الليلة الأولى الجزء الثاني

العلّة الخبيثة

ازدادت مخاوف مريم المحمود من إمكانيّة زواج زوجها من امرأة ثانية بعدما أكّدت لها الحاجّة مبروكة ذلك، فتحت زاوية الفرشة التي ينامان عليها، وضعت الحجاب فيها على بعد عشرين سنتمترا حيث يضع زوجها رأسه عندما ينام. بدأت باستعادة "الوصفة الطّبّيّة" التي قالتها لها مبروكة:" عليك أن تجمعي في وعاء صغير الأشياء التّالية: قليلا من دماء الدّورة الشّهريّة، أو دم النّفاس، قليلا من برازك وبولك، ظفرين من أصابع قدميك ومثلهما من أصابع يديك، بعد أن تدقّيهما حتّى التّفتيت، مقدار ملعقة صغيرة من الكبريت، رماد قطعة ملابس لزوجك بعد أن تحرقيها. اخلطيها في وعاء من الماء السّاخن، أضيفي إليها البابونج وملعقتي شاي، كي يضيع لونها ورائحتها، قدّميها كأسا لزوجك مرتّين واحدة بعد صلاة الفجر والثّانية بعد غروب الشّمس، لمدّة ثلاثة أيّام متتالية، واعلمي أنّ "العلّة الخبيثه لا يشفيها إلا الدّوا النّجس".

لم تكتف بدم حيضها فقط، فقد غسلت السروال الدّاخليّ لشقيقتها النّفساء بكأس من الماء ووضعته في قنّينة صغيرة أخفتها في جيبها دون علم شقيقتها، ثمّ أكملت غسيلها.

عندما اكتملت موادّ "الوصفة"، خلطتها مع بعضها البعض، أضافت إليها ستّ كؤوس من الماء، غلتها حتّى أخذت تتراقص غليانا من شدّة الحرارة، برّدتها ووضعتها في قنّينة زجاجيّة تتّسع للترين، خبّأتها في خزانة المطبخ بعيدا عن عيني زوجها، ولا تطالها أيدي أطفالها. بعدها استحمّت وتزيّنت، ارتدت أجمل ملابسها وانتظرت عودة زوجها من عمله.

عندما عاد زوجها من عمله، قدّمت له الطّعام وبدت رقيقة معه وكأنّها تستعيد ليلة دخلتها، عند المساء سهرت معه حتّى نام أطفالهما، أغلقت باب غرفة النّوم، خلعت ملابسها، ارتدت قميص النّوم الذي يظهر مفاتنها، تمدّدت على السّرير بجانبه، احتضنته وقبّلت شفتيه، قضت معه ليلة حميمة جعلته يذوب بحبّها، في ساعات الصّباح الأولى سكبت كأسا من قنّينة "الوصفة"، غلتها وأضافت إليها مزيدا من البابونج والسّكّر ووضعتها أمامه دون أن تقول شيئا، فقد تخوّفت من إمكانيّة أن لا يعجبه طعمها، ارتشف من الكأس رشفتين وتساءل:

  • ما طعم هذا الشّاي؟

أخفت خوفها وسألته:

  • ما به؟ هل تريد مزيدا من السّكّر؟
  • لا أبدا لكنّ طعمه ليس طبيعيّا.

ردّت عليه بسرعة وهي تتصنّع ابتسامة:

  • ربّما هذا الطّعم بسبب كثرة السّجائر التي دخّنتها في الليل.

أخذ رشفتين ولم يكمل احتساء الكأس، انتعل حذاءه وخرج قاصدا عمله.

بعد أن خرج رشقت مريم ما تبقّى من الكأس في حديقة البيت، غسلت الكأس بالماء والصّابون أعدّت وجبة الفطور لها ولأطفالها.

بعد حوالي نصف ساعة شعر الزّوج بغثيان، صاحبه تقيّؤ وإسهال وألم في البطن. أخذ يتلوّى من شدّة الألم، نقله زملاؤه إلى مستشفى قريب، بعد الفحوصات اللازمة عمل له الطّبيب المناوب غسيل معدة وهو يقول بأنّ الرّجل يعاني من حالة تسمّم! وسأله عمّا أكل وشرب. ولمّا أجابه بأنّه لم يتناول سوى نصف كأس من الشّاي، عاد الطّبيب يطالبه بأن يتذكّر إذا ما تناول في الليل أيّ طعام، إلّا أنّه أكّد بأنّه قد تناول عشاءه مع زوجته وأبنائه، وما لبث أن تذكّر بأنّه قد اشترى قطعة حلوى من بائع متجوّل قبل أن يعود إلى بيته بربع ساعة، فقال الطّبيب بأنّ الحلوّيّات التي تباع في الشّوارع والطّرقات تكون عرضة للذّباب والحشرات التي تحطّ عليها، وعزا حالة التّسمّم لذلك.

بقي الزّوج في المستشفى يومين تحت المراقبة.

عندما علمت مريم بدخول زوجها المستشفى، وأنّه يعاني من حالة تسمّم، ارتعبت من شدّة الخوف، فقد خشيت أن ينكشف أمرها، أخذت قنّينة "وصفة مبروكة" وسكبتها في حديقة المنزل، كسرت القنّينة والكأس التي شرب زوجها منها، دفنت الزّجاج في التّربة لصق السّلسة الحجريّة المحيطة بالأرض الممتدّة أمام البيت، وهي تتذكّر مقولة:" مثل اللي عملت محبّه وقبول لزوجها، وانقلبت سحر على راسها". ذهبت مساء لزيارة زوجها بصحبة حميها، وهي تتمنّى له السّلامة، شعرت بطمأنينة عندما سمعت أنّ الطّبيب ردّ حالة التّسمّم إلى " قطعة الحلوى"، وفي ذهنها أن تراجع الحاجّة مبروكة؛ كي تشرح لها ما حصل لزوجها، ولتسمع منها تفسير ذلك.

تحرّر الزّوج من المستشفى، ولم يتحرّر من آلام في المعدة، أقعدته عن العمل لأسابيع، وعندما أجريت له فحوصات في المستشفى تبيّن أنّه مصاب بتقرّحات مستفحلة في المعدة، كتب له الطّبيب علاجا أوصاه بأن يواظب عليه. لم تعد له شهيّة للطّعام، نحُل جسمه واستمرّت معاناته، عندها ارتأت مريم أنّ "وصفة الحاجّة مبروكة" ناجعة، فما دام مريضا ويعاني آلاما فلن يستطيع الزّواج من غيرها، و"الضّرّه مُرّه".


 

أبو ليلى

جفّ ريق ربيحة عندما سمعت من الحاجّة مبروكة أنّ جنّيّا كافرا يتلبّس ابنتها ليلى، ارتجفت رعبا، خارت قواها، ما أن غادرت مبروكة بيت أبي موسى، حتّى جمعت ربيحة قواها وعادت إلى بيتها، وجدت زوجها وابنها عمر جالسين أمام البيت، طرحت السّلام بلهجة ضعيفة، أشارت لابنها عمر بيدها، وقالت له: ماء...ماء.

قفز عمر وأحضر لها كوب ماء، شربته وهي ترتجف، التفت إليها زوجها وسألها:

  • ماذا جرى لك يا امرأة؟ هل لدغتك أفعى؟

ردّت عليه مذعورة:

  • يا ليت أفعى تلدغني وتريحني من هذه الحياة.

عاد زوجها يسألها محتارا:

  • أين كنت يا امرأة؟ هل جرى لليلى شيء؟

طلبت من ابنها عمر أن يحضر لها كأس ماء آخر، شربت قليلا من الماء وقالت:

  • الحاجّة مبروكة قرأت فنجان قهوة احتسته ليلى وقالت أنّ جنّيّا كافرا يتلبّسها، ويريد الزّواج منها، وهو من ربط موسى عريسها عنها.

ردّ ابنها عمر غاضبا:

  • مبروكة امرأة دجّالة نصّابة محتالة، تضحك على النّاس وتأخذ أموالهم، تكذب عليهم، ولم تجد من يردعها عن ضلالها.

استعادت ربيحة قواها، رفعت يدها تهدّد ابنها، وتطلب منه أن يكفّ عن هكذا كلام؛ كي لا تؤذيه مبروكة، ضحك عمر وقال:

  • تؤذي من؟ إن لم تخرس وتكفّ بلاها عن ليلى، سأذهب إليها، سأحرقها في بيتها، وسأخلّص النّاس من مصائبها.

طلب أبو محمد من ابنه عمر أن يسكت؛ كي يسمع ما سمعته زوجته ربيحة من الحاجّة مبروكة حول ليلى.

قالت ربيحة: يا "كشلي" على ليلى، يبدو أنّنا خسرناها بهذا الزّواج.

سألها ابنها عمر وهو يغلي غضبا:

  • ما الذّنب الذي اقترفته ليلى؟ ولماذا خسرناها؟ "اللي حلّل الزّواج حلّل الطّلاق"، وإذا لم تُحلّ عقدة المخصيّ الذي زوّجناها له، ستتطلّق منه، وسيأتيها نصيبها.

ردّت عليها أمّه:

  • المصيبة في ليلى وليس في عريسها موسى.

صاح بها زوجها وقال:

  • اتركينا من الكلام الفارغ، وقولي لنا ما قالته الحاجّة مبروكة.

ربيحة: بعد أن شرحت لنا مبروكة بعد قراءتها لفنجان قهوة ليلى.

قطع ابنها عمر حديثها وهو يضع يده تحت ذقنه وسألها ساخرا:

  • ماذا شرحت تلك العاهرة التي تتظاهر بالتّقوى وعلم الغيب؟

احتدّت ربيحة من شدّة الغضب على ابنها وخوفا عليه من مبروكة فقالت له:

  • اخرس يا ولد، لا تذكر مبروكة بسوء.

تدخّل زوجها وطلب ثانية من ابنه عمر أن يسكت؛ كي تكمل والدته حديثها.

ربيحة: قالت الحاجّة مبروكة:" هناك حلّ مؤلم للجنّيّ الكافر الذي يتلبّس جسد ليلى دون علمها، وهو أن يقوم موسى ووالد ليلى أو شقيقها بضرب ليلى بخيزرانة وهما يقرأان المعوذّتين، وأنّه يمكنني أنا وحماتها عائشة المشاركة بضربها، وأنّها ستتواجد معنا؛ لتستحضر جنّيّا مؤمنا، كي يساعد بطرد الجنّيّ الكافر من جسد ليلى"، وهي في انتظار موافقتك أنت وعريسها موسى؛ لتبدأ جلسات الضّرب.

استشاط عمر غضبا وسأل:

  • هل وافقت ليلى أن تُضرب؟

تنهّدت ربيحة وقالت:

  • ليلى لا تعلم شيئا، ويجب أن لا نخبرها بذلك بناء على تعليمات مبروكة.

ضحك عمر وقال:

  • هذه المحتالة مبروكة امرأة ذكيّة، جلست مع ليلى ومن خلال حديثها معها، اكتشفت أنّ ليلى أكثر ذكاء منها، وأنّه من المستحيل أن تصدّق هكذا خرافات.

صمت أبو محمّد -والد ليلى- قليلا وقال:

  • إذا ما أكّدت الحاجّة مبروكة وجود جنّيّ كافر في جسد ليلى، وأنّه لن يخرج من جسدها إلّا بالضّرب، فهذا أمر سهل، ما دام فيه حلّ.

استفزّ كلام الأب ابنه عمر فقال متوعّدا:

  • عن أيّ حلّ تتكلّم يا أبي؟ هل يسهل عليك ضرب ليلى وتعذيبها بناء على تعليمات امرأة فاجرة؟ أنا مضطر أن أقول لكم بناء على كلامكم هذا أنّ الحلّ عندي أنا.

قالت ربيحة غاضبة وهي ترفع فردة حذائها بيدها اليمنى تهدّده:

  • لا تذكر الحاجّة مبروكة بسوء وإلّا.....

وأضافت ساخرة: ما هو الحلّ الذي عندك يا فصيح؟

ضحك عمر وقال:

  • حلّي بسيط جدّا، سأذهب إلى المحتالة مبروكة، وسأنهال عليها ضربا حتّى ترجع عن ضلالها.

الوالد: هداك الله يا ولدي، الجنّ موجود في القرآن يا ولدي، وهم كالبشر منهم مؤمنون ومنهم كافرون.

عمر: كلامك صحيح يا أبي، لكنّ للجنّ عالمهم الخاصّ، ولا علاقة لهم بالبشر، ما تسمعونه عن زواج الجنّ من الإنس مجرّد خرافات ابتدعها المحتالون الذين يخدعون الجهلاء؛ ليسلبوهم ما بحوزتهم من أموال قليلة، فلا تصدّقوهم.

الوالد: الحاجّة مبروكة يا ولدي عالمة، ولديها قدرات عجيبة، جرّبها كثيرون، استطاعت حلّ مشاكلهم، وإشفاء مرضاهم، فلا تستهن بقدراتها و"ربّنا -سبحانه وتعالى- يضع سرّه في أضعف خلقه".

ضحك عمر وقال ساخرا:

  • كيف تصدّق يا أبي أنّ امرأة تأخّر حملها، تحمل من بصاق مبروكة في فمها؟ وهل النّساء يحملن في أفواههنّ أم في أرحامهنّ؟ وهل يحملن من أزواجهنّ أم من بصاق امرأة؟ هل هناك عاقلة تقبل أن يبصق أحد في فمها؟ هل فكّرتم بكيفيّة حمل النّساء اللواتي يرتدن عيادة المحتال " أبو ربيع"؟ هل يهون عليك يا أبي أنت وأمّى أن تسمحوا وأن تشاركوا بضرب وتعذيب ليلى؟ هل نسيتم أنّها ابنتكم؟

ربيحة: الحاجّة مبروكة إنسانة صادقة وتقيّة، وتعلم أشياء كثيرة لا نعلمها نحن ولا غيرنا يعلمها، وإذا ما شاركت أنا وأبوك بضرب ليلى فلن نقسو عليها، سنترك ضربها بعنف لزوجها ولوالدته ولمبروكة إن وافقت.

عمر: أحذّركم من أيّ مسّ بليلى أو القبول بضربها، وأذكّركم بحالات كثيرة، ضربوا فيها نساء بحجّة وجود الجّن في أجسادهنّ وقتلوهنّ وتبرّأوا من دمائهنّ، وإذا ما مدّ أحدهم يده على ليلى فسأقطعها.

ربيحة: الإنسان لا يموت إلّا إذا انتهى أجله.

احتار عمر بعقليّة والديه فسألهما:

  • هل أفهم من كلامكما أنّكما ستشاركان بتعذيب ليلى وقتلها؟

ردّت عليه والدته غاضبة:

  • من قال لك أنّنا سنعذّب ليلى أو سنقتلها؟ هل جننت يا ولد؟

كظم عمر غيظه وقال في مناورة منه:

  • المشكلة عند موسى وليست عند ليلى كما قالت مبروكة التي تتلّبّسها الشّياطين، قولي لها هذا يا أمّي، فلِمَ لا ترى الجنّ فيه؟ ولماذا الجنّ لا يتلبسّون إلّا النّساء؟ دعيها تعطي أوامرها السّامية بضربه، وإن مات سنستريح منه.

ردّ عليه أبوه:

  • كما سمعت من النّاس يا ولدي، فإنّ الجنّ الكفار لا يتواجدون إلّا في الأماكن الوسخة والنّجسة، والنّساء فيهنّ نجاسة عندما يحضن ويلدن.

ضحك عمر من باب "شرّ البليّة ما يضحك" وسأل:

  • هل الرّجال طاهرون مطهّرون يا أبي؟ وهل ليلى نجسة؟

حوقل أبو محمّد وسأل ابنه عمر:

  • ماذا سنخسر إذا نفّذنا تعليمات مبروكة؟ وما الحلّ عندك يا عمر إذا لم ننفذّها؟

أجاب عمر بهدوء وسخرية:

  • لن نخسر شيئا غير ليلى، وسنربح لقب "قتلة مجرمون".

طلب أبو محمد من زوجته أن تعدّ له فنجان قهوة، صمتوا قليلا وقال عمر:

  • حلّ مشكلة موسى بسيطة جدّا، وهو ليست عند مبروكة ولا عند "أبو ربيع"، "ربنا خلق الدّاء والدّواء"، والدّواء عند الطّبيب وليس عند النّصابين.

أثناء احتسائهم القهوة سأل عمر:

  • ماذا ستقولون إذا جُننّا ووافقنا على ضرب ليلى وتعذيبها، ولم تُحلّ مشكلة موسى؟

التقطت ربيحة سؤال عمر وكأنّها أمسكت بالحقيقة، التي لا يعرفها ابنها وقالت بحماس زائد:

  • إذا ما حصل ما تقول يا عمر، فالحلّ عند الحاجّة مبروكة، وقد قالته سلفا لي ولأمّ موسى، بعدما قرأت فنجان ليلى، فقالت: "إذا لم يستطع موسى معاشرة ليلى بعد ضربها وإخراج الجّنّ الكافر من جسدها، فهذا يعني أنّ هناك من عمل سحرا ربط فيه موسى عن ليلى".

عمر: هذا يعني أنّها ستواصل شيطنتها؛ لتقبض النّقود برضا ضحاياها.

