هل ستطول الثورة السورية أكثر مما طالت؟!

إبتداءً لا أريد بهذه المقالة أن أدخل إلى النفوس اليأس .. ولا أن أغرس في القلوب الإحباط .. ولا أن أثبط  الهمم .. ولا أَفُتُّ في العزائم .. ولا أشيع التشاؤم !!!

وإنما أريد أن أضع الإصبع ، على الجروح النازفة ، في هذه الثورة المباركة .. لعلنا جميعاً نجد الطبيب المداويَ .. فيضمدها .. ويوقف نزيف الدم !!!

منذ أن انطلقت الثورة قبل ثمان سنوات .. بشكل عفوي ..وإلهام رباني .. ظن الناس بعد أن رأوها وقد اتسعت .. وانتشرت في معظم المحافظات .. وازداد زخمها .. واشتد أوارها .. وتأجج لهيبها .. وارتفعت معنويات الثائرين إلى الذروة .. غير عابئين بالتضحيات الغالية ، التي كانوا يقدمونها يومياً .. من قوافل الشهداء ، على درب الحرية !!!

ظنوا أنها أياما أو شهورا معدودة .. ويتحقق الحلم بالحرية .. والاستقلال .. خاصة وأن بعض زعماء العالم أخذوا يتظاهرون بتأييدهم للثورة .. ويطلقون البيانات النارية .. بوجوب رحيل الطاغية .. كما فعلوا مع الثورات العربية الأخرى !!!

وتطاولت الأيام .. وامتدت الشهور .. وتعاقبت السنوات !!!

وإذا بالثوار يكتشفون زيف .. وكذب زعماء العالم .. الذين زعموا أنهم أصدقاءهم !!!

ومع هذا أصروا على مواصلة الثورة .. وصمموا على تقديم التضحيات الغالية !!!

وهذه منقبة .. وميزة عظيمة للثوار .. سيكتبها التاريخ بمداد الدم .. والذهب !!!

إلا أن في هذه الثورة دَخَنا .. وعثراتٍ .. وهفواتٍ .. تعرقل .. وتؤخر انتصارها !!!

وهي :

عثراتٌ داخلية .. وأخرى خارجية !!!

العثرات الداخلية :

1-    تشتت الجماعات المقاتلة .. وتفرقها .. وتناحرها مع بعضها البعض .. وعدم وجود قيادة واحدة .. تتبنى تخطيطاً واحداً .. ورؤية واضحة المعالم .. وذات مراحل محددة !!!

2-    تصدع الكيان السياسي للثورة .. وتمزقه ..واختلاف أفراده .. وتبادل الاتهامات بينهم !!!

3-    نشوء جماعات مقاتلة .. هدفها الكسب المادي .. وبسط نفوذها على الناس في المناطق التي تسيطر عليها .. والتحكم في مصيرها بنفس طريقة الأسد !!!

4-    المسارعة إلى السب والشتم بأقذع الكلمات .. وأشنعها لكل من لا يتوافق مع هواه !!!

5-    المسارعة إلى الاتهام بالخيانة .. والعمالة لكل من لا يتوافق مع مزاجه .. وتفكيره .. بل لمجرد التقاط  شائعة عن إنسان ما .. وبدون التدقيق والتمحيص في فحواها .. وفي مصدرها .. يبدأ بالهجوم الكاسح عليه .. وقد يصل بالأمر إلى إخراجه من دينه !!!

6-    إنعدام التآلف .. والتوادد .. والتراحم .. والتعاون بين السوريين – إلا ما ندر – وخروج الأغنياء منهم .. بأموالهم .. وسياراتهم إلى البلدان المضيفة .. لمتابعة استثماراتهم .. علماً بأنه كان بإمكانهم إعطاءها للمحتاجين من أصدقائهم .. وأقربائهم .. أو للثوار لإستخدامها في عملياتهم ..وشراء سيارات أخرى – وخاصة في بلدان الخليج – بالمبالغ التي دفعوها على شحنها .. ورسوم إدخالها !!

7-    فقدان القائد المحنك .. الداهية الذي يملك صفات قيادية .. تمكنه من جمع شمل كل المجموعات العسكرية ، والسياسية .. تحت إمرته .. وانقيادها لتوجيهاته .. وطاعتها لتعليماته !!!

8-    فقدان الرجال الذين يجمعون بين صفات الإخلاص .. والتجرد .. والتضحية .. وبين صفات القدرة على الإدارة .. والعلم والمعرفة بالاختصاص الذي يديرونه !!!

