هيئة التفاوض بعد نزع الشرعية

إضاءة سياسية 

إن الرهان على الدول مقابل الثورة وتحقيق مطالبها رهان خاسر . 

فالثورة راسخة القدم في تقرير مصيرها والتحكم بوجهتها وتحديد خياراتها . 

صحيح أن الوضع مختلف عن العامين الأوليين للثورة لكنها عصية وستبقى كذلك مهما تغيرت الظروف والأحوال . 

لقد كانت الليلة السابقة ليلة عصيبة ليس على أعضاء هيئة التفاوض المساكين ومن يدور في فلكهم ، وإنما على مشغليهم وخاصة الأميركي . 

وأعتقد جازما أن جيفري قد حرر تقريرا لخارجيته ، ومما جاء فيه على الأغلب ما يلي : 

ان كل الدمار وكل القهر وكل التشريد وكل القتل وكل الدعم للعصابة الحاكمة وكل الازلام الذين تم استنفارهم فإننا لم نستطع الحفاظ على مشروعية الهيكل السياسي الذي ساعدتنا جميع الدول ذات الصلة على انتقاء أعضائه فردا فردا . 

وقد رفع الثوار صوتهم في وجههم سخطا على أدائهم كما لو أن الثورة انطلقت البارحة .  

حاول في الأمس بعض الوطنيين الدفاع عن الهيئة متناسين طبيعة الثورة وقوتها على كل المستويات ، و الأمر الذي يلمس من قبل المتابعين طيلة سنوات الثورة هو عدم تقدير الثوار سياسيا . 

وهذا ما يدعونا إلى التفريق بين المعارضة السياسية التي لها صفات معينة وطريقة وعقلية خاصة في التعاطي السياسي ، وبين الثوار السياسييين الذين يحملون صفات مغايرة ويتعاطون السياسة بعقلية مختلفة . 

والجدير بالذكر أن القرار الدولي كان يحرص دوما على تثبيت الأول وإبعاد الثاني وإقصائه .

ثم عمل على تنحية المعارضة القريبة من الثوار حتى أنتج " مفرز الرياض 2 " الذي ثبتت قابليته ومن ثم سلوكه بقبول الشراكة مع العصابة الحاكمة المجرمة . 

ونزع الشرعية عن هيئة التفاوض لا علاقة له بأفرادها وتقييمهم ايا تكن اوصافهم وتاريخهم . 

أما التذرع بعدم وجود البديل فإنه يشير إلى خواء سياسي ويحمل بذور مرحلة ما قبل الثورة من حيث إن المجرم بشار لا بديل له بين ملايين السوريين حسب ترويج الأجهزة الأمنية القمعية . 

كما أنه يفتقد إلى تقدير الشعب السوري وثورته ومطالبه وتضحياته الكبيرة . 

والخلل الآخر فيما يطرح لا يقل قصورا عما سبق حينما يخوف بعض الوطنيين من حصول الفراغ . 

إن منزوع الإرادة ومسلوب الحرية هو وحده من لا يستطيع ملء الفراغ . 

والذي يثق بالدول لتملأ له فراغه فإنه ما زال يعيش تبعية وعبودية ومصرا على استقدام وصاية واستبدالها بوصاية العصابة المجرمة . 

والنكتة السياسية التي قيلت في أهمية وضرورة الحفاظ على منتج الأوصياء أنهم يقابلون وزراء الخارجية ويثبتون توجهاتنا الثورية ، ولا يعرف صاحب هكذا أطروحة أن جل عمل هؤلاء الوزراء يتركز على الثورة السورية وآثارها وكيف يجب أن تحاوط سياسيا وأنهم يدركون قيمة الثورة وأهميتها أكثر ممن يمثلها ، وربما نسي أن أغلب هؤلاء الوزراء لديهم قوات عسكرية على أرضنا ، وربما لم تسعفهم المعلومات والتقارير أن كل هذه اللقاءات هي مجرد لقاءات بروتوكولية شكلية أو لتقديم الإملاءات والتصورات أو لالتقاط الصور التي لا تخلو من مشاهد الإهانة والاحتقار للشعب السوري وشهدائه . 

والنقطة الأقسى والتي لا تليق هي أن يتهم جمهور واسع من المتظاهرين السلميين بانتمائهم إلى حزب معين للتحايل على خيارهم وقرارهم وحشرهم في زاوية ضيقة بطريقة غير لائقة ومكشوفة ، ويتهمهم آخر بأنهم غوغائيون ، وهي تهم تشبه كثيرا التهم التي أطلقت بحق السوريين من العصابة اول الثورة بأنهم إرهابيون . 

فأي تقارب هذا بين الفريقين ! 

ومن يريد من الثوار السياسيين أن يركزوا على العصابة الحاكمة وتكثيف الجهود حولها فقط ونزع الشرعية عنها ، نقول لهم : " نعيما " لقد تم هذا عند أول صرخة حرة في ساحات الكرامة ، وتجاوزناه إلى إسقاط مشروع الملالي في المنطقة الذي استقدم الروسي لنجدته ، وبخرنا المال الفاسد الذي عمل على شراء الذمم وفضحناه وأصحابه ، واحترقت وتكسرت أكثر الآلات العسكرية في أجسادنا وعليها . 

وما يجب التركيز عليه  الآن هو منع مؤتمر " وطني " برعاية الأميركي أو الروسي أو الصهيوني أو جهة خارجية  ، وإنتاج مجموعة ثورية سياسية سورية تؤمن بالعمل السياسي السيادي  وتتقنه ، وتتحدى المحتلين وتكشف أدواتهم وتنحيها . 

يا سادة هذه ثورة عظيمة تجاوزت احزابكم يمينها ويسارها ، وتجاوزت ادلجاتكم ، وتجاوزت طوائفكم ، وتجاوزت أموالكم ، وتجاوزت إرهابكم ، وتجاوزت ادواتكم . 

وثوارها باقون ما بقي الجوز  والزيتون . 

وسوم: العدد 793