إذا كانت الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها فأولى أن تموت جوعا ولا تأكل بعرضها

لا يمر يوم دون أن تطلع علينا وسائل الإعلام  بأخبارمتعلقة بقضية الداعية المصري الأصل والحامل للجنسية السويسرية ، والصحفي المغربي المتابعين بجريمة الاغتصاب واستغلال البشر أو الاتجار به خصوصا الإعلام الرقمي منها، وقد صار أكثر شيوعا وانتشارا من الإعلام الورقي والمرئي والمسموع نظرا لحيازة معظم الناس هواتف خلوية تصلهم بكل أصقاع العالم في كل وقت وحين ، وعبرها تصلهم كل الأخبار.

ولقد صارت أخبار كل من  الداعية والصحفي حديث الإعلام الرقمي يوميا  حيث يكرر نفس المعلومات عنهما  ، ويحاول أن يموه على هذا التكرار بأسلوب أو بآخر دون جديد يذكر . ومع أن العدالة لم تقل كلمتها ، ولم تقض بقضاء فيهما، فإن الأخبار التي ينقلها الإعلام  تكاد تسبق  حكم القضاء ،وتقضي نيابة عنه  في شأنهما.

و يتراوح طرح الإعلام لقضية الرجلين بين فكرتين هما : إما فكرة اتهامهما بما نسب لهما  من تحرش واغتصاب واستغلال لضحايا ، أو فكرة التآمر عليهما ،الأول بسبب دوره الدعوي المتميز ، والثاني بسبب دوره الإعلامي البارز. ولا تطرح فكرة ثالثة مع الفكرتين بالرغم من احتمال ورودها أيضا إذا ما صحت المعاشرة الجنسية بين المتهمين وبين المشتكيات ،وهي فكرة الفساد أو فاحشة الزنى بالتعبير الشرعي . وهذه الفكرة عبر عنها أحد نقباء المحامين السابقين والذي تخلى عن الدفاع عن الصحفي حيث اعتبر القضية إن صحت التهمة قضية فساد انطلاقا من المعطيات التي اطلع عليها ،والتي جعلته يرجح الاحتمال الثالث على احتمال الاغتصاب وعلى احتمال التآمر .

 ولا ندري هل سيضع القضاة  سواء في فرنسا أو في المغرب نصب أعينهم هذا الاحتمال الثالث الذي لا يتطرق إليه الإعلام ، ويحصر حديثه في احتمالين فقط.

ومن الأمور التي تجعل هذا الاحتمال الثالث  ممكن الورود هو أن المشتكيات بالنسبة للداعية السويسري  يصرحن بأن مسرح اغتصابهن كان في فنادق ، والسؤال المطروح ما الذي جعلهن يستجبن لمن يدعوهن إلى فنادق مع أنه ليس في الفنادق سوى غرف  نوم ؟ وإذا ما كان الشيطان ثالث رجل وامرأة في خلوة بينهما حسب ثقافتنا الإسلامية ،فأولى أن يكون الأمر كذلك وهما مختليان في غرف  نوم  بفنادق لا تصلح  لغير النوم . و لهذا كان من المفروض ألا تستجيب اللواتي اختلى بهن الداعية لدعوتهن إلى غرف نوم بفنادق خصوصا المسلمات منهن، وهن يعرفن دون شك حكم الخلوة في الإسلام . وهكذا يبدو احتمال تعمد الوقوع في الفاحشة واردا من الداعية ومن اللواتي قبلن الذهاب معه إلى الفنادق   ، وهو ما يسمى بلغة القانون  العمد و سبق الإصرار.

 فهل سيطرح القضاء الفرنسي هذا الاحتمال ليحافظ على مصداقيته ، ويدفع عنه شبهة التآمر على هذا الداعية  والتي أشيعت عليه كما هو وارد كاحتمال  ، ويقضي  حينئذ بين الطرفين بعقوبة الفساد الخلقي إن كان المجتمع الفرنسي العلماني  يعتبر ذلك فسادا ،وليس علاقة رضائية كما صارت تسمى والتي  لا يعاقب عليها القانون العلماني .

وعلى أي أساس اعتمد القضاء الفرنسي لاعتبار المشتكيات ضد الداعية ضحايا ولسن شريكات في فساد خلقي أو في علاقة رضائية  بتعبير الذين لا يدينون فاحشة الزنا ؟ وما الذي حوّل ما وقع  بين الداعية والمشتكيات  من علاقة رضائية إلى اغتصاب وعنف ؟ وقد كان من المفروض أن يتم تبليغهن عن ذلك ساعة حدوثه خصوصا وأنه قد وقع في فنادق وليس في أماكن يستحيل منها التبليغ . ولا شك أن التأخر في التبليغ يصب في  تقوية احتمال التآمر على الداعية ،لأنه لا مبرر له بعد تراخي الزمن مددا طويلة . وهذا التراخي الزمني يفرض حتما طرح السؤال التالي : ما الذي جعل المشتكيات يسكتن عن اغتصابهن كل تلك المدد قبل التبليغ عنه ؟  فهل حصلن على مقابل سكوتهن أم أكرهن على ذلك بطريقة  أو بأخرى بإمكان المتهم استعمالها  ؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فهل يعتبرن  بريئات من تهمة الفساد أو تهمة عدم التبيلغ عنه في أوان وقوعه  ؟ أليست الحرة تجوع ولا تأكل بعرضها  خصوصا إذا كانت مسلمة ؟

