نفحات طاغوتية (5)

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

قاطعه سيادة الوالي:  وضح فكرتك أكثر يا سيادة المستشار ليستوعب الفكرة رفاقك ونناقشها بوضوح وروية أكثر.

سيدي الوالي  : إن فكرتي أن نجمع بين )إكسير) الوطنية للمواطنين ، فتبقى أحوال المواطنين هادئة ، بعيدين عن السياسة والتدخل بها .

  ونستخدم (إكسير) الشجاعة للجنود ، فنحافظ على أمن الوطن ، ونكون جاهزين للتصدي لأي محاولة إعتداء خارحي علينا ، وبهذا نكون قد حفظنا الأمن الداخلي ، والأمن الخارجي .

-  ولكن يا سيادة المستشار لا يخفى عليك وضع جنودنا المتواجدين على أرض الدولة المعتدية ، ونشاطهم المتزايد ، الذي تحول في حقيقة الأمر إلى فوضى وفساد ، وسلب ونهب واغتصاب ، هل ترى أن يعودوا إلى داخل الوطن وهم على هذه الحالة ؟

استأذن المستشار العسكري بالكلام ثم بدأ حديثه بعد المقدمات :

سيدي الوالي :  إن قسما من جنودنا يجب أن يبقى في أرض الدولة المعتدية مهيمنا على كل شيئ فيها ، لنضمن حدودنا من جهتهم أو إثارة أية قلاقل تنغص علينا ، فإن خروج جنودنا كاملا مع ما قمنا به من تنصيب أناس موالين لنا ، سيتيح للمسؤو لين الهاربين من الدولة المعتدية تجميع شتاتهم ، وتكرار المحاولة مرة ثانية ، ومحاولة الإنتقام  ورد الأعتبار بعد هزيمتهم المنكرة ، مستغلين الوطنية حينا ،  أو إخراج المحتل والقضاء على عملائه وصنائعه حينا آخر ، واستعادة تراث الأمة وكنوزها وحضارتها التي سرقها المحتلون - يقصدون نحن سيدي الوالي - رغم علمنا جميعا بأن كل هذه دعاوي كاذبة ، لا أصل  لها ، وأن كل ما قمنا به هو دفاع  عن النفس ، مشروع بكل المعايير والقوانين الدولية ، والدينية ، والانسانية ، ولكنهم سيحاولون استغلال مواطنيهم وتجييشهم تحت هذه الدعاوي الباطلة ، لكسب تأييدهم وتأليبهم ، وتجميعهم ضدنا ، وبالتالي فإن بقاء قسم من جنودنا وأجهزة أمننا في أرض الجارة المعتدية سوف يفوت عليهم ذلك .

أجابه سيادة الوالي قائلا:  لكن النشاط الزائد والذي أدى بدوره كما ذكرت آنفا قد تحول إلى فوضى عارمة تسيئ إلينا ، فهل نترك الجنود الذين سيبقون على أرض الدولة المعتدية بهذا الحال ، وبذلك نسوغ للمعتدين دعاويهم الباطلة ، وحقيقة هذه الفوضى تسيئ إلينا أمام المواطنين من الدولة المعتدية ، وستوضع هذه التصرفات تحت مجهر مكبر، وستستغل  أبشع استغلال ضدنا.، وكذلك جنودنا الذين سيعودون إلى أرض الوطن وهم بتلك الحالة ، وكيف سيكون تأثيرات ذلك ومضاعفاته داخل الوطن؟

وبعد نقاش طويل اتفقوا في المجلس على استخدام ) اكسير) الشجاعة بشكل مخفف مع جميع الجنود  الذين سيعودون إلى أرض الوطن ، والذين سيبقون في أرض الدولة المعتدية ، على أن يستخدم بشكل مخفف أكثر مع العائدين ألى أرض الوطن ، أما بالنسبة للقادة كانوا هنا أو هناك فيبقى (اكسير)  النشاط  فيهم على حاله ، فهؤلاء  ولاؤهم مطلق لسيادة الوالي والوطن ، ولم يصلوا إلى هذا الموقع ألا بعد إختبارات وامتحانات ومراقبات ، وتقارير كثيرة وطويلة ، فجانبهم مأمون ، وتصرفهم يكون بلا شعور لمصلحة سيادة الوالي والوطن ، واما الضباط وصف الضباط فيخفف فيهم نسبة تأثير (الإكسير) المنشط عكسا مع علو رتبتهم العسكرية ، وحساسية موقعهم ،  وأما المواطنون في كلا الدولتين ، فقد تم حسم أمرهم مباشرة ، وذلك بإعطائهم ) إكسير) الوطنية حتى تبقى أحوالهم هادئة ، بعيدين عن السياسة ومتاعبها .

