متابعات عن الاقتتال الفصائلي في الشمال السوري

يبدو أن "جبهة النصرة" تعهدت بحماية طرق الترانزيت في شمال غربي سورية، وأنها انتزعت موافقة من روسيا، التي طلبت خلق بيئة آمنة قبل فتح الطرق، وهو ما تجلى بحرب القضاء على المشاغبين على أطراف الطرق الدولية.

استعجلت هيئة تحرير الشام الوقت، وشنّت هجوماً كبيراً على مناطق سيطرة حركة نور الدين زنكي في ريف حلب الغربي. وزجت النصرة بخيرة مقاتليها وقوات نخبتها، في وجه الزنكي المُنهكة بسبب حربين سابقتين معها، ولم تكن الزنكي مستعدة بما فيه الكفاية لحرب جديدة حضّر لها الجولاني منذ وقف الاقتتال الأخير، في نيسان: 2018، الذي عُرِفَ بـحرب الستين يوماً.

ويستدل على ذلك من تردد فيلق الشام وصمت قيادته التي تقود الجبهة الوطنية للتحرير، وعدم إعلانه صراحة دخول المعركة إلى جانب الزنكي، أحد الفصائل المنضوية في الجبهة التي ارسلت إشارات متباينة من خلال ترك الباب مفتوحاً لعناصرها وبعض المجموعات، للمشاركة بالدفاع عن الزنكي من دون قرار مركزي للفصائل، ويشير ذلك إلى عدم وجود قرار تركي بالتدخل، بل ربما رضا أنقرة عن معركة استئصال الزنكي والتخلص من الشيخ توفيق شهاب الدين، قائده العام.

وما يعزز فكرة الرغبة التركية في استئصال الزنكي هو عدم اعطاء فصائل درع الفرات الضوء الأخضر للتدخل، ما ظهر من خلال تجمعها في جبل قلعة سمعان شمالي دارة عزة، وانتظارها أمرًا لم يصل أبدًا، لأنها لم تطلبه؛ إذ خشي قادة فصائل درع الفرات عواقب اتخاذهم قرارًا من دون توجيه تركي مباشر، و اقتصرت مشاركة الفصائل على دخول الفرقة التاسعة في الجيش الوطني في معركة دارة عزة؛ لأنها مسقط رأس قائد الفرقة النقيب أبو جلال، وكذلك معظم مقاتليها.

ومباشرة بدأت جبهة النصرة نقل قواتها من ريف حلب الغربي إلى ريف معرة النعمان الشرقي، للسيطرة على الطريق الدولي، والقضاء على صقور الشام وأحرار الشام وكتائب صغيرة من فيلق الشام وجيش إدلب الحر وأخرين شاركوا في الحرب ضدها.

ويُسهّل خروج الزنكي من معادلة الشمال السوري، من قدرة هيئة تحرير الشام للقضاء على صقور الشام و أحرار الشام، ومن الواضح أن الضوء الأخضر الممنوح لـ الجولاني سيطال الشركاء المحتملين والباحثين عن موطئ قدم على الطرق الدولية، وهؤلاء بالنسبة له هم كل من أشهر سيفًا في وجهه يومًا؛ لذا سيكون مصيرهم كمصير 15 عشرًا فصيلاً أنهتهم جبهة النصرة، وأولهم جبهة ثوار سورية، وليس آخرهم حركة نور الدين الزنكي.

وقد تتجنب الجبهة الوطنية للتحرير مصيرها المحتوم في حال سلمت أريحا ومعرة النعمان للهيئة من دون قتال، وابتعدت عن الطرق الدولية بشكل نهائي.

الزنكي كانت قد أثارت علامات استفهام كبيرة واستغراب لكل المتتبعين لمسيرتها التي بدأت في العام 2012، وحتى لحظة اقتلاعها في 4 كانون الثاني 2019، فقد دخلت باندماجات كثيرة، كانت عصبها تقريبًا، و لاسيما جيش التوحيد و جيش المجاهدين و الجبهة الشامية.

