رانيا 1

رانيا 1

ياسين سليماني

[email protected]

جلست رانيا في مكتبها تنظر إلى محمولها الذي لم يرنّ بعد، كانت تنتظر رنينه منذ وقت طويل بدا لها كأنّه دهر، وكانت تلك غرفة المكتبة المليئة بأكداس من الكتب من كلّ نوع، وأمّا مكتبها فقد كان أمام النافذة الزجاجية الكبيرة التي تطلّ على منظر رائع، وكان البحر الذي يظهر من النافذة أزرقا هادئا، والشمس تبتسم له وبعض الصبية يلعبون بالكرة قربه، فتذهب أحيانا إلى الماء فيسبحون أو يمشون إليها ثمّ يعودون إلى اللعب، ويعود البحر لاستلام كرتهم ويعطيها لهم بكلّ فرح.

وحنت منها التفاتة إلى هذا المنظر، فوقفت ووضعت ذراعيها على النافذة وراحت لا تنظر إلى الأولاد ولا إلى السفن التي بدأت تظهر من هناك، ولكن إلى الأفق البعيد.

كانت جميلة جدّا، ويؤكّد من يعرفها أنّها لم تأخذ صفات الجمال من أحد، حتى من أبويها رغم تمتعهما به، وكان شعرها منسدلا على ظهرها، كان أسودا طويلا كليل العاشقين المتباعدين، وغالبا ما كانت تتركه هكذا في البيت، أمّا عند خروجها فيمكن أن يندهش المرء من الطريقة التي تسرّح بها شعرها، بحيث يجد نفسه وكأنّه أمام إحدى ممثلات السينما اللائي اعتنى بها فريق بكامله من التجميليين، ليقدّموها بطريقة أفضل... كانت تلقائية جدّا في حديثها مع غيرها... ولم تكن تحبّ شيئا في الحياة أكثر من نفسها،لا لم تكن أنانية، ولكن كانت تعطي لنفسها أكبر سعادة ممكنة تستطيعها، وكانت هذه السعادة تنصبّ في إشاعة الفرح في كلّ الذين تعرفهم... لهذا كانوا يعتبرونها رائعة، سواء مع أهلها أو مع أصدقائها.

كانت لا تزال تفكّر في شيء ما، استغرقت فيه وقتا طويلا قبل أن ينبّهها من ذلك رنين المحمول... هرعت إليه وهي تتمنّى أن يكون المتّصل من تريده، ولكن خاب أملها حين وجدت أنّ والدها هو الذي تذكّرها هذه اللحظة.

-       ألو، أبي، هل من خطب ؟

-       لا شيء جديد، ولكن اتّصلت لأعرف هل تعود أمّك الليلة باكرا أم لا ؟

تنهّدت ثمّ قالت: لقد ذكرت لي أنّها ستعود في الخامسة.

-  ألم تتّصل بها ؟

-  لقد أغلقت محمولها، أظنّ أنّ لديها عمل الآن.

-أين أنت الآن؟

-       لا زال عندي عمل كثير في الجريدة وسألبّي دعوة عشاء لأحد المتعاملين مع الشركة.

-       إذن، لن تعود قبل العاشرة ليلا، أليس كذلك ؟

قالت بنبرة حزن، مع أنّها تفضّل أن تبقى وحيدة هذا اليوم لأنّ شيئا مهمّا تنتظره.

-       ربّما، أنا آسف لذلك، ولكن، اعتقدت أنّ أمّك ستكون معك هذا اليوم في البيت.

أقفل الخطّ بعد ذلك، وبقيت تمسك الخليوي، كان والدها رئيسا لتحرير صحيفة "الصباح" الشهيرة. أمّا والدتها فمقدّمة برامج في التلفزيون، وكانا أحيانا يضطران للبقاء خارج المنزل وقتا طويلا، لذلك كان لديها الوقت الطويل لفعل الكثير من الأشياء، فبعد أن انتهت الدراسة منذ أيام أصبح من الجيّد أن تخلد لراحة طويلة، وتحاول أن تمضي بقية الصيف بشكل جيّد.

