خطوات في الليل(8)

خطوات في الليل(8)

محمد الحسناوي*

[email protected]

الليلة الرابعة عشرة

مساء يوم الاثنين 16 حزيران 1980

-1-

لأول مرة يدعى حسان الربيعي إلى جلسة تحقيق ليس فيها إلا محقق واحد. إنه ذلك المحقق الجديد الذي لقيه في آخر جلسة، بلباسه المدني الداكن، في العقد الخامس من عمره. ممتلئ الجسم. مربوع القامة. أسود الشعر. قصير الرقبة. تكاد حلته السوداء تضيق عليه. يضع على عينيه نظارة طبية سميكة. كان يجلس في الزاوية اليمنى المقابلة للمنضدة  في الغرفة الفخمة. أما الآن فإنه يجلس وحيداً وسط الغرفة الصغيرة البسيطة أمام المنضدة العادية.

ألقى حسان التحية. جلس على كرسي الخيزران المقابل لمنضدة المحقق، الواقع في منتصف المسافة بين المنضدة والجدار.

طلب المحقق كأسين من شاي لنفسه ولحسان، ثم خاطب حسان قائلاً:

- ممكن تحدثني عن حياتك؟

ما إن شرع حسان بالحديث حتى أخرج المحقق مجموعة أوراق بيضاء، وطلب إليه أن يدون كلامه كتابياً عليها، وناوله قلم حبر.

أدنى حسان كرسيه من المنضدة، أتكأ على حافتها. أعاد ترتيب الأوراق، كما أعاد ترتيب أفكاره متهيئاً للكتابة، محتاطاً من محاذيرها.

(من خلال الكتابة سوف يتعرفون على خطي الحقيقي، لذلك سوف أحوِّر شكل الخط. سأكتب الحروف بزوايا قائمة وبتأنٍّ. سوف يتعرفون أيضاً على طريقتي في التفكير والتعبير. فلأختصر في الكلام، ولأكتف بالمعلومات التي لا بد منها. وإذا لم يطلب مني التوقيع فلن أوقع، وإذا وقعت فليست هناك مشكلة لأنني، اعترفت أخيراً باسمي الحقيقي...)

بعد أن كتب حسان صفحتين موجزتين عن طفولته وشبابه ودراسته وعمله وأسرته سلمهما للمحقق. أعادهما له المحقق طالباً المزيد عن حياته السياسية. كتب حسان صفحة ثالثة عما يعرفه من أوضاع سياسية في بلده، ولم يعترف بأن له حياة سياسية خاصة به، طلب منه المحقق أن يوقع في آخر الصفحة الثالثة، فوقع بتوقيعه المعتاد.

استلم المحقق الأوراق. وضعها جانباً. أخرج من درجه ورقة أخرى. طوى ثلثها العلوي وثلثها السفلي إلى خلف. أبقى ثلثها الأوسط بارزاً. أمسكها بعناية بكلتا يديه. قدمها إلى أمام ناظري حسان. قال له:

- أليس هذا توقيعك؟

فوجئ حسان بهذا السؤال، وبالانتقال من التوقيع على أوراق، إلى السؤال عن توقيع ورقة أخرى. كما أن عملية طي الورقة. وعرضها بهذا الشكل الجزئي المحصن أو المكتوم تثير الريبة. قال حسان بعد تردد قليل:

- يشبه توقيعي.

- يعني توقيعك.

- ليس شرطاً.

- كيف يشبه توقيعك، ولا يكون توقيعك؟

- حين يشبه توقيعي هناك احتمالان: أحدهما أنه توقيعي والثاني أنه مزور.

- هل تتهمني بتزوير توقيعك؟ (ارتفع صوت المحقق).

- عفواً لم أتهمك. (قال حسان بلطف).

- ألم تشكك بالتوقيع؟

- نعم. والتشكيك بالتوقيع غير التشكيك بحضرتك.

- كيف تعرف أن هذا توقيعك بالذات؟ (خفض المحقق صوته. حضر الرقيب يحمل كأسي الشاي. أخرج المحقق سيجارة. عرض على حسان التدخين. اعتذر حسان عن التدخين.) قال حسان:

- يمكنني أن أتعرف على توقيعي بعد إطلاعي على مضمون الورقة.

- دعنا من مضمون الورقة. انظر أليس خط القلم ولون الحبر من نوع قلمك الذي تكتب به والحبر الذي تستخدم.

- اعترف بخط القلم ولون الحبر. لكن ذلك ليس كافياً للبرهنة على أن هذا التوقيع توقيعي.

- ما الداعي لتزوير توقيعك؟ (ارتفع صوت المحقق).

- لا داعي للتنبؤ بالسبب أيضاً؟ التأكد ليس فيه ضرر.

- أنت ما زلت تتصرف من موقع الشك والحذر!

- أسمح لي أن أقول لك: أنت تعرض علي وثيقة ناقصة، وتريد مني الاعتراف بها هكذا.

اعتدل المحقق في جلسته وفي لهجته:

- على كل حال دعنا من هذا التوقيع. ما اسمك الحركي؟

أجاب حسان على الفور:

- ليس لي اسم حركي.

- ماذا يقولون لك؟

- أبو مجاهد.

- غيره؟

- لا شيء غيره.

- في الأيام الأخيرة أجريتم تبديلات في أسمائكم الحركية. وتبدل اسمك الحركي. ما هو؟

- عفواً. ليس لي اسم حركي. (أحس حسان أن لدى المحقق معلومات صحيحة.).

قال المحقق بهدوء وثقة:

- اسمك الحركي الجديد (أبو سالم).

اهتزت صور الأشياء أمام حسان. أخذت الغرفة تضيق. المحقق يتعملق. بياض الجدران العارية والأضواء تشتد سطوعاً. ذكريات الجلسة التي اتخذ فيها قرار استبدال الأسماء الحركية والمواقف التي استخدمت فيها الأسماء تداخلت واختلطت وتقاطرت يزحم بعضها بعضاً في ذهن حسان. إنه يحاول محوها وإنكارها. وهي تلح عليه بقوة ووضوح. كأنها تقول له: لماذا تكابر؟ اعترف. أرح نفسك. ليس من طبعك الكذب ولا العناد. قال في نفسه: (أنا في ورطة. كيف أعترف. قررت الإنكار مهما كان كانت النتائج.) كل هذا خطر لحسان في ثوان.

- لا تؤاخذني. ليس لي اسم حركي.

مدَّ المحقق يده إلى زر جرس بجواره. ضغط عليه. دخل الرقيب الضئيل الجسم. أدى التحية. قال له المحقق:

- احضر إلى هنا عبد الحكيم السيد. وليقف وراء هذا الرجل، ولا تسمح له بالنظر إلى وجهه. أحذرك يا أبا سالم من التكلم، أو الالتفات حين حضوره.

- سلمك الله أنا أبو مجاهد لا أبو سالم.

ابتسم المحقق. تناول سيجارة جديدة. انصرف كل منهما إلى استكمال تناول ما بقي من الشاي في كأسيهما.