طلبت ربيحة من ابنها عمر أن يتأدّب في حديثة عندما يذكر اسم الحاجّة مبروكة، وقالت بأنّ الحاجّة مبروكة ستعمل "مندلا" تستحضر فيه أتباعها من الجنّ المؤمنين؛ ليحضروا لها السّحر، وستقوم بفكّ هذا السّحر.

عمر: يقول خاتم النّبيّين صلّى الله عليه وسلّم:" من أتى كاهنا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّد ". وقد سمعت عالما يقول بأنّ السّحرة كافرون، يستغلّون الجهلاء ويسلبونهم أموالهم، وأنّ على الحكّام قتلهم لحماية النّاس من شرورهم.

عاد أبو محمّد إلى صمته، بدأ يشكّك بما تدّعيه الحاجّة مبروكة من قدرات بعد سماع كلام ابنه عمر، قرّر أن يسأل أحد العلماء عن رأي الدّين بالسّحر والشّعوذة. في حين أنّ إيمان زوجته ربيحة بقدرات مبروكة العجيبة لم يتزعزع، وازداد خوفها على ابنها عمر، فإذا ما نقل لها أتباعها من الجنّ شتائم عمر لها فإنّها ستنتقم منه، لكنّها شكّكت بذلك، فالحاجّة مبروكة إنسانة تقيّة تساعد الآخرين ولا تؤذيهم، دعت الله أن لا يسمع أتباع مبروكة كلام عمر.

أمّا عمر فقد قرّر أن يزور مبروكة في بيتها؛ كي يهدّدها إذا لم تكفّ شرّها عن شقيقته ليلى. في هذه الأثناء عاد محمّد وعليّ شقيقا ليلى من العمل، وما أن دخلا البيت حتّى سألهما عمر ساخرا:

  • ما رأيكما أن نأتي لكما بالحاجّة التّقيّة مبروكة؛ كي تعمل لكلّ منكما حجابا، لتحصلا على ترقيات في عمليكما؟

ضحكا من كلامه وأجابه محمّد:

  • يبدو أنّ "بركات" مبروكة قد أصابتك بالهبل.

لكنّ عليّا قال:

  • يبدو أنّ "وراء الأكمة ما وراءها"، هل جاؤوا بمبروكة؛ لتحلّ عقدة موسى زوج ليلى؟

ضحك عمر وطلب منهما أن يسألا أمّهما عن قدرات مبروكة العجيبة، لكنّ الأمّ واصلت صمتها وهي تنظر إلى ابنها عمر نظرات عتاب؛ كيلا يواصل حديثه عن مبروكة.


 

أخو ليلى

قبل ساعات الغروب بحوالي ساعة غادر عمر البيت دون استئذان، وهو ينوي الذّهاب إلى بيت مبروكة، فسألته والدته:

  • إلى أين أنت ذاهب؟

أجابها عمر بهدوء دون أن يلتفت إليها:

  • سأزور ليلى في بيتها.

الأمّ: لا داعي لهذه الزّيارة، في هكذا وقت، فربّما ينزعج زوجها منك.

قال عمر ساخرا وهو يواصل مسيرته:

  • إذا انزعج من زيارتي سأقبّل يديه حتّى يسمح لي بزيارة شقيقتي ليلى!

استغفرت الأمّ ربّها وركضت خلف عمر توصيه:

-الله يرضى عليك- لا تذكر شيئا من حديثنا على مسامع ليلى، دعها بمصيبتها ولا تزد قلقها.

عمر: حاضر.

في طرف البلدة وعلى جانب الطّريق انتبه عمر إلى شجرة رمّان، كسر منها غصنا طوله حوالي متر، نظّف جوانبه من الفروع الصّغيرة، حتّى صار شبيها بالخيزرانة، وضعه تحت إبطه الأيمن وواصل طريقة، مرّت به شاحنة لسائق يعرفه، أشار إليه بيده، أوقف السّائق الشّاحنة، جلس عمر بجانبه، سلّم على السّائق وقال له بأنّه ذاهب إلى البلدة المجاورة لقضاء حاجة خاصّة، سأله السّائق عن سرّ حمله لغصن الرّمّان، فأخبره بأنّه حمله من باب "الولدنة" لا أكثر. عندما اقترب من الطّريق التي تؤدّي إلى بيت مبروكة، طلب من السّائق أن يتوقّف؛ كي ينزل، غذّ الخطى؛ ليصل بيت مبروكة قبل غروب الشّمس.

عند باب بيت مبروكة التقى بالحاجّ عفّاش الذي وصل من الاتّجاه المعاكس، تصافحا، وعلم منه أنّه هو الآخر جاء إلى الحاجّة مبروكة؛ لتعالج زوجته التي أصيبت بشلل نصفيّ صباح ذلك اليوم، ولم تعد قادرة على الكلام، حوقل عمر وهو يمسك يد الحاجّ عفاش، طرق باب البيت بعود الرّمّان، فتحت مبروكة الباب وهي تتلفّع بعباءة، وتغطّي شعرها بخرقة بيضاء بطريقة فوضويّة، بُهتت مبروكة عندما رأتهما، فقد فتحت الباب وهي تظنّ أنّ الطارق امرأة عجوز، دخل عمر وهو يمسك يد الحاجّ عفّاش قبل أن تسمح لهما بالدّخول، جلسا في الصّالة، جلست قبالتهما، بدا الخوف والقلق على وجهها وعلى نظرات عينيها، وقالت:

  • هذا الوقت غير مناسب، لسماع ما تريدانه، ليتكما تعودان يوم غد.

فردّ عليها عمر بأنّهما لن يأخذا من وقتها كثيرا، وطلب من رفيقه أن يتكلّم عن مرض زوجته المفاجئ باختصار شديد.

قبل أن يتفوّه الحاجّ عفّاش بكلمة واحدة، فُتح باب الحمّام وخرج منه رجل عارٍ تماما، رآه عمر ومبروكة، فكما يبدو أنّه لم يسمع الطّرق على باب البيت، ولا يعلم أنّ هناك من دخلوا البيت، أغمضت مبروكة عينيها خجلا، أسرع الرّجل إلى غرفة النّوم وهو يرتجف خوفا، لحق به عمر وهو يقول ساخرا:

  • يبدو أنّ بيتك يا مبروكة مسكون بجنّيّ كافر، لا يعرف الملابس فيمشي عاريا!

ألقت مبروكة رأسها إلى الخلف مذهولة مرعوبة، الحاجّ عفّاش لا يدرك ما يجري حوله، دفع عمر باب غرفة النّوم بقوّة قبل أن يغلقه الرّجل من الدّاخل؛ ليرتدي ملابسه، تجمّد الرّجل خائفا على حافّة السّرير وعمر أمامه يهزّ عود الرّمّان أمامه، بعد أن منعه من ارتداء ملابسه، التي كانت بجانبها ملابس مبروكة الدّاخليّة، سأله عمر:

  • من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟

وإذا مبروكة تجيبه من خلفه وهي ترتعد خوفا:

  • هذا أخي جاء لزيارتي من مكان بعيد، وقد استحم ليرتاح من رائحة العَرَق.

التفت إليها عمر وسألها وهو يشير بعصاه إلى سروالها الدّاخليّ:

  • هل يتعرّى الرّجل أمام أخته؟ وهل تتعرّى المرأة وتخلع سروالها تحيّة لأخيها عندما يزورها؟

وأمر مبروكة أن تجلس بجانب الرّجل. لحق الحاجّ عفّاش بهم إلى غرفة النّوم وهو يتوكّأ على عصاه، تفاجأ بما يراه، سأل الرّجل:

  • ألا تخجل على نفسك؟ لِمَ لا ترتدي ملابسك؟ من أنت؟

قفز الرّجل وركع أمام الحاجّ عفّاش أمسك بساقيه وهو يقول:

  • دخيلك يا عمّ احمني من هذا الرّجل، واعطني ملابسي لأرتديها.

وسط ذهول الحاجّ عفّاش، سألت مبروكة عمر بانكسار:

  • من أنتما؟ وكيف تسمحان لنفسيكما بدخول غرفة نومي؟

ضرب عمر الرّجل بعصاه على ظهره وسأله أن يعرّف على نفسه، وعن ماهيّة علاقته بمبروكة، فأجابه الرّجل وهو يرتجف خوفا:

  • أنا زوج مبروكة.

ردّ عليه عمر: قبل قليل قالت مبروكة على مسمعك أنّك أخوها، وها أنت تقول بأنّك زوجها، لكن كلاكما تكذبان، فمبروكة أرملة -كما تقول للنّاس-، ولا أحد يعرف أصلها من فصلها، جلد عمرُ الرّجلَ مرّة أخرى بعصاه على ظهره، وجلد مبروكة جلدة قويّة، كتمت مبروكة صرختها من الألم؛ كي لا تفضح نفسها إذا ما سمع الجيران صرختها وقال:

  • لا يهمّني أن أعرف ماهيّة العلاقة بينكما، لكنّني جئت لأحّذرّك يا مبروكة؛ كي تكفّي عن خداعك واحتيالك على النّاس، وإن لم تسمعي كلامي ولم تنفّذي طلبي هذا، فسيكون لك حساب آخر عندي.

أمسك عمر يد الحاجّ عفّاش، قاده إلى الخارج وهو يقول له على مسمعيهما:

  • لقد رأيت بأمّ عينيك يا عمّ أنّ مبروكة عاهرة محتالة، خذ زوجتك إلى المستشفى قبل أن تخسرها، أتمنّى عليك أن تنشر ما رأيته بعينيك وما وسمعته بأذنيك دون أن تذكر أنكّ شاهدت وسمعت، ودون أن تذكر اسمي بأيّ حال من الأحوال.

استغفر الحاجّ عفّاش ربّه وسأل:

  • إذا كتمت أنّني رأيت بعينيّ وسمعت بأذنيّ، وكتمت أنّك كنت معي، فماذا سأقول للنّاس؟

عمر: قل لهم أنّك سمعت ذلك من أناس موثوقين، وعدم ذكر اسمي واسمك مهم جدّا؛ كي لا تختفي مبروكة عن أعيننا إذا ما عرفتنا.

الحاجّ عفّاش: لن يصدّق النّاس كلامي وكلامك إذا لم نؤكّده من خلال سرد ما رأينا وما سمعنا.

عمر: إذا صدّقوا أو لم يصدّقوا فهذه مشكلتهم، وواجبنا يقتضي تحذيرهم منها.

عاد الحاجّ عفّاش إلى بيته مصدوما، قرّر أن يأخذ زوجته إلى المستشفى، لكنّه وجدها قد ماتت، ترحّم عليها، بكاها، وهو يفكّر بأنّ مبروكة قد عاقبته لسوء ظنّه بها، فقرّر أن لا يقول للنّاس شيئا عن مبروكة.

أمّا عمر فقد مرّ على شقيقته ليلى قبل أن يعود إلى بيته، استقبلته هي وزوجها بصدر رحب وبابتسامة عريضة، رأى عمر الحالة النّفسيّة المتردّية لموسى، شاهد أنّ وزنه يتناقص باستمرار، لم يعد يجالس الآخرين، وإذا ما اضطر للجلوس مع آخرين مثل صهره عمر الذي زارهم فجأة دون استئذان، فإنّه يطأطئ رأسه ولا يقول شيئا، أشفق عمر على موسى. بعد أن احتسوا الشّاي سأل عمرُ موسى:

  • ما رأيك بالحاجّة مبروكة؟

احمرّ وجه موسى حرجا وحياء ولم يقل شيئا، فأنقذته ليلى عندما قالت لشقيقها عمر:

  • مبروكة نصّابة محتالة زنديقة شيطانة.

ضحك عمر فرحا بما قالته شقيقته ليلى، فقد اطمأنّ بأنّ ألاعيب مبروكة لن تمرّعليها، ومع ذلك فقد قال لها:

  • أحذّرك من مجالستها، أو الاستماع لأحاديثها، حتّى لو كانت بصحبة آخرين مثل والديك أو أيّ شخص آخر.

قالت ليلى: أعوذ بالله أن أجالس محتالة كهذه، لقد اكتشفت جهلها وشيطنتها عندما جاءتنا بعد زفافنا بحوالي أسبوع. ولن أسمح لها بدخول بيتي مرّة أخرى.

وهنا طرقت عائشة "أمّ موسى" باب الشّقّة، فقد لحقت سريعا بعمر عندما رأته يدخل شقّة ابنها موسى، فهي تخاف من أيّ شخص يجالس موسى وليلى، خافت أكثر من عمر وهي تحسب أنّ زيارته ليست بريئة، فربّما جاء لأخذ شقيقته، ما دام موسى لم يستطع معاشرتها. صافحت عمر بحرارة بائنة، رحّبت به كثيرا، سألته عن والديه وعن شقيقيه، تمنّت أن يكونوا بخير، أوعزت لليلى أن تجهّز عشاء لشقيقها عمر، لكنّ عمر رفض العشاء بقوّة زاعما أنّه تناول عشاءه قبل دقائق. وتحت إصرار أمّ موسى على عشائه وقف وهدّد بالمغادرة قبل أن يكمل احتساء كأس الشّاي. تحدّثوا بمواضيع شتّى، لكنّهم لم يتطرّقوا لمشكلة موسى. غادر عمر عائدا إلى بيته قبل العاشرة مساء، فانفرجت أسارير أمّ موسى؛ لأنّه لم يتحدّث بمشكلة موسى.

********

عندما غادر عمر والحاجّ عفّاش بيت الحاجّة مبروكة، كانت هي ورفيقها الذي في بيتها يتحسّسان مكان عصا عمر على جسديهما، والألم الذي تركته، قامت وأحكمت إغلاق الباب الخارجيّ للبيت من الدّاخل، فقد تخوّفت من عودة هذا الشّابّ صاحب العضلات المفتولة إليهما، فربّما يعود وحده أو بصحبة شباب آخرين، أطفأت أضواء البيت باستثناء ضوء خافت في غرفة النّوم، لتوهم من يراقب بيتها أو ينوي القدوم إليها أنّ البيت خالٍ من سكّانه، عادت إلى رفيقها وصفعته على وجهه بقوّة، شتمته وشتمت عورة والدته وعورة أبيه، صرخت في وجهه:

  • أعلم أنّك حيوان لا تفقه شيئا، وأن لا خير فيك، فلا أنت "في الهدّه ولا في السّدّه" ولا تتحلّى بأبسط صفات الرّجولة، ومع ذلك فقد قبلتك "كتيس الماعز" في مرحلة السّفاد، لكنّي لم أعلم أنّك لا تسمع ولا ترى، وإن كنت لا تسمع فإنّك لا تميّز ما تسمعه، ألم تسمع طرقهما على الباب؟

قطع حديثها وتساءل مستنكرا:

  • كيف سأسمعه والحمّام في آخر البيت وبابه مغلق بإحكام؟

فعادت تسأله: ألم تسمع حديثهما وهما في البيت؟

  • والله ما سمعت.

مبروكة: عندما فتحتَ باب الحمّام بعنف جعلت الشّاب يلتفت إلى صرير الباب، ما الدّاعي لذلك؟ ألم تسمع صوتهما قبل أن تخرج من الحمّام؟

  • لم يخطر على بالي أنّ أناسا سيأتون إليك بهذه السّاعة المتأخرة من النّهار، فلِمَ فتحتِ الباب لهما؟

مبروكة: كان طرقهما على الباب خفيفا فحسبت الطّارق امرأة مسنّة.

  • ها أنت تقولين بأنّ طرقهما على الباب كان خفيفا، فكيف سأسمعه وأنا في الحمّام وبابه مغلق.

نظرت إليه مبروكة باحتقار وقالت له:

  • لم أتوقّع أن تكون نذلا كما رأيتك، فقد كنت معجبا بفحولتك، وها أنا أختبر جبنك ونذالتك، فلو نظرت إلى جسمك لوجدت أنّك أكبر حجما وأكثر قوّة من ذلك الشّابّ الذي هاجمك، وفاجأتني أنّك كنت مقعيا على السّرير ككلب ضالّ هاجمته كلاب أخرى، فلِمَ لم تدافع عن نفسك؟
  • خشيتُ أن يسمع الجيران الجلبة التي ستحصل لو عاركته، فيفتضح أمرنا.

صاحت به مبروكة طالبة منه أن يرتدي ملابسه، وأن ينصرف من بيتها، فهي لم تعد قادرة على احتمال رؤيته وسماع صوته. بقي ممدّدا عاريا على السّرير، كأنّه لم يسمع ما قالت.

التفت إليها وسألها بانكسار:

  • ماذا تقولين يا مبروكة؟ هل نسيت ما كان بيننا؟

ردّت عليه بجرأة:

  • لا لم أنس الأموال الطّائلة التي أخذتها منّي، وأنا لا ينقصني رجل فحل، فكثيرون من يتمنّوني، لكنّك خدعتي بفحولتك، ولعنة الله على ذلك اليوم الذي ارتضيتك لي ذَكَرا فيه.

تنهّد الرّجل تنهيدة عميقة وهو يقول:

  • لا تشمتي بي يا مبروكة، فأنت من كنت تعطيني مالا مقابل جهدي الذي بذلته ولا أزال أبذله في إطفاء نيران غرائزك اللاهبة. ولا تنسي أنّني أعاشرك أكثر من معاشرتي لزوجتي.

