حول معارك الإسلام في رمضان

العلامة محمود مشّوح

10 / 5 / 1985

العلامة محمود مشّوح

 (أبو طريف)

يبدو أن سلسلة الأحاديث التي كنا نتحدث بها إليكم قد صرفتنا عن الأوقات والمناسبات ، مع أن في أيام الناس مناسبات لا يجوز أن نهملها من الحديث ، بل لا بد أن نقف عندها من باب التذكير على الأقل ، وقياماً بحق الوقت . ومن هذه المناسبات شهر رمضان الذي لا تفصلنا عنه إلا جمعةٌ واحدة ، وقد يكون من المستحسن بل من اللازم ألا نهمل الحديث عن هذا الشهر ، ليس فقط لأنه شهر فرض الله تعالى على الناس صيامه وسـن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه ، ولكن أيضاً لأنه الشهر الذي هو أغنى شهور السنة بالمناسبات الإسلامية العظيمة . ولعمر الحق لو أردنا أن نتخذ من هذه المناسبات مادةً للحديث في كل جمعة لكان منظوراً ـ والله أعلم ـ أن تنقضي السنة والسنتان دون أن نفرغ من هذه الأحاديث عن هذه المناسبات التي كانت في هذا الشهر العظيم .

 فإذا وضعنا في حسابنا أن الله تبارك اسمه يقول لنا في محكم التنزيل ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر ) ولو تذكرنا أيضاً أن الله تقدست أسماؤه قال لنا فيما نتلو من كتاب ربنا ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) لو تذكرنا هؤلاء الآي من كتاب ربنا فعرفنا أن بداية نزول القرآن الكريم على النبي العظيم عليه الصلاة والسلام كان في شهر رمضان ، لكان علينا أن نقف طويلاً عند معاني وموحيات بدء التنزيل في هذا الشـهر الكريم ، وأي تنزيل ؟ تنزيل القرآن العظيم من لدن حكيمٍ عليم .

 فلو ذكرنا مع هذا كضميمة أخرى أن الله جلّ اسمه يصف كتابه الذي بدأ تنزيله على نبيه المرسل في شهر رمضان فيقول عنه ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) لو تذكرنا هذا لكان لزاماً علينا أن نتمعن في معنى هذه اللفظة المفردة الفاذة المعجزة التي هي ( أقوم ) فقد يوجد طريق قويم ولكن القرآن يهدي لما هو أكثر من ذلك ، يهدي للتي هي أقوم من كل قويم . لو تذكرنا هذا لكان لزاماً علينا أن نحاول إقامة الأدلة من واقع الكتاب الكريم ، من صميم التنزيل المحكم ، من آي الكتاب العظيم ، أن نقيم الأدلة على أن هذا الكتاب لمن استمسك به ولمن اتبعه ولمن استضاء بنوره يهدي بالفعل إلى التي هي أقوم .

 في باب العقائد إذ ألقى بالسخافات وألقى بالخرافات وقضى عليها ، وأقام في مكانها العقيدة السليمة المفصلة على قد الفطرة البشرية ، لا تضيق بالفطرة ولا تضيق الفطرة بها ، ومن هنا كانت هذه المعجزة الرائعة هي أن القرآن الكريم بعقيدته الناصعة استطاع أن يبعث أمماً من الموات . ولكان لزاماً علينا أن نحاول إقامة الدليل من خلال كلمات الله على أن القرآن في باب المناقب والفضائل والشمائل في باب الأخلاق العالية المتقدمة جداً جاء بما يرفع الإنسان بعد تزكيته إلى مصاف الملائكة ، ويمنعه من أن ينحني إلى درك الشياطين ويحول بينه وبين أن يكون عبداً مسترقاً لنزواته ولشهواته . ولكان لزاماً علينا أيضاً أن نحاول إقامة الدليل من واقع الكتاب الكريم على أن هذا القرآن الموصوف على لسان الرب تبارك وتعالى بأنه ( يهدي للتي هي أقوم ) جاء في باب التشريع ما يحفظ لسان الميزان في باب العدالة مستقراً ثابتاً ، فلا ظلم ولا جور ولا عدوان . ولكان لزاماً علينا أيضاً أن ناول إقامة الدليل من واقع الكتاب الكريم ومن خلال الكلمات المقدسة أن هذا القرآن الذي ( يهدي للتي هي أقوم ) أقام للناس معالم وصور ينتهون إليها في باب الاجتماع والسياسة والاقتصاد ، توفر الكفاية وتوفر العدل وتنزل بالمتألهين إلى مقام البشر الذين يسري عليهم من قانون الله في خلقه ما يسري على سائر البشر ، والذين لا يمتازون عن أقل عباد الله ، لا في عقلٍ ولا في جسمٍ ولا في خلقٍ ولا في همة . ولوجدنا أن هذا الإسلام يقيم بكلمات الله نظاماً في الاقتصاد يحفظ التوازن المانع من الانفجار .