قبل أن يقرع الباب سمع حسان نحنحة صاحبه عبد الحكيم السيد. إنها نحنحة متميزة. تذكر حسان زيارته الليلية لعبد الحكيم في حلب، حيث تبدأ السهرة بعد منتصف الليل. كانت مادة تلك السهرات الأدب والسياسة، لا ثالث لهما إلا القهوة المرة والتدخين بالنرجيلة أو السيجارات. كان حسان يمزح مع عبد الحكيم قائلاً: (ما رأيك لو تعاهدنا معاً على ترك التدخين؟)، فيجيبه عبد الحكيم ضاحكاً: (ماذا يهمك أنت الذي لا تدخن أكثر من سجائر معدودة في اليوم الواحد؟)، فيقول حسان: (ماذا تفعل إذا اعتقلت وحرمت من طيبات التدخين؟) يجيب عبد الحكيم: (لكل حادث حديث).

- ها أنت اليوم معتقل يا عبد الحكيم، فما العمل؟ (قال حسان في نفسه).

دخل الغرفة عبد الحكيم والرقيب. ألقيا التحية. مكث الرقيب منتظراً.

لم يستطع حسان أن يتخيل صاحبه بلا سيجارة. بدخوله عبقت رائحة الدخان في خياشيم حسان وتلافيف ذكرياته:

(أذكر المرة الأولى التي تعرفت فيها عليك يا عبد الحكيم في سهرة أدبية حلبية مع جهاد وعبد الله وعلي عبد الخالق. كنت يومها قادماً في إجازة من قطعتك العسكرية. سمعنا منك مختارات شعرية كسبت إعجابنا، وتعرفنا على مسرحيتك الساخرة التي سميتها (اصطبل العباقرة) التي لم تنشر حتى يومنا هذا، وهي تحفة فنية أدبية سياسية كادت ترى النور بعد سنوات وبالضبط عام 978 على مسرح جمعيتنا الأدبية، لكن سيف الرقابة حال دون ذلك. ها أنذا أتذكر آخر نزهة خرجنا فيها إلى ريف منطقتكم، حيث نهر الفرات، والمواقع الأثرية، وبشائر الربيع، وطعام الشواء الطازج في بيت طيني من بيوت الريف الفطرية: تناشدنا الأشعار، وتذاكرنا في النوادر والأخبار، ونقدنا مشروعات السلطة في تهجير سكان الغمر، وسوء الإدارة والتنفيذ في مشروع الفرات. وتذكرنا أن هارون الرشيد كان يمشي من بغداد إلى الرقة المجاورة لمنطقتكم تحت ظل الأشجار لا يرى الشمس، واليوم لا ظل ولا شجر، بل عسف وسجون وضرائب ورشاوى. اليوم يا عبد الحكيم نحن مغتربون مهاجرون، والآخرون يتربعون على العروش، ويمسكون بخناق العباد.

أسمع المنشدين يرددون شعرك:

غسـل الشهيدُ ذنـوبَه بـدمـائهِ       ومضـى يميسُ مسربلاً بصفائه

ينسابْ في الفردوسِ نـوراً حالماً      يُـثري الجنانَ بطهرهِ وضيائِـه

يـرثي لطـاغيةٍ يمـجد  نـفسه      ويرى دبيبَ الموتِ في أعضائِه

يـرثي لشعبٍ غارقٍ في  نـومِه      وبـكفه  أسبـابُ غسـلِ شقائِه

ولعلك الآن يا عبد الحكيم ترى شعبك وقد شرع باليقظة وبغسل شقائه).

قال المحقق:

- يا عبد الحكيم هل تعرف هذا الرجل؟ (وأشار إلى حسان)

- نعم.

- ما اسمه الحركي؟

- ...

لم ينتظر حسان إعطاءه الإذن بالكلام، اندفع مقاطعاً:

- ليس لي اسم حركي.

ارتبك عبد الحكيم لما أحس أن حسان ينكر اسمه الحركي، حاول عبد الحكيم التملص، أو الاعتذار، لكن المحقق لم يمهله، أمر الرقيب بنقل عبد الحكيم إلى زنزانته حالاً. ثم قال:

- ما رأيك؟

- هناك خطأ ما. بالتأكيد هناك خطأ.

- إن توقيعك الذي شككت به قد جاء تحت اسمك الحركي مباشرة. انظر. إنك وقعت على (وصل) استلام آلة كاتبة، وهي نفس الآلة التي ضبطت في بيتك. ثم تصر على الإنكار!

تأمل حسان الورقة متظاهراً بالاستغراب.

- إذا لم تكن أنت الذي وقع، فمن الذي وقع إذن؟

- لعله علي فستق. أبو حسن.

- هذا الشخص حتى الآن لا وجود له. ثم كيف تسمح له بأن يوقع عنك؟

- إنها مسألة شكلية تقع في الأوقات المزدحمة بالأعمال.

- أين تطبعون نشرة "النداء"؟

- لا أعرف.

- ما الذي تعرفه؟

- أعرف أن علي فستق يسلمني المواد الخام، ثم يعود ليستلم المواد المنجزة أو المنقحة. أو يحمل لي معه الأعداد مطبوعة.

- هذه الجداول من العناوين البريدية للأفراد والهيئات... كيف حصلتم عليها؟

- من دليل الهاتف السوري وأمثاله.

مد المحقق يده اليمنى إلى درج المنضدة. أخرج دفتراً صغيراً كان يستخدمه حسان لتدوين أرقام الهاتف. ثم قال:

- ماذا تعني بالحرفين /MD

- مدريد.

- PA: باريس. LO  : لندن.    MI: ميلانو.  RO: روما إذن؟!

- نعم.

- كيف استطعت أن تزور كل هذه الدول في خلال عشرة أيام؟

- كان مندوبو الجماعة يستقبلونني، ويودعونني في المطارات والمحطات. وينقلونني إلى أماكن الندوات والمحاضرات.

أبرز المحقق قصاصات ورق ممزقة قد أعيد لصقها بعضها إلى بعض، كان حسان قد ألقاها في سلة المهملات، إذاً هي الآن وثائق إدانة وشواهد للتحقيق.

- من أصحاب هذه الأسماء في هذه الورقة؟ محمود بكار (طالب ثانوي 17 سنة). أبو الطيب جبلي (موظف في سادكوب). توفيق فهيم (24 سنة –كلية الطب سنة أخيرة)؟

- هذه أسماء شهداء جدد في مدينة حلب.

- وأصحاب هذه الأسماء أيضاً.

- إنها قائمة بأسماء /34/ مواطناً اعتقلوا مؤخراً في مدينة حلب، معظمهم من الطلاب كما ترى.

- شريف دواليبي (كلية الطب)، هل هو من أقرباء الدكتور معروف دواليبي؟

- أتوقع ذلك لأن الدكتور معروف من حلب.

- هل عندك تفصيلات لعملية هرب /17/ عنصراً من معتقليكم في سجن المخابرات العامة في كفر سوسة أواخر الشهر الماضي مايس؟

- ليس عندي أكثر مما ورد في نشرة "النداء".

- هنا في هامش الورقة إشارة تقول:إن فارس غنام قد تعرض لتعذيب شديد، تكسرت بعده أطرافه كلها يداه ورجلاه؟!

- نعم هذا صحيح.

- كيف استطاع الهرب معهم؟!

