حان وقت الدفع: المديونية تسد آفاق دبي المالية

مقدمة

مر عقد على اندلاع الأزمة العقارية في دبي، وما ترتب عليها من ديون عامة هائلة. ورغم الإصلاحات اشتدت حالياً الأزمة المالية. فلا يزال العجز المالي مستمراً، الأمر الذي يستوجب الحصول على الموارد اللازمة لتغطيته، فارتفع العبء الضريبي على المواطنين وتصاعدت المديونية الحكومية. كما باتت ديون الشركات التابعة للحكومة مرتفعة جداً بمختلف المقاييس. وهكذا تفاقمت المديونية العامة فأصبح حجمها يفوق بكثير الناتج المحلي الإجمالي للإمارة.

لم تعد الأزمة المالية مقتصرة على ديون مؤسسة دبي العالمية بل تشمل أيضاً الهبوط المستمر في أرباح مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية.

في العام 2009 أدت عوامل السوق إلى هبوط قيم العقارات. وفي العام 2019 أصبح الوضع أكثر تعقيداً نتيجة تدخل عوامل أخرى ذات بعد سياسي لم تكن معروفة آنذاك.

فقد اندلعت حرب اليمن واختارت الإمارات المساهمة فيها فعلياً. يتطلب هذا الموقف رصد أموال طائلة لتمويل العمليات الحربية. كما تأثرت بشدة وبصورة سلبية المكانة المالية والسمعة المصرفية لدبي.

ثم اتخذت الإمارات إلى جانب السعودية والبحرين ومصر قراراً بفرض حصار على قطر الذي أضر بسائر المنطقة، وعليه انخفضت المبادلات التجارية بين قطر ودبي، وسجلت منطقة جبل علي الحرة خسائر مالية بسبب عدم مرور السلع منها وإلى قطر، ناهيك عن منع القطريين من الاستثمار في عقارات الإمارات.

وجاءت العقوبات الأمريكية ضد إيران للعام 2018 لتعيق حركة التجارة بين دبي وإيران. فقدت دبي أهميتها التجارية مع إيران، وخسر ميناء الإمارة الرسوم التي كان يتقاضاها من هذه التجارة.

استمر تراجع قيم العقارات، وتهاوى مؤشر بورصة دبي في العام الماضي بنسبة عالية، أضف إلى ذلك تباطؤ حركة السفر، وانهيار شركات عملاقة كما حدث لمجموعة أبراج في النصف الثاني من العام المنصرم (2018)، والعجز المالي المزمن، والارتفاع الهائل للديون العامة، وكذلك تصاعد العبء الضريبي نتيجة إدخال ضريبة القيمة المضافة في بداية العام الماضي (2018) وما ترتب على ذلك من ارتفاع أسعار استهلاك السلع والخدمات، ورحيل أعداد كبيرة من العمال الأجانب. هذه المشاكل عندما تحدث في ظلّ أزمة مالية حادة تطرح على نحو ملح تساؤلات حول جدوى نموذج دبي الاقتصادي.

العجز المالي

حسب النظام الاتحادي للدولة تتمتع كل إمارة باستقلالها المالي الكامل. فهي مسؤولة عن تحديد إيرادات ونفقات ميزانيتها. أما الميزانية الاتحادية فتموّل من قبل أبو ظبي بالدرجة الأولى مع مساهمة جزئية من دبي.

تقع إذن السياسة المالية على عاتق حكومة الإمارة، ولا توجد التزامات قانونية بمشاركة إمارة ما في تمويل عجز إمارة أخرى. لذلك فإنّ القروض المقدمة من إمارة إلى أخرى، لها -من الزاوية الاقتصادية- نفس مواصفات القروض المقدمة من دولة إلى أخرى. وبموجب النصوص الدستورية فإنّ الثروات الطبيعية لكل إمارة ملك لها فقط.

