من الذي يقتل السوريين؟

إن أي إنسان على وجه البسيطة – مهما كانت إمكانياته العقلية قليلة، وبسيطة، وضعيفة – سيجد أمراً عجباً، وأمراً مثيراً للدهشة، والاستغراب، مما يجري على أرض الشام المباركة، من قتل، وتدمير، وتخريب، وتهجير، وتشريد.

إنه سيلحظ بشكل بدهي، وعلى السليقة، وعلى الفطرة الربانية؛ أن ثمة خطة ممنهجة، ومبرمجة بشكل دقيق، وبطريقة خبيثة، وبأسلوب شيطاني.. لقتل، وتصفية المسلمين في الشام، والقضاء عليهم، قضاءً مبرماً، بشكل بطيء، وبعدد محدود من القتلى كل يوم وبدون إثارة ضجة إعلامية، أو تشكيل أي اعتراض لدى المجتمع الدولي.

الخطة الخبيثة لقتل السوريين

 

وسيلحظ أيضاً، أن الخطة الماكرة الخبيثة؛ تقتضي الإبقاء فقط على مكونات الأقليات – من شيعة، ودروز، وإسماعلية، ونصارى، ويهود وسواهم – مع بعض ذراري المسلمين المستضعفين، الذين لا يملكون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً، والذين لا يرتبطون بالإسلام إلا بخيط رفيع، ضعيف، واهن، أوهى من خيط العنكبوت.

لقد تواطأ أهلُ الأرض كلُهم أجمعون – دون استثناء - شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بما فيهم من يُسمون بالضامنين على قتل، وذبح، وتصفية المسلمين السوريين. بل إن الأخيرين قد تعهدوا في مؤتمراتهم المتكررة؛ أن يكونوا أشدهم ضماناً للقتل، والحفاظ على بقاء الأسد في سدة الحكم.

لقد زين الشيطانُ لأوليائه من أهل الأرض جميعاً.. أن أفضل طريقة الآن لقتل المسلمين السوريين هي: أن تقوم طائرات أحد الضامنين، مع طائرات ميليشيات الأسد يومياً تقريباً؛ بإلقاء حممها، وقنابلها الحارقة، المتفجرة، القاتلة، على إحدى المناطق السكنية – بما فيها مخيمات اللاجئين – فتقتل بضعة أشخاص، وتدمر بضعة بيوت، وتُهجر بضع عائلات، بعد إحداث الرعب، والهلع، والخوف في نفوسهم.

وأما الضامن الآخر! فيشهد على ضمان القتل، والتدمير، والتخريب، ويستمتع بآلام، وعويل، وصياح النساء، والأطفال، والمستضعفين، وهو يُشاهد معاناتهم، وأوجاعهم، ويُطلق بين الفينة والأخرى، تصريحات خُلَّبية، خداعية، تضليلية.. بأنه سيرد على الهجمات العدوانية، ولن يقف مكتوف الأيدي.

وأما ما يُسمى بالفصائل المسلحة، التابعة لما يُسمى المعارضة، فإنها هي الأخرى – إلا قليلاً منها - قد تم تدجينها، وتقزيمها، وتركيعها للقوى الخارجية المحتلة، وتفريغها من محتواها، ومن مضمونها، ومن الأهداف التي قامت لأجلها، وهي الدفاع عن الثورة، وحماية الثائرين، وحماية المستضعفين، والمدنيين، والاستمرار في تحرير الأراضي من سلطة الأسد وزبانيته المحتلين، كما كانت تفعل في بداية الثورة.

وأصبحت هذه الفصائل، مُشارِكة مُشارَكةً فعالةً في قتل المسلمين السوريين، مع القتلة والمجرمين من كافة الأجناس، وذلك بوقوفها متفرجة على قتل أهلها، والموافقة على قتلهم، نتيجة عدم الرد أو مقاومة الجهة التي تقوم بقتلهم.

والسؤال الكبير

هل الذي يقتل السوريين، هم فقط ميليشيات الأسد، والمليشيات الشيعية المتعددة الأجناس والأعراق، والعصابات الإيرانية الفارسية المجوسية، وقوات الاحتلال الروسي والأمريكي، والعصابات الكردية المتنوعة الأسماء والأشكال؟!

كلا ثم كلا. إذ الحقيقة الساطعة، والواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، والمؤلمة جداً، والمُفجعة! أن الذي يقتل السوريين، ليس فقط الجهات المذكورة أعلاه.

بل! هو كل شخص يعيش على أرض البسيطة، في أي بقعة منها، أو في أي زاوية فيها، أو في أي ركن من أركانها، ولا يتمعر خده لما يرى من صور القتل عبر شاشات الرائي.

ولا تهتز شعرة في جسده لمناظر الأطفال، والنساء، والمستضعفين، وهم يصرخون، ويولولون حين سقوط ذويهم، أو أقربائهم قتلى أو جرحى، حين حصول الغارات الحربية الروسية والأسدية وسواها.

ولا يُندد، ولا يستنكر، ولا يعترض، ولا يحتج، ولا يُطالب عملياً حكومته بالعمل الجاد على وقف هذه المجازر، ولا يُطالب المنظمات الدولية الفاعلة، والمؤثرة، بمحاكمة هؤلاء القتلة، وتطبيق القوانين الأرضية الدولية – على الأقل – بحقهم، وإيقاع أشد العقوبات التي تنص عليها تلك القوانين البشرية.

ولكن الحقيقة الأكثر صدماً، والأشد إيلاماً، والأعمق تأثيراً، والأشد هولاً، ورعباً، والتي يشيب لفظاعتها، وشناعتها الولدان..

أن المسلمين السوريين أنفسهم، هم من يُشاركون في تسعير الحرب. وهم من يُشعلون فتيل القتل. وهم من يؤججون نار الفتنة، ويُضرِمون شعلة الإبادة، ويُذكون لهيب المجزرة، تلو المجزرة في إخوانهم بشكل مباشر وغير مباشر.

كيف يحصل هذا؟!

إذ أن كل مسلم سوري – سواءً الذي لا يزال يعيش في كنف الأسد وتحت رعايته، أو الذي يعيش خارج سلطانه – ولا يتحرك، ولا يتذمر، ولا يتململ، ولا يتضجر، ولا يُعارض هذا القتل المتواصل، ليس بالصياح، ولا الصراخ، ولا العويل، ولا الندب على صفحات الوسائل الإعلامية المختلفة.

وإنما بحمل السلاح، وتشكيل مجموعة مؤمنة، جهادية، فدائية، مقاتلة، صادقة، ومخلصة.. تقوم بحرب عصابات حقيقية، وفعلية، وفي مناطق العدو الاستراتيجية الحساسة. وتُلاحق جنوده أينما كانوا، وتترصد حركاتهم، وتقتلهم أينما ثُقفوا، تطبيقاً للأمر الرباني ( واقْتُلوهُمْ حيثُ ثَقِفتُمُوهُم ) البقرة 191. ( فَخُذوهم واقْتُلوهُم حيثُ وَجَدتُمُوهُم ، ولا تَتَخِذوا مِنهُم وَلياً ولا نَصيراً) النساء 89.

فالذي لا يفعل ذلك، يُعتبر مُشارِكاً مُشارَكةً فعالةً حتى النخاع، في قتل أهله وإخوانه. ولن يشفعَ له، أو يُعفيه من الذنب والإثم العظيم، صراخُه، أو ندُبه، أو هجاؤه للأسد المجرم القاتل، بشكل تمثيلي، أو مسرحي أمام الملأ.

والمصيبةُ الكبرى، والداهيةُ الدهياء العظمى! أنه ليس أولئك المذكورين أعلاه فقط ، هم الذين يقتلون المسلمين السوريين المساكين، والفقراء الجائعين..

من الذي يقتل السوريين حقيقة؟!

وإنما الذي يقتلهم حقيقةً وفعلاً، أولئك الذين تخلوا عن الدفاع عنهم، ولاذوا بالفرار، وتركوهم لقدرهم، ونهباً للطائرات الحربية، تقتلهم، كل آنٍ وحينٍ، وتمزق أجساد الصبية الصغار، وهم ذاهبون إلى مدارسهم، مؤثرين أنفسهم على من سواهم.

أولئك الذين هربوا بجلودهم، لا يلوون على شيء، يمخرون عُبابَ البحر، على قوارب مطاطية ممزقة؛ ليصلوا إلى جنة أوروبا الرومية.

ودفعوا كل مدخراتهم المالية، إلى أولئك اللصوص، وتجار البشر، كي ينقلوهم فقط من شاطئ إلى شاطئ، وهم يمنونهم بالعيش الرغيد، والحياة الهانئة، الوادعة، الآمنة، والرفاهية الحالمة، في بلاد الروم.

إن الذين يتخلون عن أهلهم، وأحبابهم، وخُلانهم، وجيرانهم، وأقربائهم، من أجل لُعاعة الدنيا الفانية، التافهة، هم قومٌ لا خَلاقَ لهم، ولا أخلاقَ لهم، وليس لديهم دينٌ، ولا ضميرٌ، ولا شرفٌ، ولا مروءة، ولا شهامة.

هؤلاء! يقتلون إخوانهم السوريين المسلمين، أشد مما يقتلهم أعداؤهم.. لأن أعداءهم بطبيعتهم، وجِبِلَتهم، وسليقتهم، وفطرتهم، ومورثاتهم.. تدفعهم دفعاً إلى قتل السوريين. لما يحملونه مع حليب أمهاتهم، وما يختزنونه بين أضلعهم، وما يعتمل في صدورهم، وفي حناياهم، وبين جوانحهم.. من حقد دفين، وبغضاء، وكراهية، تفوق كراهية الإنسان العادي للموت.

فليس غريباً، ولا عجيباً، أن يستمر الأعداء في قتل السوريين إلى ما لا نهاية، ولكن العجيب والغريب، أن يقتل السوريون السوريين!

وأشد أنواع القتل! أن يفرَ السوريون من المعركة، مُوَلين الأدبار، ومنهزمين أمام عدوهم، وتاركين أهلهم، بلا غطاء، ولا حماية.. فريسة للموت على أيدي أعدائهم.

وبذلك يكونون قد قدموا لأعدائهم، أكبر مساعدة، وأعظم هدية، أن يُثخنوا القتل في الضعفاء، والمساكين، دون أن يجدوا أي مدافع، ولا أي مقاوم.

فالذي يقتل، والذي يساعد القاتل على القتل، متشابهان متماثلان، بل الذي يساعد القاتل على القتل، أشد إجراماً من القاتل.

فهذا الفعل الشنيع، القبيح – الهروب والفرار من المعركة - الذي لم تفعله شعوب الأرض قاطبة، حين مواجهتها لحرب ضروس مع أعدائها.

كل شعوب الأرض تتضامن مع بعضها لقتال العدو

إذ أن كل شعوب الأرض قاطبة، تتضامن مع بعضها حين مهاجمتها من أعدائها، وتقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، تقاتل العدو بأي شيء تملكه، ولا تهرب، ولا تفر، ولا تنهزم، ولا تترك عدوها يسرح ويمرح، ويقتل أهلها كما يشاء، إلا الشعب السوري – للأسف - فهو استثناء من بين شعوب الأرض.

وهكذا نجد! أن الذين يقتلون السوريين، هم: طرائقٌ قِدَدٌ، وأطرافٌ عديدةٌ، وجهاتٌ شتى، ودولٌ متنوعةٌ، وعصاباتٌ مريدةٌ.. وأشدُهم إيغالاً في القتل، أولئك الفارين من الزحف، والمنهزمين من الميدان، والتاركين أهليهم، لقمةً سائغة في أفواه الأعداء.

فلو أن 1% فقط من السبعة ملايين الهاربة، قد حمل السلاح، واشتراه من ماله الخاص، بدلاً من أن يدفعه لتجار البشر ليساعدوه على الفرار.. لتشكل جيش قوامه سبعون ألفاً، بإمكانه أن يتوزع في كل مناطق سورية، ويكون مستقلاً في قراراته، وخططه، وتحركاته، وليس لأي جهة خارجية سلطان عليه.

وقد كان بإمكان هذا الجيش العرمرم ؛ أن يُقض مضاجع الأعداء، ويُصليهم ناراً حامية، ويقتلع أركان نظام الأسد من جذوره، ويُجبر القوات الغازية على الهروب من سورية، كما حصل مع شعوب العالم الحرة الأخرى.

وسوم: العدد 956