- لا تستغرب. الشعب السوري مكسر الأيدي والأرجل مكمم الأفواه، وعلى الرغم من ذلك يقوم بثورة شعبية.

لمعت عينا المحقق بسرور مفاجئ وقال:

- تقول إنك لا تفهم بالسياسة.

- هل هذا يحتاج إلى فهم سياسي. هذه أمور محسوسة ظاهرة للعيان؟!

- الشاعر سليم زنجير أحد الهاربين من السجن. أين مر بي اسمه؟

- هذا شاعر فرقة المنشد أبي الجود الإسلامية.

- تذكرت. هل تعرف هذا المنشد؟

- نعم. لكن معرفة محدودة. رأيته مرة أو أكثر. لكن لم تكن هناك علاقة.

- عندك أشرطة متعددة من إنشاده.

- صحيح. إن أشرطته واسعة التداول والانتشار.

- وأبو دجانة؟

- وهذا منشد آخر ناجح.

- هل تعرفه؟

- معرفة عابرة مثل الآخر أو أقل.

- في الحقيقة أنا لست في تنظيمكم الإسلامي، لكنني تأثرت بسماع هذه الأشرطة.

- أشكرك. (لم يشأ أن يشك حسان بغرض المحقق من وراء هذا الإطراء.)

هذا هو النشيد الشعبي، المعبر عن أماني الشعب الحقيقية. إنه لم يكتب ولم ينشد لحزب معين أو لمنظمة بعينها. (أخذ حسان ينشد بصوت هادئ ونبرات أليفة.)

الليلُ ولـىّ لن يعود، وجاء دورُك يا صباحْ

وطـريقُنا محفوفةٌ ، بالشوك، بالدم، بالرماحْ

يا دربَنا، يا معبرَ الأبطال... يا دربَ الفلاحْ

- إذا كان لديكم كل هؤلاء المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين والنقابين والتأييد الشعبي. فلماذا تحملون السلاح؟

- أولاً: أنا لم أحمل السلاح. ثانياً: هؤلاء المثقفون والشعراء والفنانون اضطروا اضطراراً إلى حمل السلاح، لأنهم جربوا كل وسائلهم السلمية فلم تفلح، بل جوبهوا بالإرهاب والاعتقال والاغتيال والتسريح. فالشاعر سليم زنجير اعتقل أخ له، واغتيل أخوه الثاني. محمد بشير الخليلي اعتقل أبوه وزوج عمته المدرسان.

تهللت أسارير المحقق وبدا كأن فكرة مهمة خطرت له:

- تصر على أنك غير منظم في هذه الجماعة الإسلامية؟

- نعم.

- وأنك مجرد موظف تعمل لديها؟

- نعم.

- ما رأيك بالعمل لدينا موظفاً أيضاً؟

- أعتذر.

- لماذا؟ (قال المحقق باستغراب مصطنع).

- لأنني اكتشفت ضعفي، وأخطائي، ولن أكرر ذلك.

- استعنت عليكم بالله يا رجال الإعلام، لا نستطيع التغلب عليكم. أنتم تحسنون التلاعب بالكلام، والتملص.

*  *  *

عاد حسان إلى زنزانته مثقلاً بأعباء الخواطر والمواقف المحرجة التي تعرض لها في جلسة التحقيق هذا المساء. كل شيء كان يخطر على باله من قبل، وحسب له حسابه، إلا أن تصادر سلة المهملات، وتلصق الأوراق الممزقة، وتدرج في ملفات التحقيق. جلس في زاوية خلفية من غرفته موجهاً وجهه صوب الشمال. تمنى نزهة خلوية في هذا المساء الصيفي من شهر حزيران. قرر أن يتخيل نفسه، وقد حقق حلمه بالاعتكاف في بيت ريفي في جبل الزاوية بعد عشر سنوات، حيث تكون الثورة الشعبية قد انتصرت وأولاده تزوجوا، ومؤلفاته الأدبية تكفيه مؤونة الكسب، فيتفرغ للقراءة والكتابة بقية سني حياته، تصحبه زوجته المصابرة وكتبه المختارة وحسب!

ها هي ذي النجوم تتلألأ في السماء الصافية. النسيم الندي يتغلغل في أغصان الكروم وأشجار الكرز، صعوداً من الوادي، وزحفاً على السفوح والتلال. أصوات الكلاب المجاورة توحي بحضور ضيوف. ها قد جاء أحد أولاد الجيران يحمل سلة من الكرز، وبصحبته ضيفان قادمان من السفر. إنهما سالم حداد الشاعر وفارس غنام المهندس. فارس غنام يمشي على عكازتين وأرجل اصطناعية، يساعده سالم حداد في عبور الطريق المعبد. ما الذي جاء بهما، وكل منهما أصبحت له مشاغله الكثيرة، سالم عضو بارز في اتحاد الأدباء الذي تطوع لتلبية حاجات أجهزة التربية والإعلام والثقافة بالإنتاج الأدبي الرفيع، والآخر نائب رئيس اتحاد النقابات العلمية التي تصدت لمهمتين خطيرتين: الأولى قيادة النهضة العلمية في التعليم والتصنيع، والثانية قيادة العمل النقابي الشعبي الداعم الواعي للعهد الجديد.

بعد العناق والترحيب والجلوس على الكراسي الخشبية في الإيوان الواقع بين الغرفتين الوحيدتين، كان أول سؤال طرحه حسان:

- خبرني أستاذ فارس كيف نجوت وحدك من مجزرة السجن؟

- عفواً. لا تذكرنا بعهد المآسي. ها أنذا أمامك حي يرزق، وأعمل، وأتجول، وأدعوك إلى استئناف العمل.

- أنا أكتب الآن رواية، وقد وصلت في أحداثها إلى المجزرة التي حصلت لكم، ويهمني أن أسمع التفاصيل منك شخصياً.

- أستاذ حسان لا يقبل منك في العهد الجديد أن تكتب الروايات، والناس في حاجة إليك.

- وهل بوسعي أن أنفع الناس بغير هذا؟

- لا تتهرب أبا مجاهد. أنت ممن صنعوا الوضع الجديد، والأمل معلق على أمثالك في قيادة الدولة والمجتمع إلى مرحلة الرفاهة والاستقرار.

- ألسنا الآن في هذه المرحلة؟

- إن كنت لا تسخر، فبوسعي أن أطمئنك أننا اقتربنا كثيراً من هذه المرحلة، بعد شيوع الثقة والأمل، وعودة المصانع إلى العمل، وبدأت الزراعة تغطي حاجات السوق المحلية أولاً، وبدأت بعض الأنواع بالتصدير.

توجه حسان إلى الشاعر سالم فقال:

- مالك لا تتحدث. هل سحرتك أنسام المساء، فأوحت لك بشيء.

تنهد سالم، ومرر أصابع كفه اليمنى في ثنايا شعره الذي خالطه الشيب المبكر:

- أنا أغبطك يا أبا مجاهد على عزلتك. أنت دائماً أستاذنا. إننا موفدان خصيصاً لإقناعك بالعودة إلى موقعك القيادي، وأن تتخلى عن العزلة وعن الأدب. كيف أستطيع أن أقنعك وأنا أغبطك وأتمنى أن أفعل مثل فعلك؟

- هكذا عهدي بك، لا تداري، ولا تلف.

- إن إخوانك جميعاً يدعونك، ويتمنون عليك أن تستجيب طوعاً قبل أن توجه إليك الأوامر، وأنت أكبر من الأوامر.

تناول حسان طبق القش الذي يضم حفنات الكرز الحلو والحامض، ووضعه على المنضدة، وتابع حواره:

- ليس هناك من يكبر على الأوامر. لكن أرجو ألا يحصل ذلك.

شعر الموفدان الضيفان بالحرج في مباشرة الموضوع بهذه السرعة. أراد فارس أن يغير مجرى الحديث:

- هل لديك سلاح في هذا المكان المنعزل؟

- ما حاجتي للسلاح؟

قال سالم ممازحاً:

- للصيد. للتدريب ولئلا تنسى الرماية.

قال حسان مداعباً بسخرية لطيفة:

- إن الذي يخرج من المدينة إلى هذا المكان يحتاج إلى سلاح (ضرب بكفه على الجانب الأيمن من خصره) لكن حينما يصل إلى هذا المكان الريفي يتخلى عن كل سلاح.

قال سالم مجارياً لسخرية حسان:

- فعلاً نحن نتحرك مسلحين، لكن ليس بسبب خلافات الرأي والاجتهادات المتباينة بعد انتصار الثورة، بل بسبب وجود بعض العناصر الموتورة من العهد البائد، وهي تتربص فرص غفلة؟

- ألا تحتاجون إلى من يكون حكماً على خلافات الرأي من موقع التأمل والحياد؟

قال فارس وهو يطرح عكازه المصنوع من الألمنيوم:

- نعم نحتاج إلى آرائك وحكمتك لكن في ميدان العمل لا في رؤوس الجبال.

- أنا هنا ولكن قلبي وعقلي معكم. أخباركم وخلافاتكم لم تنقطع عني أبداً. أنتم تعلمون أن هدم الماضي الأسود غير بناء المستقبل الزاهر. لكل جيل دوره واستعداداته.

قال سالم:

- لا أوافقك على هذا الرأي. أنا أعتبره من باب التواضع. أنت من النوع الذي لا يشيخ.

- إنني من الجيل الذي مثل دور (مالك الحزين) حين أفهم الحمامة المطوقة أن عدوها الثعلب لا يستطيع تنفيذ تهديداته بالصعود إليها في أعلى النخلة ليأكل بيضها أو فراخها، وهي في الأقل تستطيع الطيران والهرب إن حقق الثعلب تهديداته وهو غير قادر، فما كان من الثعلب إلا أن استفسر من الحمامة عمن علمها هذا العلم. فدلت على مالك الحزين الذي افترسه، وهو يقول له: يا عدو نفسه... تستطيع أن تعلم الحمامة كيف تحمي نفسها، ولا تدري كيف تحمي نفسك؟

ضحك الرجال الثلاثة، وسمعت أم مجاهد، وهي تضحك من بعيد أيضاً.

قال فارس:

- لكننا تخلصنا من الثعلب نهائياً. فما الذي يخيف مالك الحزين؟

قال سالم:

- ليس الثعلب واحداً. بل هناك ثعالب.

في هذه اللحظة سمعت أصوات ابن آوى تتردد من كروم التين والعنب.

الليلة الثالثة والعشرون

مساء يوم الخميس 26 حزيران 1980

أفاق حسان من نومه بعد منتصف الليل. تلفت حواليه ليتأكد من المكان الذي ينام فيه. تذكر أنه ما زال في زنزانته الانفرادية. عاد إلى نومه. الحقيقة أنه عاد إلى استئناف الحلم الغريب الذي كان يراه.

قوس قزح عظيم ينتصب في سماء بلاد الشام وفلسطين، أوله في شرقي دمشق، ونهايته في مدينة القدس. الملائكة تطير بأجنحتها النورانية حول هذا القوس صعوداً وهبوطاً، ذهاباً وإياباً، وهي ترتل وتنشد الأناشيد العذبة، وعصافير خضر زبرجدية تحلق معها، وهي تغرد جماعات جماعات. الوقت ساعات الضحى. الشمس مشرقة بأضواء باهرة.

اقترب حسان من بداية قوس قزح. وجدها منطلقة من سماء بادية الشام، حيث يوجد جمع غفير من أصدقائه الكثيرين، الذين لم يعد يذكر أسماءهم. كلهم يرتدون أثواباً بيضاء في الأرض، وحين يحلقون في قوس قزح تتلون أثوابهم بألوان سماوية بديعة بين لون ذهبي أو أخضر زاهٍ.

اقترب حسان أكثر يريد مخاطبة أصدقائه، والاشتراك معهم في هذه الرحلة الجميلة، لكنه منع من الوصول إليهم. حراس أشداء. أسلاك شائكة. بركة دم هائلة يغذيها هؤلاء الأصدقاء قبل عروجهم. على الطرف الآخر من البركة مجموعات من الذئاب والضباع والديدان الضخمة، تلعق الدم تارة، ويأكل بعضها بعضاً تارة أخرى، وهي تتوالد وتتهاوش باستمرار، ولولا ألسنة عملاقة من النار تغير على هذه الوحوش بين الفينة والأخرى فتهلك بعضها، لملأت الفضاء الرحب بأعدادها المتكاثرة.

نظر حسان إلى الأعلى يريد رؤية بقية القوس. حدق طويلاً فاكتشف أن قبة القوس العليا لا ترى بالعين المجردة. إنها مختفية في السماوات العلا.

انتقل إلى نهاية قوس قزح. فوجئ بمنظر بركة الدم نفسها، وبالوحوش والديدان المفترسة تلعق الدم ويأكل بعضها بعضاً، لكنه لم ير أصدقاءه الذين طاروا من بلاد الشام. رأى أصدقاء آخرين يشبهونهم في الألبسة والملامح والألق النوراني. حاول الاقتراب منهم، فاعترضه الحراس الأشداء والأسلاك الشائكة أيضاً.

طاف حسان على المرافئ والموانئ والمطارات. وجد نساء يحملن أزهاراً، وهن ينتظرن المسافرين الذين غابوا منذ سنوات، ولم يعودوا حتى الآن. تنقل بين البيوت. كان المساء قد أوقد المصابيح في النوافذ. وجد في كل بيت امرأة تغزل وهي حزينة. رغب أن يزور بلدته جسر الشغور. رأى سفينة طويلة جداً في وسط نهر العاصي، لها ثمانون مجذافاً، وقد قعد أمام هذه المجاذيف ثمانون رجلاً، نصف عراة مقيدين بالسلاسل والحبال، ووراءهم جلادون يسومونهم ضرباً وسباباً. السفينة لا تكاد تتحرك إلا ببطء شديد لا يلحظه الناس. الناس وقفوا صفين على طرفي الشاطئ، يحملون بأيديهم مناديل حمراء، يمسحون بها دموعهم الغزيرة، ويلوحون بها بين الحين والآخر.

صادف حسان فلاحاً عجوزاً في سهل الغاب، يقف وراء محراثه الروماني. كانت الأرض مكسوة ببساط أخضر شامل. سأله حسان عن سر انتشار الخضرة في كل مكان. أجابه الفلاح العجوز أن الأمهات والزوجات والأخوات مازلن يبكين منذ سنين بعيدة لا يعلم الله تعالى أولها، وإن دموعهن المدرارة قد سقت السهول والجبال، وسالت الأودية التي لم تكن تسيل، فأورق الصخر والقفر. سأله حسان: ولماذا تشغل نفسك بالحراثة ليلاً؟ أجابه: بأنه مضطر إلى الذهاب يومياً إلى مبنى المخابرات العامة للتوقيع على الدوام. قال له: وهل يحتاج التوقيع لكل هذا الوقت؟ أجاب: لا، ولكن الذين يذهبون للتوقيع كثيرون، والأمر يحتاج لهذا الوقت حتى يحين الدور. سأله حسان: لماذا لا يجعلون التوقيع على الدوام في الليل كي تحرث في النهار. أجاب: لأن الموظفين لهم دوام ليلي في رعاية السجناء والمعتقلين. كم هم لطيفون ورحماء يا ولدي!

في طريقه شاهد حسان منظراً متكرراً. أشجار من الزيتون، تقعد تحت كل شجرة امرأة، توضع أطفالاً كثيرين، كلهم بصحة جيدة، والابتسام يعلو شفاههم، على حين تبدو المرأة حزينة ساهمة. كما شاهد جموع الأطفال حول الغدران تلعب، وتمرح بجذل طفولي، وتقطف شقائق النعمان الحمر، وتصنع منها الأكاليل للأمهات الحزانى.

اشتهى حسان أن يغني بملء صوته. تسلق التل الأثري المجاور لجسر الشغور المطل على نهر العاصي. استطاع أن يرى سلسلة التلال المتتابعة جنوباً حتى فلسطين فصاح:

حننتَ إلى ريّا ونفسُك بـاعدتْ      مزارَكَ من ريّا، وشِعباكما معا

وليستْ عشياتُ الحمى برواجعٍ      إليكَ، ولـكن خلِّ عينيك تدمعا

الليلة الرابعة والعشرون

مساء يوم الجمعة 27 حزيران 1980

-1-

استدعي حسان إلى غرفة التحقيق السابقة، لكنه فوجئ بحشد من المحققين عرف بعضهم، وبعضهم لم يره من قبل. حين دخل عليهم وألقى التحية كانوا يلغطون ويدخنون، فتوقفوا عن اللغط، ونظروا إليه جميعاً باهتمام. دعوه إلى  الجلوس، فقام أحدهم عن كرسيه وأجلسه مكانه. قال له أحدهم:

- هل اعتقلت سابقاً؟

- لا.

- أقصد في سورية.

- لم أعتقل في سورية ولا غيرها. (أحس حسان بوخزة لأنه يكذب، فقد اعتقل أكثر من مرة، لكن ما العمل؟ الموقف محرج، السؤال يجر السؤال.)

- لا تخف نريد أن تعطينا فكرة عن سجون سورية.

- سورية سجن كبير.

- نريد السجون الحقيقية.

- المدارس أصبحت سجوناً.

- لا مؤاخذة. الأماكن المخصصة أصلاً للسجن والاعتقال.

- سجلوا إذا شئتم: في دمشق: سجن المزة العسكري. سجن القلعة المدني. سجن القصاع. سجن كفر سوسة. سجن قطنة للنساء. سجن الشيخ حسن. معتقل القابون. سجن الحلبوني. معتقل سرايا الدفاع. معتقل الروضة. معتقل الأمن السياسي. سجن شهلان على طريق المطار. معتقل المخابرات الجوية. معتقل الوحدات الخاصة في أبي رمانة.

- سجون حمص إذا سمحت؟

(بدأ ينتبه إلى عبارات اللطف والتودد. لكن الحذر لم ينفك عنه.)

- سجن تدمر العسكري.

- ماذا تعرف عن سجن تدمر هذا؟

تناول حسان كأس الشاي. أخذ يستحث ذاكرته المتعبة. الصمت مطبق. لا صوت! إلا رشفات من كؤوس الشاي. تكاد الأنفاس تعد عداً لضيق المكان.

قال حسان بعد قليل:

- سجن تدمر بحسب معلوماتي مخصص لتأديب الناشزين والمنحرفين العسكريين. ولذلك أطلق على المجموعة العسكرية فيه (سرية التأديب)، ولعل أول مرة تفتح أبوابه فيها لاعتقال سياسيين كانت حين نقلت إليه مجموعة من القادة السياسيين، ومعظمهم من التنظيم الإسلامي أواخر حزيران 1966.

- نريد وصف السجن.

- حدثني بعض الذين كانوا معتقلين فيه، فقالوا: إنه سجن ضخم طوله أو عرضه أكثر من 125 متراً. وهو محاط بجدران عالية جداً. يبدو أن نصف السجن أحدث بناء من النصف الآخر، ولعل النصف الجديد بني بعد جلاء الاستعمار الفرنسي وفي الستينات على الأرجح.

- هل تعرف عدد غرفه وحجمها؟

- إذا لم تخني ذاكرتي فإن سجن تدمر يضم ما لا يقل عن أربعين مهجعاً وعشر زنزانات واسعة. وهذا غير غرف الإدارة والمطبخ والمخازن والباحات.

- هل صحيح أن فيه سجناء مدنيين.

- إذا كنت تقصد سياسيين، ففيه المئات من المدنيين والعسكريين: طلاب. موظفين. أطباء. محامين. هناك سجن خاص بالنساء: مجموعة غرف كانت تسمى (المستوصف) أما الآن فهي مخصصة للنساء.

(تذكر حسان الأخبار التي وصلته قبل دخوله السجن. الأخبار التي تحكي عن اعتقال النساء مع الأطفال. وتروي حوادث الولادة في السجن أيضاً، اعترته قشعريرة. تلعثم في كلامه.. توقف يبتلع ريقه.)

قال أحد المحققين:

- هل تعرف عدد المعتقلين فيه؟

- يتراوح عددهم من "600 -1000" معتقل.

- هل صدرت بحقهم أحكام، أو أجريت لهم محاكمات؟

- كل ما أعلمه أن شقيق الرئيس قائد سرايا الدفاع كان قد ألقى خطاباً في المؤتمر القطري السابع للحزب الحاكم أواخر العام الماضي وبداية هذا العام، قدم فيه مشروعاً لما أسماه (قانون التطهير الوطني) يطال –على حد قوله- كل منحرف عن المسار، وذلك بأن يصدر تشريع عن السلطة ينص على إنشاء معسكرات تدريبية بغرض تحضير الصحراء، ويدعى إلى هذه المعسكرات كل من تحكم عليه المحاكم الشعبية! ويتقدم الوافد لمعسكرات التدريب إلى امتحانات سنوية بجميع المواد التي درسها أو درب عليها، ويتقدم فيها من مرحلة إلى أخرى، حتى ينهي الفترة المحكوم بها، ويعطى في نهاية مدته –في حال نجاحه- وثيقة تنص على تطهيره وطنياً، يعود بعدها إلى الحياة العامة.

