بإيمانهم عند موسى صلى الله عليه وسلم ويكفرون بعيسى ويكفرون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يكتفون بذلك ، بل يرمون عيسـى وأمه بالعظائم التي يخجل بذكرها أشراف الناس ، فذلك لأن النصارى تؤمن بموسى وعيسى ، ولكنها تكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .

 ولقد ألمعنا أمس وقبل الأمس إلى أن الأنبياء عليهم السلام إخوةٌ يتعاونون على أداء حقيقةٍ واحدةٍ لهذه البشرية ، فلا يجوز تبعاً لذلك الإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم الآخر ، بل يجب الإيمان بهم جميعاً ، وهذه إحدى قواعد العقائد في الإسلام : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والذي يؤمن ببعض رسل الله ويكفر ببعض رسل الله فهو كافرٌ حقاً ، لا ينتسب إلى الإسلام ولا يشم رائحة الجنة . ونحن نقرأ في مواضع عديدة هذه العقيدة البيّنة من عقائد الإسلام التي تؤمن بكل نبيٍ أرسله الله جلّ وعلا إلى الناس ، سواءٌ بلغتنا أنباؤه أو لم تبلغنا ، فمن المعلوم أن الله جلّ وعلا أرسل رسلاً كثيرين ، ونبّأ أشخاصاً كثيرين ، وقال ( وإن من قريةٍ إلا خلا فيها نذير ) وذكر الله جلّ وعلا لرسوله عليه السلام من نبأ بعض هؤلاء الأنبياء ، وضرب صفحاً عن بعضهم ، فقال ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) وفي كل الأحوال فالرسول الذي بلغنا نعته أو الذي بلغنا اسمه أو بلغنا خبره فنحن نؤمن به ولا نفرق بين أحدٍ من أنبياء الله ورسله .

 يقول الله تعالى في أول سورةٍ وأطول سورةٍ من سور القرآن ( ألم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) من هم هؤلاء المتقون ؟ فسرتهم الآيات التي جاءت بعد ذلك بأنهم ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، والذين يؤمنون بما أُنزل إليك ) يعني ما أُنزل إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم ( وما أُنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون

 والمسلمون فيما يعتقدون ، يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم سد الأولين والآخرين ، ويعتقدون أنه أفضل الأنبياء جميعاً ، عقيدة لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً لدى المسلمين . لكنا نريد أن نلفت الأنظار إلى أدب يختص بالمسلمين ويبرأ منه النصارى واليهود ، ففي الوقت الذي نقرأ فيه في كتب العهد القديم والعهد الجديد وهي الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى أن هذه الكتب تنسب الزنا بالبنات إلى بعض أنبياء الله ، وتنسب القتل ، وتنسب الغش والخداع والسرقة وما أشبه ذلك ، فتلحق الشين والعيب والنقص برسل الله تعالى ، في ذات الوقت نجد رسـول الله عليه الصلاة والسلام يقول : ما ينبغي لأحد أن يكون من يونس بن متى . ويونس عليه السلام نبي من أنبياء الله لا يعدّ بين أولي العزم ، ومعلوم أن أولي العزم من الرسل أفضل من سواهم . وكان أحد الأصحاب رضي الله عنهم يجادل يهودياً في مسألة ما ، فقال اليهود منكراً : لا والذي اصطفى موسى على العالمين . فلطمه المسلم قائلاً : أي عدو الله ، أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا . ويشكو اليهودي الصاحب إلى رسول الله إلى المعلم الأكبر وإلى المتواضع الأمثل فيقول : لا تخايروا أو لا تفاضلوا بين أنبياء الله جل وعلا . هذا الأدب الممتاز الذي يبعد مقام الأنبياء والمرسلين عن ميدان المماحكات والمساومات هو الأدب الذي التزم به الإسلام وهو الأدب الذي خلت منه اليهود وخلت منه النصارى .

 الإيمان بكل الأنبياء دون تفريق ودون تمييز عقيدة من عقائد الإسلام الرئيسية ، لكن اليهود والنصارى لا يعتقدون هذا ، ومن أجل هذه كانوا كافرين ، يقول الله جلّ وعلا في سورة النساء ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً ، أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً ) فالذين يفرّقون بين أنبياء الله ورسله فيؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ هم كافرون دون ريب . وبهذا تتضح لنا حكمة البيان في هذا المقام ( قل آمنا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق واليعقوب والأسباط وما أُوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ) ففي النص على موسى وعيسى عليهما السلام لفت نظرٍ لليهود والنصارى إلى أن المسلمين ليسوا مثلهم يكفرون بمحمدٍ عليه السلام فيكفر المسلمون بعيسى وموسى ، ولكن المسلمين لا يخرجهم الغيظ والشنآن والبغض عن جادة الحق والعدل والصواب ، فالحق حقٌ ويجب تقريره والامتثال له والالتزام به مهما يكن موقفك مني أو موقفي منك . فإن كانت اليهود والنصارى كفرت بمحمدٍ صلى الله عليه عليه وسـلم ، إن المسلمين لينصّوا في مقام التنبيه في قرآنهم على أنهم برغم ذلك يؤمنون بموسى ويؤمنون بعيسى . ( قل آمنا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على إبراهيم وإساعيل وإسحاق والأسباط وما أُوتي عيسى وموسى والنبيون من ربهم ) أغفل ذكر الأنبياء الآخرين وسماهم تسميةً مبهمة ( والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون ) هذه مقالة المسلمين وكشف لعقيدة المسلمين .