وأما آلية تخفيف )الإكسير) المنشط فقد اتفقوا على تصنيع مياه معدنية من ثلاثة أنواع رئيسية هي : صحة ، وعافية ، وهنا.

فصحة والتي ستوزع بشكل دوري على الجنود ، وهي أكثرها تخفيفا .

 وهنا أقلها تخفيفا والتي ستوزع على الضباط .

وعافية هي بين الإثنتين والتي ستوزع على ضباط الصف ، كما اقترح دعم التخفيف أو تقليله ، لحالات خاصة ، أو لحالات تقع بين التقسيمات الثلاث الرئيسية  بواسطة مشروبات غازية ، تقدم ضيافة ، كمكرمة أميرية ، بالكمية والنسبة لكل حالة بحسب الحاجة ، وقد تم التوجيه بتعيين لجنة توزيع المياه الصحية والمشروبات الغازية للجيش تحت إمرة أحد المستشارين والذي سيشرف بدوره على تحديد النسب والكميات لكل فرقة معينة ، وكذلك للحالات الخاصة .

انفضوا من المجلس والسعادة تغمرهم جميعا على االقرارات والإنجازات الضخمة التي اتخذوها في المجلس ، وبعد أن أعطيت الأوامر لجميع اللجان الإستشارية ، والإعلامية، والعسكرية ، والسياسية ، ولجنة تصنيع المياه المعدنية :  صحة وعافية وهنا والمشروبات الغازية و (الإكسير) ، بممارسة مهامها واتخاذ الإحراءات اللازمة لذلك فورا.

قامت اللجان بعملها حسب تعليمات سيادة الوالي خير قيام  ، فقد قامت اللجنة العسكرية بتحديد القطاعات العسكرية .التي ستبقى على أرض الدولة المعتدية ، والقطاعات التي ستنسحب إلى أرض الوطن ، وذلك بالتنسيق مع لجنة صناعة )الإكسير) تحت اسم صناعة المياه الصحية والغازية ، وتقديمها بالكميات والنسب المتفق عليها لكل حالة ،  كما تم توزيع ( إكسير) الوطنية  على المواطنين في كلا البلدين لضبط الفوضى ، وتهدئة النفوس ، وعدم التفكير بالسياسة ومتاعبها ، وقد واكب ذلك خطوة خطوة ، التحركات السياسية ، والتصريحات الإعلامية ، لكبار السياسيين والإعلاميين والعسكريين ، وعلى رأسهم جميعا سيادة الوالي .

