اليمن والتجربة العمانية

clip_image002_395c7.jpg

هل نكون صادقين مع أنفسنا ونستقري تاريخنا ماضيا وحاضرا بصدق وأمانه بعيد عن المحاباة والمجاملة وبعيدا عن المصالح والمنافع حتى نستطيع ان نرسم طريقا واضحا مستقيما للمستقبل0

ونجعل الوطن فوق كل اعتبار ومصالحة الوطن فوق المصالح الشخصية.

أنا لن استعرض تاريخ شعبنا قبل الاستقلال أو قبل الوحدة أو بعد الوحدة فتاريخنا واضح ومعروف للقاصي والداني من كثر الصراعات وكثر الحروب وكل من حكمونا بدون استثناء في الشمال أو الجنوب لم يغادروا سدة الحكم إلا بمهانة الإعدام أو التفجير أو الطرد أو الهروب .

لقد استأثروا بحكم البلاد أصحاب المصالح والمنافع تساندهم طوابير من المنتفعين أعمت بصرهم وبصائرهم مصالحهم ومنافعهم الخاصة00 فالمستفيدين من النظام الشمولي في الجنوب يمجدونه والمستفيدين من النظام الجهولي يعظمونه0 وكلاَ يطرح ما لديه من المبررات والإيضاحات وكل نظام يظهر أخطاء النظام الآخر0لكن المصالح الوطنية للأكثرية الساحقة من شعبنا الأبي لا احد ينظر إليها أو يتطرق لها حتى الأحزاب لا تخرج من نطاق هذا المنظور 0

أنا لن ادخل في تفاصيل أكثر من ذلك وسبق أن شرحت وحللت النظامين في الشمال والجنوب في موضوع سابق..  ( الوحدة اليمنية بين الزيف والحقيقة ) الذي حجب ومسح من المواقع الالكترونية

.

 واليوم سوف اطرح موضوع هام هو اليمن و التجربة العمانية ومن خلال هذا الموضوع نستطيع تقويم تجربتنا أو بل اصح تجاربنا المتتابعة التي لا نكاد ان نخرج من الواحدة حتى تطل علينا الأخرى بتبعاتها المأساوية وقبل الدخول في الموضوع أود أن أقول ان كثير من الأجيال لم تكن تعرف ان عدن كانت قبل الاستقلال مركزا ثقافيا وإعلاميا وتجاريا وحضاريا و أنها من أقوى المدن حضاريا وتقدما على مستوى الجزيرة العربية كاملة في ذلك الوقت ولها السبق الأول في كثير من الانجازات فعل سبيل المثال لا الحصر فتلفزيون عدن أول بث في الجزيرة العربية0ناهيك عن ميناء عدن الاستراتيجي وخطوط الطيران 0وجيش محمية عدن أول جيش نظامي في الجزيرة العربية وقد ذهبت كتائب من هذا الجيش إلى عمان وأبو ظبي والشارقة والبحرين عند ما كانت بريطانيا تحتل تلك البلدان 0 واطرح هذا القول للمتصفح حتى يعرف حجم الواقع المرير والأليم الذي عشناه ولا زلنا نعيشه ونتجرع مرارته وبدلاً من الاعتراف بالأخطاء لم نسمع من هذا وذاك إلا بالتباهي والتفاخر بالمنجزات.. لم نسمع أسفا ولا ندما على تلك الأرواح التي أزهقت 

.

التجربة العمانية المتتبع لمسيرة السلطنة العمانية وهي تستحث الخطى جاهدة بكل عزم من اجل اللحاق بركب الحضارة والدول المتقدمة وبلوغ الأهداف التي رسمها وسار عليها قائد مسيرتها السلطان قابوس 0ولم يتحقق هذا النجاح لشَعب العماني بين عشيه وضحاها وإنما كان نتيجة طبيعية لجهود مضنية وعمل دءوب متواصل وثمرات طيبة لسنوات من البذل والعطاء والإخلاص والانتماء الوطني والتخطيط السليم والوعي القيادي والشعبي والالتحام والتفاهم التام بين القيادة والقاعدة0

.

