ذكرى حزيران وتكريس الهزيمة

في حرب حزيران 1967 لم تهزم الجيوش العربية في ستة أيام، بل هزمت في أقلّ من ست ساعات، لكنّ اسرائيل أنهت إحكام احتلالها لما تبقى من فلسطين وجوهرتها القدس، وصحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية في ستّة أيام، وفي اليوم السابع اعتلت عرش الشّرق الأوسط بقضّه وقضيضه، وبدأت بتنفيذ مشروعها الصّهيوني التّوسّعيّ بهدم حارة الشّرف وحيّ المغاربة، المحاذية لحائط البراق-الحائط الغربي للمسجد الأقصى- في القدس القديمة.

ويمرّ هذه الأيام اثنان وخمسون عاما على تلك الحرب العدوانية، تخللتها حروب أخرى أزهقت أرواح عشرات آلاف الأشخاص، دون أن يصل أطراف الصّراع الى حلّ عادل يحقن دماء شعوب المنطقة، بل استطاعت اسرائيل أن تفتّت الموقف العربيّ الموحّد، فانفردت بمعاهدة كامب ديفيد مع مصر، تلك المعاهدة التي أعادت سيناء لمصر بشروط اسرائيلية جعلتها –صحراء سيناء- رهينة بأيدي الاسرائيليين يستطيعون احتلالها في ساعات، وأخرجت مصر كبرى الدول العربية من حلبة الصّراع، كما انفردت بالأردنّ ووقعت معه اتّفاقية وادي عربه،

واسرائيل التي لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، إلّا من خلال تصريحات دبلوماسيّة تدخل ضمن سياسة فنّ إدارة الصّراع، تبتعد كيلو مترات عن طريق السّلام كلما اقترب العرب منه خطوة واحدة، يساعدها في ذلك الدّعم الأمريكي اللامحدود وعلى مختلف الأصعدة...حتى بات المرء يتساءل عمّن يملك أوراق الضّغط على الآخر؟ هل هي أمريكا أم اسرائيل؟ وتعمل اسرائيل على تكريس احتلالها للضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس من خلال الاستيطان المتواصل يوميّا.

لكن الدول العربية لم تعمل شيئا يستحق الاهتمام لتحرير الأراضي العربيّة المحتلة، اللهم إلّا اذا استثنينا حرب اكتوبر 1973، والتي شكلت هزة عنيفة لاسرائيل. ومع ذلك فان الدول العربيّة لم تستغل نتائج تلك الحرب لإجبار اسرائيل على الانسحاب.

وتوالت لعنة حزيران على العرب عندما اجتاحت اسرائيل لبنان في حزيران عام 1982، وما تبع ذلك من اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينيّة من لبنان، لتعقبها مباشرة احتلال العاصمة اللبنانية بيروت، ومذابح مخيّمي صبرا وشاتيللا في أطراف بيروت.

وسقوط القدس العاصمة الفلسطينيّة تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967 لم تعد عصمة لأيّ عاصمة عربيّة، ففي حزيران 1982 احتلّت اسرائيل العاصمة اللبنانيّة بيروت، وفي العام 2003 احتلّت أمريكا العراق وهدمت دولته، وفي العام 2010 تم تدمير ليبيا ولا يزال، ومنذ العام 2011 وسوريّا تتعرضّ لحرب ارهاب كونيّة مموّلة ومسلحّة عربيّا واسلاميا واسرائيليّا وبأوامر أمريكيّة، ومنذ العام 2015 والعاصمة اليمنيّة صنعاء تتعرّض للقصف "الحلال" بأيد عربيّة ومسلمة.

وتأتي الذّكرى الثّانية والخمسون لحرب حزيران 1967 وقد اعترفت أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبضمّ مرتفعات الجولان السّوريّة لإسرائيل، وفي الفاتح من حزيران 2019 وبينما كان شيوخ القبائل العربيّة يطوفون بالبيت العتيق، ويعلنون قراراتهم ضدّ إيران بناء على طلب السّيّد الأمريكيّ، كانت قوى الأمن الاسرائيلي تجوب المسجد الأقصى بنعالها، وتصبّ نيران غازاتها الخانقة وضربات عصيّها على المصليّن السّجدّ الركوع في المسجد المنكوب.

وفي ذكرى حزيران الثانية والخمسين، كانت أغلبية دول العربان تطبّع علاقاتها مع اسرائيل، وتنسّق معها أمنيّا وعسكريّا، في سبيل الاعداد لحرب بالوكالة على إيران، فأصبحت اسرائيل جارة صديقة وحليفة مأمونة الجانب، بينما أصبحت ايران دولة شرّيرة يجب المشاركة بحصارها، والاعداد للمشاركة في حرب عليها إذا صدرت الأوامر من ترامب ونتنياهو، فهل سيتقبّل الله طاعات من اجتمعوا في مكّة، وهم يقودون أمّتهم وشعوبهم وأوطانهم إلى الانتحار؟ وهل سيأتون القدس بعد عام في الذكرى الثالثة والخمسين لاحتلال القدس؛ ليصّلوا في الهيكل الذي سيقام على أنقاض قبّة الصّخرة المشرّفة يؤمّهم ترامب ويؤذّن لهم نتنياهو، وهل سيكثر علماء ومثقّفو السّلاطين الذين "سيُفتون" بأنّ المسجد الأقصى غير موجود في القدس؟ وسينالون تطبيلا اعلاميّا أكثر ممّا جرى" للعالم العلامة وحيد عصره وفريد زمانه الذي حصل على شهادة الدّكتوراة في فقه الضراط"؟ وهل سيعود السّادة اليهود "المساكين" لإقامة معابد لهم بجوار الكعبة وبجوار المسجد النّبويّ ليؤدّوا صلواتهم فيها؟ فكل شيء في زمن الرّدة جائز، فلا تستبشري يا قدس "بالحطّابين والسّقّائين" ممّن باعوا ضمائرهم للشّيطان، و"ليس بعد الليل إلا فجر صبح يتسامى."

وسوم: العدد 827