نظرت إليه مبروكة نظرة حقد، صكّت على نواجذها غضبا، لم تقل شيئا، لكن أفكارا كثيرة دارت في رأسها، بدأت تحاسب نفسها على ورطتها معه، خشيت إن خرج من بيتها ذليلا مكسور الجناح أن لا يعود ثانية، وأن يشهّر بها، فهذه الليلة أكّدت لها أنّه نذل لا شهامة ولا مروءة فيه، ويبدو أنّه لا يحبّها، ولا يعاشرها إلا مقابل النّقود التي تنقده إيّاها، وبالتّالي فإنّها لا تستبعد أيّ شيء عن رجل نذل كهذا، وما عليها إلّا أن تداريه، وتكسب ودّه لا حبّا فيه وإنّما خوفا من فضيحتها، عندها ستخسر كلّ شيء لو حصلت الفضيحة، نزلت دموع من عينيها عندما دار في خلدها أنّها كما العاهرات، وتتعامل مع رجل عاهر. انتبه لدموعها فسألها:

  • لِمَ تبكين يا مبروكة؟
  • أبكي على حالي وعلى الورطة التي وقعنا بها هذه الليلة، ليتني أعرف من يكون هذا الشّابّ الذي هاجمنا هذه الليلة.
  • وإذا عرفتِه ماذا سنستفيد يا مبروكة؟

احتارت مبروكة بغبائه، وعدم إدراكه لعواقب ما جرى معهما، لكنّها كتمت ذلك وأجابته بهدوء:

  • إذا عرفنا من يكون ذلك الشّاب هو وذلك العجوز الذي يرافقه، لاتّخذنا احتياطاتنا في مثل هذه الحالة؛ لنتجنّب المنطقة التي يسكناها، فما جاء الشّاب إلى لسبب مريب، وربّما هو غاضب على تعاملنا مع قريبة أو قريب له، ولم يستفد منّا شيئا.
  • وما العمل الآن؟

مبروكة: إنسَ الموضوع الآن، قم واستحمّ ثانية فرائحتك كريهة، جهّز نفسك لتقوم بمهمّتك معي، دعنا نقضي ساعات حميمة تنسينا همومنا.

لم يتحرّك الرّجل من مكانه، وكأنّه لم يسمع كلامها، التفتت إليه تحضنه وتستثير فحولته، لكنّه لم يقوَ على فعل شيء، فقد كان خائفا حزينا على نفسه، حاولت مواساته وإغواءه دون جدوي، فسألته:

  • ما بك يا رجل؟

ردّ عليها بانكسار وذلّ:

  • لم تعد بي رغبة في أيّ شيء، فما حصل الليلة ليس سهلا، وكلامك القاسي معي كان أصعب عليّ من الجلد بعصا الرّمّان التي كانت بيد الشّاب.

حضنته أكثر، قبّلت شفتيه بعمق، تحسّست جسده، لكن دون جدوى، واصلت محاولتها معه ولم يتغيّر وضعه. وقف فجأة؛ ليرتدي ملابسه وهو يقول:

  • لقد تأخّرت على زوجتي وأبنائي، لا أستطيع الإنتظار أكثر، فلا تقلقي سأعود إليك غدا، فأيّ ساعة تناسبك؟

ردّت عليه حائرة متسائلة:

  • هل ستعود حقّا أم هو تبرير لهروبك منّي.
  • حتما سأعود إليك فأنا لا أستغني عنك.

قالت له: رافقتك السّلامة...سأنتظرك غدا بين السّاعة الواحدة والثّالثة ظهرا، ومن هنا فصاعدا لن أفتح الباب لأحد وأنت عندي.

استأذن منها وانصرف وهي توصيه أن لا يخلع ملابسه أمام زوجته، كي لا ترى أثر العصا مرسومة على جسده.

نظر إليها وقال وهو يغادر دون أن يلتفت خلفه:

  • لا تخافي فإن رآها أحد سأقول له بأنّني تشاجرت مع أناس لا أعرفهم.


 

العالِم

خرج أبو محمّد "والد ليلى" يبحث عن عالم في الدّين، يستفسر منه عن موقف الدّين الصّحيح من الفتّاحين والمشعوذين، قبل أن يتورّط بضرب بنته ليلى بناء على تعليمات الحاجّة مبروكة، فالرّجل حائر بين ما قالته هذه المرأة وبين ما قاله ابنه عمر الذي أكمل تحصيله الجامعيّ. أبو محمّد إنسان مسالم بطبعه، يحترم نفسه فيحترمه الآخرون، لا يريد أن يظلم أحدا، كما لا يريد أن يخرج عن تعاليم الدّين دون أن يدري، سأل حتّى وصل إلى شيخ يحمل شهادة الدّكتوراة في الفقه الإسلاميّ، ويعمل أستاذا في كلّيّة الشّريعة، فطلب منه مدير مكتب الشّيخ أن يقدّم استفساره مكتوبا، ولمّا أخبره أنّه أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب، استمع منه لما يريد السّؤال عنه، فكتبه وقدّمه لسماحة الشّيخ، ونصّه يدور حول موقف الدّين الصّحيح من الإيمان بقدرات الفتّاحين والمشعوذين، وهل على المؤمن أن يصدّقهم وأن ينفّذ ما يطلبونه منه؟

عندما سمح الشّيخ بدخول أبي محمّد إلى مكتبه، رحّب به الشّيخ، استمع إلى حكايته بالتّفصيل، طلب من المراسل أن يحضر له فنجان قهوة وكأس ماء.

بسمل الشّيخ وقال:

قال -عليه الصّلاة والسّلام:( من أَتَى عَرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقه بما يقولُ، فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ). فلا تقع في الحرام يا حاجّ.

قال أبو محمّد للشّيخ:

  • لقد زعمت الحاجّة مبروكة أنّ ابنتي التي تزوّجت قبل بضعة أشهر، ولم يستطع زوجها معاشرتها، يتلبّسها جنّيّ كافر، ويمنع زوجها من الاقتراب منها، ولن يخرج منها إلا بضربها.

انتفض الشّيخ غضبا ممّا سمع وقال:

  • أعوذ بالله، هل صّدقتها يا رجل، هذه امرأة مشعوذة ولا يجوز لك ولا لغيرك أن يرتاد مكانها أو يطلب منها حلولا.

أبو محمّد: ما معنى مشعوذة يا سيّدنا؟

  • الشّعوذة تعني:" خفّة في اليد وأعمال كالسّحر، تُري الشّيء للعين بغير ما هو عليه"، والشّعوذة:" كلّ أمر مموّه باطل لا حقيقة له ولا ثبات." ومن يدّعون علم الغيب فقد كفرّوا، وعلى أولي الأمر معاقبتهم، وحدّهم القتل.

قال أبو محمّد للشّيخ على استحياء:

  • " لا حياء في الدّين يا مولانا، ابنتي الوحيدة قرّة عيني وحبيبة قلبي، حباها الله جمالا وعقلا وخلقا ودينا، تزوّجت من شابّ خلوق وسيم، لكنّه لم يستطع معاشرتها، وأهله ارتأوا علاجة عند الحاجّة مبروكة، التي تدّعي أنّ لها قدرات خارقة لحلّ كلّ القضايا ومعالجة جميع الأمراض، وبما أن سماحتك ترى بأنّه يحرم على المسلم الذّهاب إلى هكذا أشخاص، فما الحلّ لمشكلة صهري زوج ابنتي؟

قال الشّيخ العالم:

  • ربّنا -سبحانه وتعالى خلق الدّاء والدّواء، وتشخيص الأمراض ووصف علاجها النّاجع يعرفه الأطبّاء، فخذوه إلى طبيب، وإن شاء الله سيتعافى إذا تلقّى العلاج الصّحيح.

أبو محمّد: وإذا لم يشفَ من مصيبته، ما هي المدّة التي يجب أن تعطى له، قبل التّفريق بينه وبين زوجته؟

الشّيخ: اصبروا عليه عاما كاملا، وبعدها يفرّق القاضي الشّرعيّ بينهما.

أبو محمّد: وما هو الجنّ يا مولانا.

  • الجنّ مخلوقات ورد ذكرها في القرآن، ولا سيطرة لهم على الإنسان كما قال عدد من الأئمّة والمفسرّين، ويستدلَون على ذلك بقول الله -عز وجل- في سورة النَّحل:" فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَلُونَ"، و"يبينون بذلك أنّه لا سيطرة له على الإنسان إلا بالوسوسة له فقط وبتزيين العمل السّيّء له، ولا قدرة له أكثر من ذلك."

شكر أبو محمّد سماحة الشّيخ وغادر، وهو يحمد الله بأنّه لم يتورّط في ضرب بنته وفلذة كبده ليلى بناء عى تعليمات الحاجّة مبروكة، ندم على عدم تصديقه كلام ابنه عمر الذي فتّح عينيه للحذر من خزعبلات الحاجّة مبروكة، أخذ يفكّر بطريقة يبعد فيها شرور هذه المرأة المحتالة عن ابنته، فيكفي ليلى ما فيها، فشرط الزّواج الأوّل لم تحصل عليه، وأصبحت سيرتها وسيرة زوجها على لسان الجميع.


العروس

غادة فتاة حسناء، طويلة القامة، نحيلة الخصر، بشرتها قمحيّة، شعرها ذهبيّ يسابق الرّيح عندما تطلق عنانه، عيناها عسليّتان واسعتان، أنفها كمنقار الصّقر، شفتاها متناسقتان مع فمها، ساحرة في ابتسامتها، نواجذها حبّات لؤلؤ ناصعة البياض، تمشي بدلال العذارى الذي ورثته عن أمّها وجدّتها. من تراها من نساء البلدة تحضنها وهي تصلّي على النّبيّ؛ لتحميها من الحسد. كنّ يتسابقن للحديث لأمّها وعلى مسامعها، كلّ واحدة منهنّ تريدها عروسا لابنها، فتضحك والدتها مزهوّة بابنتها التي ورثت عنها هذا الجمال، وتخبر "الخاطبة" أنّ غادة لا تزال طفلة، سمعت غادة هكذا إطراء مرّات كثيرة في مراحل عمرها المختلفة، في الخامسة من عمرها بدأت ببراءة الأطفال تسأل والدتها بعد أن تسمع كلام النّساء:

  • ماما هل أنا عروس؟

تحتضنها والدتها، تطبع قبلتين على وجنتيها وتقول لها ضاحكة:

  • ستكبرين -إن شاء الله- وستكونين أجمل عروس.

تضحك المرأة الغريبة التي أطرت على جمال غادة، فتحتضنها هي الأخرى، تقبّل وجنتيها وتهمس لها:

  • نعم ستكونين عروس ابني.

تضحك غادة ببراءة وتقول:

  • من هو ابنك؟
  • ابني طفل جميل مثلك.

غادة: هاته معك عندما تأتين إلينا لألعب وإيّاه.

تمازحها المرأة وتسألها:

  • ماذا ستلعبان؟

غادة: سنلعب "عريس وعروس".

تضحك والدتها وضيفتها فتسألها المرأة الضّيفة:

  • ماذا يلعب"العريس والعروس"؟

تفكّر غادة قليلا، تبتسم ببراءة وتقول:

  • يلعبان ألعابا كثيرة مثلا: يلعبان القفز بالحبل، أو "الخبّيّه".

عندما شبّت غادة ازدادت جمالا على جمالها، نفر نهداها على صدرها كحبّة تفّاح حان قطافها، صارت تمشي بهدوء، لكنّ أنوثتها الطّاغية جعلتها تتراقص في مشيتها، ابتسامتها تسلب لبّ النّاظر إليها، صوتها يسحر من يسمعه، يتعمّد الشّباب المشي في طريقها من المدرسة وإليها؛ ليلقوا نظراتهم عليها، صحيح أنّ ظروف أسرتها لم تسمح لها بمواصلة تعليمها، فتركت المدرسة مرغمة عندما أنهت المرحلة الابتدائيّة، لكنّ الظّروف نفسها لم تسمح لها بالجلوس في بيتها، فصارت تشارك في فلاحة وزراعة أرض العائلة، حتّى أنّه لم يكن لها يوم إجازة أسبوعيّة، ولا ساعات عمل محدّدة، فمن يعتاشون على ما تنتجه الأرض، لديهم قوانين عمل توارثوها، ولا يحيدون عنها، فالشّاب الذي اعتاد العمل منذ طفولته المبكرة يعمل بجدّ وتفان، بينما والده يساعده عند الضّرورة القصوى في مواسم الحصاد وقطف الثّمار، لكنّه يسوّقها ويقبض ثمنها، وعندما يتزوّج الشّابّ فإنّه يلقي عبء الجزء الأعظم من عمله على زوجته، فالنّساء والأطفال لا خيار لهم في العمل.

عندما تتزوّج الفتاة فإنّ الأعباء تزداد عليها، فمطلوب منها أن تكون عاملة، زوجة، أمّا، مرضعة وربّة بيت.

تهافت الخطّاب لطلب يد غادة منذ بلغت الرّابعة عشرة من عمرها، لكنّ والدها يرفضهم باستمرار دون أن يخبر غادة أو يأخذ رأيها، ورفضه للخاطبين لا علاقة له بعمر غادة بل لأنّها تشكّل ساعده الأيمن بالعمل في الأرض، فوالدتها مشغولة بالعناية بطفلين كبيرهما في الثّالثة وصغيرهما رضيع، وبشقيقيها اللذين يكبرانها عمرا في المدارس.

عندما بلغت غادة التّاسعة عشرة من عمرها، قالت والدتها لأبيها:

  • غادة كبرت يا حميدان، ومن حقّها أن تتزوّج.

حميدان: غادة يدي اليمنى يا زوادة، وإذا زوّجناها فمن سيعتني بأرضنا؟

  • الرّزق على الله يا رجل، وإذا لم تتزوّج غادة ستبور، وستكون خطيّتها في رقبتك.

لم يعقّب حميدان على ما قالته زوجته، لكنّه بقي يفكّر به، ويعمل جردا حسابيّا لواقعه، ولمستقبل أبنائه ومن ضمنهم غادة.

في اليوم التّالي وبعد صلاة العصر طرق باب حميدان ابن بلدته عيسى السّلمان وزوجته كاملة الفنساء، رحّبوا بهما، عندما قدّمت لهما زوادة قهوة "أهلا وسهلا"، وضع عيسى فنجانه أمامه وقال لحميدان:

  • لنا طلب عندكم يا أبا أحمد.

حميدان: حيّاكم الله.

عيسى: نريد ابنتكم غادة لابننا سميح على سنّة الله وسنّة رسوله.

حميدان: نتشرّف بمصاهرتكم يا أبا سميح، أعطني يومين لآخذ رأي البنت ورأي والدتها، والرّدّ منّا عليكم.

عيسى: يا رجل أنتم تعرفوننا أبا عن جدّ، ولستم بحاجة إلى السّؤال عنّا، وقد سبق وأن طلبناها لسميح أكثر من خمس مرّات، وكنت تتذرّع بأنّ البنت صغيرة.

حميدان: كلامك صحيح يا أبا سميح، وأنا لم أقل بأنّني سأسأل عنكم -لا سمح الله-، لكنّ سماع رأي البنت حقّ شرعيّ لها.

عيسى: نسأل الله التّوفيق.

قالها ومدّ يده إلى فنجان القهوة يحتسيه، استأذن بالمغادرة هو وزوجته رغم إلحاح حميدان وزوجته عليهما بالبقاء؛ ليتناولوا طعام العشاء بمعيّتهما.

تداول حميدان وزوجته وابناه أحمد ومحمود بطلبة عيسى السّلمان لغادة عروسا لابنه سميح، بينما لا تزال غادة تعمل في الحقول.

ما أن غادر عيسى السّلمان حتّى طرق باب بيت حميدان، شقيقه فارس وزوجته فاطمة، التي رأت عيسى السّلمان وزوجته يخرجان من بيت سلفها حميدان، فقالت لزوجها:

خلينا نلحق حالنا يا فارس، كاملة الفنساء وزوجها جاءا لطلب يد غادة لابنهما سميح، ونحن أولى بها لابننا سعيد.

فارس: كيف عرفت أنّهما جاءا لطلب يد غادة؟

فاطمة: رأيتهما يخرجان من بيت حميدان، وهما لا يأتيان معا إلّا لهكذا أمر.

فارس: سنذهب الآن قبل فوات الأوان.

قبل غروب الشّمس، التقت غادة وهي عائدة من الحقول بعمّها فارس وزوجته فاطمة أمام البيت، قبّلت غادة يد عمّها بينما احتضنتها زوجته فاطمة وقبّلت وجنتيها وهي تقول:

  • ما أطيب هذه الرّائحة التي تحمل عبق الأرض!

ما أن دخلوا البيت حتّى ذهبت غادة؛ لتستحمّ؛ ولتستبدل ملابس العمل، بينما جلس العمّ أبو سعيد وزوجته في الصّالون، وفور جلوسهم سألت فاطمة:

  • ماذا تريد الفنساء هي وزوجها؟

حميدان: ضيوف!

فارس: هل هم ضيفان أم جاءا يطلبان يد غادة؟

حميدان: ماذا تقصد يا أبا سعيد؟

فارس: "جحا أبدى بلحم ثوره"، ونريد غادة لابننا سعيد.

ضحك حميدان وقال دون تفكير:

  • غادة بنتي وسعيد مثل ابني، مبروكة عليكم غادة.

نظر أحمد شقيق غادة الأكبر إلى والدته مذهولا وقال لأبيه:

  • لا تستعجل الأمور يا أبي، أحمد ابن عمّنا ومثل إخوتنا، لكن يجب أخذ رأي غادة قبل كلّ شيء، فهي من ستتزوّج ولست أنت ولا عمّي مع احترامي لكما.