قبل أن يتولى السلطان قابوس حكم البلاد فقد كانت الحياة المعيشية لشعب العماني شبيهة إلى حد كبير بحياة الشعب اليمني في الشمال قبل ثورة 26 سبتمبر في جميع نواحي الحياة بشكلها العام اقتصاديا واجتماعيا وعلميا وثقافيا الخ00 وكان كثير من العمانيين يعيشون في الغربة نتيجة هذه المعاناة 0 وعند ما تولى السلطان قابوس بن سعيد الحكم نقل البلاد من حالً إلى حال ومن عصر إلى عصر0 يمكن القول ان الثقة هي السمة المميزة التي يتمتع بها المجتمع العماني منذ ان تولى الحكم السلطان قابوس0 وبداء يخطو خطواته الأولى نحو تنفيذ برامج التنمية الشاملة متحديا بذلك كل ما كان يعترض طريقه نحو تحقيق آماله في اللحاق بعصر التطور والتقنية واستطاع ان ينهض بشعبة ويحقق أهدافه بعزم وثقة وإصرار غير آبه بكل أنواع الصعاب التي تعترضه0 انه زعيم حقيقي وسياسي محنك يعمل بصمت بدون ضجيج ولا طبل ولا زمر ولا مظاهرات ولا شعارات فارغة وإنما يترك الأعمال هي التي تتكلم وتعبَر عن نفسها00

.

عندما تولى السلطة كانت أولى خطواته توحيد الشعب العماني ونبذ الخلافات واستطاع بأعجوبة نادرة وبحنكة سياسية عظيمة إنهاء الجبهات المسلحة المعارضة ( ثوار ظفار) وضم تلك العناصر إلى جانبه لتشارك وتساهم في بناء الوطن 0( وهذه المجاميع المسلحة المعارضة كانت تحتضنها اليمن الجنوبية التي أخذة على عاتقها من بداية أمرها تصدير الثورات إلى دول الجوار بدلا من التركيز على البناء والتطور البلاد ولم شمل جميع أبناء الوطن المشردين والمهَجَرين وإشراكهم في عملية البناء والنهوض بالبلاد ) والبحث عن الثروات المخزونة تحت الأرض لتنمية البلاد والارتقاء بشعبنا...

واقعة تستحق التسجيل عندما علم قابوس انع عد من العمانيين يعملون عمال نظافة في دولة خليجية أرسل لهم باخرة  وطلبهم ووعدهم بعمال وقام هؤلاء العمانيين باحتفالية يرقصون و يغنون ويرددون ارفع راسك يا عماني  اترك...السلة لليماني . اما المعارضين الثوار انخرطوا في مؤسسات الدولة كافة منهم من مسك وظائف سيادية في اعلى هرم الدولة وساهموا في بناء عمان

.

انظروا للفرق بين العقلية الراقية والعقلية المتخلفة 

ومن خلال الفكر العميق والفهم للواقع أدرك السلطان قابوس ان الإنسان هو محور قصة الحياة وقضية الوجود وأساس النهضة الحضارية والإنسان وهو الذي يصنع الأحداث والتاريخ ولهذا ركز على صناعة الإنسان العماني قبل إنشاء مصانع الآلات واستطاع ان يجلب كافة العمانيين المنتشرين في ارض الله الواسعة والعودة بهم إلى ارض الوطن ( عكس ما فعله الرفاق ! قتل الإنسان  وتشريد المواطن  )

ويرجع نجاح التنمية في تلك الدولة الفتية إلى عدة عوامل ولكنني ألخصها في إرادة قائد وعزيمة شعب وثق بقائدة ومنحه الولاء والتف حوله واستطاع هذا القائد أن يحقق ما كان في نظر الكثير من العمانيين من أصعب المستحيلات في ظل نظام لأسرة البوسعيدية وجعلها حقائق ملموسة ومكاسب وانجازات شملت جميع أنحاء السلطنة المترامية انجازات عظيمة تنموية حضارية متوازنة نقلت البلاد من زمن إلى زمن آخر ومن عصر إلى عصر آخر في فترة زمنية قصيرة تعد في عمر الزمن00ان الثقافة الجماهيرية الواعية لشَعب العماني التي تقدس الترابط الشعبي في ما بينه البين والإخوَة والجماعة والعمل والإنجاز والوقت ونبذ الخلافات وانهمكت في البناء والتعمير والارتقاء بالوطن واللحاق بركب الدول المتحضرة والمتقدمة التي تتسابق بسرعة جنونية في عصرنا الحاضر عصر الانجازات العلمية الهائلة في كافة المجالات

.