 ثم جاء تعقيب يوشك أن يكون حصيلة الدرس ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) أيها الأحباب أحب منكم مع أن معظمكم يميل النعاس برأسه يميناً وشمالاً ، أحب لكم أن تنتبهوا بعض الشيء . نحن نسمع هذه الآية مراراً ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ولكن قلما نفكر في المسألة حتى النهايات ، لأن النهايات حين تُجلى وحين توضّح تشكل شهادةً غير مشرفة بالنسبة إلينا نحن معاشر مسلمي هذه الأيام . الله يقول ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناًفلن يُقبل منه ) بقي أن نعلم ما هو الدين ؟ فالدين باختصار يُطلق في لسان العرب وهو الذي نزل فيه القرآن وعلى قواعده وعلى قوانينه نفهم القرآن ، الدين في لسان العرب يُطلق على معنيين أساسيين الطاعة والجزاء ، قال الله تعالى ( ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ) يعني أي طاعة أحسن من طاعة من أسلم وجهه لله بالإزعان وهو محسن ، أي عمل العمل الحسـن ، ففي هذا المكان جاءت كلمة الدين بمعنى الطاعة ، واستعملت بهذا المعنى في عددٍ كبيرٍ من الآيات في القرآن .

 كما يكون الدين بمعنى الجزاء ، ولا نُبعد فنحن نقرأ في كل يومٍ عدة مرات ( بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ) ويوم الدين هو يوم القيامة ، يعني يوم الجزاء ، يوم تُجزى كل نفسٍ بما عملت من خيرٍ وشر ، فكلمة الدين في هذا الموضع قد استعملت بمعنى الجزاء . هذان المعنيان الرئيسيان الطاعة والجزاء هما المعنيان الأساسيان ، ولكن استعيرا كلمة الدين استعيرت أيضاً للشريعة ، فالشريعة تُسمى ديناً أيضاً ، فنحن نقول : دين الإسلام . ونعني بدين الإسلام في الواقع عقائده التي تؤمن بالله الواحد الذي لا شريك له وتؤمن بالملائكة والكتب والنبيين وتؤمن باليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى ، كما نعني بذلك جملة الشرائع التي تشمل العبادات والمعاملات وأحكام الجهاد والأحوال الشخصية وما في معناها مما ينتظم شؤون الحياة جميعاً .. لماذا استعارت العرب كلمة الدين في الشريعة مع أنها تريد بالدين تارةً الطاعة وتارةً الجزاء ؟ استعارتها لمعنىً واضح ولكنه دقيق يعبر عن عبقرية لسان العرب الذي نزل به القرآن ، فالشريعة حين توضع لا توضع ليخرقها من شاء متى شاء ، وإنما توضع للطاعة لكي تطاع ، وكذلك كان شأن الأنبياء ، قال الله تعالى ( وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن اللهه ) فالشريعة إذن توضع للطاعة ، والذي يخرق قوانين الشـريعة وينتهك قواعد النظام العام يتعرض للجزاء ، فالشريعة إذاً تتضمن الطاعة وتضمن الجزاء جميعاً ، أي تتضمن المعنيين الرئيسيين الأساسيين اللذَيْن هما لكلمة الدين في لسان العرب .