غضب حميدان من ابنه وطلب منه أن يسكت وهو يقول بأنّه أدرى بمصلحة غادة منها ومن أمّها ومن إخوتها.

قرأ الشّقيقان فاتحة خطوبة سعيد وغادة دون علم العروسين، أو بالأحرى دون علم سعيد، لأنّ غادة سمعت الحديث فانزوت في زواية غرفة البيت تبكي.

قرّر الوالدان حميدان وشقيقه فارس أن يكون الزّفاف بعد أسبوعين.


 

المجنونة

صعقت غادة من قرار أبيها، شعرت بهموم الدّنيا تحطّ كصخرة عظيمة على رأسها، فإذا ما تمّ هذا الزّواج فقد تُزفّ إلى القبر بدلا من العريس وبيت الزّوجيّة، وقد زادها أرقا وتعاسة علمها بالعادة الاجتماعيّة المتوارثة عبر أجيال بأنّ "ابن العمّ بنزّل العروس عن ظهر الفرس"، فقرّرت التّفكير بطريقة تنجو من خلالها بحياتها.

عندما جلست والدتها بجانبها تواسيها، شرحت لها بأنّ الزّواج من ابن عمّها أمر حتميّ لا خلاص منه، وعليها أن تتقبّل ذلك بهدوء، كي تكسب حبّه ورضا والديه، لكنّ غادة تمنّت الموت له ولوالديه، أو أن تموت هي؛ لتخلص من ورطتها. همست لوالدتها تسألها عن الأسباب التي دفعت والدها أن يصرف عيسى السّلمان وزوجته كاملة بعد أن طلباها أكثر من مرّة لابنهما سميح، لكنّ والدتها أجابتها ببرود لا يخلو من التّوبيخ:

  • ابن عمّك أحسن لك من ابن كاملة الفنساء.

جمعت غادة قواها وسألت والدتها:

  • أيّهما أفضل يا أمّي سميح عيسى السّلمان أم سعيد ابن عمّي فارس؟

زجرتها والدتها عن هكذا كلام؛ لأنّ الأعراف تقضي بأنّ الأب هو من يوافق على زواج بنته ممّن يراه مناسبا لها، ولا مكان للمفاضلة.

فردّت غادة وقد احمرّت عيناها من شدّة البكاء:

  • نعم...أنا لا أعترض على ضرورة موافقة أبي على زواجي، فهذا حقّه، لكنّ قبول العريس أو رفضه حقّ لي.

أمّ غادة" زوادة": انتهى الأمر يا غادة فقد تمّت قراءة فاتحتك على سعيد ابن عمّك.

حاولت غادة أن تلتفّ بذكاء على قرار أبيها بزواجها من ابن أخيه:

  • أنا لا أريد يا أمّي الزّواج من أيّ شخص، لا من سعيد ولا من سميح ولا من أيّ شخص آخر، اتركوني عاملة وخادمة لكم.
  • البنات خلقن للزّواج يا غادة.

ردّت غادة مستنكرة كلام أمّها:

  • الزّواج ليس فرضا، مع أنّه سنّة الحياة.

قالت الأمّ وهي تغادر جلستها مع ابنتها غادة:

  • لا تخلقي لنا مشاكل نحن في غنى عنها يا غادة، فلا مجال للاعتراض على قرار أبيك.

ذهبت غادة إلى فراشها، أخذت تفكّر بحيلة تنقذ حياتها من موت محقّق إذا ما انكشف أمرها. فقد عادت بها الذّاكرة إلى ما قبل عامين، عندما انفرد بها سميح عيسى السّلمان، لمّا خلا له الجوّ وهو يعمل في حقلهم المجاور لحقل حميدان والد غادة، جاء حاملا في يده ابريق شاي وطعام غدائه، ادّعى بأنّه اعتقد بأنّ العمّ حميدان والخالة زوادة موجودان، جلس مع غادة يلاطفها، أشبع غرورها الأنثويّ بكلامه المعسول، اعتاد على ذلك بشكل يوميّ، في اليوم الثّالث أخبرها بأنّه سيطلب يدها؛ لتكون زوجته، دغدغ عواطفها، بنى لها قصورا في الهواء، في اليوم الخامس قبّلها، فبادلته القبل بدلع وغنج أنثوي، احتضنها وما لبث أن اعتلاها، فضّ بكارتها على أمل أن يتزوّجها، في اليوم التّالي وبناء على إلحاحه كان والداه في حضرة والدها يطلبانها عروسا له، لكنّ والدها ردّهما كما ردّ خاطبين آخرين بحجّة أنّ غادة لا تزال صغيرة. كرّر والدا سميح طلبهما لغادة أكثر من خمس مرّات خلال عامين، لكن دون جدوى.

دبّ الرّعب في أوصال غادة عندما فكّرت بأنّ زواجها من أيّ شخص غير سميح سيكون سببا كافيا؛ لإنهاء حياتها قتلا، وليلاحقها عار ما يسمّى شرف العائلة. لكنّها الآن في مصيدة لا نجاة منها، خصوصا بعد أن قرّروا خطبتها في يوم الجمعة القادم، على أن يكون زفافها في يوم الجمعة الذي يليه.

لم يعد لغادة شهيّة لا في طعام ولا في شراب، ولم تعد قادرة على النّهوض من فراشها، وتتمنّى الموت في كلّ لحظة.

قبل يوم خطبتها بيوم فكّرت بحيلة تخلّصها من هذا الزّواج وتنقذها من الموت، فاختارت أن تمثّل أنّها مصابة بمسّ من الجنون، على أن تبدأ مسرحيّتها قبل الخطبة المحدّدة يوم الجمعة بيوم واحد.

سأل والدها ظهر الخميس زوجته:

  • كيف حال غادة يا زوادة؟
  • نسأل الله أن تكون بخير يا حميدان.

حميدان: غريب أمر بنات هذا الزّمان، فبدلا من أن تفرح وترقص وتغنّي عندما سمعت بموافقتي على خطبتها وزواجها أصابها مرض لا نعرف كنهه. أخشى أن يكون أحدهم قد أصابها بالعين الحاسدة، أو أنّ هناك من عمل له سحرا.

لم تجرؤ زوادة أن تبوح بما قالته لها ابنتها عن رغبتها بالزّواج من سميح عيسى السّلمان، لكنّها قالت:

  • نسأل الله العفو والعافية.

حميدان: هذا دلع بنات، أعدّي لي فنجان قهوة ودعي غادة تأتيني به.

زوادة: غادة مريضة وتعبانة يا أبا أحمد.

ردّ عليها دون مبالاة:

  • لا تخافي عليها، "البنات مثل القطط بسبع أرواح".

أعدّت أمّ أحمد" زوادة" القهوة، وأخبرت غادة بضرورة أن تحمل الفنجان لأبيها في صالون البيت.

لم تنهض غادة من فراشها منذ أربعة ايّام، بعد أن وافق أبوها على خطبتها من ابن عمّها سعيد فارس قبل ثلاثة أيّام، حتّى أنّها لم تغسل وجهها، لم تسرّح شعرها ولم تتناول طعاما، ومع ذلك فهي لا تستطيع رفض أيّ طلب لأبيها. حملت فنجان القهوة على صينيّة نحاسيّة، مشت باتّجاه الصّالون تتهادى كطفل يحبو، عندما دخلت صالون البيت حيث يجلس والدها، نظرت إلى النّافذة، ضربت حمايتها الحديديّة بالصّينيّة والفنجان، هجمت على النّافذة تتوعّد وتتلفّظ بألفاظ نابية، بدأت تصرخ وهي تضرب النّافذة بيديها، قفز والدها من مكانة، أمسك بها وهو يتعوّذ بالله من الشّيطان الرّجيم، ويبسمل، هرعت والدتها إلى الصّالون، أخذت تهدّئ روع غادة، وتسألها عمّا جرى لها وهي تغلق فمها بيدها؛ خوفا من أن يسمع الجيران صراخها وشتائمها، قادتها والدتها بيد ووالدها يمسك باليد الثّانية، جرّاها إلى فراشها، حاولا تهدئتها، لكنّها واصلت شتائمها وصراخها.

عندما بحّ صوتها من الصّراخ هدأت قليلا وكأنّها في إجازة المحارب، فسألها والدها:

  • على مَن كنت تصرخين وتهدّدين يا ابنتي؟

التفتت إليه وهي تفتح عينيها على اتّساعهما وسألته:

  • لِم لم تساعدني على قتله.

ازداد أبوها حيرة وسألها يداريها:

  • من هو الذي تريدين قتله؟

تساءلت غادة بذعر:

  • ألم تره يا أبي؟

الأب: أرى من يا ابنتي؟

غادة: ذلك الرّجل الشّرّير الذي جاء على ظهر حصان حاملا سيفه يريد اختطافي، والزّواج منّي رغما عنّي وعنكم.

ضرب والدها كفّا على كفّ، حوقل وقال:

  • "منه العوض وعليه العوض."

اعتدلت غادة في جلستها وصرخت بأبيها:

  • هل رأيته؟ هل تعرفه؟ هل اسمه عوض؟

عاد أبو أحمد يحوقل ويبسمل، نزلت دموعه حزنا على بنته غادة، بينما لطمت والدتها وجهها بكفّيها، وهي تبكي وتهدّئ من روع ابنتها. عندما رأت غادة دموع والديها، أشفقت عليهما في سرّها، لكنّها لن تتراجع عن خطّتها؛ لتنجو بحياتها، فقفزت من مكانها باتّجاه نافذة الغرفة، تطلق شتائمها وهي تصرخ داعية أباها كي يساعدها وتقول:

  • هذا هو يا أبي يمتطي حصانه ويتوعّدني بسيفه من النّافذة!

خرج والدها ووقف خارج النّافذة بعد أن طلب من زوجته عدم إفلات غادة، خاطب ابنته يطمئنها:

  • انظري إليّ يا غادة، لا أحد في محيط بيتنا، أنا من يقف بجانب النّافذة.

صرخت غادة تحذّر أباها:

  • انتبه يا أبي إنّه خلفك شاهرا سيفه يريد أن يقطع رأسك.

في هذه الأثناء سمع العمّ فارس صراخ غادة، فانطلق حافي القدمين وهو يحمل في يده عصا غليظة، ظنّا منه أنّ هناك من يهاجم بيت أخيه، اقترب من شقيقه حميدان وسأل:

  • ماذا جرى يا حميدان؟ لِمَ هذا الصّراخ؟

أجاب حميدان ودموعه تنساب على وجنتيه:

  • خلّيها على الله يا أبا سعيد، هيّا بنا إلى صالون البيت.

أغلق " أباجور" النّافذة، دخلا إلى الصّالون، شرح أبو أحمد لشقيقه أبي سعيد عن حالة غادة، وما جرى لها.

ضرب أبو سعيد كفّا على كفّ وهو يقول:

  • "يا قلّة البخت"، "أجت الحزينة تِفرح ما لقيت لها مطرح."

ذهب أبو سعيد ليرى غادة في غرفة نومها دون استئذان، ولمّا أطلّ من الباب صرخت به غادة:

  • هل قتلتموه يا عمّ؟
  • نقتل من يا غادة؟
  • الفارس الشّرير الذي يريد اختطافي ليتزوّجني، وخرج أبي لقتله، إنّه رجل قويّ لا طاقة لأبي به، ساعد أبي على قتله يا عمّ.

عاد أبو سعيد إلى صالون البيت مبهوتا وقال:

  • يا فضيحتنا....لن نستطيع عمل حفل الخطوبة غدا.

صمت أبو سعيد قليلا وقال:

  • يبدو أنّ هناك من عمل سحرا لغادة، أو أنّ هناك جنّيّا كافرا يتلبسّها؛ كي لا يتمّ زواجها من سعيد، وما لنا إلا الحاجّة مبروكة كي تخرجنا من هذه المحنة.

وافقه شقيقه أبو أحمد على تفسيره لما جرى لغادة، اتّفقا أن يستعينا بقدرات مبروكة لعلاج غادة.

سمعتهما زوادة "والدة غادة"، فقالت لهما وهي تبكي:

  • "خير البرّ عاجله"، اذهبا إلى مبروكة اليوم قبل غد.

فسأل أبو سعيد شقيقه أبا أحمد:

  • ما رأيك أن نذهب إلى بيت مبروكة بعد صلاة العصر؟

أجاب أبو أحمد: على بركة الله.

أخذ أبو أحمد يلوم نفسه؛ لأنّه لم يقبل تزويج غادة لواحد ممّن طلبوها منذ سنوات، ندم لأنّه كان يكذب على نفسه قبل الآخرين، عندما كان يقول لهم أنّها صغيرة، فهو يرى أن بنت أربعة عشر عاما ناضجة، مؤهّلة للزّواج، لكنّه أراد أن يستغلّها كعاملة في الأرض لأطول مدّة ممكنة قبل زواجها، ولو زوجّها قبل ذلك لما انتبه لها الحاسدون!

لشقيقه فارس حسابات أخرى لم يفصح عنها، لكنّها ليست خافية على شقيقه حميدان، فـ "ابن بطني بفهم برطني"، أدار الأمور في رأسه وأصبح على قناعة بأنّ هناك من عملت سحرا لغادة؛ لأنّها تريدها زوجة لابنها، أو أنّ هناك من دفع نقودا لساحر؛ كي يسلّط عليها جنّيّا كافرا، تنحنح وسأل شقيقه حميدان وزوجته زوادة.

  • من تعتقدان أنّه عمل سحرا لغادة؟

نظر كلّ منهما إلى الآخر دون أن يقولا شيئا، فعاد يسأل:

  • من هم الذين طلبوا غادة لأبنائهم؟

حميدان: غادة فتاة مزيونة، طلبها كثيرون، ولم يحصل نصيب.

زوادة: طلبها عيسى السّلمان لابنه سميح.

انتبه أبو سعيد لما قالته زوجة شقيقه فانتفض وقال:

  • الآن عرفت الصّحيح، لا يوجد غيرها، كاملة الفنساء مصيبة، وبالتّاكيد هي من عملت السّحر لغادة؛ لأنّها تريدها لابنها سميح.

كانت غادة تسترق السّمع من فراشها لما يقولون، عندما سمعت اسم سميح انقلبت على جانبها تداري ابتسامتها، تمنّت لو كان كلامهم صحيحا؛ كي يتزوّجها سميح، عادت بذاكرتها إلى لقائها الأوّل معه، والوصال بينهما الذي استمرّ لأكثر من عامين، شعرت بخدر يسري في جسدها، بلعت حسرتها وسكتت. بينما بقي والداها وعمّها يستغيبان كاملة الفنساء وزوجها وابنها.

بعد صلاة العصر طلب العمّ فارس من أخيه حميدان أن يذهبا إلى بيت الحاجّة مبروكة، وهو يتوّعد بالويل والثّبور لعيسى السّلمان وزوجته كاملة وابنه سميح إن قالت مبروكة أنّهم من عملوا سحرا لغادة.


 

عصا الرّمّان

طرق أبو سعيد باب بيت الحاجّة مبروكة بعصاه، طرْقُ الباب بهذه الطّريقة أعاد إلى ذهنها عصا الرّمان التي جلدها بها عمر شقيق ليلى، الذي لم تعرف هويّته حتّى الآن، فانتفضت مرتعبة، استطلعت الطّارق من خلف ستار النّافذة البعيدة، فتحت الباب عندما رأت رجلين مسنّين، لكنّ الخوف لم يغادرها. جلسا قبالتها في صالون البيت، بينما جلست هي قبالتهما بخشوع ومسبحتها بين يديها، طأطأت رأسها وهي تفكّر بأنّهما من بلدة صاحب عصا الرّمّان، وربّما هما مبعوثان من عنده للإيقاع بها، وقد يكون في انتظارهما قريبا من بيتها، وعصاه في يده ينتظر اللحظة المناسبة؛ لينقضّ عليها، ودون إدراك منها سألت:

  • من وراءكما؟ وماذا تريدان منّي؟

أجاب أبو أحمد "والد غادة" بعفويّة:

  • وراءنا غراب البين ونريد حلّا لمشكلته.

انتفضت مبروكة وسألت مرتعبة:

  • من هو غراب البين هذا؟ وما شأني به؟

تدخّل فارس "أبو سعيد" وقال؟

  • اهدئي يا حاجّة مبروكة، ما لك غاضبة، حلّها بسيط؟

تستعجل مبروكة معرفة سبب مجيئهما إليها، فعصا الرّمّان تتراقص في خيالها كما أفعى الكوبرا، التي تريد الإنقضاض على فريستها، شرح لها معاناة غادة بنت شقيقه حميدان، وخطيبة ابنه سعيد، وطلب من مبروكة أن تجد حلّا لمعاناة هذه الفتاة.

انفرجت أسارير مبروكة عندما سمعت ذلك، لكنّ شكوكها بأنّهما من بلد صاحب عصا الرّمّان لم تفارقها، فإن لم يجيئا إليها باتّفاق معه، فإنّه سيراها إذا ما دخلت البلد، وقد مرّ على جلده لها أكثر من ثلاثة أشهر، لكنّ طيفه لا يزال يطاردها، بقيت تحرّك خرزات مسبحتها، دون أن تنظر إلى وجهيهما، وهما جالسان ينتظران ما ستقوله، ولا يجرؤ أيّ منهما على سؤالها عن رأيها، فهما يعتقدان أنّها في لحظة حوار مع أتباعها من الجّنّ الذين تزعم أنّهم يأتون إليها بعلم الغيب، حتّى أنّ فارس" عمّ غادة" اعتقد بأنّها قد أرسلت أتباعها؛ ليأتوها بأخبارها! عندما التفت شقيقه حميدان إليه وفي عينيه كلام، زجره قائلا:

  • لا تقل شيئا يا حميدان، فــ"كل تأخيره فيها خيره".

