بوصلة السعودية والإمارات تضل الطريق

بوصلة السعودية والإمارات تضل الطريق وتتجه بانحدار شديد نحو الهاوية، فهل يستيقظ الحكام فيهما قبل السقوط الفظيع ووقوع المصيبة التي ستشمل البلاد والعباد؛ وقد لا ينجو منها أحد، لأن البلاء إذا وقع عم وشمل الجميع حكام ومحكومين، ودروس التاريخ وعبره كثيرة وكثيرة؟

يُعجب الإنسان في تفسير ما يحدث في السعودية والإمارات؛ وما أسباب تغيرهما من دولتين تحتضنان العلم والعلماء؛ إلى دولتين تتنكر للعلم والعلماء، وتصبحان مرتعاً للفسق والفجور وحفلات المجون؛ ومسارح للعهر والعارات، وإقامة معابد للشرك وتماثيل لبوذا وراما ورمز الحرية، وتوجهان كل امكانياتهما في ملاحقة العلماء داخل بلادهما والقبض عليهم ورميهم في سجون الظلم والظلمات، وتتعاون مع كل أنظمة الاستبداد  في الدول التي تقوم فيها أنظمة القمع والجور ومحاربة الدين وأهله، وفي التضييق على العلماء ومساعدة تلك الأنظمة في القبض عليهم وملاحقتهم، ولم ينج من أجهزة أمنها حتى العلماء العرب والمسلمين؛ الذين جاؤوا إلى هذه البلاد لنشر العلم والفضيلة والقيم والأخلاق، في كل مناحي الحياة العامة والاجتماعية، بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، ولم نعهد لكل من ألقت القبض عليهم والتضيق على من بقي خارج السجون إلا التمسك بالفضيلة والدين الوسطي المعتدل الذي يمتثل بقول الله تعالى:

"أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين".

وإن ننسى فإننا لن ننسى احتضان الدولتين لآلاف العلماء والمفكرين والأساتذة والأطباء والمهندسين، الذين فروا بدينهم من ديارهم خشية بطش الحكام فيها وظلمهم، وما أصدروه من قوانين تجرمهم وتجرم أقرباءهم حتى الدرجة الرابعة، ومثال ذلك قانون العار رقم(49/1980) الذي أصدره طاغية سورية حافظ الأسد، والذي يقضي بإعدام كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين، وعاشوا في ذينك البلدين معززين مكرمين آمنين، ومعروف عن السعودية أنها بلد كل مسلم مضطهد في العالم؛ كما أعلن الملك عبد العزيز عند تأسيس دولته، وكان لهم الفضل في تنشئة أجيال من البلدين يتحلون بالعلم والأخلاق والفضيلة والقيم الإسلامية الرفيعة؛ والسلوك المستقيم والاعتدال والوسطية، وهؤلاء كان لهم الفضل في قيادة سفينة الحضارة والتقدم في كلا البلدين.

وقد تعود هؤلاء العلماء وهم أحرار أن يصدحوا بقول الحق وإدلاء النصيحة للحكام دون حساب لملاحقة أو اعتقال، مـتأسين بقول الصديق رضي الله عنه: "رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي"، وقول الفاروق عمر: "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها".

وكان جزاء هؤلاء التنحية والابعاد والسجن والاعتقال بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، بدل التقدير والشكر والامتنان والثناء، وهذا يذكرنا بما فعله الملك النعمان بالمهندس "سنمار" الذي بنى له قصره "الخورنق" ولم يكن له مثيل أو شبيه في عصره، وكان جزاؤه أن ألقاه النعمان من سطح القصر ليموت ويموت معه سر بناء هذا القصر المنيف، وراح هذا الفعل مثلاً للتنكر للجميل فيقال: "جزاء سنمار"، وهذا ما حصل مؤخراً من قبل حكام السعودية والإمارات.    

فقد شنت السلطات السعودية منذ أيلول 2017 حملة اعتقالات وملاحقات استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وغيرهم، بلغ عددهم أكثر من سبعين شخصا، وتتم الاعتقالات من دون أمر قضائي أو مذكرة إلقاء القبض، وهي طريقة تشبه عمليات الاختطاف، ويمنع المعتقل من التواصل مع ذويه أو توكيل محام لمتابعة قضيته. 

ولا تكشف السلطات السعودية عن هوية المعتقلين ولا عن عددهم، ولكن مغردين سعوديين أكدوا في 11 أيلول 2017 نبأ اعتقال عشرين شخصية معظمهم من الدعاة، منهم بعض الدعاة المشهورين على شبكات التواصل الاجتماعي، ولديهم ملايين المتابعين، ومن أبرزهم: "سلمان العودة، وعوض القرني، ومحمد العريفي، وعائض القرني" وغيرهم كثير.

وكان آخر المعتقلين من هؤلاء الأئمة خطيب الحرم المكي الشريف الشيخ صالح آل طالب بعد نهاية خطبة الجمعة الماضية، وقبله تم اعتقال الدكتور محمد صالح الخضري الفلسطيني الجنسية والذي ينتمي لحركة حماس، وكان المسؤول عن العلاقة بين الحركة والسعودية، والذي كان يقيم في السعودية لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان، ولم يشفع له سنه وقد تجاوز الثمانين من العمر عند اعتقاله، ويشكو من عدد من الأمراض العضال، ولا كونه قامة علمية وأحد أبرز الأطباء الاستشاريين في مجال (الأنف و الأذن و الحنجرة)، ولا بخدماته النضالية التي عرفت عنه خدمة للقضية الفلسطينية.

ولقد كشفت مؤخراً بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي؛ أن هناك عدد من الدول العربية والإسلامية تطالب البلدين السعودية والإمارات بالإفراج عن مواطنيها المعتقلين في كلا البلدين، أو تقديمهم لمحاكمة نزيهة وعادلة.

نتمنى على السعودية أن تنظر في الحال الذي وصل إليه العلماء الدعاة في بلدها من الخوف والخشية من الاعتقال أو التضييق أو الإبعاد؛ وتصدّر علماء السوء والسلطان، وتصحح مسيرة بوصلتها وتعود بالسعودية إلى ما كانت عليه أيام كانت السعودية بالفعل بلد الحرمين الشرفين، الذي يحج إليها المسلمون وتهفو إليها قلوبهم، وتتسم بالأمن والأمان وحسن الضيافة ورعاية الحجاج والمعتمرين على مدار السنة.

فهل تفعل ذلك السعودية وتنجو من غضب الله وسوء المنقلب ويكون لملكها نصيب من اسمه (خادم الحرمين الشريفين)!!

وسوم: العدد 843