 بقي أن نتساءل بعد هذا التحليل اللغوي المبدئي ، ماذا تعني كلمة الشريعة ؟ والشريعة في لسان العرب في الأصل هي المَشْرَع ، والمَشْرَع هو الطريق الذي يذهب الناس منه إلى المكان الذي يستقون منه في النهر يسمى المَشْرَع ، وتسمى الشريعة وأظن أنه في لسان العوام حتى الآن المكان الذي يرد الناس منه الماء ويستقون يسمى الشريعة ، فالشريعة في لسان العرب إذاً هي المكان المُشرَع الممهد الذي يوصل إلى مكان الري من الظمأ ، استعيرت كلمة الشريعة للطريق الموصل إلى رضوان الله جلّ وعلا باتباع عقائد ومناهج عملية تؤدي إلى الراحة والطمأنينة في الدنيا ، كما تؤدي إلى السعادة ورضوان الله في الآخرة .. كيف تذهب إلى الماء إلى النهر تسلك الشريعة أي الطريق فتستقي ماءً ترتوي به على عطش فتشعر بالراحة بعد التعب وبالري بعد الظمأ ، كذلك سالك طريق الشريعة يشعر بالأمن في الدنيا ويشعر بالطمأنينة في الآخرة ، كشعور الذي ارتوى وانقطعت عنه آلام الظمأ وآلام العطش . شريعتنا جملة من العقائد كما قلنا وجملة من الشرائع ، هذه الشرائع فيها الشعائر : الصلاة والصيام والحج والزكاة ، فيها المعاملات : البيع والشراء والرهن والسلم ، فيها الجنايات : الديات وما أشبه ذلك والقصاص ، فيها الأحوال الشخصية : الزواج والطلاق وما يترتب على ذلك وعدة النساء والمهور والمواريث ، فيها العلاقات مع الآخرين : الهدنة والعهود والمواثيق وأحكام الأسرى والعقود وما يشبه ذلك إلى آخره ، نحن لو وضعنا هذه الساحة أمام أعيننا لوجدنا أن شـريعة الإسلام نظّمت كل شيءٍ يتعلق بحياة الإنسان ، ابتداءً من المعتقد الذي يسكن الرأس والقلب وانتهاءاً بآخر تصرفٍ يتصرفه الإنسان في حياته الدنيا وهو الوصية قبل أن يموت الإنسان ، كل شيءٍ نظمته هذه الشريعة تجدونه مجملاً أو مفصلاً في كتاب الله جلّ وعلا ، ولكنه في كل الأحوال فُصّل تفصيلاً ومُهّد تمهيداً في سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

