اليهود والانقلاب

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

فى مقولة مأثورة للجنرال الأميركي ويسلي كلارك يوضح فيها الهدف الأصلي لغزو أفغانستان من قِبل الجيوش الأميركية والصليبية ؛ يصرح قائلا دون مواربة : من كان يظن أننا خرجنا لأفغانستان انتقامًا لأحداث سبتمبر فليصحح خطأه ، نحن خرجنا لقضية اسمها الإسلام ، لا نريد أن يبقى الإسلام مشروعًا حرًا ، يقرر فيه المسلمون ما هو الإسلام . 

وعلى الجانب اليهودي يقول المفكر الصهيوني الشهير "يحزقيال درور" عن وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر: " إن مرسي بوصفه رئيسا منتخَبا يمكن أن يقود مصر نحو نهضة تغيِّر موازين القوى القائمة ،ويجب منع ذلك بكل قوة ".

من يتأمل كلام الصليبي واليهودي يجد تطابقا تاما وصريحا في الهدف والغاية وهو عدم السماح للإسلام أن يكون مشروعا حرا أو نهضة تغير موازين القوى . ولذا فالقضاء على النظام الذي يقود إلى حرية الإسلام أمر استراتيجي ، وتجب محاربته   بكل قوة ، وفي سبيل ذلك كل شيء مباح ومستباح : الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي .

ويوم نجح الإسلاميون بأغلبية المجلسين التشريعيين ووصل الرئيس المسلم محمد مرسي إلى منصب رئيس الجمهورية جرى تطبيق الاستباحة ، فقد تم حل مجلس الشعب بحكم سياسي متعسف تحدث عنه قبل تنفيذه الدكتور كمال الجنزوري في لقائه الشهير مع الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب ، قال له : إن حكم حل المجلس في الدرج !

وعندما تم تنصيب الرئيسي مرسي رئيسا ، فإنه لم يُمكّن بالمعنى الحقيقي من ممارسة صلاحياته ، وتفنّنت الدولة العميقة والكنيسة بدعم السفيرة الأميركية وسفارات خليجية بالإضافة إلى أصابع العدو النازي اليهودي في تعجيز الرئيس عن العمل ، وإرباكه بالمظاهرات الفئوية والطائفية ، وكان من المفارقات أن تسرب الدولة العميقة خطابا روتينيا من الرئاسة إلى رئيس الكيان الصهيوني بشأن تعيين أحد السفراء يبدأ بعبارة تقليدية تفيد العلاقات الحسنة بين الطرفين كما يحدث عند تعيين أي سفير في كل دول العالم ، واستغلت الصحف المأجورة والإعلام الانقلابي المعادي للإسلام بالضرورة صيغة الخطاب الروتينية في التشهير بالرئيس المسلم والإسلاميين تحت مزاعم الولاء لليهود الغزاة !  

كانت كل الدلائل تشير إلى أن خصوم الإسلام في الدولة العميقة وقيادة الكنيسة والغرب الصليبي واليهود لن يسمحوا باستمرار التجربة التي يقودها رئيس مسلم وسوف يفعلون المستحيل - كما يقال - لإنهاء هذه التجربة ؛ ولو كان الثمن بحور الدم والدموع وتغيير عقيدة أكبر جيش في المنطقة ارتبط بأعظم حرب في التاريخ الحديث!

ومع كل المعوقات والهجمات التي استهدفت الرئيس المسلم فقد كان إنجازه في فترة محدودة استمرت سنة واحدة جيدا ملموسا ، حيث شعر الناس بكرامتهم وتنفسوا الصعداء بعد حكم عسكري فاشي استمر ستين عاما وتقهقرت قسوة النظام القمعي الذي صاغه الجلادون في أمن الدولة ، وتراجع معدل سرقة أموال الحكومة وتحسنت مرتبات فئات كثيرة ، وقال المعارضون كلامهم بما فيه الشتائم والبذاءات دون سقف أعلى  حتى وصل التجريح السافل إلى شخص الرئيس وأسرته ، ومع ذلك لم  يتخذ قرارا واحدا بإغلاق صحيفة أو قناة تلفزيونية أو منبر إعلامي أو دكان من دكاكين حقوق الإنسان التي تدعمها أميركا والغرب !