فالواقع الميداني ..المأساوي .. يظهر وجود أشخاص قد يملكون الصفات الأولى .. ولا يملكون الصفات الثانية .. فيتخبطون في الإدارة خبط عشواء !!!

وقد يوجد أشخاص يملكون الصفات الثانية .. ويُحرمون من الصفات الأولى .. فيستغلون مناصبهم .. ويُفسدون .. ويضلون .. ويسرقون قوت الناس .. ويثرون على آلام الناس وأوجاعهم !!!

9-    لا يزال عدد غير قليل من المشاركين في الثورة .. يجهلون حقيقة الحرب الدائرة على أرض سورية .. فيوجهون سهامهم بالنقد اللاذع .. والاتهام الباطل إلى المجموعات الجهادية الصادقة .. التي تضحي بأرواحها .. وأموالها .. وأعراضها في سبيل الذود عن حياض الوطن .. وتحرير الإنسان السوري من الطاغوت .. ويرددون كالببغاوات ما ينشره الإعلام الصليبي .. المجوسي .. الشيعي .. الأسدي الحاقد عنهم .. ويتجاهلون طبيعة العدو الحقيقي .. الذي هو إيران .. والقيصر الروسي والأمريكي واليهودي .. ومن ورائهم كل جنود إبليس .. من الإنس والجن .. ويجهلون أن هدفهم الأساسي هو:  تمجيس المسلمين باسم التشيع .. وتنصيرهم باسم المساعدات الإغاثية الهزيلة .. أو إخراجهم من دينهم .. وجعلهم لا مسلمين ولا شيعة .. أو ذبح من يرفض هذا أو ذاك .. لتحقيق الخرافة .. بالتعجيل بظهور مهديهم الدجال من المجاري .. وأنفاق النفايات .. أو تسريع نزول مسيحهم اليهودي – كما يزعمون -!!!

العثرات الخارجية :

هي واحدة تشمل كل قوى الأرض التي تخاف .. وترتجف .. وترتعد فرائصها من حرية المسلمين وليس - كما يطبل المطبلون الجهلة .. الحمقى – من حرية الشعوب !!!

فهم ليس لديهم مشكلة مع حرية الشعوب غير المسلمة .. لأنها مثلهم في الفكر والعقيدة !!!

وقد سبق أن أيدوا .. ودعموا الثورة في إيران ضد الشاه .. الذي كان حبيبهم الأول .. والمدافع الأول عن ربيبهم الكيان اليهودي .. فتخلوا عنه .. وتبنوا الخميني .. وأطلقوا يده في أن يصرح بما يشاء باسم الإسلام .. لإعادة إنتاج صورة ابن سبأ .. في حلة جديدة ..  ليخدع ذراري المسلمين الغثائيين .. وليسب ويشتم غدوا وعشياً .. بالغرب وبالكيان الصهيوني !!!

وأيدوا حرية الشعوب الأوربية الشرقية .. وساعدوها في التخلص من الطواغيت الشيوعيين .. مثل تشاوسيسكو وسواه !!!

هم يعلمون أن ما يحدث في سورية .. ليست ثورة شعبية .. وإنما هي ثورة إسلامية .. تقودها مجموعات جهادية بأسماء متنوعة !!!

ولذلك هم لا يريدون لها أن تنتصر .. لأنها تهدد وجودهم .. ومصالحهم .. وتغري شعوباً مسلمة أخرى بالثورة !!!

ولكن هذه العثرات الخارجية – على ضخامتها .. وقوتها .. وشدة بأسها .. وعنفوان مكر الذين يضعونها – لا قيمة لها البتة .. إذا زالت العثرات الداخلية .. وأصبح المجاهدون .. والمقاتلون كلهم في جبهة واحدة !!!

لأنه حينئذ فقط .. سيتحقق الوعد الإلهي :

( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ) .. يونس 103

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا    غافر آية 51

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ     محمد آية 7

وإذا بقيت العثرات الداخلية تنخر في جسد الثورة .. ولم يتم القضاء عليها .. فالمآسي ستستمر .. والأوجاع ستبقى .. والغربة ستطول – مع كل أسف – والثورة ستتمدد .. وتطول سنوات وعقود!!!

هذا نذير من النذر الأولى ..

( أَفَمِنۡ هَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ ﴿٥٩﴾ وَتَضۡحَكُونَ وَلَا تَبۡكُونَ ﴿٦٠﴾ وَأَنتُمۡ سَٰمِدُونَ ) .. النجم

وسوم: العدد 814