أما المشتكيات ضد الصحفي فقد صرحن أن مسرح الاغتصاب كان بمقرعملهن ، ولا ندري هل كان اغتصابهن بشكل جماعي أما بشكل فردي حيث كانت كل واحدة  تغتصب على حدة ؟ فإن كان الاغتصاب جماعيا، فمن الصعب تصديق ألا يحصل تبليغ بعضهن به ؟ أما إذا كان فرديا ،فما المانع من احتمال تعلق الأمر بفساد خلقي أوزنا أو علاقة رضائية إذ كيف استجابت المشتكيات كل واحدة على انفراد لدعوة الصحفي وهن على علم مسبق بأن الأمر يتعلق باختلاء بهن  في فترات خارج أوقات العمل ؟ ألا يتعلق الأمر ههنا أيضا بتعمدهن و سيق إصرارهن على الوقوع في فاحشة الزنا  أو التستر عليها مهما كانت الدواعي والأسباب ؟

ولا يختلف حال المشتكيات ضد الصحفي عن حال المشتكيات بالداعية فيما يتعلق بتراخي الزمن عن التبليغ باغتصابهن ، الشيء الذي يفرض  طرح سؤال عن السر وراء ذلك مع أنه كان من المفروض أن يقع التبيلغ  من طرف واحدة على الأقل منهن ساعة وقعت المساومة أو الاستدراج أو محاولة الاعتداء أوالتعنيف  ليكون ذلك سببا في كشف النقاب عن الحالات الأخرى التي كانت طي الكتمان لسبب من الأسباب كالخوف من فقدان العمل أو الخوف من الفضيحة أو غير ذلك من الأسباب أو المبررات . ومع هذا وذاك كان على ضحايا الصحفي وكلهن يعملن في قطاع الإعلام ، ومهمتهن تسمى مهمة المتاعب ، والتي من المفروض أن يتسلح من يزاولها بشجاعة خاصة تميزه بالجسارة والتحدي واقتحام كل الحواجز والصعوبات والتحديات التي تقف في وجه الكشف عن الحقائق  مهما كانت طبيعتها ، ومهما كان الثمن الذي يكلفه ذلك .

ألم يكن الأجدر بالمشتكيات بمديرهن  أو مشغلهن الصحفي  أن يكون الموت جوعا أهون عليهن من أن يسمحن له بمساومتهن في أعراضهن أو استغلالهن ؟

فهل سيضع القضاء  عندنا أيضا في اعتباره احتمال تعلق قضية الصحفي  بفساد حلقي أو بما  صار يسمى علاقة رضائية  على حد قول وزير العدل عندنا  في تصريح إعلامي في مناسبة من المناسبات ، وقد تم تحويلها إلى تحرش واغتصاب واستغلال واتجار ؟

أليس من صالح القضاء عندنا أن يدفع عنه أيضا شبهة التآمر على هذا  الصحفي ، وذلك بأخذه في الاعتبار احتمال وقوعه والمشتكيات  في الفساد الخلقي العمد   كما ذهب إلى ذلك نقيب المحامين السابق المشهود له بالحرفية والخبرة عوض الاقتصار على احتمال  وقوع اغتصابهن والاتجار بذلك فقط  ؟

ولا شك أن نهاية محاكمة الداعية في فرنسا والصحفي في المغرب ،وهما متهمان بنفس التهمة ستكشف عن توجه القضاء سواء في فرنسا أو في المغرب ، وعن طريقة تعاملهما مع تهمة يمكن نعتها بتهمة المشاهير في مختلف الميادين بما فيها الميادين البعيدة عن الحقل الدعوي والإعلامي كالميدان الفني والميدان الرياضي حيث أحيي مؤخرا  من جديد مؤخرا اتهام نجم  كرة القدم البرتغالي بنفس التهمة ،والتي تعود إلى قرابة عقد من الزمن، وقد قيل عنها أنها مؤامرة مدبرة من طرف النادي الكروي الإسباني الذي غادره إلى ناد إيطالي ، وقد أثرت مغادرته  سلبا على أداء فريقه الأول .

ونختم بالقول هل كل من عانقته شهرة ما يكون عرضة لهذه التهمة ؟ مع أن بعض المشاهير في مجالات أخرى  حساسة دينية أوسياسية لم تلاحقهم لعنتها مع شيوع اتهامهم بها على نطاق واسع  لدى الرأي العام العالمي.   

وسوم: العدد 794