واستطاعت هذه الجماهير العمانية ان تساهم في تشييد وبناء الوطن بعيدة عن الصراعات والقتل والاغتيال والإقصاء آت  وانهمكت وركزت جل اهتمامها في بناء الوطن وساد الوئام والحب بين جميع أفراد..

الشعب العماني بكل أطيافه وطبقاته وطوائفه لا يساري ولا يميني ولا اشتركي ولا رأس مالي ولا تقدمي ولا رجعي 0شعب واحد يعمل لهدف واحد يقوده قائد واحد0

يعتبر السلطان قابوس من القيادات السياسية العظيمة المحنكة فقد استطاع ان يجمع هذا الشعب المتعدد الطوائف المختلفة ويوحدهم ويجمع كلمتهم لبناء وطنهم عمان-

استطاع تغيير وجه عمان وتمكن من أن ينهض بها تنموياً من دولة متخلفة إلى دولة متحضرة متقدمة حيث وصلت عمان في عهده إلى ذروة مجدها وارتفع نصيب دخل الفرد فيها ارتفاعاً كبيراً، كما استطاع من خلال قيادته الحكيمة أن يتجه بالبلاد نحو نهضة حضارية شاملة حيث حقق نسب عالية في معدل النمو الاقتصادي لبلاده وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور الهائل ان ارتفع متوسط دخل المواطن العماني ودفع بالعمانيين نحو النهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من العلم و التعليم كما دفع بالشباب لتعليم اللغات الأجنبية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج وتواصل مع الجامعات الأجنبية حاول جهده في إطار سياسته الاقتصادية بتجهيز المواطنين العمانيين بكافة الوسائل العلمية لكي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج ومحاربة البطالة بين أفراد الشعب العماني، حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع العماني الأمر الذي يعود على ارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر0 حتى أصبحت واحدة من أنجح دول المنطقة -

وأصبحت تجربة عمان في النهضة الحديثة التي قامت بها تحت رعاية السلطان قابوس مثل يحتذي به في ظل وجود رؤية للمستقبل0

بالطبع لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من الرجال الأوفياء والمخلصين للوطن تساند قائد هم ورائد نهضتهم العمانية الحديثة وسياساته الحكيمة التي جعلت عمان تتمتع بأفضل الطرق لبناء البنية التحتية على مستوى المنطقة الإقليمية حسب دراسات البنك الدولي 0هؤلاء الرحال الأفذاذ لم تأخذهم شهوة السلطة ولا شهوة المال ولم ينخروا في عمق المجتمع بالفساد والفوضى والسلب والنهب وتأميم ممتلكات المواطنين 

واستقلال مناصبهم وإرعاب الشعب كانوا هم القدوة في الالتزام بالنظام والقانون0 من اجل التقدم والاستقرار والأمن والآمان للبلاد اعتمد السلطان قابوس على ركائز أساسية ويعد أولها بل في مقدمتها فرض وهيمنت سلطة النظام والقانون في جميع أنحاء البلاد وتطبيقها على الكبير قبل الصغير وعلى القوي قبل الضعيف والوحدة والمساواة والعدل بين جميع فئات الشعب وطبقاته0هكذا استطاع القائد قابوس بهامته الشامخة وبساطته المتواضعة أن يسطر أروع الأمثلة في بناء الأوطان التي جاءت وليدة قناعاته ورؤيته حيث قاد بلاده إلى النهضة والتطور من خلال مشوار طويل من الكفاح والتضحيات تناولت كافة مفردات التجربة العمانية0

لا يعرف الكثير إن عمان ليست دوله نفطية بالمعنى الصحيح مثل دول الخليج الأخرى وقد يستغرب من لا يعرف ان من أهم ركائز الاقتصاد العماني هي الصادرات البحرية -

فلو قمنا بالمقارنة بين المساحة البحرية لعمان مقابل المساحة البحرية الشاسعة لبلادنا لكان العجب العجاب  !!!