في العام 2019 قُدّرت إيرادات دبي بمبلغ 51.0 مليار درهم (نحو 14 مليار دولار) موزعة على النحو التالي: الرسوم 64%، والضرائب 25%، وعوائد النفط 8%، وأرباح الاستثمارات الحكومية 3% (1). وقد سجلت هذه الإيرادات زيادة قدرها 1.2% مقارنة بالعام السابق رغم تخفيض بعض الرسوم لمدة ثلاث سنوات بهدف تحريك الأنشطة الراكدة.

وقُدّرت النفقات العامة بمبلغ 56.8 مليار درهم. وهي موزعة على الشكل التالي: مصروفات إدارية ومنح ودعم 47%، ومرتبات وأجور 32% (2). أما الباقي فينصرف إلى أبواب أخرى كالاستثمارات في البنية التحتية لا سيما أكسبو. ولم ترتفع النفقات مقارنة بالعام السابق إلا بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 0.4%.

يتبين إذن أنّ حجم العجز للعام الجاري بلغ 5.8 مليار درهم أي 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي. في حين يتفق الخليجيون على ضرورة عدم تجاوز العجز 3% (3).

تطبق دبي برنامج الإصلاح المالي الذي أفضى إلى نتيجة إيجابية من الناحية الحسابية، فقد نجحت الحكومة في تقليص العجز، لكنّ الثمن كان على حساب المواطنين ويتجلى بفرض ضرائب جديدة خاصة الضريبة على القيمة المضافة التي أسهمت إلى جانب الضريبة الانتقائية (على سلع محددة) في ارتفاع الأسعار. كما أنّ النتيجة الإيجابية المتحققة أقل من النسبة المستهدفة، وهذه مشكلة تعرفها دول خليجية أخرى خاصة السعودية. وتم التوصل إلى خفض العجز عن طريق تقليص الاستثمارات وليس النفقات العادية. وقد بينت وثيقة رسمية بأنّ النتائج الإيجابية للسنوات السابقة جاءت على إثر انخفاض الاستثمار قياسا بالإنفاق الكلي لميزانية دبي من 36% في العام 2010 وإلى 11% العام 2014 (4).

بطبيعة الحال يتعين في جميع الحالات تغطية العجز المالي، وتعتمد دبي في ذلك على القروض، وبسبب العجز المزمن تراكمت ديون الحكومة إلى جانب ديون الشركات التابعة لها.

تفاقم الديون العامة

نتيجة لضعف الشفافية لا توجد في الإمارات، بما فيها دبي، إحصاءات رسمية حول الديون العامة، لذلك تختلف التقديرات اختلافاً كبيراً بسبب تباين طرق الحساب.

حسب بنك سامبا السعودي تصل ديون دبي إلى 113 مليار دولار في مطلع عام 2016 (5). وفي تقرير لبنك سويسري قدرت ديون الإمارة بمبلغ 129 مليار دولار أكثر من ثلثها مستحق على مؤسسة دبي العالمية التابعة للحكومة (6). وتشير وثائق أخرى إلى 170 مليار دولار (7). وتبلغ التقديرات وفق وثيقة رسمية فرنسية 190 مليار دولار في العام 2016 (8). لكن تقريراً بريطانياً للعام 2013 يؤكد على أن ديون دبي 235 مليار دولار: ديون حكومية بمبلغ 142 مليار دولار، وديون الشركات التابعة للحكومة قدرها 93 مليار دولار (9).

نجمت ديون حكومة دبي عن العجز المالي المزمن كما ذكرنا، أما ديون الشركات التابعة لها فتعود بالدرجة الأولى إلى مؤسسة دبي العالمية عندما لجأت مراراً خلال الفترة بين 2004 و2009 إلى الاقتراض لتمويل مشاريع عملاقة منها جزر النخيل وجزر العالم والمدينة العالمية. في نهاية الفترة بلغت ديون هذه المؤسسة 59 مليار دولار، أهمها المستحقات على شركة نخيل التابعة لها، ثم استمرت سلسلة الاقتراض حتى وصلت إلى الحالة الراهنة.