بعد حوالي ربع ساعة قالت الحاجّة مبروكة:

  • قد تكون ابنتكم مسحورة أو يتلبّسها جنّيّ كافر، وأنا لا أستطيع أن أرافقكم لرؤيتها، فهل تستطيعان إحضارها إلى بيتي هنا بهدوء دون ضجّة؟

العمّ أبو سميح: لا نريد فضائح يا مولاتي، فالبنت دائمة الصّراخ، ولولا أنّنا نحشرها في البيت لفضحتنا أمام النّاس، كما أنّها شابّة قويّة البنية، لا نستطيع السّيطرة عليها.

بسملت الحاجّة مبروكة وحوقلت، تعوّذت بالله من الشّيطان الرّجيم على أمل أن يبتعد من مخيّلتها طيف عصا الرّمّان وطيف حاملها، لكن دون جدوى، ففكّرت بطريقة تصرفهما فيها بهدوء فقالت بعد فترة صمت:

المعلومات التي وصلتني عن ابنتكم هذه أنّ جنّيّا كافرا يتلبّسها، ويريد الزّواج منها، وهذا الجنّيّ شابّ مفتول العضلات، يراها ولا تراه على حقيقته، فيتمثلّ لها بصور شتّى، وها أنا أراه يستعرض عضلاته أمامي؛ ليخيفني، وليحذرّني من مغبّة الاقتراب منه، أو ذكر اسمه؛ لأنّني لست طاهرة هذه الأيّام، وأتباعي المؤمنون لا يقتربون منّي لحمايتي منه ومن أمثاله الكفّار إلّا عندما أكون طاهرة، وأنتم تعلمون أعذار النّساء! لذا فأنا أعتذر عن مرافقتكم، وأنصحكم بأن تذهبوا إلى أبي ربيع، فهو من يقوى على طرد الجنّيّ الكافر الذي يتلبّس ابنتكم.

استجاب أبو سميح وشقيقه أبو أحمد لنصيحة الحاجّة مبروكة دون نقاش، نقداها عشرة دنانير ثمنا لنصيحتها بناء على طلبها، وانصرفا في طريقهما إلى أبي ربيع.

بعد خروجهما عادت مبروكة إلى غرفة نومها، وقد سيطرت عليها نوبة ضحك هستيريّ، عندما تخيّلت صاحب عصا الرّمان مفتول العضلات، وهو ينهال بعصاه ضربا على جسد أبي ربيع.


 

براءة

توجّه حميدان" أبو أحمد" وشقيقه فارس"أبو سعيد" إلى بيت أبي ربيع، لم يحتاجا إلى كثير من الوقت، فقد استقلّا سيّارة أجرة أوصلتهما بعد أقلّ من ربع ساعة عند ساعات الغروب، طرق أبو سعيد الباب بعصاه، فتح الباب لهما ربيع، سألاه عن أبيه، فسمح لهما بالدّخول، جلسا في صالة البيت، دخل إليهما أبو ربيع حاسر الرأس، شعره منفوش بغير انتظام، ذقنه طوية الشّعر تنقسم إلى قسمين من وسط لحيته، يرتدي سروالا تقليديّا، فوقه قميص متّسخ، من يراه يتذكّر الصّورة النّمطيّة التي ابتدعها الخيال الشّعبيّ للشّيطان، صافحهما، جلس قبالتهما وبادرهما القول؛ ليوهمهما بقدراته التي يزعم أنّها خارقة فقال:

  • أعلم أنّ وراءكم قضيّة صعبة، لكن لا تقلقا فحلّها بسيط.

سأله أبو سعيد وقد انفرجت أساريره إعجابا بقدرات أبي ربيع:

  • هل حلّها سريع يا مولانا، أم ستحتاج وقتا؟

أبو ربيع: لا تسأل يا رجل، " فمن تدخّل فيما لا يعنيه لقي مالا يرضيه." اسرد لي القصّة باختصار شديد كما طلبت منك.

أبو سعيد: أيّ قصّة تريد أن أسردها يا مولانا؟ وهنا قطع شقيقه أبو أحمد حديثه وقال:

  • ماذا جرى لك يا فارس؟ لٍمَ تسأل ومولانا نهاك عن الأسئلة قبل قليل؟ اسكت وسأسرد له أنا ما جرى لغادة.

ابتسم أبو ربيع وقال له:

  • بوركت يا رجل....تفضل وتكلّم عن حالة غادة باختصار.

شرح أبو أحمد ما حصل مع ابنته غادة، كيف كانت وأين أصبحت؟

ولم يخبره أنّهما كانا عند الحاجّة مبروكة، ولا أنّها هي التي أرسلتهما إليه بناء على وصيّتها لهما.

صمت أبو ربيع عندما دخل ابنه ربيع يحمل صينيّة عليها ثلاثة فناجين قهوة، اثنان للزّائرين والثالث لأبيه، عندما خرج طلب منه أبوه أن يغلق باب الصّالون خلفه....بعد أن احتسوا قهوتهم قال أبو ربيع:

  • كما قلت لكما في البداية، مشكلة ابنتكم غادة بسيطة، وبإذن الله حلّها سهل، ولن يستغرق وقتا طويلا.

وسألهما: هل تستطيعان إحضارها إلى عيادتي في العاشرة من صباح غد؟

أبو أحمد: نرجوك يا مولانا أن تعفينا من ذلك، فغادة تصرخ بصوت مرتفع، ولا نريد فضائح أمام النّاس، فالبنت عروس، وربّنا يدعو إلى السّتر.

تمتم أبو ربيع بكلمات غير مفهومة، ووعدهما أن يصل إلى بيت والدها عند ساعات الظّهيرة من يوم غد، وأوصاهما أن لا يخبرا أحدا بذلك.

في اليوم التّالي وصل أبو ربيع في سيّارة أجرة، نزل منها وطلب من سائقها أن ينصرف، استقبله حميدان "والد غادة" وشقيقه فارس" والد سعيد".

فور وصوله شرب كوب ماء، طلب رؤية غادة، طلب حميدان من زوجته زوادة أن تأتي بغادة إلى الصّالون، استمعت غادة للحديث، عندما قادتها والدتها إلى أبي ربيع، وما أن رأته حتّى أفلتت من يد أمّها وهجمت على أبي ربيع، أمسكت لحيته بيديها، سحبتها وهي تشتمه بأقذع الألفاظ، قفز إليها أبوها وعمّها يمسكانها، جلدها أبوها على مؤخّرتها بعصاه، إلا أنّ أبا ربيع أمسك به وهو يلومه على فعلته، اعتذرا لأبي ربيع، لكنّه قال بتواضع وهدوء بأن لا داعي للاعتذار، فالفتاة لا تسيطر على نفسها وعذرها معها. طلب منهم أن يُجلسوها قبالته بهدوء، فجلست بين أمّها وأبيها، جحظها بعينيه يراقب حركاتها وتعابير وجهها، تكلّم معها وهو يراقب ردّات فعلها، بعد حوالي ساعة من الحديث قال لهم:

  • يجب عليكم الخروج من البيت، اتركوه لي أنا وغادة فقط، أغلقوا الأبواب والنّوافذ، سأحرق بعض البخّور؛ لأستجلب أعواني المؤمنين لطرد جنّيّ كافر يتلبّس جسد هذه الفتاة المسكينة.

قال أبو أحمد: ما رأيك أن نخرج بعد أن نتناول طعام الغداء يا مولانا؟

أبو ربيع: لا تسألوا....اسمعوا وأطيعوا دون نقاش. وبإذن الله لن نحتاج إلى وقت طويل.

أغلق أبو أحمد وزوجته النّوافذ والأبواب، خرجوا بصحبة العمّ فارس إلى بيت الأخير المجاور، وما أن ابتعدوا حتّى أغلق أبو ربيع الباب الرّئيس من الدّاخل، اتّجه إلى غرفة النّوم حيث غادة التي استعدّت لحماية نفسها، اقترب منها وهمس لها بعد أن أشعل قطعا صغيرة من البخّور في منفضة سجائر:

  • لا ترفعي صوتك، أنت لست مجنونة، ولا مصابة بمسّ من الجنّ، لكنّك تمثّلين ذلك لسبب تعرفينه، قولي لي الحقيقة وأنا سأنقذك ممّا أنت فيه دون أن يمسّ أيّ منهم شعرة من جسدك، أو يغتابك بكلمة لا تليق بك.

اطمأنّت له غادة، روت له قصّتها مع سميح، وكيف خطّبوها لابن عمّها دون موافقتها، ولو تزوّجت كما أرادوا لها، لانكشف أمرها؛ لأنّها فقدت عذريّتها منذ حوالي عامين، وقد تخسر حياتها جرّاء ذلك.

أوصاها أبو ربيع أن تواصل لعبتها، وأن لا تهدأ حتّى يحلّ مشكلتها قبل غروب ذلك اليوم.

أمضى معها أبو ربيع أكثر من ساعة، حاول أن يتحسّس جسدها إلّا أنّها تمنّعت عليه بحدّة، وعندما قال لها بأنّه ينقذ حياتها ويستغرب كيف تتمنّع عليه! أجابته بأنّه سيحصل منها على ما يريد إذا نجح في خطّته التي لم يفصح لها عنها.

أوصاها بأن تهدأ حتّى يحلّ مشكلتها بطلب من والديها وعمّها وخطيبها سعيد، ولمّا أبدت امتعاضها وعدم موافقتها على الزّواج من سعيد الذي لم تتمّ خطبتها منه، وأنّها ترغب في الزّواج من سميح دون غيره، سألها:

  • هل أنت متأكّدة من أنّ سميح سيتقدّم لطلب يدك؟

عندما أكّدت له ثقتها بسميح، وأنّه لن يتزوّج غيرها، طمأنها بأنّه سيحقّق لها مرادها.

استأذن منها؛ ليفتح الباب؛ كي يلتقي بوالديها وبعمّها وبابنه سعيد. عاد يوصيها بأن تنتبه لكلّ كلمة يقولها أمامهم.

وما أن فتح الباب وخطا خطوة واحدة خارجه، حتّى هرعوا إليه، يستفسرون عن حال غادة، فطمأنهم عليها، جلس معهم في صالون البيت وطلب من أبي أحمد أن يغلق الباب؛ كي لا يدخل عليهم كائن من كان، أخبرهم بأنّه قد أحرق البخّور وعمل ما يترتّب عليه، فأكّد وجود جنّيّ كافر داخل جسد غادة، وقد استعان بأتباعه من الجنّ المؤمنين؛ كي يخرجوا هذا الجنّيّ الشّرس، فانهالوا عليه ضربا حتّى خضع لهم ذليلا مستكينا طالبا الخروج طواعية، لكنّه أمره أن يمكث مكانه دون أيّ حركة حتّى يبحث طريقة خروجه مع والديها وعمّها وابنه سعيد دون أن يؤذيها.

بهتوا ممّا قال، طلبوا منه أن يخرجه فورا.

فسألهم: من أيّ مكان تريدونه أن يخرج، عليكم أن تختاروا مكانا آمنا يخرج منه دون أن يلحق أذى بغادة.

فقال عمّها أبو سميح:

  • دعه يخرج من فمها.

التفت إليه أبو ربيع وقال:

  • إذا خرج من فمها سيخلع لسانها وأسنانها من مكانها.

اقترح أبوها أن يخرج من عينها، فردّ عليه أبو ربيع بأنّه سيقلع عينها معه، أمّا أمّها فقد اقترحت ان يخرج من أذنها، فردّ عليها بأنّها سيخلع أذنها الدّاخلية وستعيش بقيّة حياتها صمّاء لا تسمع شيئا.

حوقل عمّها واقترح أن يخرج من مؤخرّتها، فردّ عليه أبو ربيع بأنّه سيسحب أمعاءها معه.

احتاروا بالمكان الذي سيخرج منه الجنّيّ، فاقترحت والدتها أن يخرج من "سُرّتها"، فردّ أبو ربيع بأنّه سيخرج مع معدتها، وطلب منهم أن يفكّروا بمكان آمن، بعد مشاورات بينهم اقترح سعيد ابن عمّها على استحياء أن يخرج الجنّيّ من رحمها.

فكّر أبو ربيع قليلا وقال:

  • إذا خرج من رحمها فإنّه سيمزّق بكارتها وستفقد عذريّتها.

عادوا يتشاورون مع بعضهم واتّفقوا أن يخرج من رحمها، فالبكارة شيء خفيّ يزول بسهولة ولا يترك أثرا على جسدها.

فردّوا بصوت واحد:

  • فليخرج ولا أهمّيّة للبكارة.

صمت أبو ربيع قليلا وغادة تستمع لحديثه معجبة بذكائه وحيلته، لكنّها تظاهرت بأنّها نائمة لا تسمع شيئا، وإذا سعيد يقول:

  • غادة خطيبتي، وإذا شفيت ممّا هي فيه، فأنا أقبل بها عروسا لي، ولا أريدها عذراء إذا كان ذلك ينقذ حياتها.

عاد أبو ربيع إلى صمته، وأخذ يتمتم بكلام غير مفهوم، ثمّ التفت إلى والديها وإلى عمّها وابنه وقال:

  • يجب أن تخلوا الصّالون أو أيّ غرفة في البيت حتّى أحرق البخّور وأأمر هذا اللعين بالخروج من جسد هذه المسكينة، لكنّي أتحرّج من أن أخبركم شيئا قد لا يروق لكم.

انتبهوا إليه وقالوا: لا تتحرّج من أيّ شيء يا مولانا.

تعوّذ بالله من الشّيطان الرّجيم، بسمل وحمدل وصلّى على الأنبياء والمرسلين، وقال:

  • الزّواج قسمة ونصيب، وقد أخبرني أتباعي أن نصيب سعيد ليس مع غادة، فاتركوهما لنصيبهما الذي سيسعدان به كلاهما.

احمرّ وجه سعيد خجلا وغضبا، والتزم الصّمت، فقال أبوه:

  • إذا تزوّجت غادة من شابّ آخر واكتشف عدم عذريتها، ماذا سنقول له؟

ابتسم أبو ربيع وقال:

  • أخبرني أتباعي أنّ من سيتزوّجها لن يكتشف زوال عذريّتها، وسيكونان سعيدين، كما أنّ سعيد سيتزوّج فتاة أخرى ستسعده وسيسعدها.

العمّ أبو سعيد: هل أفهم من كلامك أنّ عريس غادة القادم هو من عمل سحرا لها، حتّى نصل إلى هذه النّتيجة؟

أبو ربيع: لا تسئ الظّنّ بالآخرين يا فارس، وحافظ على ابنك فالنّساء كثيرات. وأضاف: لا وقت لديّ، اتركوني وغادة وحدنا في غرفة مغلقة، كي أطرد هذا اللعين من جسدها؟

أخلوا لهما غرفة النّوم، أشعل أبو ربيع البخّور، جلس مع غادة في غرفة النّوم، وقد عادت الرّوح إليها، شكرت أبا ربيع على ذكائه وحنكته، لكنّه أمسك بها يريد معاشرتها، فأمسكت بذقنه وهدّدته قائلة:

  • احترم نفسك وإلّا ستندم ندما قد يودي بحياتك.

أبو ربيع: ألم تعديني بأن ترضخي لي إذا أنقذتكِ؟

غادة: نعم... وعدتك....لأرى ماذا ستفعل، ولن أسلّمك جسدي أبدا، يكفيك أنّني لن أخبرهم عن سفالاتك ووقاحتك، ولو علموا بها لن تخرج من هنا حيّا.

هدّدها أبو ربيع بأنّه سيفضح سرّها إن لم ترضخ لطلبه، فردّت على تهديده لها بتهديد مقابل، وقالت لها:

  • إن كنت رجلا أخبرهم، فـ "شريك الخرا اخسر وخسره"، وسترى ماذا سيحلّ بك، فخرج من عندها وهو يشتم سوأتها، بينما ذهبت هي إلى الحّمام تستحمّ وتستبدل ملابسها؛ لتخرج ببهائها كما كانت، في حين قال أبو ربيع لهم:
  • تهانينا بسلامة غادة، فلم تعد تعاني من أيّ شيء.

قبض منهم مئة دينار، تناول طعامه، وغادر وشتائم غادة المكبوتة تطارده.


 

المندل

لم تستطع الحاجّة مبروكة التّخلّص من مخاوفها بعد أن اكتشف عمر شقيق ليلى حقيقتها مع خليلها، فكلّما تذكّرته تحسّست مكان عصا الرّمّان التي جلدها بها، لكنّها بقيت تكابر بقدرتها على خداع الآخرين.