رنّ الخليوي من جديد، هذه المرّة كان صوته هو، صوت حسام حبيبها الذي تعرّفت عليه منذ حوالي الشهر:

-       ألو، آسف حبيبتي على هذا التأخير.

قالت باهتمام: أين أنت ؟ هل وصلت ؟

ابتسم قائلا: سأكون في منزلك بعد خمس دقائق.

وضعت المحمول وأسرعت إلى غرفة نومها، وبدأت في تغيير ثيابها، وتوقفت أمام المرآة، رتّبت شعرها، ووضعت قليلا من عطور galaxy الانجليزية، ابتسمت وبعثت بقبلة لصورتها في المرآة، وأسرعت في الخروج من الغرفة عائدة إلى المكتبة لانتظاره هناك، ولكنّها ما كادت تلجها حتى سمعت رنين الجرس... هرعت إلى الباب فوجدته هو... إنّه حسام ... كان وسيما إلى درجة الكمال، وبريق عينيه يعطي لشخصيته منحى شاعريا خلابا...  وكان أطول منها ببضع إنشات، وحينما دخل كان مرتديا سروالا رياضيا أسودا وصدارا أبيضا من دون ذراعين، وقد وضع قبعة بيضاء وفي طرف الصدار في جهة العنق وضع نظارته السوداء التي نزعها قبل أن يضع يده على الجرس.

كان قد جاء من قسنطينة في سيارته، هذا العام ينتظر أن ينجح في امتحان البكالوريا والسفر إلى الدراسة في العاصمة، هذا إذا لم يخطر له خاطر يجعله يغادر البلاد إلى إحدى دول أوروبا.

أدخلته إلى غرفة المكتبة، كان خلف المكتب كرسيّ يجلس عليه الداخل إلى ذلك المكان فيما جلست هي أمامه.

- انتظرت كثيرا، لم تأت إلاّ الآن ؟ تساءلت شبه متذمّرة.

قال مبتسما: لو كنت استطعت الطيران إليك لطرت، ولكن أنت تعلمين البعد بين قسنطينة والعاصمة.

التفتت إلى الساعة التي كانت في معصمها: إنّها الحادية عشر والنصف، ألست جائعا ؟

قال: وأنت ؟

" لم أتناول فطوري بعد " ثمّ نهضت من مكتبها وتقدّمت إليه، فنهض بدوره، وتماسكت أياديهما وتشابكت بقوّة.

" منذ أن قلت أنّك آت هذا الصباح لم تسعني الفرحة... نسيت كلّ شيء، حتى الفطور الذي اعتدت تناوله كلّ يوم "

" إذن فأنت جائعة ؟ "

" لا، ارتويت الآن بمياه عينيك، وفاكهة حضورك، فكيف أشعر بالجوع ؟ "

ابتسم واحتضنها إلى صدره، كان يحبّها كثيرا، ولا بأس إن كانت أحيانا تبدو كالمجنونة، فهي ربّما تهاتفه على السابعة مساء فتطلب منه رؤيته في الليلة نفسها رغم البعد بينهما، وإذا لم يأت فلن تسامحه أبدا، أفلا يفعل ؟

بلى... لقد كان يفعل هذا كثيرا، وهو يعشق لقاءها... إنها رانيا وليست أيّ إنسان...

لقد التقيا لأوّل مرّة في مستشفى ابن باديس الجامعي، أكبر مستشفيات قسنطينة، كان قد دخله قبل يوم واحد بسبب رضوض في ذراعه اليمنى جراء حادث سيّارة، وقد عرّفه عليها أحد أصدقائهما، وبعد أن تراسلا كثيرا، واتصلا ببعضهما لمرات عديدة اتفقا على اللقاء في يوم قريب، فلمّا أصيب في ذراعه وجدت أنّها فرصة مناسبة فذهبت لزيارته، وأمضت معه وقتا رومانسيا إلى درجة أنّه نسي ذلك الألم الذي كان يشعر به، وخلد إلى الراحة بعد أن رأى حورية من حوريات البحر قربه.