أدت هذه الإجراءات حقيقة ، إلى ضبط الأمن الداخلي والخارجي بحسب طلب سيادة الوالي ، فقد هدأت الأوضاع في الدولة المعتدية بعد توزيع مياه ( صحة) على الجنود ، وسحب أغلبهم إلى أرض الوطن ، وأصبح الحكام الجدد المعينين من سيادة الوالي في الدولة المعتدية ، أكثر ولاء لسيادة الوالي ، كما هدأت الأوضاع داخل الوطن كذلك ، وخفت الفوضى والفساد ، والسرقة والنهب .... وغيرها في الدولتين وشعر الناس بالراحة والأمان واستقرت الأوضاع نسبيا في كلتا الدولتين ، وشعر الوالي بالإرتياح وكاد أن يتنفس الصعداء ، إلا أنه يبدو لم تكتب الراحة الدائمة والكاملة أبدا في دولة الوالي ، بل كما ذكر سيادته في بداية كل اجتماع طارئ أن هذا الإكتشاف العظيم  )الإكسير) والذي يعالج حالة طارئة ، لا يلبث أن يتولد بعدها حالة أصعب وضعا ، وأشد خطورة من الحالة السابقة ، وهذا ما حدث تماما ، فقد تم الكشف عن محاولة انقلابية ضد سيادة الوالي ، لم ترصدها أجهزة الأمن أو تحس بها ، وليست المشكلة في عمومية النبأ ، بل في طياته وتفاصيله ، فهذا أمر حدث ويحدث في دولة الوالي ، وفي غيرها ، ولكن خطورة النبأ تكمن في من يقف خلف هذه المحاولة الفاشلة ، والتي اكتشفت في مراحلها الأخيرة ، وأنكى مافيها  أن  وراءها قد كان أقرب المقربين إلى الوالي ، من بعض القادة العسكريين  وعلى رأسهم رئيس الأركان ، بل هم قد كانو ركنه الركين ، وظهره المتين ، وصفوته من كبار رجاله المقربين والخلص ، ولولا أن أحد هم ، قد أنبه الضمير تجاه سيادة الوالي لما أغدق ويغدق عليه من أموال وهبات وهدايا إضافة إلى مركزه المرموق ، وخوفه ألا يحصل على نفس المناصب والمنافع التي يتحلى بها  بعد الإنقلاب على الوالي، لما أخبر سيادة الوالي ورئيس مخابراته في اللحظة الأخيرة ، وإلا لأصبح الوالي وحكومته الرشيدة في خبركان .  .        

 قام الوالي -  هذه المرة - وعلى العاد ة باجتماع طارئ مصغر ولكن لكبار المستشارين فقط  : رئيس المخابرات ، مستشار الأمن الوطني ، كبير المستشارين السياسيين ، كبير العلماء ، رئيس الوزراء ، وزراء الداخلية  والدفاع والخارجية والإعلام .

تكلم سيادة الوالي والإنزعاج باد على ملامحه ، والتوتروالانفعال  يسيطرعلى جميع حركاته وتصرفاته ، والخوف والقلق مقروء في كلمته وينسل من بين حروفها :  أيها السادة مستشارون وعلماء وقادة ، لعلكم تدركون سبب هذا الإجتماع المصغرالذي نقوم به ، بعد أن بلغكم ما بلغكم من تلك المحاولة الدنيئة التي كان يخطط لها - وللأسف الشديد - بعض رجالنا ، بل  بعض قادتنا ، من أصحاب النفوس المريضة ، والهمم السافلة ، التي تنكرت لمن صنعها ، وعضت اليد التي امتدت لها ، وجعلت منها رجالا بل قادة ، فأرادت أن تتطاول على سادتها ، وأن تنتزع بظلم من غيرها ما ليس لها ، رغم علمكم جميعا بأني لم أقصر أبدا في حقهم أو حق غيرهم قيد أنملة ، بل إنني قد جندت نفسي ومالي وجهدي وكل ما أملك لمصلحة هذا الوطن وأبنائه جميعا ، بل كنت أخص وأميز بالهبات والهدايا والإحترام ، مسؤولي هذا الوطن لتفانيهم في خدمته ، وحتى لا يبقى لديهم أية هموم أو مشاكل تشغلهم  أو تصرف جزءا من جهودهم عن خدمة الوطن ، أم أن بعضكم -  وبشفافية مطلقة - يرى غير ذلك ؟

-  إن ماذكرته هو أقل من الحقيقة بكثير يا سيادة الوالي .

-  إن جودك وكرمك يغمرنا ويخجلنا يا سيادة الوالي .

-  إن تفانيك لمصلحة الوطن أوضح من الشمس في رابعة النهار.

 -  إن الوطن بدونك لا يساوي شيئا يا سيادة الوالي .

-  لقد رفعت اسم وطننا عاليا ، وفرضت احترامنا في العالم كله ، بجهودك المتفانية ، وسياستك الحكيمة .

-  كلنا فداء سيادة والينا المعظم ، وفداء الوطن .

