مؤتمر لفصائل غزة: «ضبّوا الشناتي»… فلسطين كقضية حسينية! و«الأمن اللبناني» مشروع فتنة

«من كربلاء، فلسطين أقرب» نلمح عنوان حلقة من «المشهدية» على قناة «الميادين» فنهرع من فرط الاشتياق: «أطلّي علينا، فلسطين، بريقاً، سراباً، كيفما شئتِ فاقدمي» ، فلقد بعدت البلاد واستحالت حتى اشتاقها الفلسطينيّ ولو على قناة» الميادين» ولو من كربلاء.

بكل هذا الشوق نذهب، لنجد في صدر استديو كربلاء صورة لقاسم سليماني، وندوة متلفزة لعلماء/ مشايخ فلسطين المشاركين في أربعين الحسين في كربلاء. يعرض البرنامج المشايخ في الصحن الحسينيّ وهم يهتفون: «كلا أمريكا، كلا إسرائيل، لبيك يا حسين، من فلسطين جئناكم لكي نخدم زوار الحسين..» ، وعلى الفور سيؤكد الشيخ سعيد أبو ناعسة أن فكرة مشاركتهم (المخطط لها منذ عامين) في هذه الذكرى انطلقت «لتثبت أن قضية فلسطين تعادل وتشابه قضية الحسين في مظلوميته، وإن يزيد تجدّد في أمريكا والكيان الصهيوني» وأن «الشعب الفلسطيني هو حسين هذا العصر» وفلسطين» قضية حسينية».

الزيارة هي محاولة، على ما يبدو من حديث المشايخ، لـ «توحيد الأمة والقضاء على الفتنة المذهبية» ووجودنا هنا، يقول أبو ناعسة «أكبر صفعة للعدو الصهيوني الذي يطمح لخلق فتنة شيعية سنية».

أما انتصار الأمة فلا يكون، حسب الشيخ دياب المهداوي، إلا «حينما ترزق الأمة بقيادة حكيمة رشيدة كقيادة المقاومة الإسلامية في لبنان. (حينها) كل العالم العربي والإسلامي سيكون بخير» ويضرب لنا مثلاً يقول: «انظروا كيف أتى المازوت في لبنان بفعل عمل مقاوم».

مرّت الحلقة دون أن نفهم تماماً كيف صارت فلسطين أقرب عبر البعيد الكربلائي، فكلمات من قبيل «كلا» و»لبيك» و»مظلومية» وسواها، في إمكانك أن تهتف بها من أي مكان، ولا بدّ أنك ستكون مسموعاً أكثر لو قلتها من جنين ورام الله، أو من غزة.

جئتَ تنتصر لفلسطين بالقول إنها قضية حسينية! نخشى أنك كنت تروّج لمظلومية الحسين، المظلومية العابرة للأزمنة، عبر قضية مكفولة ورنّانة ولا خلاف عليها كفلسطين.

لم تكن فلسطين بعيدة مرة كما هي في خطاب هذه الأشكال.

وعد الآخرة

قناة «العالم» الإيرانية فتحتْ عينيّ على مؤتمر فريد من نوعه، نقلتْه مراسلتُها من غزة إسراء البحيصي تحت عنوان «المؤتمر الاستشرافي: وعد الآخرة.. فلسطين بعد التحرير». وكما يشي العنوان، فإن المؤتمر مشغول بشؤون المستقبل، لكن ليس كما يمكن للمرء أن يظن بأن المقصود هو المستقبل البعيد، أبداً، فالآراء الواردة في التقرير المتلفز تؤكد أن «التحرير قد اقترب» وأن على الفلسطينيين» أن يعدّوا العدّة لاستلام أراضيهم».

يقول رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر: «رسالتنا للاحتلال أن يجهز شُنَطَهُ ليرحل، فقط لا غير. لأن موعده قد انتهى. تقديرات ودراسات كثيرة، بما فيها أميركية وإسرائيلية، تقول إن عمر إسرائيل أوشك على النفاد».

لا ندري أين يمكن العثور على تلك الدراسات، ولم تقل لنا فصائل المقاومة المجتمعة ما دلائلها على نبوءاتها، لكن هل يعقل أن يجتمع كل هؤلاء الخلق من مختلف فصائل المقاومة ويجمعون على تقدير كاذب ومخادع!

الآن نفهم لماذا تأجيل الحديث في شؤون البنى التحتية والإعمار والتعليم والصحافة ودور السينما وتأمين طفايات الحرائق، إنها مرحلة تحضير الحقائب للعودة، أثناءها على الناس أن يتحمّلوا قليلاً متاعب العيش المؤقت، الزحام والحرّ ومشاكل التيار الكهربائي والسكن والبطالة وسواها.

إن كان لديك أي شك في ذلك، في وعد الآخرة، انظر مراسلة «العالم» كيف ختمت تقريرها بالقول: «وأنت تجلس هنا، وتستمع لخطّة ما بعد التحرير تشعر وكأنك تستنشق نسيم الارض المحتلة».

هل يعقل أن تكذب هي الأخرى!

عكس الأمن

بات ذائعاً خبر مداهمة الأمن العام اللبناني لـ «مسرح المدينة» لتوقيف عرض «تنفيسة» ومحاولة اقتياد مخرجه للتحقيق بذريعة عدم الحصول على إذن رقابي مسبق.

كذلك روج فيديو لفرقة» تنفيسة» بعد أن قررت مغادرة المسرح لتعيد العرض في الشارع أمام جمهور المارّة، ولعلها حققت بذلك ما لم تكن تحلم به من وصول انتقاداتها للفساد والفاسدين وزعيمهم إلى جمهور أوسع.

في كل ما نُشر من أخبار لن تجد ما يشي بأن الفرقة ليست لبنانية، فهي لبنانية، وكذلك المسرح/ المكان، كما الموضوع لبناني خالص، إلا في بيان الأمن العام اللبناني الصادر بعيد الضجة حول المداهمة والمنع والاستدعاء للتحقيق. قال البيان: «أقدم المخرج الفلسطيني عوض عوض على عرض مسرحية داخل أحد مسارح بيروت دون المرور بالمسار القانوني للعرض من خلال مكتب الإعلام في المديرية العامة للأمن العام» . ويا لها من عبارة تليق فعلاً بمجرمين جنائيين!

لا نحسب أن تعريف البيان للمخرج على أنه «فلسطيني» بريء، فهي معلومة غير ضرورية في بيان محسوب بالفاصلة، ولا تضيف تفسيراً لما حدث.

الجميع يعرف ما يمكن أن تثيره كلمة فلسطيني لدى شرائح لبنانية، يمكن أن تنقلب من التضامن مع حرية الكلمة إلى ضدها عندما تصدر عن فلسطيني.

إنه لَعِبٌ على وتر الفتنة. وممّن؟!

من أحسن ما قال الفنان زياد رحباني (المأسوف على شبابه) حزورة: ما هو عكس الأمن؟

الجواب: الأمن.

يصح أن نقول هنا، الجواب: الأمن العام اللبناني.

وسوم: العدد 949