S-400 هدية أردوغان لترامب في عيد الاستقلال

اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تتلقى برقيات التهنئة في عيد الاستقلال، وهو في الغالب ما لم يتوقف، فبكل تأكيد أرسلت وزارات الخارجية في العالم برقيات تهنئة باسم رؤساء بلادها أو ملوكها وأمرائها، ففي اللحظة التي وقف فيها ترامب يخطب بعد عرض عسكري، يقول المراقبون إنه الأكبر، أراد به أن يرسل رسالة، صرح بها في كلمته التي ألقاها بعد هذا العرض حيث أكد أن بلاده “أقوى اليوم أكثر من أي لحظة أخرى على الإطلاق”.

لكن واقع الحال يقول عكس ذلك تماما، فقواته مهددة في العراق من ميليشيات تدعمها إيران، والآن أيضا يجلس دبلوماسيوه مع حركة طالبان بعد أن أذاقت قوات ترامب التي استعرضها أمام نصب لنكولن التذكاري في واشنطن العاصمة طعم الهزائم خلال ثمانية عشر عاما، وتسقط إيران واحدة من أهم طائراته الخمسة الاستخباراتية، ولم يستطع أن يرد حتى الآن، واكتفى بالتنديد والاحتفاظ بحق الرد، على طريقة بشار الأسد مع كل ضربة صهيونية تنتهك سيادة سوريا، مكتفيا ترامب بمزيد من العقوبات التي لم تؤتِ ثمارها على مدى عشر سنوات أو يزيد سواء على إيران أو أذرعها كحزب الله.

وفي عيد الاستقلال لم يفت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يطلق يده ببذخ في عطائه لترامب رئيس العالم والقادر بحرفية حلب عبيده، يؤكد الرئيس أردوغان أن منظومة الدفاع الجوي الأكثر تطورا في العالم S-400 ستصل تركيا في النصف الأول من شهر تموز/يوليو الجاري، ليؤمن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على ما أكده الرئيس التركي، بأن صفقة S-400 مع تركيا سيتم تحميل أول دفعة منها يوم السابع من شهر يوليو الجاري على متن طائرتي شحن من قاعدة جوية عسكرية روسية، فيما سيصل الفريق الفني الروسي الذي سيشرفعلى تركيب المنظومة وتدريب الأطقم التركية عليها إلى تركيا في اليوم التالي لوصول المنظومة الصاروخية.

وعلى الرغم من تصريحات ترامب من أنه لن يسمح بأن تمتلك تركيا المنظومة الدفاعية الروسية، وعلى الرغم من تهديده ووعيده، وعلى الرغم من استلاله سيف العقوبات على تركيا في حال إتمام الصفقة الصاروخية، إلا أنه باع كل شيء بثمن بخس تصريحات معدودة، دفعها الرئيس أردوغان أمام تمرير صفقة من أهم صفقات تركيا العسكرية، والتي من شأنها أن تغيير المعادلة العسكرية في المنطقة، فالرئيس التركي لام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على عدم بيعه منظومة باتريوت، وهو تصريح انتخابي يفيد ترامب المتردية شعبيته، ويبحث عن ملفات يضعف بها خصمه الديمقراطي المحتمل في الفترة الرئاسية القادمة، أمام صفقة يراها المتخصصون أنها الأهم لتركيا.

لكن هذا الثمن إن أظهر شيئا فإنه يظهر مدى ضعف هذا التاجر الذي يرى في السياسة صفقة موقفه دائما فيها الأفضل، بحكم قواته المتواجدة حول العالم، وسفنه الحربية المتمركزة في البحار والمحيطات، حاملات طائراته التي تسهل قصف وتدمير أي دولة في العالم حتى حلفاؤه لو لم يرضخوا، وهي رؤية تؤكد مدى ضحالة فكر هذا الرجل وفريقه الرئاسي، إذ أن القوة الأمريكية، صحيح أنها تستطيع أن تدمر العالم، لكنها لا تستطيع أن تصنع موقفا سياسيا أو تفرض رغبة التاجر الساكن في البيت الأبيض بالخطأ، واسألوا العراق وأفغانستان، وفنزويلا والمكسيك وغيرهم.

لقد فهمت القيادة التركية عقلية الإدارة الأمريكية، وعرفت قدراتها، كما استفادة من حالة الانقسام التي تعيشها هذه الإدارة، وتدني شعبية رئيسها، بعد سلسلة الإخفاقات التي سجت عليه والتي كان آخرها، ضعف تعامله مع أزمة إسقاط طائرة الاستطلاع المسيرة فوق إيران، والتي كانت الفيصل في اتخاذ القرار التركي في إتمام صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، فالناظر لتصريح ترامب في قمة العشرين في اليابان بعد لقائه الرئيس أردوغان يعي مدى خفة هذا الرجل وهوانه.

وسوم: العدد 832