تتضح خطورة الديون العامة في دبي من خلال السمات الخمس التالية:

السمة الأولى: ارتفاع عبء الديون: لا تقاس الديون العامة بحجمها فحسب بل كذلك وبصورة خاصة بعلاقتها مع المؤشرات الاقتصادية الكبرى. ويعتبر معيار علاقة حجم الديون بالناتج المحلي الإجمالي أكثر المعايير استخداماً وأسرعها في استخراج المعلومات. ومن المتفق عليه أن 60% هو الحد الأقصى الذي يجب عدم تخطيه حتى تكون المالية العامة سليمة، لذلك ذُكرت هذه النسبة في الوثائق الخليجية المتعلقة بمشروع العملة الخليجية الموحدة (10). ولمّا كان الناتج المحلي الإجمالي لدبي 105 مليارات دولار وانطلاقاً من التقديرات المذكورة آنفاً، نستنتج بأن ديون دبي تتراوح بين 107% و223% من الناتج المحلي الإجمالي. أي أنّها من المعدلات العالية جداً على الصعيد العالمي، وتدل دلالة أكيدة على وجود أزمة حقيقية لا تقوى الإمارة على التصدي لها، لذلك استغاثت بأبو ظبي.

السمة الثانية: دعم أبو ظبي: في نهاية عام 2009 قررت أبو ظبي منح عشرة مليارات دولار لدبي، كما منح المصرف المركزي الإماراتي دعماً بقيمة عشرة مليارات دولار أيضاً (القسط الأكبر من أموال هذا البنك يعود إلى العاصمة)، خُصصت هذه المبالغ لدفع الديون المستحقة على شركات دبي.

تضمنت هذه القروض شروطاً معلنة سهلة التحمل من حيث أسعار الفائدة ومدة السداد. فقد حُدد سعر الفائدة بنسبة 1% فقط في حين لا تقل الأسعار عادة عن 4%. أما مهلة السداد فهي خمس سنوات قابلة للتمديد (11). وتجري حالياً الاستعدادات للتمديد الثاني لهذين القرضين.

كانت الأوساط المالية تتوقع أن تقدم أبو ظبي دعماً مالياً يغطي على الأقل الجزء الأكبر من ديون دبي نظراً لارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة حيث وصلت إلى ثمانين دولاراً للبرميل، الأمر الذي يشير إلى تحسن إيرادات العاصمة الغنية بالنفط، لكنّ عوامل عديدة حالت دون تقديم الدعم الكامل. من هذه العوامل خشية انتقال عدوى الأزمة إلى الإمارات الأخرى بما فيها أبو ظبي. وتصاحب الدعم الكامل شروط قد يصعب على دبي تحقيقها. حسب تصريحات بعض المسؤولين (12) كان الدعم الجزئي من أبو ظبي يتضمن شروطاً غير معلنة منها تقليص دبي تبادلها التجاري مع إيران.

أعطت العشرون مليار دولار نفساً جديداً لمالية دبي المختنقة، وبالنظر لهذه الأهمية يضعف الموقف السياسي لدبي تجاه أبو ظبي خاصة في ملفات صراعات المنطقة بما فيها الحصار ضد قطر والحرب في اليمن.

السمة الثالثة: الاقتراض لخدمة الديون القديمة: لم تعد دبي تقترض للاستثمار بقدر ما تقترض لخدمة ديونها القديمة، فقرض أبو ظبي والقروض اللاحقة خير دليل على ذلك. والاقتراض الجديد لسداد الديون القديمة من أسوأ أشكال التمويل، ويدل على عدم وجود المقدرة على توفير الأموال اللازمة للوفاء بالالتزامات المالية، لكن خدمة الديون القديمة لم تجرِ بسهولة بسبب مشكلة الضمان الرسمي لديون الشركات.