الزنكي انضمت إلى غرفة الموم التي أشرفت عليها المخابرات الأميركية المركزية في الشمال السوري، حتى أوقف الدعم عنها بعد ذبح أحد عناصر الزنكي أسيرًا من مليشيات النظام مع فترة حصار حلب، قائد الزنكي شنّ في أحياء حلب الشرقية، قبيل سقوطها، هجومًا على تجمع فاستقم، ما أودى بحلب ومكّن النظام من التقدم والسيطرة على أغلب احيائها الشرقية.

ولعل أغرب تحالفات الزنكي كانت في تأسيس هيئة تحرير الشام، مع جبهة فتح الشام التي يقودها الجولاني، وكان ذلك رد فعل من الشيخ شهاب الدين، على مسار أستانا، وقد خسر على إثره علاقته مع تركيا إلى حد بعيد، ولم ترضَ تركيا عن الشيخ توفيق مجددًا إلا مع بدء معركة غصن الزيتون في: 20 كانون الثاني 2018، حين وافق على المشاركة من المحور الجنوبي للمنطقة، فأعادت تركيا تمويله ودفعت رواتب كامل عناصره.

وتعتبر العصبية المناطقية بمثابة عقيدة شمولية لدى أهالي ريف حلب، تأسس الزنكي عليها، ويلاحظ أنها لم تقتصر على المقاتلين فقط، بل تشمل جميع أبناء المنطقة، بمن فيهم النساء، وهو ما أفشل محاولات اختراق المنطقة من باقي الفصائل، و جعلها تتمكن من سدّ أي اختراق أمني، في حين ساد الفلتان الأمني أغلب المناطق المحررة.

وبنت الزنكي نظامًا إداريًا متماسكًا، وشكلت ملجأ للحكومة المؤقتة، الهاربة من ملاحقة تحرير الشام، وكذلك ملاذًا للعديد من النشطاء، وفتحت مجال عمل لمنظمات المجتمع المدني مؤخرًا.

ومع انتشار المحاكم الشرعية التي هيمن عليها شرعيو النصرة وجند الأقصى وغيرهم، تفردت منطقة الزنكي بتطبيق القانون العربي الموحد، الذي اعتبر افضل الخيارات و الأكثر قربًا إلى القانون السوري.

ويرى كثيرون أن الحرب التي شنتها النصرة ستؤدي إلى حرب روسية قريبة، لكن مسار تعامل أنقرة مع جبهة النصرة بنسخها المعدلة والمطورة، يوحي بأن الجولاني قدم تنازلاً، و التزم تطبيق اتفاق سوتشي، ليس فقط في ما يتعلق بطرق الترانزيت ولكن ربما في محاربة الإرهاب المتمثل حاليًا بتنظيم حراس الدين ، و إخوانه.

لقد أخطأ الشيخ توفيق شهاب الدين في حساباته مرات متعددة، و كان خطأه الأكبر عندما أراد مزاحمة تحرير الشام في نشر نقاط المراقبة التركية، وهو ما فعله في جبل الشيخ عقيل، عندما احتضن النقطة التركية فيه، وتعزز ذلك مع سيطرة الزنكي على جبل الشيخ بركات ودارة عزة، واحتضان نقطة مراقبة أخرى هناك، وهو ما أزعج الجولاني، ولم يدرك القائد العام لـ الزنكي خطورة المغامرة، إلا بعد موجة اقتتالات طويلة.

صحيح أن الجولاني خسر في حربين سابقتين مع الزنكي ما يزيد على 600 قتيل، غير أن الزنكي قد تحمل الزنكي عبئًا ثقيلاً مع مقتل ما يزيد عن 300 مقاتل، في منطقة جغرافية صغيرة نسبيا.

ومع فتح الزنكي معبر المنصورة مع النظام، وسيطرتها على الطريق الوحيد بين عفرين وإدلب في دارة عزة، زاد شعور الجولاني بخطورة الوضع، فأسرع لإزالتها تحضيرًا لـتسوية تجارية ستشهدها المنطقة في قادم الأيام.

وسوم: العدد 806