ذاكرة تجربة (8) – فساد وعشوائيات ثم تهجير واغتصاب للملكيات (3)

تساؤلات مهمة يجب أن نجد لها أجوبة

ما الذي دفع نظام الأسد للتفريط بسهولة بمناطق حلب الشرقية التي تُعدُّ مناطق مخالفات في معركته مع الثوار، بينما استبسل بالدفاع عن المناطق الغربية ووسط المدينة؟!

المناطق الغربية التي تشكل كتلة الأموال، قاطنوها من التجار ورجال الأعمال والصناعيين (الاقتصاد)

ووسط المدينة فيه الدوائر الرسمية والمنشآت الحيوية (السيادة)، أما المناطق الشرقية فلا يهم النظام أن تحترق بل وتُدمَّر، فقد روى لي أحد رجال الأعمال مقولة مفادها: “اشترِ الأرض على قرع طبول الحرب فالقنابل تحفر لك الأساسات.”

رأي يحتمل الخطأ وربما يكون صوابًا، وهو أن النظام رغب بتدمير هذه المناطق لسببين:

الأول: آجلاً أم عاجلاً سيطورها من خلال هدمها أو إعادة تأهيلها، وذلك من خلال القانون 15 لعام 2008 المُسمَّى قانون التطوير العقاري.

والآخر: رغبته بإحداث تغيير ديمغرافي أساسه تلك المناطق التي هجر أهلها من شدة القصف وقوانينه الظالمة تتيح له استبدالهم وتوطين فئات أخرى في هذه المناطق بعد تأهيلها.

بعد هذه المقدمة نعود لاستكمال قصة السكن العشوائي وربط الذاكرة بالحاضر والواقع الأليم.

تُحدَّد أسباب نشوء مناطق السكن العشوائي بثلاثة محددات:

أسباب فنية قانونية:

 تعقيد وطول الإجراءات التي تحكم إصدار المخططات التنظيمية، والمخططات التفصيلية، ونظام ضابطة البناء التي تمرُّ بإجراءات (المرسوم 5) الذي يعتمد إجراءات إعداد وتصديق وتنفيذ المخططات التنظيمية والتفصيلية ونظام ضابطة البناء وتعديل الصفة العمرانية لمنطقة ما، حيث يمكن أن تستغرق هذه العمليات سنوات طويلة، وعلى سبيل المثال عندما صدر المخطط التنظيمي العام لمدينة حلب عام 2004 كان 25 % من المخطط التنظيمي لمدينة حلب الصادر عام 1979 غير منجز.

– احتكار دراسة المخططات التنظيمية بالشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية وفروعها بالمحافظات قبل 2004 ، وقد تم حلّ هذه المشكلة في عام 2004 ، حيث تم إعداد دفتر شروط موحد وبتسعيرة واضحة من قبل مجلس مدينة حلب أتاح لثلاث جهات العمل على إنجاز المخططات التفصيلية، وهي (الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، والوحدات الهندسية في الجامعة، والمكاتب الهندسية الحائزة على ترخيص استشاري).

– وبالتالي عدم مناسبة الزيادة السكانية الناجمة عن الهجرة باتجاه مراكز المدن والنمو السكاني الطبيعي مع حجم الأراضي المعدة للبناء.

أسباب سياسية قانونية:

–  فساد الطبقة السياسية والتلاعب بأسعار الأراضي وحدود المخطط التنظيمي وفق مصالح خاصة تتقاطع مع مصالح رجال الأعمال والقطاع الخاص، وهذه المفاوضات تؤخر عملية المضي بإجراءات المرسوم 5 .

فشل التعاون السكني وباقي المؤسسات المذكورة أعلاه بأن تكون ملاذًا آمنًا لذوي الدخل المحدود والدخل الأدنى من حيث الفساد والخروج عن المقصد الرئيس لعملها، وسوء توزيع المساكن للمستحقين.

الخوف من الاستملاك:

– الكثير من مالكي الأراضي التي كانت تنتظر دورها في الاستملاك غير العادل كانوا يسارعون باللجوء لتجار المخالفات تحت حماية أجهزة البعث والأمن لإنشاء مبانٍ تُشيَّد بطرق مخالفة؛ لأنها غير مُعدَّة للبناء، وبذلك يستفيدون ماديًا أكثر بأضعاف ممَّا سيعوضون عنه بالاستملاك.

في الحلقة القادمة سنتابع في الجزء الأخير التشريعات والسكن العشوائي وإنفاذ خطة النظام الخبيثة بالتغيير الديمغرافي من خلال حرمان السكان الأصليين من بيوتهم وجعلهم نازحين في وطنهم أو مهجرين خارجه.

حياكم الله

وسوم: العدد 892