 وما أريد أن أسترسل أيها الإخوة ، فلقد يجب على كل أحد ، وفي هذه الأيام المباركات ، أن يتذكر قبل كل شيء أن مقدم شهر رمضان مقدم الذكريات العظيمة ، الذكريات التي صنعت هذه الأمة ، والذكريات التي نسجت تاريخ هذه الأمة ، والذكريات التي أضاءت للبشرية وما تزال تضيء لها الطريق اللاحب المستقيم في وسط الظلمات . وكل ذلك حين نتذكر أن هذا القرآن أُنزل في شهر رمضان ، وارتبط اسمه باسم شهر رمضان ، فلا يكاد يُذكر شهر الصوم حتى يقال إنه شهر القرآن . فتصور أيها الأخ .. لو أننا سمحنا لأنفسنا أن نسترسل في هذه المعاني التي أشرت إليها بصورةٍ معنونة فقط ، كم يلزمنا من الوقت ؟ فإذا أضفنا إلى ذلك أن أول معركةٍ أعز الله فيها الإسلام وأعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، وهي معركة بدرٍ الكبرى ، كانت في السـابعة عشر من رمضان ، فلو تمعنا في النتائج والآثار المتربة على هذه الغزوة ، والتي حققت للمسلمين على القلة والفقر والفاقة والجوع وعلى العري وقلة التسليح ، حققت لهم النصر المبين على صناديد قريش ، لو تذكرنا هذه الغزوة فإن علينا أن نتذكر أن أحداث غزوة بدر لم تنتهِ في تلك الضحوة التي التقى فيها جيش الإيمان وجيش الكفر .

 إن نتائج غزوة بدر ظلت تتفاعل في المجتمع المسـلم وفي المجتمع الإنساني ، وما تزال تتفاعل في هذا المجتمع حتى اليوم ، وستظل تفعل ذلك إلهاماً وشحناًً للهمم ورفعاً للعزائم إلى ما شاء الله تعالى . فلو أردنا أن نتحدث عنها فكم يلزمنا من الوقت لكي نفعل ذلك ؟ ولو أننا أيها الإخوة تذكرنا ونحن على أبواب هذا الشهر الكريم أن فتح مكة التي طردت نبيها وأخرجت المؤمنين منها ولم تتدخر وسعاً ولم تقصّر لحظة في مطاردة المؤمنين في كل مكان وبأحط أنواع الأساليب البريئة من الإنسانية والمعقولية .. لو تذكرنا أن هذا الفتح كان في الثامن من شهر رمضان في السنة الثامنة ، فكم يلزمنا من الوقت لكي نمنح هذه المناسبة العظيمة حقها من الكلام ومن التفصيل ومن البيان ؟

 ولو تذكرنا واقعةً أخرى أعقبت هذا الحدث مباشرةً وهي وقعة هوازن أو معركة حنين التي امتحن بها المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم حتى ظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ، ثم أنزل الله على المؤمنين نصراً ، وبيّن لهم في نفس الوقت أن عربدة القوة لا تصنع شيئاً ، وأن الاعتزاز بالكثرة فشل ، وأن النصر من عند الله يؤتيه من يشاء وهو الواسع العليم . لو تذكرتم أن الله عنّف المسلمين حينما دخلت في عقولهم مشاعر غرور القوة التي نسيها أبناء هذا الزمن الأغبر البشع ، فقال لهم ( ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذّب الذين كفروا ) لو تذكرنا هذا وتذكرنا معه أن سبب هذه المحنة الرهيبة القاسية التي لم يثبت فيها إلا رسول الله ومعه عدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، كان سبب ذلك أن ناظراً من المسلمين نظر إلي الجيش وهو يزحف نحو حنين ، فرأى جمعاً هائلاً ، عشرة آلاف من من جاء مع النبي عليه الصلاة والسلام فصل من المدينة باتجاه مكة للفتح ، انضم إليهم ألفان من الطلقاء ، طلقاء مكة ، فتكوّن جيش لم يشهده المسلمون بهذه الضخامة والكثرة وبهذا التسليح الجيد إلا في تلك اللحظة ، قال قائل ممن يظنون أن النصر تأتي به الجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة مع عزل الله جلّ وعلا عن ميدان المعركة ، قال : لن يُغلب اثنا عشر ألف من قلة . كلمة تُقال ، ومع ذلك فالله من فوق عرشه كان يصنع أمة لكي تكون حجة الله على العالمين أبد الدهر ، ولذلك لم يتسامح معها ، بالرغم من أن فيها نبيها وهو بنفسه الذي يقود المعركة ، فزلزل الأرض تحت أقدامهم ، ومع بزوغ الفجر وفي فم وادي حنين رُشقت السهام على جيوش المسلمين فولوا مدبرين ، وكانت محنة كاد يُقتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تدارك الله جلّ وعلا الأمر ، ليعلّم الناس شيئين أساسيين : ليعلم الناس أن النصر من عند الله ، فمهما تبتغي الأمم النصر من عند غير الله أذلها الله ، والشيء الثاني الذي ذكّرها به : أن الغرور يجب ألا يتطرق إلى النفوس ، فلا العدد وحده يكفي ولا وجود النبي بين المؤمنين وعلى رأس المعركة يكفي ، إنما الشيء الحاسم هو الله تبارك وتعالى . والذين يتمسكون بحبله المتين وينيبون إليه ويتوكلون عليه ويتذكرون تقصيرهم في تلك اللحظات الحاسمة هم فقط النماذج المؤهلة لأن تتلقى نصر الله تبارك وتعالى .

 ثم لو تذكرنا أيضاً أن حصار الطائف كان في مثل هذه الأيام ، وكان نتيجةً لغزوة حنين ، وأن هذا الحصار بالرغم من أنه لم يحقق أهدافه المباشرة ، فلم ينزل الثقفيون من حصونهم ولم يفتحوا أبوابها ، وإنما صمدوا بالمقاضمة ، حتى قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخلى عنهم وأن يتركهم ، لأنهم بعد أن فُتحت مكة وأسلمت مكة أصبح الثقفيون في الطائف داخل حصونهم كالثعلب في جحره ، إذا خرج يخرج إلى الموت ، وإذا بقي في الحصن ينتظره الجوع ، فاليوم أو غداً أو بعد شهر أو أكثر سوف ينزلون على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبالفعل أيها الإخوة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيامٍ معدودات .

 فترون يا أحباب دون الاستقصاء ودون محاولةٍ لمد الكلام أكثر مما ينبغي ، ونحن نتهيّأ لاستقبال هذا الشهر العظيم أن هذا الشهر ليس المطلوب فيه أن نصوم نهاره ونقوم ليله فقط ، وإنما كذلك أن نتأقلم مع ذكرياته العظيمة ، وأن نعيش أجواءه العطرة وأن نتمثل معانيه السامية ، وفي رأس ذلك كله أن نتعلم أن النصر والتمكين في الأرض والعز والسؤدد ورخاء الحياة وتحطيم الطواغيت الجاهلية وإخلاء الأرض للمسلمين ينساحون فيها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، كل ذلك لم يتحقق إلا بفضل الكتاب الكريم الذي تقرأونه وتتدارسونه فيما بينكم . وأنا أعلم وأنتم تعلمون أيضاً أنه يشبه أن تكون قراءة القرآن لدى المسلمين في رمضان عادةً مستقرة ، فلا تكاد تجد مسلماً لا يقرأ القرآن في رمضان . ولكني أحب أن أتساءل أيها الإخوة : هل كل قراءة للقرآن تُعدّ قراءة ؟ وهل طلب الإسلام من المسلمين أن يتلوا القرآن فقط من أجل التلاوة أم لأغراضٍ هي أبعد من ذلك ولأهداف هي أعلى من ذلك ؟ إن الله جلّ وعلا عاب على أقوام في القرآن أنهم إذا ذُكّروا بآيات ربهم لا يكادون يفقهون لها قولاً ، ومدح المؤمنين بأنهم إذا ذُكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليهم صماً وعمياناً ، وإنما يفتحون آذانهم للسمع ولسان حالهم أن يجعلهم الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . وهم لم يحجبوا أيضاً أبصارهم ولا بصائرهم عن التدبّر في كلمات الله وعن التفكر والتمعن في آيات الله تبارك وتعالى ، فبذلك انتفعوا . أما قراءة الناس اليوم فأنا لا أقول إن الإنسان لا يُثاب عليها ، بل لعلي أميل إلى أن أذكّر في القول المأثور : إن النظر إلى المصحف عبادة ، حتى النظر إلى القرآن عبادة ، ولكني لا أملك نفسي من أن أتساءل : هل نحن الآن بحاجة إلى مزيدٍ من العبادة أم إلى مزيدٍ من الفهم والإدراك والحصافة في تناول الأمور ؟ إن الفصل بين الأمرين يكاد أن يكون مستحيلاً ، ولكني لا أتردد في القول : إن حاجة المؤمنين اليوم ماسة للغاية أن يسلكوا نهج أسلافهم في قراءة القرآن ، إن المسلمين يتباهون في العادة في رمضان ، هذا يقول : قرأت القرآن خمس مرات ، وهذا يقول : ختمت عشر ختمات . أتريدون أن أذكر لكم شيئاً ؟ الصحابة الكرام ، الجيل الذي صنعه الله عليه عينه ، الجيل الذي لن يتكرر على الإطلاق ، الجيل الذي مكّن لكم أن تعيشوا في بلادكم وأنتم تعبدون الله وتذكرون محمداً صلى الله عليه وسلم وتطلبون من الله أن يجزيه خير ما جزى نبياً عن أمته ، هذه النعمة السابغة هيأها لكم أولئك الأصحاب الكرام ، هؤلاء الأصحاب لم يكن من ديدنهم ولا من عادتهم ولا من منهجهم أن يكون همهم وأن يكون غايتهم وأن يكون قصدهم الاستكثار من تلاوة القرآن ، انظروا وانتبهوا إلى الحساسية السائدة حول الطريقة التي كان المسلمون يتعلمون فيها القرآن ، يُحدثنا عبدالله بن مسعود في حديثٍ مشهور ، يقول : كنا إذا نزلت العشر آيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم نحفظها ولا نتجاوزها إلى غيرها حتى نعمل بها ، فتلعمنا العلم والعمل جميعاً .

 فالقرآن لم ينزل في الأساس ليكون مادةً للتطريب ولإحداث النشوة لدى السامع ، وإنما كان دليل عمل ، كان قائد أمة ، القرآن هو الذي قاد الأمة في جميع معاركها وعلى كل المستويات ، فهو دليل عمل ، والذي يقرأ القرآن ولا يعمل به فكأنه لم يقرأه . بل بلغت الحساسية بالكثيرين من الأصحاب وسلف الأمة أنهم كان يكرهون ************* حدث انقطاع في الشريط *********

إن استكثرتَ من استظهار كتاب الله وتعلم كتاب الله استكثرتَ من حجج الله تبارك وتعالى عليك ، لماذا ؟ لأن هذا القرآن رسائل من الله إلى البشر ، موجهة إليهم ، فمهما قال القرآن : يا أيها الناس ، ومهما قال القرآن : يا أيها الذين آمنوا ، فافتح أذنيك ، فإنما هو خير تُدعى إليه أو شرُ تُنهى عنه . فكلما سمعت آية كلما زادت حجج الله تبارك وتعالى عليك ، والإنسان الذي يريد أن يخرج بالأجر أو أن يخرج كفافاً لا عليه ولا له عليه أن يعمل بما يعلم ، لأن الذي لا يعمل بما يعلم تعرفون ماذا قال الله عنه ، تعرفون أن الله قال على سبيل اللوم والعتاب ( يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) فالقرآن جاء للناس لكي يتعلموه ولكي يعملوا به ، فإذا لم يعملوا به فكأنهم ما تعلموه على الإطلاق .

 ونظرة عابرة على لوحة التاريخ الإسلامي تعطيكم المثل القاطع بأن فترات التقدم والازدهار والعلم والفتوحات كانت تلك الفترات الذي كان القرآن فيها هو الذي يقود المجتمع بالعلم وبالعمل ، وأن فترات النكوص والانحدار والتدهور هي الفترات التي تحول فيها القرآن إلى كلامٍ يُتلى بالألحان والتطريب في الموالد وعلى الجنائز ، ونسي المسلمون مع الأسـف أن القرآن هو ماء الحياة بالنسبة إليهم ، ولولا القرآن ما حيوا ولا عاشوا ولا بقوا حتى الآن قبائل تائهةً في الصحراء . فإذا أردنا أيها الإخوة أن نستقبل هذا الشهر الكريم استقبالاً طيباً يليق به وبمنزلته بين المسلمين فعلينا قبل كل شيء أن نتذكر أن هذا الشـهر شهر القرآن ، وأن نعمل على أن نتدارس القرآن في أنفسنا وفيما بيننا . وأنا منذ زمن منذ سنوات سلخت سنين على هذا المنبر أتلو عليكم من آيات الله وأفسر وأبين ، وإذا قلت لكم إن ثلث القرآن قد فُسّر على هذا المنبر فهذا صحيح ، ولكني انقطعت عن هذا منذ زمنٍ طويل ، ولستم بالتأكيد أشوق مني إلى العودة إلى القرآن ، فأنا أحب أن أقطع السلسلة التي كنا نتحدث عنها قبل هذه الجمعة ، على أن نستأنفها بعد رمضان إن أحيانا الله جل وعلا وقسم لنا أن يرى بعضنا بعضاً في هذا الزمن الكره .

 أما في رمضان ففي النية أن نعيش مع القرآن ، وسأختار لكم إن شاء الله سورةً أحاول أن أنهي الحديث عنها في خلال شهر رمضان ، وكلي أمل ورجاء أن تعينوني على نفسي وتعينوني على أنفسكم بالفهم والتدبر وإمعان الفكر والسؤال عما يغمض ويدق على الفهم ( وفوق كل ذي علمٍ عليم ) وأن تعينوني على نفسي أيضاً بتنبيهي إلى ما قد أقع فيه من أخطاء ، فأحب لكل أحدٍ أن يعلم أن القرآن ليس كأي شيء ، إن الكلام عن القرآن شـديد لأنه الترجمة عن مراد الله جلّ وعلا ، وهذه لا يقدر عليها إلا من أُوتي حظاً عظيماً من العلم والفهم والإدراك ومن الإخلاص قبل شيء وبعد كل شيء .

 فإلى الجمعة القادمة إن شاء الله ونحن نودع آخر جمع شعبان ، لنستقبل بعد ذلك رمضان آمل أن أنتقي لكم من كتاب الله سورةً كريمة تعطر أجواء الشهر الكريم ، ولعلها أن تشحن في نفوسنا طاقةً جديدة أو على الأقل أن تضيء بعض معالم الإيمان التي خبا ضوءها قليلاً أو كثيراً والله وحده المستعان وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين.