إسرائيل بين مصادر قوتها الذاتية ومصادرها الخارجية

رغم ما تملكه إسرائيل من مصادر القوة الذاتية ممثلة في قوتها  العسكرية والاقتصادية وتطورها التكنولوجي وأداء أجهزتها الاستخبارية المشهود له بالكفاءة إلا أنها تعتمد على مصادر قوة خارجية لا تقل تأثيرا وحسما عن مصادر قوتها الذاتية ، وأحيانا تكون أشد تأثيرا  وحسما منها . في الأزمة الحالية بعد إسقاط الطائرة الروسية " إيل 20 " انكشفت حدود قوة إسرائيل الذاتية العسكرية عندما صحت على احتمالات خطورة الرد الروسي ، وتخوفت من إقدام روسيا على وقف التنسيق الأمني معها في سوريا ، ومن تزويدها لسوريا بصواريخ س 300 وبأجهزة تشويش تصعب على الطائرات الإسرائيلية هجماتها في الأراضي السورية  . ظهر على إسرائيل الفزع والارتباك ، وبعد انتظار ، خرج وزير دفاعها ليبرمان يقول في ما يشبه التأتأة  إنها ستواصل ضرب مظاهر التواجد الإيراني العسكري في سوريا . ولأن الخوف من الرد الروسي جثم في قلبها ؛ تواصل قلقها وأرقها ، فالتقى رئيس وزرائها نتنياهو مع الرئيس الأميركي ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك ، وحصل منه على ضمانات تتعلق بحرية عمليات الجيش الإسرائيلي في سوريا . ويبدو أن تلك الضمانات قوية ؛ إذ قال نتنياهو  بلهجة المطمئن المغتبط : " حصلت على ما طلبت " . إذن هناك حدود لقوة إسرائيل الذاتية في مظهرها العسكري ، وهي كثيرا ما تصل إلى تلك الحدود بسرعة ، فتهرول إلى الاستعانة بمصادر قوتها الخارجية ، وأهمها المصدر الأميركي ، يليه المصدر الأوروبي خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، والمصدر الروسي ، وسواها من المصادر حتى في العالم العربي والعالم الإسلامي . وتحسن إسرائيل الاستعانة بالمصادر الخارجية ، ولأنها خارجية فإنها تتبدل مع الزمن ظهورا واختفاء ، وقوة وضعفا ، وإن كان المصدر الأميركي والمصدر الأوروبي يتميزان بالقدم والقوة والثبات على ما شابهما أحيانا طوال عمر إسرائيل من تجليات بين القوة الشديدة والقوة العادية . ومن الأحداث الكبيرة التي قام فيها مصدر القوة الأميركي  بدوره الحاسم في الحفاظ على إسرائيل ما حدث في الأسبوع الأول من حرب السادس من أكتوبر 1973 التي تقترب منا هذه الأيام ذكراها الخامسة والأربعون . في الأسبوع الأول من تلك الحرب ، رجحت كفة القوات المصرية والسورية على القوات الإسرائيلية ، وكاد ديان وزير الدفاع يعلن على التليفزيون الإسرائيلي هزيمة إسرائيل ، ونهاية حلم الهيكل الثالث ، ومنعه من الإعلان الزلزالِ بعضُ الوزراء الإسرائيليين . هنالك تدخل مصدر القوة الأميركي ، وأمر الرئيس  نيكسون ب " إرسال كل ما يطير " إلى إسرائيل ، وبدأت الطائرات الأميركية تفرغ حمولاتها من الدبابات في سيناء ، فتتجه فورا إلى أرض المعركة شرقي القناة . وكانت القوات المصرية تسقط الطائرات الإسرائيلية بصواريخ يعتمد بعضها على الانبعاث الحراري من محركات تلك الطائرات  مثل صاروخ ستريلا ، وفجأة ، ظهر في سماء القتال طيارون يراوغون الصواريخ المصرية حتى تستنفد طاقتها وتسقط دون أن تصيب هدفها ، وعرف أن هؤلاء الطيارين من بعض الدول الغربية وكندا وجنوب أفريقيا . وتعليقا على الدور الأميركي والغربي الحاسم في تغيير أحداث القتال لمصلحة الجيش الإسرائيلي وإنقاذ إسرائيل ؛ قالت جولدا مائير رئيسة الوزراء : " بان الآن أن أميركا ليست صديقنا ، وإنما إلهنا " . وبعد الحرب بين إسرائيل وحزب الله في 2006 ، وصمود الحزب صمودا تاريخيا أسطوريا في مواجهة قوة إسرائيلية كاسحة ، أورد الرئيس الأميركي بوش الابن في كتاب له أنه أنقذ إسرائيل من هزيمة مؤكدة حين طلب من مجلس الأمن إصدار قرار بوقف القتال بعد أن كان يستجيب لطلبات الإسرائيليين لإعطائهم مزيدا من الوقت لينتصروا في حربهم العدوانية . ولننظر في مشاهد معاداة إسرائيل لإيران ! توظف فيها أميركا والسعودية وبعض الدول العربية السنية ، ومع أنها تفاخر بأنها هاجمت أهدافا إيرانية 200 مرة في سوريا نراها لا تهاجم أي هدف في إيران ، وحاولت مرارا دفع أميركا للقيام بذلك منفردة أو بالاشتراك معها . وماذا لو نظرنا في التأييد السياسي والدبلوماسي الأميركي والأوروبي لإسرائيل ؟! لو طبق على الاحتلال الإسرائيلي المباشر في الضفة وغير المباشر في غزة البند السابع  في ميثاق الأمم المتحدة الخاص باستعمال القوة ضد أي دولة تهدد السلم العالمي ، ودون اعتراض أميركي ، لما بقي الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن . إنها مصادر القوة الخارجية لإسرائيل التي لا تجد من العرب والمسلمين من يواجهها ، وتجد منهم متعاونين معها سرا وعلنا مثلما يتعاونون مع مصادر قوتها الذاتية ، فكيف ننتصر عليها ، أو نقلل من خطر شرورها ؟ ! من ينصر من يهزم نفسه ، ويجلب لها الانكسار والإذلال وبؤس الحال ؟!

وسوم: العدد 792