مرّت عشرة أشهر على زواج موسى من ليلى، ولم تتغيّر حاله، تحطّمت نفسيّته من نظرات الآخرين المريبة إليه، ومن كثرة الأقاويل التي قيلت حوله، تنتقص من رجولته وفحولته، فصار يمشي مطأطئ الرّأس، يبتعد عن الآخرين، لا يريد الاحتكاك بأيّ إنسان، حتّى أنّه لم يعد يطيق سماع كلام والديه. أمّا ليلى فرغم ضجرها من كلام الآخرين خصوصا من يتّهمونها بأنّها مسكونة بالجنّ، إلّا أنّها كانت تتظاهر بالرّضا عن الذّات، خصوصا أنّها لم تقصّر بشيء تجاه زوجها، فتتجاهلهم وهي مصمّمة على أن تبقى عروسا وفيّة، وإن كانت في داخلها تنتظر مرور عام على زواجها؛ لتخلص من هذا الزّواج كما أخبرتها والدتها، لكنّها لم تنس دورها كعروس تعيش مع زوج فاقد ذكورته، فاستمرّت تتزيّن له، تداعبه، تمازحه على أمل أن تُحلّ مشكلته؛ ليعيشا معا كزوجين ينجبان البنين والبنات كبقيّة البشر.

أبو موسى وزوجته لم يهدأ لهما بال، كان يغليان غضبا وحيرة على ما جرى لابنهما موسى، لم يدّخرا جهدا في سبيل إخراجه من محنته، إلّا أنّهما لم يقتنعا يوما بعرضه على طبيب - كما اقترح أكثر من مرّة فراس ابن عمّه-، وكلّما اقتربت نهاية العام على زواج موسى ازداد قلقهما، فهما يعلمان تماما أنّ مرور عام على زواجه دون أن يستطيع معاشرة عروسه، فإنّ الطّلاق بين العروسين يصبح أمرا حتميّا.

ذات ليلة قالت أمّ موسى لزوجها:

  • لقد استنفدنا ما نستطيعه مع موسى، لكنّه لم يتغيّر عليه شيء، ومع الأسف فإنّنا لم ننفّذ تعليمات الحاجّة مبروكة، فقد نسينا أن نضع "البهارات" التي زوّدتنا بها على الدّيكين حسب تعليماتها، كما أنّنا لم نضرب ليلى لإخراج الجنّيّ الكافر من جسدها كما أمرتنا مبروكة؛ لأنّ شقيق ليلى رفض ذلك وهدّد وتوعّد إذا ما ضربناها، وهذا هو السّبب الذي حال دون انتهاء مشكلة موسى، ويبدو أنّ الحاجة مبروكة غضبت منّا ولم تعد إلينا، فما رأيك أن نراجعها نحن، نعتذر لها، ونطلب النّصيحة الأخيرة منها؟

صمت أبو موسى قليلا وقال:

  • هذا رأي صائب، سنذهب إليها غدا صباحا، وما ترتئيه الحاجّة مبروكة سننفّذه فورا دون تأخير، فلم يعد لدينا وقت.

صباح اليوم التّالي وفي حدود السّاعة الثّامنة صباحا طرق أبو موسى وزوجته باب بيت الحاجّة مبروكة، ارتابت مبروكة من طرق الباب في هذه السّاعة، قفزت من فراشها مذعورة، ارتدت عباءتها النّسائيّة التي تستر جسدها، غطّت رأسها، نظرت إلى من يطرق الباب من خلف ستارة النّافذة البعيدة، اطمأنّت عندما رأت عائشة "أمّ موسى" وزوجها، فتحت الباب وهي تبسمل وتحوقل، سمحت لهما بالدّخول بعد أنّ ردّت عليهما تحيّة الصّباح بمثلها.

جلست قبالتهما وهي تحرّك خرزات مسبحتها وتتمتم، سألها أبو موسى:

  • أين أنت يا حاجّة مبروكة؟ لِمَ لم نعد نراك في ديرتنا؟

ردّت عليه مبروكة دون أن ترفع رأسها عن مسبحتها:

  • لكلّ إنسان ما يشغله، و"كل واحد زردته على قدّ رقبته".

وهنا تدخّلت أمّ موسى وقالت:

  • جئنا يا مولاتي لنعتذر لك عن عدم التزامنا بتعليماتك السّابقة، فلم نكرّر ذَبْحَ ديكين ريشهما أسود بعد أن نسينا وضع البهارات على الدّيكين الأوّلين، كما لم نأت إليك؛ لنحدّد يوما تأتينا فيه؛ لتخرجي الجنّ الكافر من جسد ليلى بالضّرب؛ لأنّ شقيقها عارض ذلك بشدّة، وهدّد وتوعّد إن فعلنا ذلك.

انتبهت هنا مبروكة وقد عادت بذاكرتها إلى عصا الرّمّان وحاملها، فسألت:

  • ما اسم شقيق ليلى هذا؟ كم عمره؟ وما هي أوصافه؟

ارتعدت أمّ موسى من سؤال الحاجّة مبروكة وقالت:

  • دخيلك يا مولاتي، نحن لا نريد أن نكون سببا في إيذاء أيّ شخص.  

الحاجّة مبروكة: لا تخافي يا عائشة، أنا أنفع النّاس ولا أضرّهم.

أبو موسى: اسمه عمر، شابّ في منتصف العشرينات من عمره، طويل القامة، مفتول العضلات، وهو شابّ جيّد وخلوق.

هزّت الحاجّة مبروكة رأسها دون أن تقول شيئا، مع أنّ الأوصاف تنطبق على صاحب عصا الرّمّان الذي جلدها وجلد خليلها.

عادت أمّ موسى تسأل:

  • جئناك يا مولاتي؛ لتحلّي لنا مشكلة موسى، فبعد شهرين سيطلّقون ليلى منه إن بقي على حاله.

قالت مبروكة: نسأل الله أن يهدينا الصّواب وسكتت.

بينما قال أبو موسى وزوجته: آمين يا مجيب الدّعاء يا الله.

مبروكة: لو أنّكم نفّذتم ما قلته لكم، لانتهت مشكلة موسى، ولما احتجنا هذه الجلسة، لكن سامحكم الله.

أبو موسى: هذه المرّة سننفّذ كل ما تقولينه يا مولاتي.

الحاجّة مبروكة: بقي أمامنا أن نعمل "المندل"، فإن كان هناك سحر، فإنّ أتباعي من الجنّ المؤمنين سيأتونني به ولو كان مدفونا في الأرض السّابعة. لكنّني أخشى أن يكون الجنّيّ الكافر لا يزال مسيطرا على ليلى، وهذا يتطلّب فكّ السّحر وضَرْب ليلى لإخراجه من جسدها.

حوقل أبو موسى وقال:

  • دعينا نبدأ بفكّ السّحر أوّلا، وإن شاء الله لن نحتاج إلى ضَرْبِ ليلى.

مبروكة: توكّلوا على الله، كما تريدون.

أمّ موسى: متى ستعملين "المندل" يا مولاتي؟ وما المطلوب منّا؟

مبروكة: مطلوب منك مائتا دينار ثمنا للبخّور، وأريد تجهيز غرفة فارغة من كلّ شيء؛ لنعمل المندل فيها، يجب أن يحضر "المندل" امرأة طاهرة تقيّة نقيّة، وطفل بريء لم يبلغ الحلم.

أمّ موسى: كيف سنعرف المرأة التّقيّة النّقيّة الطّاهرة، والطّفل البريء؟

مبروكة: كم عمر سلفتك أمّ عليّ؟

أمّ موسى: عمرها خمسون عاما، وقد دخلت سنّ اليأس قبل عامين.

أبو موسى: أمّ عليّ امرأة مسكينة على نيّاتها.

مبروكة: النّاس الطّيبون أصحاب النّوايا الحسنة هم التّقيّون النّقيّون. وأنا أريد أن تحضر أمّ عليّ "المندل"، وأريد الطّفل "جمال" الذي كان يجلس في حضن أمّه هادئا لا يقول شيئا، على عكس بقيّة الأطفال.

أمّ موسى: جمال هذا ابن صفاء كنّة الحاجّة صبحة سلفتي.

أبو موسى: هل يوجد طلبات أخرى؟

مبروكة: مطلوب كتمان هذا الأمر حتّى ننتهي من المندل.

أبو موسى: متى ستعملين المندل يا مولاتي؟

مبروكة: عندما تكونون جاهزين.

مدّ أبو موسى يده إلى جيبه، نقد مبروكة مائتي دينار، وقال:

  • سنحضر أمّ عليّ متى تأمريننا يا مولاتي.

مبروكة: بعد مغيب الشّمس لا تستضيفوا أحدا غير أمّ عليّ والطّفل جمال، لا تخبروا أحدا - بمن فيهم أمّ علي والطّفل جمال- عمّا سنفعله، فعمل المندل يتطلّب الهدوء، وإذا ما أتاكم أحد ما على حين غرّة، استضيفوه في شقّة موسى وليلى، وأسدلوا السّتائر؛ كي لا يرانا أحد، سأحضر إليكم بعد أن يخيّم الظّلام، أي بعد صلاة المغرب بنصف ساعة تقريبا.

انصرف أبو موسى وزوجته للتّحضير للمندل، بينما خلعت مبروكة عباءتها وغطاء رأسها، ارتمت على سريرها تقهقه، فهم لم يناقشوها عن أسباب اشتراطها عمل المندل ليلا، ولا يعلمون أنّها تريد الليل؛ كي لا يراها صاحب عصا الرّمان إن كان شقيق ليلى كما توقّعت.

حدّد أبو موسى غرفة النّوم في بيتهم القديم؛ كي تعمل مبروكة المندل فيها، وعندما اقترحت زوجته "المضافة"، بدلا من غرفة النّوم، أوضح لها أنّ المضافة يتعمّد القدوم إليها الأقارب وأبناء البلدة والضّيوف الأغراب، ولا يمكن صرفهم عنها، ولا أحد يعلم من سيرتادها؟ ومتى؟ اقتنعت أمّ موسى برأي زوجها، مع أنّها خائفة من إحضار الجنّ سواء كانوا مؤمنين أو كفّارا في غرفة نومها، لكنّها حرصت أن لا تخبر أحدا بمخاوفها.

أخرجت عائشة "أمّ موسى"، الأثاث البسيط من غرفة النّوم، لم تترك سوى "بطّانيّة" مهترئة؛ لتكون فراشا لمبروكة.

عندما خيّم الظّلام بعد غروب شمس ذلك اليوم، طلبت مبروكة من سائق سيّارة الأجرة أن ينزلها في جانب البلدة، عند المنحنى الجبليّ الذي تختبئ البلدة خلفه، على بعد أقلّ من مائتي متر من بيت أبي موسى، فهي لا تريد أن يتجمّع أهل البلدة إذا ما رأوا السّيّارة، وعرفوا من فيها، نزلت تغذّ الخطى حتّى لا يصادفها أحد في الطّريق، وجلّ خوفها هو من صاحب عصا الرّمّان، فإن كان من أهل هذه البلدة، أو شقيق ليلى كما اعتقدت من خلال وصف أبي موسى له، فإنّه سيهاجمها أمام أهل البلدة، وسيفضح علاقتها مع خليلها الذي رآه في بيتها، بعدها ستكون"فضيحه بجلاجل واجراس"، ستفتح عليها أبواب جهنّم.

وصلت مبروكة بيت أبي موسى وهي تلهث خوفا لا تعبا، احتضنتها أمّ موسى بعد أن قبّلت يدها اليمنى ووضعتها على جبينها، دخلت الغرفة قبل أن تصافحها أمّ عليّ التي كانت في انتظارها مع عائشة. عندما سألتها أمّ موسى عن سبب لهاثها، وعن عدم مجيئها بسيّارة، أجابت:

  • خلّيها على الله، فليس كلّ ما يعرف يقال.

لامت أمّ موسى نفسها على أسئلتها، شكرت مبروكة على لباقتها وعدم بوحها بما تعرفه، وتكتمه حفاظا على أرواح وسعادة الآخرين.

جلست الحاجّة مبروكة في جهة الغرفة المقابلة لبابها، فالحذر مطلوب، خصوصا وأنّها تتوقّع أن يهاجمها صاحب عصا الرّمّان في كلّ لحظة.

طلبت أن يحضروا لها جمرات في منقل، صحني طعام صغيرين، واحد فيه ماء حتّى منتصفه، والثّاني فيه بيضتا دجاج، أمرت أمّ موسى أن تخرج من الغرفة بعد أن تغلق نوافذها وبابها، كي تبقى هي وأمّ عليّ والطّفل جمال. أمرتها بأن لا تسمح لأحد بالاقتراب من الغرفة لمسافة تقلّ عن عشرة أمتار، ومن يقترب فـــ "ذنْبُه على جنبه"! فهي غير مسؤولة عمّا سيفعله الجنّ به!

أغلقت باب الغرفة من الدّاخل، نثرت قليلا من البخّور على الجمر، أمرت أمّ عليّ هامسة لها:

  • اجلسي في زاوية الغرفة تلك ووجهك إلى الحائط، إيّاك أن تتحرّكي أو أن تلتفتي إلى أيّ اتّجاه مهما سمعتِ حفاظا على عقلك، لأنّني سأحضر قريني الجنّيّ المؤمن؛ ليعاشرني، وسأطلب منه أن يحضر السّحر المعمول لليلى وموسى.

جلست أمّ عليّ في زاوية الغرفة ووجهها إلى الحائط ترتعد خوفا، تبسمل وتقرأ المعوذّتين.

أمسكت مبروكة يد الطّفل جمال، قادته إلى زاوية الغرفة في الجهة المقابلة لزاوية أمّ عليّ، أمرته بالجلوس ووجهه إلى الحائط دون أيّ حركة. خلعت غطاء رأسها، حملت "البطّانيّة" التي تجلس عليها وضعتها على ظهرها كعباءة الرّجال، قفز جمال من مكانه ينظر إليها، أمسكت يده بشدّة تعيده إلى مكانه، لكنّه رفض بإصرار، أخرجت أصواتا غير مفهومة وهي تلوي فمها وتعقد حاجبيها؛ لتخيفه دون جدوى، أصدرت أصواتا وتأوّهات حميمة، دارت حول المنقل دورات سريعة، والطّفل يدور أمامها ببراءة، ازدادت أمّ عليّ رعبا وهي تضع يديها على رأسها وتردّد:

  • "تستور يا اهل المحلّ".

لمّا يئست مبروكة من الطّفل جمال، أخرجت بيضة من الصّحن، وضعتها جانبا، كسرت البيضة الثّانية في الصّحن، أخرجت من عبّها ورقة، غمستها بالماء وبصفار البيضة، أخرجت من عبّها قطعة قماش وبيضة، نظّفت الصّحن من بقايا البيضة المكسورة تماما، وضعت البيضة في الصّحن مع البيضة الأخرى، أركنت الورقة بجانب الصّحن، وعادت تجلس بجانب المنقل واضعة مسبحتها في يدها، وكأنّ شيئا لم يكن.

أمرت أمّ عليّ بأن تقف بعد أن طمأنتها بأنّ عمليّة المندل قد انتهت بسلام، وأنّ قرين مبروكة الجنّيّ قد أحضر السّحر المعمول لموسى وليلى، أمرتها أن تفتح الباب ونافذتي الغرفة، كما نهرت الطفل جمال بلهجة غاضبة؛ كي يخرج، ركض والدا موسى وصفاء والدة الطّفل جمال، وجدّته صبحة إلى داخل الغرفة عندما فتحت أمّ عليّ الباب وخرجت ترتجف.

أشارت مبروكة إلى الورقة وقالت:

  • هذا هو السّحر المعمول لموسى؛ كي يربطه عن ليلى، لقد أحضره لي قريني الجنّيّ حيث كان مخبوءا في جمجمة مجوسيّ كافر، توفّي قبل آلاف السّنين، وقد أخرجه من داخل البيضة دون أن يمسّ قشرتها.

سألت أمّ موسى ببلاهة:

  • كيف وصل إلى جمجمة المجوسيّ الكافر يا مولاتي؟

نظرت إليها مبروكة نظرة عتاب ولم تقل شيئا.

لكن الطّفل جمال لم يسكت، فقد بدأ يقول ما شاهده وهو يجلس في حضن والدته، وأنّ مبروكة أخرجت الورقة من عبّها، كسرت بيضة وغمستها بمحّها، ونظّفت الصّحن بقطعة قماش وضعتها في عبّها.

التفتت مبروكة إلى صفاء وقالت:

  • ابنك هذا عفريت كافر، خذيه وانصرفي من هنا، كي لا يمسّه الجنّ الذين يحيطون بنا.

حملت صفاء طفلها وهربت به وهي ترتجف وتبسمل، وتتعوّذ بالله من الشّيطان الرّجيم.

لم يجرؤ أحد على لمس الورقة أو الاقتراب منها، بينما سألت مبروكة أمّ عليّ وفي نيّتها أن تدحض كلام الطفل جمال:

  • بالله عليك يا أمّ عليّ ماذا شاهدتِ وسمعتِ؟

تشاهدَت أمّ عليّ وقالت وهي ترتجف:

  • سامحيني يا مولاتي، فلا أستطيع العودة إلى الرّعب الذي عشته، وحمدتُ الله كثيرا أنّني خرجت سالمة.

نظرت مبروكة إلى الآخرين؛ كي ينتبهوا لما قالته أمّ عليّ، وكأنّها تؤكّد لهم أنّها رأت أهوالا لا يحتملها البشر، أمسكت مبروكة الورقة المبلولة بالماء، المغموسة بمحّ البيضة، وعليها بقايا روث ماشية وطيور، قرّبتها إلى جمر المنقل كي تجفّ، بعدها نظرت إليها وطلبت منهم أن ينظروا معها، على يمين الصّفحة رسمٌ غير منتظم لوجه رجل، مكتوب تحته:" موسى بن عائشة"، على يسار الصّفحة رسم غير منتظم أيضا لوجه امرأة مكتوب تحته:" ليلى بنت ربيحة". بين الرّسمين رسم لجمجمة إنسان مكتوب تحته:" بجاه هالفكّ ما ينفك". وما تبقى من الصّفحة مكتوب فيه كلمات غير مفهومة لا معنى لها، قالت مبروكة أنّ هذه هي لغة الجنّ!

استأذنت عائشة من مبروكة؛ لتأتي بابنها موسى كي يقرأ السّحر، فأذنت لها، خرج موسى مع والدته دون أن يعلم إلى أين هي ذاهبة به؟ أو ماذا تريد منه؟ عندما رأى مبروكة تفاجأ بها فتوقّف مكانه عند الباب، لكنّ والدته طلبت منه أن يصافح الحاجّة مبروكة وأن يقبّل يدها.

عندما أمسك موسى بورقة مبروكة، وقبل أن يقرأ فيها كلمة واحدة، ظهر الطّفل جمال أمامهم، بعد أن تسلّل من بيتهم القريب، وأعاد يسرد على مسامعهم ما رآه وما سمعه، وأكّد أنّ مبروكة تكذب عليهم، غضبت مبروكة وقالت لجدّته صبحة:

  • لقد حذّرتكم من مصير هذا الطّفل...أعيد وأكرّر بأنّه سيأتيكم بالمصائب إن لم تردعوه، فتصرّفاته ليست منه، لكنّها ممّن يلقّنونه هذا الكلام؛ ليفسدوا عليكم حياتكم.

في هذه اللحظة افتقدت صفاء طفلها، فجاءت تركض خلفه، حملته وضربته فازداد صراخه، فادّعت مبروكة أنّ هذا صوت صراخ الجنّيّ الذي يتلبّسه.

قرأ موسى "السّحر" قراءة صامتة، لكنّ والده وخز والدته وقال لها:

  • انظري إلى وجه موسى كيف تورّد وتفتّح، نحمد الله أنّنا ذهبنا إلى مبروكة.

ثمّ قال لمبروكة:

  • ماذا نفعل بهذا السّحر يا مولاتي؟

صممت مبروكة قليلا وقالت:

  • يجب أن يُذاب في كأس لبن، وأن يشربه موسى على الرّيق.

سألت أمّ موسى:

  • هل يمكن أن تذوب ورقة كهذه في كأس لبن؟ فهذا مستحيل.

ردّت عليها مبروكة:

  • مزّقوها... فتِّتوها قدر استطاعتكم، ضعوها في كمّيّة من اللبن، قد تكون كأسا أو كأسين، المهم كمّية يستطيع موسى شربها دفعة واحدة، وبعدها على موسى أن يستحمّ ويتطهّر، وبإذن الله عندها ستحلّ مشكلته وكأنّ شيئا لم يكن.

سألتها الحاجّة صبحة بخبث:

  • وإن لم تحلّ مشكلته يا مبروكة؟

وهنا ردّت عليها أمّ موسى بصوت غاضب:

  • كفانا الله شرّك يا صبحة.

تنحنحت مبروكة وهي تشير لصبحة بالسّكوت وقالت:

  • لقد أوضحت لهم أنّ ذلك ممكن أيضا، عندها يتأكّد لنا وجود جنّيّ كافر يتلبّس جسد ليلى، وعلينا إخراجه.

اقتربت أمّ موسى من مبروكة وسألت:

  • هل تسمحين لي باستفسار يا مولاتي؟

مبروكة: تفضّلي.

أمّ موسى: من الذي أو التّي عملت السّحر لموسى؟

صمتت مبروكة قليلا وقالت:

  • أنا أساعد النّاس وأخدمهم، ولا يمكن أن أنشر البغضاء والفتنة بينهم، لقد ظهرت أمامي من عملت السّحر عندما عملتُ المندل، فعرفتها وأنتم كلّكم تعرفونها أيضا، فهي تبدي لكم المحبّة وفي داخلها تبغضكم، على وجهها شامة. وهذا ما أستطيع قوله. ولا تسألوني أكثر.

صعقت أمّ موسى عندما سمعت بأنّ على وجه من عملت السّحر شامة، فهذا ينطبق على وجه والدة ليلي، فهل يعقل أن تعمل ربيحة سحرا يربط عريس ابنتها؟ وإذا كانت تريدها زوجة لشخص آخر، فمن الذي أغصبها على تزويجها من موسى؟

عند العاشرة مساء توقّفت السّيّارة العموميّة أمام بيت أبي موسى، حسب اتّفاق سائقها مع مبروكة، فاستأذنت وخرجت سريعا، وأمّ موسى تسألها:

  • هل تعلم ليلى بالسّحر؟

لكنّها تجاهلت السّؤال.

طلبت أمّ موسى من ابنها أن يذهب إلى عروسه، وهي تضرب كفّا على كفّ، وتسأل زوجها:

  • هل سمعت أوصاف من عملت السّحر لموسى؟

أبو موسى: هذا الولد "الطّواشى" جنّنا وجنّن البلد معنا، طلب من زوجته أن تحضر الفراش، فغادرت صفاء وحماتها.

احتضن أبو موسى زوجته، فقالت له:

  • ليت ابنك فحل مثلك.

ردّ عليها: "كلمة "ليت" ما بتعمّر بيت".

في ساعات الصّباح استحمّت عائشة وزوجها، في حين كان ابنهما موسى خارجا إلى عمله مطأطئا رأسه.


 

فراق

عندما رأت عائشة ابنها مطأطئ الرّأس يمشي حزينا كئيبا، جنّ جنونها، طرقت باب الشّقّة على ليلى بعنف، قفزت ليلى من فراشها مذعورة، فتحت الباب، دفعتها حماتها إلى الدّاخل دون أن تلقي عليها تحيّة الصّباح، نظرت إليها ليلى بغضب ولم تقل شيئا، ذهبت إلى الحمّام، غسلت وجهها وحماتها تقصفها بشتائم متلاحقة، جلست في الصّالون وهي تسأل عمّا جرى، وعن أسباب حماتها التي تدفعها إلى هذه الجنون الكلاميّ، ردّت عليها حماتها:

  • ألا تعرفين ما جرى وأسبابه، وأنت وأمّك أساس كلّ المصائب؟

تمالكت ليلى أعصابها وتساءلت بهدوء:

  • عن أيّ مصائب تتكلّمين يا امرأة؟

أمّ موسى: الحاجّة مبروكة قالت كلّ شيء.

ليلى: ماذا قالت هذه المحتالة؟

أمّ موسى: أخرجت السّحر الذي عملته والدتك؛ كي تربط موسى عنك، وقالت أنّ جنّيّا كافرا يعشقك، ويعيش في داخلك.

صعقت ليلى ممّا سمعت، لكنّها حافظت على هدوئها وسألت:

  • وماذا قالت مبروكة عن الهبل والجنون الذي يعشّش في رأسك ورأس ابنك؟

رفعت أمّ موسى يدها؛ لتلطم ليلى على وجهها، وهي تصرخ:

  • الجنون عندك وعند أمّك.

أمسكت ليلى يد حماتها وقالت غاضبة:

  • لولا احترامي لعمرك، كونك أكبر عمرا من والدتي، لكسرت يدك التي امتدّت إليّ.

هرع أبو موسى على صراخ زوجته، رأى ليلى وهي تمسك يد زوجته بقوّة، فصرخ بها غاضبا:

  • ماذا تفعلين يا ليلى؟

ليلى: إسأل زوجتك.

قالت أمّ موسى: ما أن دخلت هذه الفتاة بيتنا حتّى دخلت معها الشّياطين، وقد صبرنا عليها كثيرا، فلتنصرف إلى أهلها.

ردّت عليها ليلى بهدوء رغم الغضب الذي اجتاحها فقالت:

  • من الذي صبر على الآخر؟ صدق من قال:" رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا".

وخرجت من بيتها قاصدة بيت أهلها، حاول حموها أن يعيدها، لكنّ محاولاته باءت بالفشل.

سردت ليلى ما جرى معها على مسامع والديها، فقال أبوها:

  • " زيّ اللي راح للجامع ولقيه مغلق"، وقال: "أجت منك ما أجت منّي."

سألها أبوها: لِمَ لم تحضري معك ملابسك ومصاغك؟ هل منعوك من حملها.

ليلى: لم أحاول؛ لأنّني لم أحتمل سماع بذاءات أمّ موسى، وخرجت بملابسي التي أرتديها كما ترونني درءا للمشاكل.

جلست ليلى في بيت والديها وكأنّ شيئا لم يكن، مرّت بخاطرها ذكرياتها مع عريسها "الطّواشى"، شعرت برضا عن نفسها، فقد صبرت وسترت عليه، على أمل أن تُحلّ عقدته، أشفقت على الحال الذي وصل إليه، خصوصا وأنّه لم يعد قادرا على احتمال كلام الآخرين ونظراتهم المريبة، بذلت جهدها لمساعدته، اقترحت عليه أكثر من مرّة أن يراجع طبيبا، لكنه واقع تحت سيطرة والدته التي تفرض رأيها حتّى على زوجها، وثقتها بقدرات مبروكة هي التي جنت على ابنها. في لحظات عابرة وبسبب حماقات حماتها أمّ موسى، لامت نفسها لأنّها تحمّلت موسى ما يقارب العام، مع أنّ حالته كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، وسريعا ما خرجت من هواجسها، واعتبرت حماقات حماتها تحريرا لها من تبعات زواج لا تزاوج فيه.

ضحكت ليلى عندما عاد أشقّاؤها من العمل، وسألوها عن مشكلتها مع حماتها، فردّت عليهم " ربّ ضارّة نافعة"، فقد حرّرتني من قيود ارتضيتها لنفسي، وتهيّبت كثيرا من كسرها.

استمع أشقّاؤها لما جرى معها في هذا الصّباح، فسألوا والدهم عمّا يراه مناسبا ليعملوه، فأجابهم:

  • "اللي حلّل الزّواج حلّل الطّلاق".

عرض عمر على ليلى أن ترافقه؛ كي تحضر أغراضها كاملة، لكنّها رفضت ذلك وهي تقول:

  • اذهب وأحضر ما تعطيه لك أمّ الطّواشى، وإذا طمعت في شيء لا تسألها عنه.

ذهب عمر إلى بيت أبي موسى، أخبر أبا موسى أنّه يريد ملابس ومصاغ شقيقته ليلى، لكنّ أمّ موسى تساءلت بصوت مرتفع:

  • عن أيّ ملابس ومصاغ تتحدّث؟ ماذا استفدنا من أختك؛ لنتحمّل كل هذه الخسائر؟

صرخ أبو موسى بزوجته -وهو يهزّ عصاه- طالبا منها أن تخرس وأن تنصرف، اصطحب عمر معه إلى شقّة موسى وقال له:

  • كلّ شيء لليلى موجود في هذه الشّقّة، خذ كلّ متعلّقاتها، لكنّني أقترح أن أذهب وإيّاك إلى أبيك؛ لنعيد ليلى إلى بيتها، لعلّ الله يحلّ عقدة زوجها.

فكّر عمر قليلا وقال:

  • لو أردتم شفاء موسى حقيقة لعرضتموه على طبيب منذ البداية، لكنّكم اخترتم خزعبلات المحتالين الذين نهبوكم.

وقع أبو موسى في حيرة، أورثته ندما عندما سمع كلام عمر، فقال:

  • ما رأيك يا عمر أن ترافقني؛ لنعرضه على طبيب عندما يعود من عمله؟ ودعنا نعيد ليلى إلى بيتها.

قال عمر: فات الأوان يا عمّ، صبرت ليلى على موسى كما لم تصبر غيرها من النّساء على زوجها في هكذا حالات، ولم نتدخّل نحن أهلها بالموضوع؛ لأنّ ليلى لم تتذمّر يوما أمامنا ولا أمام غيرنا، لكنّ أمّ موسى بدلا من أن تكافئ ليلى، تخطّت كلّ الحدود، وصارت تعايرها وتسيء إليها وإلى والدتي، ورمتهما بما ليس فيهما بناء على أحاديث المحتالة مبروكة، التي تحتال عليكم وتأخذ أموالكم دون وجه حقّ.

صعق أبو موسى بما سمع من عمر وقال:

  • سأضع حدّا لحماقات أمّ موسى التي تؤرّقها بسبب حزنها على حال ابنها، ومبروكة يا ولدي إنسانة تقيّة وهبها الله قدرات عجيبة تساعد فيها من يحتاجونها.

عمر: مبروكة عاهرة فاجرة يا أبا موسى، وبتجربتكم معها هل استفدتم منها شيئا؟

أبو موسى: هداك الله يا ولدي، فلا تشتم أعراض النّاس.

اغتاظ عمر من انخداع أبي موسى بقدرات مبروكة وتقواها، فقال:

  • يبدو يا عمّ أنّكم لن تقتنعوا بدجل مبروكة إلا بعد خراب دياركم، وهذا شأنكم، أمّا نحن فنريد أن نحمي ليلى من هذه الخرافات، وربّنا -سبحانه وتعالى- حلّل الطّلاق كما حلّل الزّواج، ولم يتحقّق شرط الزّواج الأوّل بين ليلى وموسى. دعنا نفترق بهدوء كما تصاهرنا بهدوء ومحبّة.

وأضاف عمر ساخرا:

نتمنّى لموسى أن يتزوّج من أخرى أفضل من ليلى وغير مسكونة بالجنّ، ولا تعمل والدتها سحرا يربطه عنها!

أبو موسى: مصاهرتكم يا عمر تشرّفنا، فأبوك صديقي، وأمّك أحترمها وأعتبرها أختي، لكن هذا نصيب موسى في هذه الحياة.

عمر: سآخذ ملابس ومصاغ ليلى، وسنتّفق لاحقا على يوم نلتقي به في المحكمة الشّرعية للطّلاق.

قال أبو موسى مغلوبا على أمره وهو يمسح دمعتين نزلتا من عينيه:

  • خذ ما تريد يا ولدي، وبعد المغرب سأزوركم في بيتكم، ونسأل الله الخير لنا ولكم.

رجع أبو موسى إلى بيته، شتم زوجته ببذاءة، حمّلها مسؤوليّة تَرْك ليلى لبيتها، بينما ردّت عليه زوجته بلهجة صاخبة:

  • لتنقلع من بيتنا فهي وأمّها أساس المصائب، من يوم دخولها إلى بيتنا والمصائب تتوالى علينا، اطلب من موسى أن يطلّقها، وسيتزوّج أفضل منها.

أمرها زوجها حانقا:

  • أغلقي فمك جيّدا،" لا أريد أن أسمع صوتك، فأنت أساس المصائب، وصدق من قال:"يا غبرا يا مدهيّه، حطّيتِ اللي فيك فيّه."

*****

عندما عاد موسى من عمله، كان يهذي وحده، يرفع يدا ويمدّ أخرى أمامه، وكأنّه في عراك مع آخرين، رأته والدته وهي يتّجه إلى شقّتها بهذه الحال، فقالت تخاطب ذاتها:" يا موت قلبي يا موسى"!، الجنّ راكبه، ونادته بصوت مرتفع:

  • تعال هنا يا روح أمّك، بنت أمّ السّحورات انقلعت.

اتّجه موسى إلى حيث تجلس والدته على عتبة غرفتها القديمة، وقف أمامها كطفل مؤدّب ارتكب خطأ ويخاف العقاب، وقال:

  • خيرا يا أمّي ماذا تريدين.

الأمّ: اجلس يا ولدي كي تتناول طعامك، لقد خلعنا الشّرّ من جذوره.

موسى: عن أيّ شرّ تتحدّثين؟

  • عن بنت أمّ السّحورات....ليلى بنت ربيحة.

موسى: ماذا فعلت؟

  • انقلعت إلى بيت أهلها.

موسى: من أغضبها؟

ردّت أمّه على سؤاله وهي تتصنّع الهدوء:

  • لم يغضبها أحد، والحمد لله أنّها انقلعت من بيتنا...طلّقها وستتزوّج أفضل وأجمل منها.

غادر موسى مجلس والدته دون استئذان، لم يستمع لكلام أمّه وهي تدعوه لتناول طعامه، دخل شقّته، أغلق بابها خلفه، تمدّد على سريره حزينا، انتابته موجة بكاء، لحقت به والدته؛ لتقدّم له الطّعام، طرقت باب شقّته، لكنّه لم يستجب لطرقها، تركته وهي تقول:

  • " حسبي الله عمّن كان السّبب".

سمعها زوجها فقال لها:

  • عودي إلى غرفتك، لا تفتحي فمك بأيّ كلمة، فأنت مثل:" اللي بسوّي السّوايا وبخرى في الزّوايا."

******

أوصل عمر شقيق ليلى أغراضها إلى بيتهم، طلب منها أن تفحصها خوفا من أن تكون ناقصة، خرج من البيت قاصدا بيت مبروكة، طرق باب البيت وفي يده عصا الرّمّان، عندما رأته من وراء ستارة النّافذة، دبّ الرّعب في أوصالها، ازدادت دقّات قلبها، جمدت دون حراك مكانها، لمّا واصل الطّرق على الباب، قالت له بصوت مبحوح من اللهاث:

  • ماذا تريد يا أخي؟

قال عمر بصوت هادئ:

  • افتحي...لا تخافي.

فتحت الباب؛ كي لا يسمع الجيران الطّرق العنيف على الباب وقالت:

  • تفضّل.

أغلق الباب خلفه وسألها:

  • ألم أحذّرك من مغبّة مواصلة خداعك للنّاس واحتيالك عليهم؟

ردّت عليه بانكسار:

  • لقمة العيش مرّة، والنّاس يأتونني طائعين، وأنا ألبّي طلباتهم.

قبل أن تكمل حديثها سمعت طرقا على الباب، فاعتقدت أنّ الفرج قد جاء، أسرعت لتفتح الباب وإذا به خليلها، فاستأنست به، لكنّه عندما رأى عمر ولّى هاربا، أغلقت الباب من الدّاخل وشرعت تخلع ملابسها وهي تقول لعمر دون أن تعرف اسمه:

  • أنا معجبة برجولتك، على عكس ذلك النّذل الذي رآك وهرب، أريدك خليلا لي، سأعطيك ما تريد من المال، يكفيني أن أعيش في ظلّ رجل شهم ولو بالحرام.

جلست قبالة عمر بسروالها الدّاخليّ، ونهداها مكشوفان.

قال لها عمر: إسمعيني جيّدا، أنا عمر شقيق ليلى زوجة موسى بن عائشة، لقد قبضتِ مبالغ كثيرة من أمّ موسى، الآن ستدفعينها كاملة.

أخرجت مبروكة من خزانة في غرفة نومها مبلغ ألف دينار وقالت وهي تقدّمها إليه:

  • أقسم أن هذا المبلغ أكثر ممّا استلمته من والدة موسى، واطلب ما تشاء من النّقود سأعطيها لك دون نقاش.

ثمّ تمدّدت على السّرير وهي تشير إليه كي يعلوها وهي تبتسم، بصق عليها وقال:

  • أنا لا أعاشر المومسات، ولا أرتكب حراما، لكنّي أحذّرك للمرّة الأخيرة بأنّك إذا دخلت بلدتنا ستكون نهايتك.

وأدار ظهره للمغادرة بعد أن ضربها بعصاه على فخذيها، فكتمت صرختها وقالت له:

  • أرجوك يا عمر، أنا لست عاهرة، ولم أعاشر في حياتي سوى زوجي الذي توفّي بعد اثني عشر عاما من زواجنا دون أن يرزقنا الله أبناء، وبعده عاشرت ذلك النّذل الذي رأيتَه بعد أن وعدني بالزّواج، وهو يبتزّني ماليّا ويستغلّني جسديّا، ورغم عنفك معي إلّا أنّني أحببتك من قلبي، فاقبلني زوجة أو خليلة لك، وخلّصني من سطوة ذلك النّذل.

بصق عليها عمر وخرج وهو يقول:

  • أنت عاهرة محتالة.

عندما عاد عمر إلى بيته وجد أبا موسى يتحدّث مع أبيه بخصوص عودة ليلى إلى بيتها، لعلّ الله يفرجها عليه وعليها. خرج يسأل ليلى عن رأيها، ولمّا أجابته بأنّها لن تعود لعدم وجود حياة زوجيّة، لم يناقشها، وعاد يجلس مع أبيه ومع أبي موسى، أخرج من جيبه الألف دينار، أعطاها لأبي موسى وهو يقول:

  • هذه أموالكم ردّت إليكم.

استغرب أبوه وأبو موسى وجود الدّنانير فسأل أبو موسى دون أن يلمس الدّنانير:

  • ما هي أموالنا التي عادت إلينا يا عمر؟

ردّ عمر ضاحكا:

  • هذه الدّنانير التي احتالت مبروكة عليكم وقبضتها منكم، وقد قابلتها صدفة في الطّريق وبعثتها معي أمانة لأوصلها لكم.

عاد أبو موسى يسأل:

  • لِمَ أعادتها؟

عمر: لقد تاب الله عليها، ولن تروها مرّة ثانية في بلدتنا. خذ ابنك إلى طبيب، وزوّجه من فتاة أخرى. أمّا ليلى فمن المستحيل أن تعود إليه خصوصا بعد حماقات أمّ موسى.


 

رحيل

في اليوم التّالي قرّرت مبروكة أن تغادر منطقتها خوفا من افتضاح أمرها، وكما قال المثل:"ابعد عن الشّرّ وغنّي له" غادرت بيتها إلى بيت آخر في مدينة بعيدة، لا يعرفها أحد فيها. استقرّت هناك، استعادت أنفاسها بعد أن شعرت بالأمان.

بجانب البيت -الذي استأجرته وسكنت فيه- رجل أرمل يكبرها بعامين، الرّجل فقير، يعيل أسرة من خمسة أطفال، كبيرهم فتاة لا تتجاوز السّادسة عشرة من عمرها، عرفت مبروكة تفاصيل حياة هذه الأسرة من خلال أطفاله الذين أشفقت عليهم، فأعطتهم رعاية أمومةٍ حلمت بها ولم تجرّبها، ذات يوم اشترت لهم ملابس جديدة، روى الأطفال لأبيهم حنان جارتهم الجديدة. ذهب الرّجل إليها؛ ليشكرها، جلس أمامها بخشوع، حدّثها عن فرحة أطفاله بها، فقد وجدوا فيها الأمّ البديلة لوالدتهم المتوفّاة منذ عام.

ابتسمت مبروكة وهي تنظر إلى عضلات الرّجل المفتولة وقالت:

  • هذا ما انتظرت سماعه منك، فهناك مقادير يجب أن تبلغ مداها.
  • لم أفهم عليكِ.

قالت مبروكة وهي تحرّك خرزات مسبحتها:

  • لقد سخّرني الله أن أسكن بجوارك؛ لأعوّضك عن زوجتك المرحومة، ولأكون أمّا لأطفالك!
  • لكنّي لا أملك تكاليف الزّواج، ولا تكاليف معيشة الأطفال.

حوقلت مبروكة وقالت:

  • قلت لك بأنّ الله سخّرني لك، أي أنّك لن تحتاج مالا، ولن يكلّفك الزّواج شيئا، بالعكس سيعوّضك الله عن سنوات الفاقة التي عشتها، وما عليك سوى أن تذهب؛ لتحضر المأذون وشاهدين.

احتار الرّجل بما يسمع فسألها:

  • من أنت يا امرأة؟

ردّت عليه بهدوء:

  • أنا مبروكة التي باركها الرّب، وهبني الله قدرات لم يهبها لكثيرين غيري، وأنعم عليّ بالرّزق الوفير، أساعد المريض والفقير، أعرف الطالع وأردّ الغائب، أؤلّف بين القلوب، أبطل السّحر.

قطع الرّجل حديثها عندما أمسك بيدها يقبّلها وهو يقول:

  • لقد سمعت من قبل بقدراتك الخارقة، وأنا لا أملك إلّا أن أقف بين يديكِ، عبدا مطيعا لك.

مبروكة: لا تقل هذا الكلام يا رجل، فأنت حبيبي الذي أرسلني الله إليك؛ لأكون زوجتك المطيعة، وأمّ أطفالك الحنونة. وسبحان من يرزق عباده دون حساب، لكن عليك أن لا تخبر أحدا عن التّفاصيل التي سخّرنا الله لها، سنتزوّج بهدوء وسنعيش حياتنا بسعادة.

هروب

لم يغف جفن لموسى بعدما غادرت ليلى البيت، لم يضئ بيته، جلس في "البرندة" يحاكي النّجوم، قبل ساعات الفجر بقليل وضع القليل من ملابسه في حقيبة صغيرة، كتب رسالة إلى والديه وأسرته جاء فيها:

"أستميحكم عذرا ما عدت قادرا على الحياة هنا بسبب حماقات فرضتموها عليّ، لست "طواشى" كما حسبتموني، أحببت ليلى، لكنّني لم أستطع معاشرتها لأسباب لا أعرفها، لا تخافوا عليّ ولا تسألوا عنّي، ستصلكم منّي رسائل في الوقت المناسب، سأغادر هذه البلاد إلى بلاد أخرى لأستردّ حرّيّتي، ولأهرب من كلام ونظرات أناس تلاحقني."

وضع الرّسالة على طاولة في "البرندة"، غادر دون أن يراه أحد، سكن مع صديق له يعيش في مدينة قريبة، اتّفقا على الهجرة إلى بلاد أعجميّة، وهاجرا.

انتهى الجزء الأوّل

يوليو 2022

جميل السلحوت:

- جميل حسين ابراهيم السلحوت.

-         مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.

-         حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربيّة.

-         عمل مدرّسا للغة العربيّة في المدرسة الرشيدية الثّانويّة في القدس من 1-9-1977 وحتّى 28-2-1990.

- اعتقل من 19-3-1969 وحتى 20-4-1970وخضع بعدها للأقامة الجبريّة لمدّة ستّة أشهر.

-         عمل محرّرا في الصّحافة من عام 1974-1998في صحف ومجلات الفجر، الكاتب، الشّراع، العودة، ورئيس تحرير لصحيفة الصّدى الأسبوعيّة. ورئيس تحرير لمجلة"مع النّاس"

-         عضو مؤسّس لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين، وعضو هيئته الإدارية المنتخب لأكثر من دورة.

-         عضو مؤسّس لاتّحاد الصّحفيين الفلسطينيين، وعضو هيئته الإداريّة المنتخب لأكثر من دورة.

- عمل مديرا للعلاقات العامّة في محافظة القدس في السّلطة الفلسطينية من شباط 1998 وحتى بداية حزيران 2009.

- عضو مجلس أمناء لأكثر من مؤسّسة ثقافيّة منها: المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ.

- فاز عام 2018 بجائزة القدس للثّقافة والإبداع.

- منحته وزارة الثّقافة الفلسطينيّة لقب"شخصيّة القدس الثّقافيّة للعام 2012".

- أحد المؤسّسين الرّئيسيّين لندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس والمستمرّة منذ آذار-مارس- العام 1991وحتّى الآن.

- جرى تكريمه من عشرات المؤسّسات منها: وزارة الثّقافة، محافظة القدس، جامعة القدس، جامعة بيت لحم، جامعة خضوري في طولكرم، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، بلديّة طولكرم ومكتبتها، المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ، ندوة اليوم السّابع، جمعيّة الصّداقة والأخوّة الفلسطينيّة الجزائريّة، نادي جبل المكبر، دار الجندي للنّشر والتّوزيع، مبادرة الشباب في جبل المكبر، ملتقى المثقفين المقدسي، جمعية يوم القدس-عمّان، جامعة عبد القادر الجزائريّ، في مدينة قسنطينة الجزائريّة، المجلس الملّي الأرثوذكسي في حيفا.

شارك في عدّة مؤتمرات ولقاءات منها:

- مؤتمر "مخاطر هجرة اليهود السّوفييت إلى فلسطين"- حزيران 1990 – عمّان.

- أسبوع فلسطين الثّقافي في احتفاليّة "الرياض عاصمة الثقافة العربية للعام 2009."

- أسبوع الثّقافة الفلسطينيّ في احتفاليّة الجزائر "قسنطينة عاصمة الثّقافة العربيّة للعام 2015".

- ملتقى الرّواية العربيّة، رام الله-فلسطين، أيّار-مايو-2017، وعام 2020.

-حصلت رولا غانم على رسالة الدكتوراة من جامعة طنطا عام 2019 برسالة"القدس في روايات جميل السلحوت."

اصدارات جميل السلحوت

الأعمال الرّوائيّة

- ظلام النّهار-رواية، دار الجندي للطباعة والنشر- القدس –ايلول 2010.

- جنّة الجحيم-رواية – دار الجندي للطباعة والنشر- القدس-حزيران 2011.

-هوان النّعيم. رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-كانون ثاني-يناير-2012.

- برد الصّيف-رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس- آذار-مارس- 2013.

- العسف-رواية-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2014

- أميرة- رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس 2014.

- زمن وضحة- رواية- مكتبة كل شيء- حيفا 2015.

- رولا-رواية- دار الجندي للنّشر والتّوزيع- القدس 2016.

- عذارى في وجه العاصفة-رواية- مكتبة كل شيء-حيفا 2017

- نسيم الشّوق-رواية-مكتبة كل شيء، حيفا 2018.

- عند بوابّة السّماء- مكتبة كل شيء-حيفا 2019.

- الخاصرة الرّخوة-مكتبة كل شيء-حيفا 2020.

- المطلقة- رواية-مكتبة كل شيء حيفا 2020.

- اليتيمة-رواية-مكتبة كل شيء-حيفا 2021.

- الأرملة-رواية مشتركة مع ديمة جمعة السّمّان-مكتبة كلّ شيء-حيفا 2023.

روايات اليافعين

-  عشّ الدّبابير-رواية للفتيات والفتيان-منشورات دار الهدى-كفر قرع، تمّوز-يوليو- ٢٠٠٧.

-  الحصاد-رواية لليافعين، منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل، 2014، ببيتونيا-فلسطين.

-  البلاد العجيبة- رواية لليافعين- مكتبة كل شيء- حيفا 2014.

– لنّوش"-رواية لليافعين. دار الجندي للنّشر والتوزيع،القدس،2016.

  • "اللفتاوية" رواية لليافعين. دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس 2017.
  • كنان يتعرّف على مدينته-رواية لليافعين-مكتبة كل شيء-حيفا 2020.
  • أنا من الديار المقدسة-رواية لليافعين-مكتبة كل شيء- حيفا 2020.
  • "مايا" روية لليافعين-مكتبة كل شيء-حيفا-2022.

قصص للأطفال

- المخاض، مجموعة قصصيّة للأطفال، منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيّين- القدس،1989.

- الغول، قصّة للأطفال، منشورات ثقافة الطفل الفلسطيني-رام الله 2007.

- كلب البراري، مجموعة قصصيّة للأطفال، منشورات غدير،القدس2009.

- الأحفاد الطّيّبون، قصّة للأطفال، منشورات الزّيزفونة لثقافة الطفل، بيتونيا-فلسطين 2016.

- باسل يتعلم الكتابة، قصّة للأطفال، منشورات الزّيزفونة لتنمية ثقافة الطفل، بيتونيا، فلسطين، 2017.

- ميرا تحبّ الطيور-منشورات دار الياحور-القدس 2019.

- النّمل والبقرة- منشورات دار إلياحور-القدس 2019.

  • كنان وبنان يحبّان القطط- منشورات دار إلياحور-القدس 2019.
  • زغرودة ودماء-منشورات دار إلياحور-القدس 2020.

أدب السّيرة:

  • أشواك البراري-طفولتي، سيرة ذاتيّة-، مكتبة كل شيء-حيفا 2018.
  • من بين الصخور-مرحلة عشتها، سيرة ذاتية، مكتبة كل شيء-حيفا 2020.

أبحاث في التّراث.

- شيء من الصّراع الطبقي في الحكاية الفلسطينيّة .منشورات صلاح الدّين – القدس 1978.

- صور من الأدب الشّعبي الفلسطينيّ – مشترك مع د. محمد شحادة منشورات الرّواد- القدس 1982.

- مضامين اجتماعيّة في الحكاية الفلسطينيّة .منشورات دار الكاتب – القدس-1983.

- القضاء العشائري. منشورات دار الاسوار – عكا 1988.

بحث:

-  معاناة الأطفال المقدسيّيين تحت الاحتلال، مشترك مع ايمان مصاروة. منشورات مركز القدس للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، القدس 2002

  • ثقافة الهبل وتقديس الجهل، منشورات مكتبة كل شيء- جيفا،2017.

أدب ساخر:

- حمار الشيخ.منشورات اتّحاد الشّباب الفلسطيني -رام الله2000.

- أنا وحماري .منشورات دار التّنوير للنّشر والتّرجمة والتّوزيع – القدس2003.

أدب الرّحلات

-  كنت هناك، من أدب الرّحلات، منشورات وزارة الثّقافة، رام الله-فلسطين، تشرين أوّل-اكتوبر-2012.

-  في بلاد العمّ سام، من أدب الرّحلات، منشورات مكتبة كل شيء-حيفا2016.

يوميّات

-  يوميّات الحزن الدّامي، يوميات،منشورات مكتبة كل شيء الحيفاويّة-حيفا-2016.

الرّسائل

  • "رسائل من القدس وإليها"، مشترك مع صباح بشير، منشورات مكتبة كل شيء-حيفا-2022.

أعدّ وحرّر الكتب التّسجيليّة لندوة اليوم السّابع في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ – الحكواتي سابقا – في القدس وهي :

- يبوس. منشورات المسرح الوطني الفلشسطيني – القدس 1997.

- ايلياء. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 1998.

- قراءات لنماذج من أدب الأطفال. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس كانون اول 2004.

- في أدب الأطفال. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 2006.

- الحصاد الماتع لندوة اليوم السابع. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس كانون ثاني-يناير- 2012.

- أدب السجون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-شباط-فبراير-2012.

- نصف الحاضر وكلّ المستقبل.دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-آذار-مارس-2012.

- أبو الفنون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس نيسان 2012.

- حارسة نارنا المقدسة- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس. أيار 2012

- بيارق الكلام لمدينة السلام- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس- أيار 2012.

-نور الغسق- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2013.

- من نوافذ الابداع- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس 2013.

- مدينة الوديان-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2014.

وسوم: العدد 1024