الثورة تسير بالبخار و ليس البخاري !!

لا يزال  كثير من قومنا  يفهمون حتى الآن أن ثورتنا انتكست بسبب أخطاء سياسية او استراتيجية او تقدير للموقف او لغياب توازنات القوة بين أطراف الصراع فحسب .

و هذا كله صحيح و قد كتبت في ذلك كثيرا  لكن أصل الأزمة و مبتدئها و منتهاها  من وجهة نظري هي غياب ( العلم )  بكل مدلولات الكلمة عن المعركة .

لقد  اعتمدنا كثيرا على الدروشة و الفهلوة و اشتغال الهواة بأمور تخصصية ليس لهم فيها ناقة و لا جمل .

ان جاز ان نقسم أسباب التراجع فسأقول بكل ثقة أن ٩٩% منها يعود الى الجهل و الفهلوة و ١ % لكل الأسباب الأخرى .

و اذا ضربنا أمثلة عملية للتدليل على الفرضية السابقة فسنجد السجلات حافلة بالتقصير و الفهلوة .

ادارة  الدولة مثلا يقع تحتها بنود كثيرة و متشعبة من العلوم بدءا من الإدارة العامة او السياسات العامة او علوم السلطة أو القيادة بمستوياتها .

و ادارة الأزمات علم واسع له فروع متشعبة و كذلك التفاوض و الدبلوماسية و العلاقات العامة و السياسة الخارجية و العلاقات الدولية كل هذه علوم تدرس و غالبها له أقسام مستقلة و رسائل ماجستير و دكتوراه و ابحاث كثيرة في كل فرع من هذه العلوم .

الثورات نفسها علم و المجتمع نفسه فهمه و طريقة التعامل معه علم له تفرعات عديدة منها الاجتماع السياسي او علم النفس الاجتماعي و غيرها من العلوم .

لماذا نجح السيسي في قمع الثورة ؟

لانه وظف مجموعة من العلوم منها الحرب النفسية و الخداع الاستراتيجي و التضليل الاعلامي و استخدم تقنيات التجسس و التنصت و المراقبة و هي علوم كذلك لمعرفة ما يفكر به خصومه او اخضاعهم اذا احتاج الى ذلك .

لو بحثنا وراء كل نقطة خسرنا فيها فسنجد راية الجهل و الفهلوة مرفوعة لدينا و راية العلم مرفوعة لدى خصومنا .

ذكرني ذلك بواقعة تاريخية  حكاها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حدثت في نهاية الخلافة العثمانية عندما كانت سفن الاسطول العثماني لا تزال تسير بالأشرعة و المجاديف بينما سفن اعداءها الأوروبيين تسير بالبخار و المحركات و قبل بدء احدى المعارك الحربية بين الطرفين  جلس بعض المشايخ على سطح السفن العثمانية يقرؤون صحيح البخاري تبركا به .

فقال لهم أحد العلماء النابهين ان السفن تسير بالبخار و ليس البخاري و هو هنا يلفت انتباههم على تخلفهم في الأخذ بأسباب  التقدم العلمي كما اخذ به اعدائنا رغم اننا مأمورون بذلك .

  و بطبيعة الحال هزم  الأسطول العثماني في المعركة لانه هزم في معركة ( العلم )  التي نجح فيها اعداءه .

ثورتنا المسخنة بالجراح لا يزال الكثيرون يعتقدون انها ستنتصر فقط بالحسبنة و الحوقلة و الرؤى المنامية و لعنة الدم !!! 

لكني أقولها بكل وضوع سننتصر فقط بإذن الله حين يكون أهل العلم و الاختصاص في المقدمة و حين يكون العلم هو الإطار العام الضابط لكل حركتنا .

ان هذه الثورة لن يكتب لها النجاح الا اذا حلقت بجناحيّ الإيمان و العلم عندها سيأتي توفيق الله و مدده و فضله بعد استفراغ الوسع و الطاقة و ليس قبل ذلك .

وسوم: العدد 815