أوقف سيادة الوالي هذا السيل من الثناء والمديح ، ولو لم يفعل ذلك ما توقف الى صباح اليوم التالي قائلا :  أشكركم أيها السادة على هذا الثناء ، وأقدر ثقتكم العالية بي ، وما هذا إلا بسبب وطنيتكم الصادقة ، ونظرتكم الثاقبة ، وسياستكم الحكيمة ، ولولا ثقتي العالية بكم لما كنتم صفوتي المختارة ، ودعوتكم إلى هذا الإجتماع المصغر ، في هذا الخطب الرهيب، ولا نريد أن نقف كثيرا عند هذا الأمر، ولندخل في عمق المشكلة مباشرة لنخرج بحل ناجع لها ، وقبل أن أسمع اقتراحاتكم وآرائكم ، أريد أن أذكر بما قمنا به سابقا من حلول لما اعترضنا من مشاكل ، إلا أنها كانت جميعا - وكما ذكرت سابقا  - حلولا مؤقتة تعالج حالة معينة ، لتظهر بعدها حالة جديدة أخرى أشد من الأولى .

أيها السادة لقد بدأنا كمبادرة منا بمسيرة الديموقراطية والإصلاحات الداخلية ، وإخلاء السجون، ولو لم نفعل ذلك ، فإننا لم نختلف عمن حولنا من بلدان العام المتخلف ، ولن نكون في موقع اعتراض من أحد لو أننا لم نفعل ذلك ، وكنا اعتمدنا ذلك لنتميز عمن حولنا ، ونسير بركب الدول المتقدمة ، والديموقراطية ، إلا أننا وقعنا بعد ذلك في مشكلة أخرى بعد أن كشف أمر (إكسير)الوطنية ، ثم قمنا بمعالجة الأمر بتعميم (الإكسير) بإسلوب آخر ، فتولدت ردة فعل عند بعض الطائشين ، واعتمدوا العمل المسلح والإغتيالات التي طالت مسؤولا في الأمن القومي ، وبعد معالجة الأمربتعميم أوسع واشمل ( للإكسير) ، طمعت فينا الدول الصغيرة من جيراننا وفكروا في غزونا ، وبعد معالجتنا للأمر ( بإكسير) الشجاعة غزوناهم في عقر دارهم ، وبعد حالة الفوضى التي عمت وكادت أن تخرج عن السيطرة ، عالجنا الأمر في الداخل والخارج بأكثر من أسلوب ، وكذلك للحالات الخاصة ، وكدنا نقتنع بأن الأمور أصبحت جميعها تحت هيمنتنا وسيطرتنا في الداخل والخارج ،  وكدنا نصدق بأننا أصبحنا النموذج الوحيد والفريد ، لهذه التجربة في بلدان العالم المتخلف بل وفي المعمورة كلها ، صدمنا بعد ذلك بكشف محاولة انقلابية من داخلنا ، يتبناها بعض قادتنا ، والذين ما كنا نشك في وطنيتهم لحظة واحدة ، وللحق يقال لقد كان لرئيس الأركان السابق السبب الأكبر في ردع جيوش الدولة المعتدية ودحرها ، بل وانتهاء الأمر بهزيمتها واحتلالها .

هل يأمن أحدنا بعد هذا من أي أمر ؟ هل يستغرب أي حدث يحصل ؟ لم يكن رئيس الأركان  وبعض من معه ينقصهم مركز مرموق ، أو أموال كثيرة ، أو احترام واسع .

لذا فإني لا أطلب منكم حل هذه المعضلة فحسب ، بل أطلب منكم حلا جذريا ، لا يحيجنا إلى (إكسير) آخر بعده ولا يوقعنا في ورطة أكبر من هذه ، وأرجو ألا تفكروا في استخدام (إكسير) الوطنية  للعودة بالشعب والجيش ، إلى العهد السابق ، لأن الأعداء من جيراننا الآخرين ، لن ينتظروننا هذه المرة ، بل سيندفعون إلينا بعدها بكل ما أوتو من حقد ، معبئين بروح الثأر والإنتقام بعد ما فعل جنودنا بهم ما فعلوا ,

استأذن رئيس المخابرات بالكلام :  سيدي الوالي لقد دعاني ما لمست من صراحة في كلمتكم الحكيمة أن أذكر في هذا المجلس المصغر بعض الحقائق الأخرى الخفية ، التي التقطتها بعض أجهزة التنصت ، وقد رفعنا الجاهزية ، وعممنا التنصت على شريحة أكبر من القادة الذين يتناولون)اكسير) الشجاعة  بدون تخفيف ،  إن التذمر أصبح واضحا في قطاعات الجيش عامة ، وبين القادة على مستوى أكبر ، وبدأت الجرأة تصل إلى حد الوقاحة في تعليقات بعض القادة على الحكومة ، بل ربما بعضها على سيادتكم ، وانتقاد سياسة الدولة ، والتلميح على تدجين الشعب باستخدام وسيلة ما ، وكل هذا  وما فكر به قائد الأركان السابق مع بعض شلته ربما كان بسبب (إكسير) الشجاعة  الذي تجاوز حده إلى درجة التطاول عل الدولة والحكومة بدلا من أن يقتصر مفعوله ضد الأعداء .