أين تذهب تلك الثروات البحرية والنفطية وغيرها ؟ و الأكثرية الساحقة من الشعب اليمني يعيشون في ضنك العيش و من العجائب إن لم تكن من الجرائم إن الوظائف أصبحت في وقتنا الحاضر تشترى بالفلوس )

.

ومما لا شك فيه ان القيادة الصالحة هي العنصر الأهم في كل ما يمكن ان يحققه أي نظام من انجازات ونجاح والقيادة الصالحة هي القوة ألدافعه والمحركة لعملية التحديث والتطور لأي مجتمع0كما ان ألمكانه التي تحظى بها عمان إنما جاءت من خلال مواقفها المشرفة والصادقة والواضحة من خلال منهج رسمه وسار عليه قائد مسيرتها السلطان قابوس وها هي الشواهد على ارض الواقع لتؤكد هذه الخصائص التي تحدثت عنها بإنصاف وإعجاب معا المحصلة النهائية .

سؤال عشوائي لو ان الجبهات العمانية المسلحة اليسارية المتطرفة التي تختلف فيما بينها البين على المناصب و المصالح الشخصية بأسماء واهية وحجج كاذبة باسم الوطن واسم الثورة   

كيف ستكون عمان ؟ !

هل يكون حالها كما هي اليوم ؟ والجواب للقارئ ....

خلاصة الموضوع لا يمكن استنساخ التجربة العمانية لبلادنا ولاسيما مع وجود الأنظمة الفاسدة والضالة  والقبلية الغاشمة  وجيش يتبع طاغية  وفساد مستشري من الساس الى الرأس.

ولعلنا نستفيد ونستفيق من غفلتنا 0نحن لا نفتقر إلى الكفاءات والنماذج القيادية الصالحة فلدينا الكثير والكثير من القمم الشامخة المؤهلة لتقود المسيرة كفاءات عاليه ومؤهله علميا وثقافيا وفكريا ولكن هؤلاء لا يحبذون ان يدخلوا في صراعات مسلحة مع مجاميع قبلية وحزبية تساندهم الدبابات والمدافع والرشاشات والطائرات مبادئهم وشعاراتهم السلطة أو الموت ! المؤسف جداً ان الأنظمة الظالمة التي حكمت البلاد لا تتحمل المسئولية وحدها فالجماهير التي تخرج وتصفق وتطبل وترقص لهؤلاء الحكام وهي تعاني الضيم والقهر وتكابد الجوع والفقر والمرض وتفتقر إلى أهم مقومات الحياة العصرية فهي بدورها تتحمل جزء من المسئولية 0

الخلاصة والقصد من الموضوع

هذا الموضوع ليس إعجابا.. بالسلطان قابوس ولا مدحا بعمان

فأنا لم أكن في يوما من الأيام من محبوه

وإنما هو  نقدا وتحليلا ومقارنة  لمسيرتنا ولمأساتنا التي عانيناها ولا زلنا نعانيها الى الآن ... بلغة وأسلوب  لعل الشاطحون والناطحون  الذين يمجدون تاريخهم الدموي

تصيبهم نوبة صحوة ضمير

قبل الختام اطرح هذه التساؤلات الهامة جدا جدا جدا 

لتكشف الحقائق على وجهها الصحيح وتظهر الأكاذيب  وتظهر حقائق عقليات  من كانوا يحكمون  ؟ ؟ ؟

هل الثروات بأشكالها المتعددة  من نفط وغاز وذهب التي  ظهرت في بلادنا  بعد الوحدة

هل ظهرت فجأة ...

أم أنها كانت أصلا موجودة

الرفاق انشغلوا باستئثار  بالمنصب والرتب  والصراعات  والتصفيات عليها والبقاء للأقوى

و تركوا الخيرات والثروات والارتقاء والتطور بالوطن  وتوحيد شعبنا  وهرولوا لسفك الدماء وتمزيق وحدتنا وترابطنا  وصنعوا العداوة والبغضاء والمناطقية  التي لم نعرفها حتى في عهد الاستعمار.

وسوم: العدد 860