حدث هذا قبل مدّة قصيرة، كان وسيما، ويملك لسانا حلوا بحيث أعجبت بروعته بعد دقائق من رؤيته، فضلا عن أنّها أحبّته كثيرا من كلامه معها قبلا..

-  أنخرج ؟

قالت منتبهة: أفي هذه الساعة ؟ أين نذهب ؟

قال مبتسما كعادته: جولة بالسيّارة والمشي قليلا بجانب البحر.

ضحكت وقالت: والغداء ؟

قال: في مطعم "dauphin" كالعادة، ثمّ ضحك.

ذهبا إلى المطعم، طلبت سمكا مشويا وعصير البرتقال الذي كانت تعشقه، فيما طلب هو زيادة على ما طلبت هي شرائح لحم مشويّة.

كان المطعم جميلا رغم تواضعه، لم يكن باتساع غيره ولكنّه كان هادئا وتنبعث من إحدى أركانه موسيقى رومانسية عذبة تجعل من غداء مثل هذا في ذاكرة أيّ عاشق.

قالت: أتعرف ؟

نظر إليها وهو يشرب العصير: ماذا ؟

" كنت البارحة أكتب رسالة لك، كتبتها على الكمبيوتر ونسختها، وفكّرت في إرسالها بالفاكس هذا الصباح لولا أنّك اتّصلت."

ابتسم لها: هل من كلام جميل كتبته ؟

-  لا جميل ولا قبيح، كتبت أنّي أكرهك من كلّ قلبي، إلى حدّ الموت... إلى حدّ الانتحار.

ضحك: إلى هذا الحدّ تكرهينني ؟

قالت مبتسمة: إلى درجة أنّي أصبحت أجدك كثيرا في المنام.

-  حلمت بي ؟ أأنا مهمّ إلى هذه الدرجة ؟

-  وإذا لم تكن أنت مهمّا، فمن المهمّ ؟

دفع الحساب للنادل ثمّ خرجا وركبا  السيّارة ذاهبين إلى الشاطئ البعيد عن بيتها .

كانت هذه أوّل علاقة حبّ تدخل فيها رانيا، ولم تقبل بها إلاّ بعد أن عرفت الإنسان الذي ستحبّه، أيستحقّ حبّها ؟ أيستحقّ أن تنشغل به ؟ وتعطيه مشاعرها ووقتها ؟ واستطاع حسام أن يبيّن لها  خلال الأيّام التي مضت كم كان يستحقّ حبّها.

في الحقيقة كانا مثالا للحبّ الخالص، كانت بهيّة كشمعة في دهليز حالك الظلمة، وكان هو بوسامته، وقوّته المحبّبة جديرا بحبّها الغالي.

كان والد حسام أستاذا جامعيا يدرّس في قسنطينة، أمّا والدته فكانت مديرة لمدرسة ثانوية. وفي حين كانت رانيا الوحيدة عند أبويها كان هو أخا أكبر لصغيرة تدعى سلمى.

عادا إلى الشاطئ، جلسا على الرمل قريبا من البحر، بحيث يصل الموج قريبا منهما دون أن يلمسها، نزعا أحذيتهما، أبعداها عنهما، وكشفا قليلا عن ساقيهما ليستمتعا بالبحر و ... الحب.انطلقت منها آهة طويلة: ليتك تعلم الفراغ الذي أصبحت أعيشه...لا أحد في البيت... لا أفعل شيئا إلاّ النظر في الجدران...

كانت تشكو الوحدة، منذ أن أنهت دراستها وقعت في مأزق كبير ماذا تفعل بالوقت ؟ والداها لديهما حياتهما الخاصة، صحيفة الصباح والتلفزيون، هذا كلّ ما هو مهم في حياتهما، أمّا هي فلا وجود لوقت لها، حتى حين يعودان، يكونان منهكين فلا يفعلان سوى الدخول إلى غرفتهما ثمّ النوم، وفي أحيان نادرة يجلسان معها ويكلمانها.