- أشكرك يا رئيس المخابرات على هذا الصراحة والشفافية ، ووضعك لهذه الأمور على حقيقتها بين أيدينا ، حتى يقدر السادة المستشارون والعلماء حقيقة ما يدور تماما ، لتكون مقترحاتهم وآراؤهم مستندة إلى حقائق ، كما أرجو أن يقدم كل من لديه أية معلومات وحقائق بصراحة مطلقة ، وبلا مجاملات وتورية ، ليتسنى لنا فهم حقيقة الأوضاع ليتم معالجتها بشكل صحيح.

استأذن وزير الدفاع بالكلام :  سيدي الوالي صحيح  أننا نحكم قبضتنا على الأمور في الدولة المعتدية الجارة ولكن معلوماتنا الأكيدة تذكر أن الدولة الجارة الأخرى قد  احتضنت الحكومة  البائدة للدولة المعتدية ، وقد تم تأسيس نواة جيش فيها ، وهم يستقطبون بعض المواطنين من الضباط أو الجنود السابقين أو بعض رجال   الأحزاب ، حيث يتم ابطال مفعول )إكسير) الوطنية  بإعطائهم أدوية وعقاقير ، بل إن دعوات ، وكتابات على الجدران تدعو المواطنين بعدم شرب الماء من الشبكة العامة ، والذي هو سبب الخمول والبلادة ، ويدعون أن من يبتعد عن شرب الماء من الشبكة العامة لمدة شهر كامل ، فإنه يعود إلى طبيعته

أشكرك أيضا يا سيلدة الوزير على هذه الصراحة لنبني عليها وتكون مقترحاتنا مستندة  إلى حقائق

ثم أضاف  سيادة الوالي : أيها السادة لقد استخدمنا ( إكسير) الشجاعة  لنرد كيد الأعداء وقد تم ، إلا ان ما تمخض عنه جرأة  غير مسبوقة علينا ، من جنودنا ضد الدولة والحكومة وسياستها الرشيدة ، تجاوزت جميع الثوابت ،  وما محاولة قائد الأركان إلا ظاهرة من هذه الوقاحات ، ولا تستغربوا أن يتبعها محاولات أخرى  قد تكون أشد وأخطر .

 لذا فإني أشدد على طلبي مرة أخرى للبحث عن )  اكسير) جديد لا تحصل بعده أية مشاكل  أو أية تأثيرات جانبية ، ولا نحتاج إلى استخدام )إكسير) آخر بعده .

وبعد لحظة من الوجوم والهدوء ، خيمت على المجلس الموقر ، توجه سيادة الوالي بالحديث إلى كبير العلماء :  هل تراني طلبت المستحيل يا كبير العلماء ؟

-  وبعد لحظة من التفكير أجاب كبير العلماء :  ليس لدينا مستحيلا في هذا المجال بعد تجاربنا الرائدة يا سيادة الوالي ، وما يأمرنا به الوالي فإننا مستعدون لتجهيزه بأقصى سرعة ممكنة ، ولكن أي نوع من) الإكسير) يريد سيادة الوالي ؟ 

 - لقد تكلمت ما أريد يا كبير العلماء .

- صحيح يا سيدي ولكن نوع )الإكسير) وفعاليته يبقى تحديده لسيادتكم ، والسادة المستشارين ، وما نحن إلا أداة للتنفيذ .