السمة الرابعة: مشكلة ضمان ديون دبي العالمية: تتمتع مؤسسة دبي العالمية بشخصية معنوية مستقلة، لها بالتالي الأهلية الكاملة في إبرام العقود بما فيها القروض، بيد أن هذا الوضع لا ينفي عنها تبعيتها للحكومة، على سبيل المثال يتم تعيين مجلس إدارتها من قبل حاكم الإمارة. عندما اندلعت الأزمة المالية لهذه المؤسسة صرح مسؤول حكومي بأنّ على الدائنين تحمل مسؤولية قرارهم بمنح القروض. ويرى من الخطأ الاعتقاد بأن دبي العالمية جزء من الدولة (13).

إنّ تنصّل الحكومة من ضمان ديون مؤسسة دبي العالمية التابعة لها مباشرة يقود بالضرورة إلى أزمة خطيرة ترتبط بثقة المستثمرين بمالية الإمارة. ديون جميع شركات القطاع العام يجب أن تكون مضمونة من قبل الحكومة حتى وإن لم ينص عقد القرض صراحة على هذا الضمان، وبدون ذلك الضمان تدار المالية العامة ومالية الشركات الحكومية بصورة سيئة للغاية. لا شك أنّ حكومة دبي قررت سداد ديون مؤسسة دبي العالمية، لكن هذا السداد كان بفضل دعم أبو ظبي.

الديون المترتبة على الشركات الحكومية جزء من الديون العامة، بل هنالك اتجاهات حديثة تدعو إلى حساب ديون البنوك الخاصة ضمن الديون العامة (14)، لأن ديون المؤسسات المصرفية الخاصة تنعكس مباشرة على مالية الدولة، فما بالك بالمؤسسات الحكومية.

إن تراكم الديون العامة، وعدم رغبة حكومة دبي في ضمان الالتزامات المالية للشركات التابعة لها، وتزايد العجز المالي أدى إلى تراجع التصنيف الائتماني لعدة شركات حكومية.

السمة الخامسة: هبوط التصنيف الائتماني. خفّضت وكالة موديز تصنيف بنوك رئيسية وهي: بنك الإمارات، دبي الوطني، وبنك المشرق، وبنك دبي الإسلامي. واستندت في ذلك إلى عدم قدرة هذه المصارف على تحقيق الأرباح التي كانت تحققها في السابق (15). وخفّضت أيضاً تقييمها لشركة إعمار، وهيئة كهرباء ومياه دبي، وشركة منطقة جبل علي الحرة، ومؤسسة دبي القابضة. وعللت ذلك بقبول حكومة دبي تأجيل سداد مستحقات الديون المترتبة على هذه الشركات.

كما قررت ستاندرد أند بورز في نهاية عام 2018 تخفيض تصنيفها الائتماني لهيئة كهرباء ومياه دبي من زائد بي بي بي إلى ناقص بي بي بي مع نظرة مستقبلية سلبية (16). بعد أن رفعته في منتصف عام 2016، وقالت الوكالة إن السبب هو تدهور قدرة حكومة دبي على تقديم الدعم لمؤسساتها العامة.

ومن المعلوم أن تراجع التصنيف الائتماني خاصة من قبل هاتين الوكالتين العالميتين يعني وجود مخاطر في الاستثمار يؤدي إلى صعوبة الحصول على قروض جديدة بشروط مقبولة.

ترتفع إذن الديون العامة دون أن يتحسن الوضع الحسابي للشركات التابعة للحكومة. بل تشهد أكبر مؤسسة عامة هبوطاً في أرباحها منذ عدة سنوات.

تراجع أرباح دبي للاستثمارات الحكومية

في العام 2006 تم إنشاء صندوق سيادي تابع لحكومة دبي يسمى "مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية". يبلغ رأسماله 233.8 مليار دولار (17) أي أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي لدبي. الأمر الذي يشير إلى الدور الذي يلعبه من النواحي المالية والتجارية والاستثمارية. وبهذا الحجم يمثل صندوق دبي المرتبة العالمية الثالثة عشر بين الصناديق السيادية. وعند إضافة جهاز أبو ظبي للاستثمار، ومبادلة، وهيئة الإمارات للاستثمار، نستنتج بأن رأسمال صناديق الإمارات يساوي 1176 مليار دولار. وبذلك تسجل الدولة المرتبة العالمية الثانية بعد الصين.

