ماذا يُريدون من مسرور البارزاني والحكومة الجديدة

للمرة الثانية يتعرض السلك الدبلوماسي التركي في الجوار للاعتداء. إذ سبق أن تعرضت القنصلية التركية في الموصل للاستهداف، كما خطف تنظيم داعش قرابة الـــ/50/ دبلوماسي تركي قبل أن تُعيدهم دون التعرض لهم. والمنطقة التي تعرض فيها نائب القنصل التركي للاغتيال، تشهد تواجد أمريكي ودولي أمني وعسكري وهي محصنة، لذا جاء الخطاب الأمريكي قاسياً، وبنبرة حادة؛ مخافة تكرار العمليات ضد تمثيل دول أخرى في الإقليم.

في أول رد لحكومة الإقليم، وصفت العملية بالإرهاب، ولعلها رسالة تقول إن الإرهاب أن عاد سيشمل الشرق الأوسط برمته وهو ما يعني المزيد من التنسيق والدعم الدولي لمحاربة الآفة التي لن تقتصر على الكورد فحسب، ولنا في الخروقات الأمنية في مطار أتاتورك والعمق الفرنسي مثالاً يحتذى به، عدا عن التفجيرات والاغتيالات في العراق وبعض الدول العربية. بالرغم من الاحتمال القوي لاستبعاد داعش من دائر الشبهات؛ فالعملية تحتاج إلى تخطيط ومعلومات دقيقة، ليس وضع التنظيم في حالة يسمح لهم بالوصول إلى تلك المنطقة، أو أن التنظيم يشهد إعادة ضبط وترتيب من جديد ويسعى نحو عمليات نوعية وخطيرة لم تكن ضمن مُخططاتهم، وهذه لوحدها تشي بالدعم على مستوى الدول أو بعض التنظيمات السياسية العميقة في دائرة ضيقة، يُمكنها تزويدهم بأدق التفاصيل.

تعودَ شعب كوردستان على ثقافة الغلو في الردود الإعلامية والخطابات السياسية وبل حتى العسكرية أيضاً، هدّف التهويل الإعلامي لبث التفرقة وصولاً للقطيعة بين تركيا وإقليم كوردستان، خاصة وأنها رمز لجغرافية آمن ووادعة وثاني الديمقراطيات بعد لبنان في وسط الحطام والبؤس العربي الذي فرضته الأنظمة، لكن ما فات هؤلاء أن زيادة التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي سيكون الرد على عملية الاغتيال.

بالرغم من عدم تبني أيَّ جهة للعملية إلى هذه اللحظة، فإن الرسائل لم تكن موجهة صوب الانتقام من تركيا وحدها، بل بالدرجة الأولى: للاستقرار الأمني والاقتصادي في الإقليم، خاصة وإنها جاءت في فترة تشهد مناطق كوردستان العراق ازدهارا سياحياً بلغ ذروته بعد أكثر من أربع أعوام من التضرر الكبير لقطاع الاستثمار السياحي، وثانيتها: رسالة تهديد وتحديداً العاصمة أربيل/هولير منطقة نفوذ البارتي ولما له من علاقات قوية مع جارتها تركيا، وتوجيه رسالة للتركيبة الحكومية الجديدة. وثالثتها: وهذه مُخصصة للرئيس الجديد للحكومة السيد "مسرور البارزاني" الذي شغل مناصب أمنية وعسكرية عديدة، وهذه أول مهمة وتكليف سياسي إداري رسمي على مستوى الإقليم ككل، وتبليغه عدم الرضا على برنامج حكومته وتعامله مع أطراف كوردية أخرى.

وبموازاة تلك الرسائل، يوجد هدف ثُنائي من العملية، مسج خاص لتركيا، حول سياساتها في الشرق الأوسط، وعدم اكتفاء أعدائها بالخطاب السياسي، وإن كان الصراع الدموي العسكري بينها وبين العمال الكورستاني في أوجه، خاصة وأن الأخير يسعى لكسر هيمنة العدالة التنمية سياسياً في تركيا، إلا أن للأخيرة خلافات حادة مع عدد من الدول الأخرى أيضا، ما يوسع دائر المشتبهين.