 أجاب الوالي بعد هنيهة من التفكير :  إنك عل صواب يا كبير العلماء ، فما رأي كبير المستشارين ؟

-  أجاب كبير المستشارين :  سيدي الوالي لقد استخدمنا عدة أنواع من (الإكسير) وكان لها جميعا بعد استخدامها آثارا جانبية ، وننتقل من معضلة إلى آخرى ، قاطعه سيادة الوالي : ولذا فإني قد سئمت هذه الحلول الترقيعية ومللتها ، ومن ثم هل تظنون أن تبقى حقيقتها سرا ؟ ولن يتم الكشف عن حقيقتها من داخل البلاد ومن خارجها بعد أن بدأ البعض يحومون حولها ، ثم أضاف :  أيها السادة نحن الآن موضوعون تحت مجهر مكبر ، لتحليل كل حدث ، وكل جديد لنا مهما جل أو صغر ، للكشف عن أسرارنا ، وتجاربنا ، وإكسيرنا .

اسمعوا وعوا وافهموا علي جميعا ما أريده بالضبط للمرة الأخيرة : أريد (إكسيرا ( لا نستخدم بعده أي (إكسير) آخر ، يستتب الأمن في البلاد ، وتستقر الأوضاع ، وتبقى شوكة البلاد قوية ، من الداخل والخارج ، هل هذا الطلب مستحيل يا كبير المستشارين ؟

-  لا يا سيدي  ، فليس في ولايتنا مستحيل يا سيدي .

-  فعلام تحجم عن الحل ؟

-  لأنه صعب يا سيدي .

-  ألهذه الدرجة ؟ وهل يصعب علينا شيئ حتى أراك مترددا من الإفصاح عنه ؟ وقد قلت آنفا ليس في ولايتنا شيء مستحيل .

أجاب كبير المستشارين بعد لحظة من الصمت : لأنه (إكسير) للمسؤولين ...... وليس للشعب هذه المرة يا سيادة الوالي .

أجاب الوالي:  وأي (إكسير) تقصد ؟ هل هو (إكسير) العبقرية ؟ أم (إكسير) الحكمة والحنكة السياسية ؟

- أجاب كبير  المستشارين  : إن كل هذا متوفر في الحكومة والقادة ، وعلى رأسها فخامتكم يا سيادة الوالي .

-  إذن أي إكسير تعني يا كبير المستشارين؟

أجاب كبير المتشارين : إنه (إكسير) ... ثم توقف عن الكلام 

 - استعجله سيادة الوالي يستنطقه ويحثه لإتمام عبارته  قائلا : (إكسير) ماذا ؟ انطقها ... ماذا حل بك ؟ هل تتكلم معنا بالألغاز يا كبير المستشارين ؟ .

-  سيدي الوالي إن الشعوب لا تقاد بكبسولة دواء ، وإن سياسة الدولة لا ترسم بجرعة )إكسير).

إن سياسة الدولة ، وقيادة الشعوب يجب أن تنبع من ذاتنا  ، وتنطلق من داخلنا ، تحقق أهداف الشعب وتلبي طموحاتهم ، وتمنحهم الحرية ... والعدالة .... والكرامة ... والإنسانية ...

والأهم أن بشعروا بالأمن  والأمان داخل الوطن لا فرق بين مسؤول ومواطن ، أو بين ضابط أمن ومواطن آخر .

سيدي الوالي إن سياساتنا ووعودنا وتصريحاتنا وخططنا وخطاباتنا وأهدافنا ، يجب أن تترجم أفعالا وممارسات تطابق أقوالنا على أرض الواقع ، منهجها العدل والإستقامة ، وطبيعتها الصدق والصراحة والشفافية مع شعوبنا .

 نظر كبير المستشارين حوله فرأى علامة الدهشة ترتسم على محيا الجميع وهم ينظرون نحوه ، يهمون أن يقعوا به ، حوّل نظره إلى الوالي فرآه  مطرق الرأس ثم بدأ يهز رأسه هزات خفيفة .

أستأنف كبير المستشارين كلمته  : سيدي الوالي لا تؤاخذني على هذه الصراحة الجارحة فلعلها المرة الأولى التي أتكلم بها في مجلس كهذا بهذا الأسلوب والطريقة المباشرة ...  ولست نادما على ذلك  ولو   كانت هذه آخركلمة لي يا سيادة الوالي :  إذ لا يمكن لدولة أن تحكم  وتستمر ، دون هاتين الصفتين :  العدل والإستقامة .

النهاية .