وتملك مؤسسة دبي للاستثمارات بصورة جزئية عشرات الشركات الضخمة مثل: بنك دبي الإسلامي، وبنك دبي التجاري، وشركة طيران الإمارات، وشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وبرج خليفة، ودبي مول.

تستغل المؤسسة أموالها في أربعة قطاعات أساسية: التمويل والنقل والصناعة والعقارات. وخصصت لها على التوالي 33.4% و18.2% و17.4% و16.0% من رأسمالها (18).

يتعين النظر إلى أرباح المؤسسة من زاويتين: انخفاض حجمها، وضعف دورها المالي.

الزاوية الأولى: انخفاض حجم الأرباح من الناحيتين الكلية والفرعية. السمة الأساسية للأرباح الكلية هبوط حجمها. ففي العام 2014 بلغت الأرباح السنوية 28.4 مليار درهم، وتراجعت إلى 27.5 مليار درهم في العام 2015 وإلى 22.1 مليار درهم في العام 2016. وفي النصف الأول من العام 2017 بلغت 10.3 مليار درهم، وهبطت مرة أخرى إلى 10.0 مليارات درهم في النصف الأول من العام 2018 (19).

نجَم هذا التقهقر عن سببين أساسيين. السبب الأول تزايد المصروفات الإدارية للمؤسسة التي انتقلت من 8.2 مليار درهم في النصف الأول من العام 2017 إلى 9.2 مليار درهم في النصف الأول من العام 2018. ويرتبط السبب الثاني بتباطؤ المبيعات مقارنة برأس المال، فقد انتقلت المبيعات الإجمالية للمؤسسة من 192.0 مليار درهم في العام 2014 أي 36.8% من رأسمالها وإلى 176.3 مليار درهم في العام 2016 أي 22.8% من رأسمالها. ولا توجد إشارات تحسن في الوقت الحاضر.

أما نتائج الأرباح الفرعية فتختلف حسب ميدان الاستثمار. تُبين الإحصاءات بأنّ المؤسسة حققت في النصف الأول من العام 2018 ربحاً صافياً في قطاع التمويل قدره 6210 ملايين درهم. أي تشكل الأرباح الصافية 2.1% من رأس المال المخصص لهذا القطاع. وهي نسبة متدنية. أمّا قطاع الصناعة فقد حقق في هذه الفترة ربحاً صافياً بقيمة 1434 مليون درهم أي 0.9% فقط من رأس المال المخصص لهذا القطاع (20).

ويعاني قطاع النقل عدة مشاكل أفضت إلى نتائج سلبية، فقد هبطت بشدة أرباح شركة طيران الإمارات خاصة في العام 2018. نجم هذا الانخفاض -حسب هذه الشركة- عن ارتفاع فاتورة الوقود، وتردي أسعار صرف عملات دول عديدة مقابل الدولار كإيران والهند والبرازيل، مما أثّر على مبيعات التذاكر. ومن جهة أخرى سجلت شركة فلاي دبي خسارة أيضاً. كما استثمرت المؤسسة في شركات أوروبية خاسرة أساساً منها اليطاليا وأير برلين. وعند العودة إلى حسابات المؤسسة نلاحظ خسائر في قطاع النقل في النصف الأول من العام 2018 بمبلغ 408 ملايين درهم (21).

ولا توجد في الميدان العقاري بيانات كافية حول نتائجه الحسابية. وانطلاقاً من الأزمة العقارية في دبي نستنتج بأنّ هذه النتائج سلبية كما هو حال النقل، وعدم الإعلان عنها صورة أخرى من صور تدني شفافية المؤسسة.