فضلا عن ذلك فقد تحرك وزراء ممتازون في تحسين أحوال المعيشة والاقتصاد والاستثمار والسياحة في ظل الحرب الضروس التي شنها المجرمون المعادون للإسلام بوحي من العدو النازي اليهودي حتى كانت جريمة الانقلاب في 3 يولية 2013 التي ألقت في الزبالة بإرادة الشعب المصري عبر خمس مرات ذهب فيها الشعب إلى التصويت والوقوف أوقاتا طويلة أمام صناديق الاقتراع ، ووأدت كل جهد طيب لإنقاذ البلاد والعباد من وطأة الفقر والذل والفساد وعار التبعية !

لقد أذاعت أجهزة الإعلام النازي اليهودي أخبارا عن لقاءات تمت بين قيادات الانقلاب وقادة الكيان النازي اليهودي قبل الانقلاب وبعده ، وعبرت هذه الأجهزة من خلال تصريحات القادة النازيين اليهود ورجل الشارع اليهودي في فلسطين المحتلة عن السعادة البالغة بالانقلاب وعزل الرئيس مرسي ومحرقة رابعة العدوية واعتقال الآلاف وملاحقة الآلاف وإنهاء الحكم الذي كان في طريقه لطرح المشروع الإسلامي .

بذل قادة اليهود النازيون جهودا كبرى في دعم الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ، وأقنعوا الإدارة الأميركية كي لا تتوقف المعونات الأميركية عن الانقلاب ، كما منعوا الإدارة الأميركية من اتخاذ موقف حاسم من تسمية ماجرى في مصر يوم 3يولية انقلابا واغتصابا لإرادة الشعب ، وكل ما فعلته أميركا التي شاركت مخابراتها في صنع الانقلاب ؛ أنها اكتفت بسحب السفيرة الأميركية التي أعدت ومهدت لجريمة الانقلاب . 

إن فرحة اليهود الغزاة بالانقلاب العسكري الفاشي كانت مبسوطة على وجوه زعمائهم وقادتهم الكبار والصغار ، وأعلنوا صراحة أنهم ضد الإسلام وضد أي نظام يقود إلى مشروع إسلامي حتى لو كان مشروعا ورقيا أو صوريا ، ولذا كان خوفهم وهلعهم من سقوط الانقلاب كبيرا .

يقول السفاح اليهوى شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني : " إسرائيل ستكون أول دولة سيتم معاقبتها إذا فشل الانقلاب على الرئيس محمد مرسي " .

ويقول المعلق الصهيوني د. مرغلت : "سنبكي دماً لأجيال إن سمحنا بفشل الانقلاب ، وعاد الإخوان إلى الحكم ".

ولعل هذا يفسر السر في اهتمام اليهود الغزاة بمسالة تجنيد العملاء الموالين لها الذين يقدمون المعلومات والخدمات ، ويقومون بالنيابة عنهاباستئصال الإسلام والديمقراطية والحرية ، فهذا هو المناخ الذي يوفر لهم انتصاراتهم الساحقة والكاسحة على الجيوش العربية دون أن يبذلوا جهدا كبيرا كما عبر عن ذلك دافيد بن جوريون ذات يوم وهو يتحدث إلى ابنه جلعاد.

ولا بأس أن نذكر بهذه القصة الشهيرة التي نقلت عن إسحق رابين رئيس وزراء العدو الهالك .. فقد نشرت صحيفة معاريف بتاريخ 14-8-1997 تقريرا جاء فيه : في أحد أيام صيف 1993، زار إسحاق رابين مقر جهاز " الموساد " شمال تل أبيب ، بصفته المسئول المباشر عن هذا الجهاز، وقد توافد قادة الموساد لعرض إنجازاتهم على رابين ، لكن رابين توقف ملياً عند التقرير الذي قدمه رئيس شعبة تجنيد العملاء ، المعروفة بـ " تسومت " ، فقد أثار دهشة رابين وجود عدد كبير من العملاء العرب الذين نجحت الشعبة في تجنيدهم ، وعلق رابين قائلاً : طوال حياتي كنت أسأل : كيف لإنسان يمكن أن يخون وطنة" !؟.. فرد عليه رافي إيتان رئيس " تسومت " قائلاً : " لقد قتلت أنظمة الاستبداد في العالم العربي الشعور بالانتماء لدى مواطنيها ، وهذا ما سهل تجنيدهم من قبلنا " .

اليهود يعملون لتثبيت كيانهم المسروق ، وحكامنا مشغولون بثبيت الكراسي المسروقة !