سألها حسام عمّا تفكر في فعله طوال هذا الصيف، يونيو لم يبدأ إلاّ منذ يومين، ورغم الحرارة الشديدة فإنّه يُنتظر الأكثر شدّة منها، وهو لم يبق الآن على امتحاناته سوى أسبوع.

" لا شيء، على الأقلّ الآن "

" ألا تفكّرين في القيام بهواية ما خلال هذا الوقت ؟ "

ولمّا لم تجبْ قال: " ما رأيك في معهد الفنون الجميلة؟ "    

" ما به؟ " سألت وهي تفكّر فيه".

" أعتقد أنّك تعشقين الرسم، لماذا لا تنتسبين إليه أيّام الإثنين والخميس، فترسخ عندك هذه العادة، وفي الوقت نفسه تقتلين الشعور بالملل" .سكت قليلا ثمّ أضاف: " وأكون أنا قد كسبت حبيبة مبدعة ".

    ابتسمت له ثمّ سألته عن امتحاناته، فقال أنّه يستعدّ لها بشكل جيّد.

جاءت موجة كبيرة فغمرت أرجلهما ثمّ تراجعت، كأنّ البحر يقول لهما: أنا هنا، فكيف تتحدثان عن الملل؟

دعته للمسير قليلا، نهضت، وأمسكت به من ذراعه بعد أن وقف، تحدثا قليلا، ثمّ نظر إليها صامتا، قرأت في عينيه كلاما كثيرا من الحبّ... أحبّك يا رانيا... مال إلى خدّها وقبّلها... نظرت إليه وقالت: أحبّك، أرفقتها بتنهيدة حبّ استثنائية، احتضنها إلى صدره، واشتمّ رائحة عطرها البديع وحين واصلا سيرهما لم يكّفا قطّ عن الحديث عن الحبّ.

-       أترى أنّ دخولي لمعهد الفنون سيغيّر شيئا من حياتي ؟

أجاب متحمّسا للفكرة، فما دامت قد أعادت الحديث عنها فإنها لا شكّ قد اهتمّت بها: أكيد أنّها ستغيّر الكثير...

ربّما فهمت ما هو هذا الكثير، ولكن أحبّت الحديث فيه:

-       مثل ماذا ؟

-   تعرفين أنّ لكلّ فن قواعده وقوانينه التي تضبطه، ومدارس منتمية إليه، فإذا دخلت مثل هذا المعهد فستتعرفين على الكثير من هذه الأشياء وتصقل موهبتك وتنمو أكثر.

قالت: عندك كلّ الحقّ، سأفكّر في الأمر، ولكن ماذا عنك أنت ؟ هل من شيء تقوم به هذا الصيف ؟

تنهّد قائلا: البكالوريا أوّلا ثمّ كلّ شيء يأتي بعد ذلك.

وأعادت سؤاله إذا ما كان متأكّدا من نجاحه، وأخبرها أنّ العائلة سمعته يقول أنّ نجاحه في الجيب، ولكن يبقى هناك المجال دائما لاحتمالات أخرى رغم أنّ مذاكرته مكثّفة في هاته الأيّام، وهو منشغل بها كثيرا ولم يقطعها إلاّ لزيارتها ساعات محدّدة ثمّ العودة إليها من جديد.

-       أيّة هديّة تريدها حين تنجح ؟

ردّ مبتسما: لقاء مع وجهك الكريم.

وحين سألته عن هديّة أخرى غير هذا " اللقاء " قال أنّ وجودَها إلى جانبه فرِحة معه أغلى من أيّة هديّة.

عاد من جديد إلى بيتهما حدود الثالثة مساء، جلسا خلالها في غرفة المكتبة، وشربا المزيد من المشروبات، ثمّ غادر العاصمة إلى قسنطينة عند الخامسة، أعطته وهي توصله إلى السيّارة شريطا للأغاني وتذكّر حينها الرسالة التي كانت قد حدثته عنها وطلب منها منحها إيّاه، فأسرعت في العودة وجلبتها له، ووقفت طويلا وهي تشاهد سيارته تختفي في آخر الشارع.

وصل حسام إلى البيت عند العشاء، كانت والدته قد اتصلت به قبل ذلك وسألته عن سبب تأخّره، وحين طمأنها أنّه سيكون في البيت بعد ساعة عاد إليها هدوؤها، وقالت أنّها تنتظره على العشاء، ولن تتذوّق شيئا قبل وصوله.

أمّا رانيا فبعد أن غادر حسام دخلت إلى المكتبة من جديد وراحت تكمل إحدى الروايات التي بدأتها قبل اليوم، وما أسرع ما تركتها وأنشأت تفكّر في حبيبها الذي ترك كلّ التزاماته من أجل أن يزورها، وسمعت قرقعة المفاتيح على حين غرّة فخرجت لتجد أمّها قد عادت.

-       أهلا أمّي، كيف كان اليوم ؟

قالت رانيا فيما اتّجهتا إلى الصالون لتجلسا.

-       إرهاق شديد اليوم... لا أستطيع أن أتحرّك أكثر.

تساءلت رانيا: هل من جديد ؟

-   كالعادة، البرنامج الذي أقدّمه لا أقوم فقط بدور المذيعة ولكن أدخل حتى في عمل المخرج ليكون بالمستوى الذي أريد.

-       لم يكن هذا هو الحال قبل اليوم ؟

-   لقد بدأت إجازة المخرج الذي تعودت العمل معه، فجاء المدير بآخر لينوبه هذه المدّة، والحقيقة أنّي لست مرتاحة أبدا للتعامل مع هذا الشخص.

-       لماذا ؟ ما به ؟

-       ليس متعوّدا على المشاركة في مثل هذه البرامج الكبيرة، أعتقد أنّه انبهر بفكرة تعيينه كمخرج معنا.

قطعت رانيا الحديث في هذا الموضوع حين أشارت على أمّها بأكلة خفيفة، فوافقت الأمّ وذهبت إلى غرفة النوم لتغيّر ملابسها فيما راحت ابنتها بخفّة إلى المطبخ.

حمدت الله كثيرا، إذ أنّ والدتها عادت بعد نصف ساعة فقط من مغادرة حسام، أتراها لو تعلم بالأمر تثور وتغضب أم ترى الأمر عاديا؟ لم أفعل شيئا خطأ، إنّما هو حبيب تعرّفت عليه، واحترمني لشخصي لا لأيّ شيء آخر.

وفكّرت في هذه المدّة التي تعرّفا فيها على بعضهما، ووجدت أنّه كلّما كان يلتقيها يحاول إسعادها بكلّ ما يستطيعه، ولم يفعل أيّ شيء يوحي لها بأنّه يريد جسدها... وهذا ما جعلها تطمئنّ له وتثق فيه وتحبّه أكثر.

-   ما زال الكثير من الوقت عليّ انتظاره قبل أن التقي مع حسام ونعلن للكون أنّنا حبيبان... إيه... ما زال الكثير يا حسام...

أقبلت والدتها حينها، وجدت الأكل قد وضع على الطاولة، وبقيت رانيا ممسكة بمنديل من الورق دون أن تتحرك، ربتت على ظهرها فاستدارت متفاجأة:

-       ماذا ؟ هل كنت تقولين شيئا يا أمّي ؟

ابتسمت والدتها وأجلستها على الكرسيّ أمامها:

-       لم أقل شيئا، ولكن لاحظت أنّك كنت تفكّرين في شيء أنساك مناداتي...

قالت منتبهة: لا، لا شيء، كنت أفكّر فقط في الصيف كيف أمضي أيّامه ؟

-       وهل من شيء محدد ؟ قالت والدتها وبعد أن وضعت لقمة صغيرة في فمها أضافت قائلة:

-       في شهر يوليو سنسافر معا إلى فرنسا، نمضي فيها أسبوعين أو ثلاثة ونعود.

ردّت ابنتها:  ولكنّني لا أريد الذهاب إلى فرنسا، لقد ذهبت إليها أكثر من خمس مرّات، وليس لديّ استعداد للذهاب إليها مرّة أخرى ، كأنّ الله لم يخلق إلاّ هذا المكان.