الزاوية الثانية: ضعف الدور المالي للأرباح. الحكمة من إنشاء صندوق سيادي تنويع مصادر الدخل، والمساهمة في تمويل ميزانية الدولة. وتقوم صناديق بلدان مجلس التعاون الخليجي بهذه المهمة بفاعلية مختلفة.

في دبي وصل حجم العجز المالي المُقدر في العام 2019 إلى 5.8 مليار درهم كما ذكرنا. للوهلة الأولى يمكن لأرباح مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية البالغة عشرين مليار درهم في السنة تمويل هذا العجز بسهولة، ولكنّ هذه الأرباح لا تعود إلى الحكومة فقط بل كذلك إلى المساهمين في الشركات التابعة للمؤسسة، وهؤلاء مواطنون وأجانب كذلك، أي لا تملك الحكومة جميع أسهم هذه الشركات. فعلى سبيل المثال تملك الحكومة 56% فقط من أسهم بنك الإمارات دبي الوطني، وتنخفض النسبة إلى 28% في بنك دبي الإسلامي. في نهاية المطاف لم تحصل ميزانية 2019 إلا على 1.5 مليار درهم من استثمارات جميع المؤسسات الحكومية، ويمثل هذا المبلغ 3% من إيرادات الإمارة، ولا يساوي سوى ربع حجم العجز المالي.

خاتمة

حققت دبي إنجازات كبيرة في ميادين مختلفة خاصة في العقارات والخدمات المصرفية، وأحرزت الإمارة تقدماً لا يستهان به دون الاعتماد على عوائد الموارد الطبيعية. وهكذا برزت عدة دراسات وتقارير تقوم على المقارنة بين اقتصاد قائم على الإيرادات النفطية والغاز الطبيعي (دول منطقة الخليج) واقتصاد قائم على العقارات والسياحة (دبي). لكن هذه المقارنة وبغض النظر عن نتائجها غير منطقية لأنها تعتمد على مؤشرين غير متجانسين. إذ لا يمكن مقارنة مصدر تمويلي بنشاط اقتصادي بل ينبغي أن تجري بين مصادر التمويل أي بين إيرادات النفط والغاز الطبيعي من جهة والقروض والرسوم من جهة أخرى.

تستنتج هذه الورقة إذن أنّ النموذج الاقتصادي لدبي مبني على الاستدانة، وما أن تُستحق الديون حتى تبرز مساوئ النموذج.

مشكلة دبي المالية تختلف عن مشاكل الدول التي تعتمد على عوائد النفط. فعندما تنخفض أسعار الخام وتهبط بالتالي الإيرادات العامة تحاول هذه الدول تقليص نفقاتها العامة لتعالج المشكلة أو تخفف من حدتها. لكن تقليص الإنفاق العام لا يكفي إطلاقاً للتصدي لأزمة الديون. بل لا بد من الحصول على الأموال للوفاء بالالتزامات المالية أو الاتفاق مع الدائنين بغية تأجيل الدفع.

الحصول على الأموال ليس سهلاً تحت وطأة تراجع الأرباح الصافية لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، لذلك استدانت دبي من جديد لدفع الديون القديمة، وعقدت اتفاقات لإعادة برمجة المستحقات. علماً بأنّ هذه الاتفاقات لا تُمثل في حقيقتها معالجة للأزمة بل تؤجل تداعياتها. ويرفض نموذج دبي أساساً تقليص الإنفاق العام غير الاستثماري، الأمر الذي أدى إلى تدهور مالي خطير.

لا شك أن قرض أبو ظبي في العام 2009 نعمة أنقذت مالية دبي من الانهيار، لكنه كغيره من القروض نقمة عندما يحين موعد خدمته. إنّه نقمة رغم شروطه السهلة وحتى وإن قررت العاصمة في المستقبل إعفاء دبي كلياً منه، لأنّ هذا لن يحدث إلا بمقابل تجاري أو (و) سياسي.

يدل نموذج دبي على أن التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية وتحسن مستوى معيشة المواطنين لا تقوم على الاستدانة المفرطة.

وسوم: العدد 852