 والأمة حين خوطبت بهذه الشريعة خوطبت بها للعمل ، وقد كانت تأخذ نفسها بهذه الشريعة ، حينما يأتي الأمر من أمر الله جلّ وعلا تُبادر الأمة بالتمثيل والطاعة ، كان المسلمون قبل أن تُحرّم عليهم الخمر يشربها ناسٌ منهم ، وقد كان نفرٌ منهم على مجلس شراب فنزلت الآية الكريم ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) حمل ناسٌ هذه الآية يطوفون بها في المدينة ، فجاؤوا إلى القوم المجتمعين على الشـراب ، وكان منهم من كان القدح في فمه ، ومنهم من يمسـك به بيده ، فتلا عليهم الآية حتى بلغ قول الله جلّ اسـمه ( فهل أنتم منتهون ) فألقوا ما في أيديهم فقالوا : انتهينا ربنا انتهينا ربنا . هذه الشريعة كانت حينما تنزل تتطبق وتنفذ فوراً . وقد عاشت عليها الأمة مئاتٍ من السنين فصلحت وصلح حالها واستقامت شؤونها وخدمت الناس ، خدمت حتى غير المسلمين بما أمدتهم به من نظم وشرائع ، وبما أمدتهم به من علوم ومن معارف ، حتى انقلب الزمان بأهله أو قلبت سـُحن أهل الزمان وقلوب أهل الزمان ، فإذا هم يستبدلون شريعة الله جلّ وعلا بقوانين تُستورد من باريس أو تُستورد من لندن أو تُستورد من موسكو أو مرقعات كمرقعات الدراويش هي ألف رقعةٍ ورقعة ، منفرة قذرة ، قوانينا التي نحكم بها الآن ، من الدساتير التي تُخرج رؤساء الجمهوريات والملوك والنواب في مجالس الشعب والبرلمانات ، إلى القوانين التي تحكم بالأموال والدماء والأعراض ، إلى القوانين التي تحكم في صغائر الأمور ، إلى الأعراف التي تسود نتيجةً للعقائد الزائفة .. أؤكد لكم أيها الإخوة أننا في العالم الإسلامي تقريباً ، ولا أريد أن أجور في الحكم حتى النهاية ، لا تكاد تتصل بالإسلام ولا تتصل بالقرآن بحالٍ من الأحوال ، قوانينا هذه هي قوانين نابليون ، قوانين الثورة الفرنسية بعد أن طوّرها بونابرت ، استقاها المصريون بعد غزو بونابرت واستعرناها نحن منهم وسرت في العالم العربي ، وكثير من الناس يظن أنها قوانين نابعة من ذاتنا وهي قوانين النصرانية مع الأسف الشديد . ومع ذلك هي التي تحكم لنا وعلينا . ودساتيرنا الله أعلم بحالها وأعلم بمآلها وحسبنا أن نعلم أن مبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن والذي يُختار بموجبه ولاة الأمور ومدبرو الشـؤون من خيرة الأمة وأتقيائها وعلمائها وحكمائها ، هذا المبدأ أصبح أضحوكة كالتسعة والتسعين بالمائة وتسعاً وتسعين بالمائة من الجزء الآخر ، هذه الأضاحيك كلها ليست من الإسلام ، ومع ذلك اسألوا أنفسكم : ألستم راضين ؟ من لم يكن منكم راضياً فهو طامع ، ومن لم يكن منكم طامعاً فهو خائف ، ومن لم يكن منكم خائفاً فهو غير مبالٍ .. اعرفوا هذا واعرضوه على قول الله جلّ وعلا ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً ) الشريعة هي الدين ، والشريعة هي ما يُقضى عليك به وتُحكم بموجبه ، وهذا هو الذي يُقضى عليك وتُحكم بموجبه ، فهذا هو دينك ، قانون نابليون ودساتير أوروبا وغير أوروبا ، وما جاءك من الله فمعزول ، له في القوانين زاويةٌ خاصةٌ صغيرةٌ محتقرة هي زاوية الأحوال الشخصية ، حتى هذه لم يتركها المفلوكون والمفلوكات والسفيهون والسفيهات سليمة على قواعد الشريعة ، بعض السفيهات الساقطات ممن يسمين أنفسهن مثقفاتٍ من المسلمين يقلن كما أن الرجل له الحق في أن يتزوج أكثر من امرأة كذلك فللمرأة أن تتزوج أكثر من رجل ، سفاهة بهذا الشكل تكون بين المسلمين وهم يظنون أنهم مسلمون ، أفنحن بعد ذلك مسلمون أيها الإخوة ؟ ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) أفرأيتم لو قدمنا على ربنا وربكم يوم القيامة وقلنا حين يسأل الله الناس ( ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ) نقول : بلى يا رب ، جاءنا الأنبياء فأنذروا وبشـروا وبلغوا وتركوا بيننا الشريعة ولكنا تركنا ، لماذا ؟ غلبتنا أهواؤنا وشهواتنا ، والذين تغلبهم أهواؤهم وشهواتهم مصير إلى النار ، لماذا أيضاً غلبنا ساداتنا وكبراؤنا ؟ فالله سبحانه وتعالى في هذه الحالة يضع التابعين والمتبوعين في نار جهنم ، لماذا غُلبنا أيضاً على أمرنا وقهرنا وأجبرنا ؟ أتعلمون ماذا سيقول ؟ ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) ؟ أنت ربما تكون مكرهاً على التخلي عن عقائدك وعن شرائعك ولكن هذا الإكراه لا يرفع عنك المسؤولية ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً ) فالله سبحانه وتعالى قطع علينا العذر ، لا عذر لنا ، أنا أحب وطني صحيح ، ولكن الوطن ليس تراباً ، التراب فـي كل مكان على وجه الأرض ، الوطن كرامة ، فإذا لم تكن لي في وطني كرامة فهذا الوطن ليس لي ، الوطن دين ومعتقد ، إذا لم يكن ديني موضع الاحترام والتقدير والتقديس والتطبيق فوطني لا يساوي عطسة عنز ، لأن الدين إذا كان موجوداً فهو الوطن ، ولكن الوطن إذا خلا من الدين فما هو بوطن ، مع ذلك كله أريد أن أنصف قليلاً ، هل من المعقول أن أرتب المسؤولية على مسلمي هذه الأيام فقط ؟ ونحن نعلم أن هذا التدهور والانحلال الذي نعيش فيه والذي يسـميه بعضهم تقدمياً وبعضهم مدنياً ، وهو ارتكاس في الجاهلية الأولى ، مسـؤولية هذا الانحلال لا تقع على جيلنا وحده ، ولكنها مسؤولية أجيال تتطاول مئات السنين ، هل نستطيع نحن معاشر أبناء هذا الجيل أن نصلح الأحوال جملة واحدة ؟ أقول أيضاً : لا . هذا غير موافق للمنطق ، ولكن على كل مسلم إزاء هذه الحالة أن يعزم أن يضع جهده مع جهد إخوانه الذين يشاركونه في العقيدة وفي الإرادة الحقة في خدمة هذا الدين ليكونوا دعاة له وحراساً لعقائده منفذين لما أمكن من شرائعه ، لذلك فقك تبرأ الذمة . أما بغير هذه المحاولة فلا يمكن لنا أن ننجي رقابنا من عذاب الله تعالى .

 فهل نحن عاملون على أن ننجي رقابنا من عذاب الله أو نرضي الله في إزالة هذه الوصمة عن جبين الأمة وعن واقع الحياة ؟ لنحاول أيها الإخوة فإن الله مع الذين يتوكلون عليه ويعزمون على العمل من أجل مرضاته ، والله تعالى يأخذ بمقادتنا ومقادتكم والمسلمين إلى ما يحب .. وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .