مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حقوقه (1)

خطبة الجمعة 2/ 12/ 2016م

2 ربيع الأنور/ 1438هـ

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً﴾ [الأحزاب: 45]

  يهل علينا شهر ربيعٍ الأنور شهر رسول الله ﷺ وقد أكرمنا الله بهذا المطر والغيث، نسأل الله أن يجعله غيثاً مغيثاً سحَّاً غدقاً طيباً مباركاً فيه.

ويجدر بنا في شهر ربيعٍ الأول أنْ يكون حديثنا عن رسول الله ﷺ، وإنْ كان الحديثُ عنه يتأكد في كل وقتٍ، ويحلو في كل وقت.

وما أكثر جوانب الحديث عنه ﷺ وقد أثنى عليه ربه في عشرات الآيات؛ مبيناً حقوقه ومقامه وفضله.

فمن جوانب الحديث أن نتحدث عن معالم حقوقه ﷺ. عن معالم من شمائله ﷺ. عن معالم من خصائصه ﷺ. عن معالم من هديه وأخلاقه ﷺ. عن معالم من معجزاته ﷺ.

القيادة النبوية وأين نحن منها؟

فجوانب الحديث عنه ﷺ لا تنتهي.

معالم من حقوقه ﷺ:

فأول حقوقه ﷺ: وجوب الاتباع والاقتداء والطاعة ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ ﴾ [النور: 54].

هنالك من يدعي اتباع القرآن فكأنَّ قوله تعالى جاء رداً عليهم: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

فلن تنال محبة الله  وتكون فيها صادقاً إلا من خلال اتباع رسول اللهﷺ.

فلا يمكن إقامة شرع الله على الكمال والتمام ومعرفة مراد الله إلا من خلال رسول الله ﷺ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: 21]، والآيات في هذا كثيرة.

ومن أعظم الآيات في هذا الصدد ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب: 36]، وأيضاً: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65]

ثانياً: النصح لرسول الله ﷺ.

فلئن كان من واجبنا طاعته ﷺ، وإنما يتحقق ذلك من خلال التحقق بسنته، ومعرفة صحيح حديثه ﷺ، فهذا يقتضي أن نتحرَّى ما صح عنه بدقةٍ ﷺ؛ لذلك يقول ﷺ: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» صحيح مسلم. ومن أعلام النصح له ﷺ: دفع الكذب عنه، وتحريرما نُسِــبَ إليه قال ﷺ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» متفق عليه بألفاظ متقاربة، واللفظ للبخاري، عَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

إنَّه لينفرط القلب عندما نسمع أحداً ينسب إلى رسولنا كلاماً لا يثبت شرعاً ولا سنداً، وهذا بابٌ واسع، مما لا يتسع المقام لبسطه. وحسبك بما ينسب (اسمع واطع وإن جلد ظهرك، وأكل مالك). فيدّعون أن رسولنا ﷺ يأمر بالخضوع للظالم!؟، وحاشاه ﷺ, إنه سوء الفهم، وعدم التدقيق فيما ينسب لهﷺ.

والحق الثالث: الحب له ﷺ

وبعض الناس يفسِّــر الحب بالطاعة، والحقيقة أنَّ الحب أمرٌ قلبي زائدٌ على الطاعة، فأنْ يكون في قلبك هذا الشعور العميق بالتعلق برسول الله ﷺ والميل له، والشوق إلى لقائه، وهيجان العَـبـرة عند قراءة سيرته ومواقفه وأخلاقه، والاستعداد لفدائه والتضحية دفاعاً عنه ﷺ، ومن ثمرات هذا الحب: كمال الطاعة، وكثرة الصلاة عليه، وتحري سننه.

هنا نقرأ حديث عمر،  كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ» صحيح البخاري، عن عبدالله بن هشام

وحديث: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» صححه النووي، وضعفه غيره، لكن معناه صحيح، َعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

وحب رسول الله من حب الله، وقد قال الله في أخص صفات المؤمنين: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54].

ولا تنال حلاوة الإيمان إلا بحب الله ورسوله:

قال ﷺ:" ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ " متفق عليه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ومن ثمَّ من ثمرات هذا الحب الرضا عن الله ورسوله، كما قال ﷺ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» صحيح مسلم، عَنِ الْعَبَّاسِ .

وقد يتساءل بعضهم كيف يأتي هذا الحب؟!

إنه طالما استشعرت إحسان الله إليك في كل شيء ومنه إحسانه إليه وعظيم فضله ببعثة رسوله ﷺ تزداد حباً، ومما يزيدك حباً كثرة القراءة لسيرته، وتحري سنته، ومعرفة شمائله وأخلاقه وصفاته، وحسبك أن تستذكر أنَّـه شفيعك، وتستذكر هذا الحديث العظيم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ " صحيح مسلم.

ومما يزيدنا حباً برسول الله ﷺ أنْ نعلم تشوّق رسول الله ﷺ إلينا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ» فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا " صحيح مسلم.

ومما يزيدنا حباً الصلاة عليهﷺ، وهذا ما سيكون الكلام عنه.

وسوم: العدد 698