عاد اللغط والهمهمات بين المحققين. لم يفهم حسان سبب هذا اللغط، لكنه أحس إحساساً مبهماً بأن شيئاً خطيراً يتحدثون عنه، ولا يريدون إشعاره به. إنهم يتكلمون همساًِ وأعينهم مصوبة إليه. نظراتهم هذه المرة تختلف عن النظرات السابقة بالتأكيد. حتى الأسئلة وطريقة المعاملة خلالها.. كل ذلك مختلف عما جرى سابقاً. (ما الذي يجري) قال حسان في نفسه (لا بد أن شيئاً جديداً قد وقع. لكن ما هو؟!).

قال أحدهم باهتمام:

- إلى أين تمضي حمامات الدم في سورية يا أخ حسان؟!

- أظن أن هذا السؤال لا يوجه إلي!

قال المحقق الأسمر ممتلئ الجسم بشيء من الحزم:

- إلى من يوجه؟

- يوجه إلى رئيس الدولة، وإلى العصابة التي تأتمر بأمره، وتنفذ هذه الحمامات.

قال المحقق الأسمر:

- إن سؤالنا من باب التأثر والإشفاق على بلدكم، وليس من باب تحديد المسؤولية.

- أظن أن تحديد المسؤولية جزء مهم من وضع حد للمأساة.

قال محقق مسن لم يشترك في الحديث حتى هذه اللحظة:

- اسمحوا لي أن ألفت النظر إلى أن العرب بذلوا جهداً مضنية لتحديد مسؤولية الذين اقترفوا مأساة فلسطين. وإلى الآن لم تفلح جهودهم.

قال حسان مدهشاً:

- وهل هذا يحمل العرب على التخلي عن متابعة هذا الجهد؟

- لا. ولكن هذا لا يمنع من بذل جهد آخر عملي لوقف المذابح.

- كيف في رأيك؟ (قال حسان)

- في رأيي إذا كانت مقاومة المظلوم تثير الظالم، فعلى المظلوم أن يعيد النظر في مقاومته.

عاد اللغط واختلاط المناقشات بشكل أشد من قبل. بعد قليل تكلم محقق آخر:

- ما قاله زميلي عن إعادة النظر في مقاومة الظلم وجهة نظر خاصة به، ونحن هنا يتكلم كل منا بشكل غير رسمي. أرجو أن يكون الأمر واضحاً.

قال حسان:

- أنا فهمت من عبارة إعادة النظر في المقاومة أنها إعادة النظر في شكل المقاومة أو طريقة المقاومة، وليس إلغاء المقاومة.

- بالضبط هذا ما كنت أعنيه (قال صاحب العبارة، فضج المجلس بالضحك وعبارات الإعجاب والاستحسان.)

تشجع حسان ووجد فرصة لشرح قضية شعبه:

- أولاً: أنا أشكر الأخ الذي شبه وضع بلدنا بوضع الأرض المحتلة. أقلية باغية ظالمة تتحكم بأكثرية مظلومة، وأضيف أن التشبيه عميق جداً، حيث التمييز بين الأقلية الحاكمة والأكثرية المحكومة يكاد يكون تمييزاً عرقياً، كما هو الحال في حكومة روديسيا أو جنوب إفريقيا العنصرية: أقلية بيضاء تتحكم بالأكثرية السوداء. ولا يخفى عليكم ما في مثل هذا الوضع من ظلم ومفاسد واضطهاد وخطورة بالغة. ثانياً: إن هذا التشبيه السليم يفتح الأبواب لفهم طبيعة النظام، والعزلة الشعبية التي يتردى في مهاويها، والارتباطات الخارجية التي يقيمها أو يحتاج إليها، وأنواع التحالفات التي يعقدها، هكذا وهكذا. إلى آخر ما هنالك من مستلزمات وتفريعات ونتائج لا تخفى على حضراتكم.

ابتسم المحقق الأسمر ابتسامة ظفر:

- وهذا التحليل السياسي الجديد يدل على أنك لا تفهم شيئاً في السياسة!

رد حسان على الفور:

- كل هذا ببركة الحوار. وهو توضيح لما تفضل به الإخوان المتكلمون.

- طبعاً. طبعاً.

ضج الحاضرون بالضحك.

كان حسان موطناً نفسه على المفاجآت، لذلك لم يستغرب حين نقل إلى غير زنزانته. بعد عودته من التحقيق أدخله الحارس المرافق الزنزانة رقم "8"، حيث نهض لاستقباله ساكن فيها، وهو شاب أسمر البشرة، نحيل الجسم، قصير القامة، لم يجاوز الخامسة والعشرين، أضلاعه بارزة من تحت ثيابه، حديثه متدفق:

- أنا اسمي سليم شعيب.

- أنا اسمي حسان الربيعي.

- سوري؟

- نعم.

- والد مجاهد الربيعي؟

- نعم.

- تشرفنا.

- شكراً. هل رأيت ولدي مجاهداً؟

- كنا في الزنزانة رقم "6" معاً.

شعر حسان بسعادة. هبت في أعماقه ذكريات ونسمات، وتألقت في مخيلته صور ومشاهد حبيبة ظن أنها منسية. مجاهد الطفل. مجاهد الفتى. مجاهد الشاب. حذره من شريك الزنزانة هبط إلى ما دون الوسط. (إنه شريك مجاهد. صديق مجاهد بعض من ولدي حبة قلبي مجاهد...)

- كم بقي عندك مجاهد؟

- أسبوعاً أو أكثر.

بدأ سليم يقتصد في كلامه على غير عادته. لقد تعمد ذلك، لأنه أدرك قيمة المعلومات التي لديه عن مجاهد. إنها بمثابة الكنز بالنسبة إلى والده. وعلى صاحب الكنز أن يقدر قيمة معلوماته، فيحسن التصرف بجواهره ونقوده، كما أن سليماً يحتاج إلى أن يثبت وجوده أمام شخصية حسان، التي هي بالتأكيد أكبر وأقوى من شخصية ولده مجاهد. (أنا ما استطعت أن أدبر نفسي مع ابنه مجاهد إلا بصعوبة، فكيف حالي مع الأب؟ هيه، فلنحاول.)

- حدثني عن مجاهد. فقد اشتقت إليه.

- أظنه قد أطلق سراحه.

- وأنا أظنه كذلك.

لم يجد سليم بداً من الحديث المفصل. اقترب من شريك الزنزانة، وقد جلسا متقابلين.

- ابنك ذكي لطيف حلو الحديث.

- شكراً.

- لقد أمضينا أياماً حلوة.

- يسرني ذلك.

- صحيح كنا مختلفين في الفكر، لكننا اتفقنا كثيراً في الأمور الأخرى.

- هذا متوقع.

سكت سليم. مضغ عبارة (هذا متوقع)، تأملها. قال:

- طبعاً. السجن يجمعنا.

- وأشياء أخرى: العمر. النضال. الثقافة. حب الآخرين. روح الفكاهة.

تردد سليم في الكلام:

- عفواً. من أين تعرف عني أنني مناضل مثقف؟

ابتسم حسان بتواضع:

- الأمر لا يحتاج إلى تفكير طويل. ما الذي جاء بك إلى هنا؟

تظاهر سليم بالفهم السريع، ابتسم.

- طبعاً. طبعاً. وأنت تعلم أن ابنك مرح، محبوب لدى الآخرين.