 وتوضيح محدد الأهداف موجه نحو البارتي والرئيس البارزاني الذين يخوضون صراعاً مخفياً جوهره تثبيت الحقوق والوجود القومي الكوردستاني في المنطقة، تماشياً وبموازاة ما شهده وستشهده المنطقة من تغيرات في التركيبتين السياسية والجغرافية وتأثيرهما على الوضعين الاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط، ولعل الأكثر دقة أن المرويات عن مسرور البارزاني تتجه صوب تمسكه بنتائج الاستفتاء على استقلال كوردستان 2017، وهو ما يؤرق دول الجوار وخاصة إيران والعمق العربي في العراق، الأولى أتبعت خطاباً ناعماً هادئاً لكنها فعلت كل ما بوسعها لإجهاض النتائج، والثاني لم يكن سوى أداة للتنفيذ.

الصورة المعممة على صفحات الإنترنيت والمواقع الرسمية لحكومة الإقليم، للمدعو مظلوم داغ والمتهم باغتيال الدبلوماسي التركي من مواليد1992، شقيق للنائب في البرلمان التركي عن ولاية ديار بكر السيدة "ديرسم داغ" المنتمي إلى حزب الشعوب الديمقراطية. يحمل رسالة ثلاثية التوقعات:

أولها: أن الجيل الجديد لم يُحمى بعدّ من عمليات القرصنة وغسل الدماغ، وإن الإرهاب لا يزال يجول في ملاعب المراهقين، خاصة وأنه لا يتجاوز26/27عاماً أو اقل، ما يعني أن لا خطط ولا استراتيجيات لحماية النشئ والجيل الجديد من شبح وخطر الانضمام إلى تلك التنظيمات.

والثانية: المعضلة التي تنتظر حزب الشعوب الديمقراطية والنائب "ديرسم" وإن لم يكن لها علاقة مُباشرة أو حتى مُجرد تواصل مع شقيقها، فإن التعميم وشمولية العائلة وتمثيلها الحزبي سيكونان أمام خطر الإبعاد أو رُبما إلصاق تهمة الإرهاب بأحد التركيبين السابقين. على أقل تقدير، سيُستخدم الخطاب الدعائي برمزية الإرهاب ضد الحزب المذكور.

أما ثالثتها: فإن الإقليم سيبقى يعيش تحت وطأة الجناة من أبناء الجلدة، وتاريخ الكورد مشهود بنماذج وتجارب لمن خانوا القضية الكوردية أو ساهموا في تأجيج وتذكية نار الصراعات بين بعضهم البعض أو مع خارج الدائرة الكوردية.

تعرض الصحفي أحمد زاويتي و طاقم عمل الجزيرة للضرب والإهانة في موقع الحادثة، دفع برئيس الحكومة للأشراف شخصياً وعبر مدير مكتبه، والناطق باسم الحكومة، والسكرتير الصحفي لدولة رئيس الوزراء، على متابعة القضية وإعادة الحق لنصابه وتقديم الاعتذار للصحفي، ومحاسبة العناصر والعسكريين المذنبين وفق ما نشره أحمد الزاويتي على صفحة الفيس بوك الخاصة به، ما يشي بأريحية للعمل الصحفي وحماية حقوقهم.

وسط تمثيل دبلوماسي رفيع المستوى، متعدد ومتنوع الجهات والدول. يبقى السؤال الأهم: لماذا تم استهداف التمثيل التركي تحديداً، وفي إقليم كوردستان على وجه الخصوص. وكوردستان العراق تعيش مرحلة الانتعاش مُجدداً ووضع الترتيبات النهائية لانطلاقة حكومة قوية ذي علاقات متينة مع دول الجوار. ورُبما، لا يُمكن استبعاد مآل القضية الكوردية في سوريا من نتائج وأهداف عملية الاغتيال.

وسوم: العدد 835