- ويحب الآخرين مثلك.

- نعم. نعم.

- ما الذي يحملك أو يحملني على النضال أو الجهاد أو حمل السلم بالعرض؟!

- نعم حب الآخرين والبحث عن السعادة لهم.

- يستوي في ذلك كل صاحب رسالة في الحياة. وكما يقال: كل مناضل سياسي أو اجتماعي، مسلماً كان أم غير مسلم.

قال سليم في نفسه: (هل يعلم أنني شيوعي، يبدو كذلك، لكنه كيف علم؟)

- صحيح، فأنا مثلاً في حزب شيوعي.

لم يأخذ حسان هذا الاعتراف مأخذ اليقين أو الظن. أخذه واقعة قابلة للاختبار، وإن كان يميل إلى التصديق في هذه اللحظات. قال:

- أظن أن الليل قد انتصف.

- أظن. بوسعك أن تختار أحد الفراشين، وأن تختار الجهة التي تفضل فيها النوم. اليمين أم اليسار؟

- أنت يساري فكيف تخيرني بين اليمين واليسار؟

- لكن أؤمن بحرية الاختيار.

- هذا فتح عظيم. أظننا سوف نقضي معاً أوقاتاً طيبة جداً.

أحس سليم بأنه تصرف بشيء من المباسطة، لكنه ورط نفسه بهذه المباسطة، كأنه اعترف بأن مثله من الملتزمين لا يقرون بحرية الفكر والاختيار، فاستدرك.

- إيماني بحرية الاختيار ليس رأياً شخصياً أو مزاجاً عابراً.

- سوف نتأكد من ذلك في المستقبل.

بدأ سليم يتحفظ، وتتخذ لهجته ونبراته طابع الجد:

- كان بوسعي أن أتدخل في اختيارك، وألزمك من خلال اختياراتي بأشياء، فأنا أسبق منك في هذه الغرفة.

- كان بوسعك ذلك، لكنك لم تفعل، ذلك لأن هناك حتميات في الأدب والذوق واللياقة أكبر من الحتمية التي يزعمها بعض مفسري التاريخ.

(هكذا ضربة واحدة يدخل أبو مجاهد إلى المواجهة، ونقد الحتمية التاريخية. فعلاً ليس من الأدب واللياقة أن أحتكر شيئاً، وألزمه بشيء من هذا القبيل.)

قال سليم لنفسه. ثم قال بصوت مسموع:

- ما أظن المسألة تحتاج إلى هذا الجد.

- فعلاً. وأنا بالمقابل أشكر أريحيتك ولباقتك. وأعرض عليك أن تختار الفراش والجهة التي ترتاح للنوم فيها.

- أشكرك. ثم إن اليمين واليسار في الأمكنة شيء شكلي.

- لا أكتمك أنني خارج للتو من جلسة تحقيق، وذهني مشوش قليلاً. فأرجو المعذرة إن فرط مني شيء. (تمدد حسان على قفاه. أخذ ينظر في سقف الغرفة الأصفر. وضع يديه معقودتين على وسطه. فعل مثله سليم.) تابع حسان كلامه:

- هل تعلم تاريخ هذا اليوم؟

- نعم أنه 27 حزيران.

- هل تعلم أهم حدث جرى في سورية في مثل هذه الليلة من العام الماضي؟

- عفواً، لا أعلم.

- إنها الليلة التي جمع فيها خمسة عشر سجيناًِ في دمشق، ونقلوا إلى سجن القلعة، حيث نفذ فيهم حكم الإعدام شنقاً صباحاً.

- المعذرة سمعت بالحادثة، لكنني لم أحفظ التاريخ ولا التفاصيل.

- أما أنا فأعرف عدداً منهم معرفة شخصية، وأرتبط معهم جميعاً برابطة العقيدة والآمال والآلام، ولم أستطع أن أفعل شيئاً لإنقاذهم.

بعد فترة صمت قال سليم:

- ألم تكن لهم علاقة بحادثة مدرسة المدفعية؟

- هذا الأمر يجهله معظم الناس. لا علاقة لهم إطلاقاً بالحادثة المذكورة. تصور أنني أعرف الناس بهم. تصور أنني أعرف عدداً من ذويهم، وأعرف وقع الإعدام على أهليهم وإخوانهم وأصدقائهم. تصور أن إعدامهم كان أكبر سبب في تفجير البراكين المدمدمة تحت الأرض السورية، وقطع الطريق على كل إصلاح بغير السلاح.

- إذا كان لا بد من حمل السلاح، فلماذا التهرب من الحقيقة؟

- هذا إذا كان لا بد. في حدود علمي أنه كان بالإمكان التغلب على الضغوط ولو من الناحية النظرية في الأقل. على كل حال حصل ما حصل.

- إذا لم تكن لهم علاقة بحادثة مدرسة المدفعية فلماذا حكم عليهم بالإعدام؟

- إذا صدقنا المحاكمات الصورية التي أذاعها التلفزيون السوري وأجهزة إعلام النظام، فإن التهم تنحصر في النقاط التالية: أولاً: انتسابهم إلى تنظيم إسلامي سري. ثانياًِ: وجد عند بعضهم سلاح غير مرخص. ثالثاً: بعضهم أبدى مقاومة وقت اعتقاله. رابعاً: بعضهم وزع منشورات معارضة.. أما لماذا يضطر التنظيم الإسلامي للعمل بالسر؟ ولماذا يضطر المواطنون إلى اقتناء السلاح؟ ولماذا توزع المنشورات المعارضة؟ فهذا كله ذنب النظام الفاسد نفسه. لهذا كانت المحاكمات فضيحة للنظام ومدعاة للتحريض على الثورة الشعبية العريضة.

لم يتكلم سليم بشيء. تابع حسان كلامه، وهو غير منتبه إلى حال سليم إن كان صاحياً أو نائماً، كأنما كان حسان يكلم نفسه:

- تصور أن هؤلاء الشهداء جمعوا من زنزانات سجن المزة وكفر سوسة في مثل هذه الليلة، عيونهم معصوبة، أيديهم مقيدة بالحديد، فيهم الأطباء والمهندسون والعمال والطلاب. تصور أن فيهم شقيقين من حلب، وشقيقين آخرين من حماة، وابن أخت لهما لا يزيد عمره على اثنين وعشرين عاماً. بل أكبر الشهداء لا يزيد عمره على ستة وثلاثين عاماً، وهو الأخ الحبيب الدكتور حسين خلوف أبو علي. تصور أن أصغر الشقيقين الحمويين مهدي علواني الطالب الثانوي يعتقل في سن السادسة عشرة، ويهاجم دوريات المخابرات، وينقذ أخاه زكريا الطالب الذي أخرجوه من قاعة الامتحانات، لأنه اعترض على انتهاك حرمة الصيام في شهر رمضان. تصور هذا الفتى الشاب مهدي، المتوسط الطول، ذا الشعر الخرنوبي الأجعد والبشرة الحنطية اللون، الدائم الابتسام، يشهد أمام عينيه اغتيال أبيه الشيخ المسن وأمه العجوز وعدد من نساء أقاربه ومصادرة أملاكهم عام 976، واستشهاد صديقه صبحي عثمان في أقبية التعذيب في العام المذكور...

يبدو أن حسان لم يعد يصور الصور لشريكه سليم، بل راح يصورها لنفسه:

- يا أخ صبحي كيف سبقتني إلى الجنة...

هل تعتب علي لأنني أتوارى عن الأعداء خارج البلاد... في لبنان. لقد آلمني أشد الألم ما لاقيته أنت من تعذيب في سجون المخابرات العسكرية. يا صبحي إن صورتك لا تفارقني والله.

يا رب إلى أين نسير؟

لماذا أتينا إلى هنا؟

أين الأخوة؟

كيف يكون الوفاء؟

كيف تركنا المجرمين ينالون من إخواننا؟

أتذهب دماؤهم هدراً وما زلنا أحياء؟

أنا لست ابن وجيه العلواني، ولا سليل الشيخ علوان إذا لم أثأر لهم.

سوف أعود إلى سورية إلى حماة مهما كانت النتائج، وهل هناك أحلى من الشهادة؟

.... تصور الأخ مهدي الذي لم يجاوز الرابعة والعشرين، وهو متوارٍ عن الأنظار في بيت أخته الكائن في منطقة العباسيين بدمشق حين بلغه اعتقال المخابرات لابن أخته الشاب خالد... تصوره ينطلق كالسهم، كالنمر الكاسر الغضوب ليفاجأ بمحاصرة المنطقة كلها، فلا يهتز له طرف، يسير متظاهراً بأنه لا يرى شيئاً. يلقيها عليهم فجأة. ينبطح أرضاً يقتل واحداً منهم، ويجرح آخرين، طيب أبا وجيه. طيب. الله يحييك. انظر أحد المجرمين يغدر به. يضربه من القفا على مؤخرة رأسه بعقب مسدسه. يا الله إنه يغمى عليه. هجم الآخرون. حملوه إلى سيارة (لاندروفر). ها هو ذا يصحو على أرض السيارة، يستل مخططاً ورقياً لتحرير سجناء المزة من جيبه. يوقد قداحة الغاز، يحرق المخطط. ينتبه المجرمون. يمسكون به. يغافلهم. يختطف سلاحه. يطلق النار عليهم. يردي عدداً منهم قتلى وجرحى. نفذت الذخيرة، هرب في طريق فرعي. ركضوا وراءه. الدم ينزف من رأسه. ألقوا القبض عليك يا مهدي، لقد ظفروا بك، وهم فرحون، كأنهم حرروا الجولان أو فلسطين...

رئيس المحكمة: هل أنت جريح؟

مهدي: أصبت بشظايا.

- من عالجك؟

- عالجني مستشفى المواساة.

- كيف كانت معاملتهم لك؟

- حسنة.

يفرح رئيس المحكمة فائز النوري بهذا الجواب:

- وهم من عناصر السلطة؟

يقاطعه مهدي بجرأة:

- لكنهم عاملوني معاملة حسنة لأجل أن يكسبوا شيئاً من المعلومات عن التنظيم.

- طيب يا مهدي، أنت كنت دائماً تصدق. ولحد الآن تقول الحقيقة، فهل يعقل أن واحداً يراقب ولا يعرف من ينفذ؟

يجيب مهدي على الفور بطلاقة:

- أي فعلاً... ليش؟ لأني قاعد بتنظيم سري، ماني قاعد في خان، ولا شيء، قاعد بتنظيم سري.

تقدم رفعت نحو مهدي بابتسامة ظفر صفراء، والشماتة على وجهه:

- صار لي سنتين وأنا بدور عليك يا سيد مهدي.

أجابه مهدي بعنفوان ساخر:

- وأنا ما تركت قرنة في الشام إلا وفتشت عنك يا سيد رفعت. (تطلع مهدي إلى القيود التي تكبل يديه ورجليه. ثم نظر إلى رفعت والزبانية الآخرين) لكن الله كريم.. إذا استطعتم أن تقتلوا مهدي اليوم، فراح يطلع لكم ألف مهدي بكرة يا كلاب..)

أبوس روحك يا مهدي، أبوس عينيك. هل تعلم يا أبا وجيه أن النساء السوريات زغردن لما سمعن أجوبتك الشجاعة عبر الإذاعة والتلفزيون؟ هل تعلم أن الكثيرات منهن سمين أولادهن باسمك الحبيب. مهدي. مهدي. مهدي. وهل هناك أجمل وأعظم من أن يكون الإنسان مهدياً بالاسم والفعل؟ لقد زعم الزاعمون أن الإسلام في سوريا قد مات، فإذا أحفاد خالد وطارق وصلاح الدين يظهرون، وإذا مهدي وعبد الستار وبسام يبعثون الآمال، ويزيلون الشبهات والأصنام، ويوقظون العزمات.

عجباً. مالياسمين دمشق يعبق غمامات غمامات تركض في الشوارع والمنعطفات؟ تدق الأبواب والنوافذ والأجفان النائمة؟

مالنهر بردى يهدر في أقنية دمشق وبركها الفوارة؟

ماللأذان يصدح لصلاة الفجر عبر المآذن مجلجلاً، كأنه العاصفة المنذرة بالنشور بالقيامة؟!

لا عجب، لا عجب. إن موكب الشهداء الخمسة عشر يتهادى معصوبي العينين من سجن المزة إلى سجن القلعة، فيستيقظ ساكن القصر الجمهوري وراء جمهرة الحراس والمستشارين وأجهزة اللاسلكي، يعطي الأوامر ويتلقى التقارير.

لا عجب. إن شيخكم محمد الحامد يلوح لكم مرحباً من مقامه في عليين، وإن الشيخ ابن تيمية ينتظر وصولكم إلى سجن القلعة الذي توفي فيه صابراً منذ قرون.

العجب كل العجب أنكم تدخلون باحة السجن ضاحكين، يتقدم كل منكم إلى مشنقته ضاحكاً متهللاً، وأنا ومئات السجناء في زنزانات القلعة خلف قضبان النوافذ نبكي. الجدران الصماء تبكي.

ماذا أرى؟ ها أنتم تمسكون بذوائب سحابة حمراء قرمزية. أرى قاماتكم تطول. تطول. هاماتكم ترتفع. ترتفع. أراكم وقد أصبحت قاماتكم بارتفاع جبل قاسيون... أمسك كل واحد منكم بعمود مشنقته، وهجم على الحراس والزبانية. الزبانية يطلقون النيران عليكم، وأنتم تضحكون وتهجمون وراءهم، لم تصابوا بأذى. إنهم يهربون أمامكم. سكان دمشق استيقظوا. تطلعوا إلى المعركة الدائرة من خلال النوافذ والأبواب ومن على أسطحة المنازل متعجبين فرحين. ساكن القصر الجهوري يضغط على زر أحمر. صوت بوق ضخم ينطلق مزمجراً في الأفق. استجابت لصوت البوق عشرات من المخلوقات العجيبة، رؤوسها رؤوس بشر وأجسامها أجسام وحوش ذئاب ثعالب حيات جرذان جراد... ركضت وراء ساكن القصر بعد أن تخلى عن قصره وتوجه نحو البحر..

يتبع إن شاء الله

          

* أديب سوري يعيش في المنفى