مبادئ عامة للصحة والوقاية والعلاج في الكتاب والسنة

الإسلام دين ودنيا. ونظام للفرد والمجتمع في شئون الحياة كافة.. لم يترك جانبا من جوانب الحياة دون توجيه كريم وتنظيم سليم وفق منهج الصراط المستقيم...

ومن ذلك جانب الصحة والتغذية والوقاية والعلاج.. ويمكن أن نلحظ ذلك ضمن محاور ستة.. أولها الغذاء..

 وفيما يأتي تفصيل ذلك:

أولا مبادئ أولية في التغذية

1 التغذية الجيدة،  وتكون بتناول أجود الأطعمة، من لحوم وبقول وخضار وفواكه، وكذلك أجود الأشربة من ماء ولبن وعصائر، وهي مندوحة للمؤمن، قال تعالى: (قل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) الأعراف

2 عدم الإسراف في تناول الطعام، قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)

3 تنظيم الطعام بحيث يكون ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.

4 يجب عدم تناول الطعام إلا عند الجوع .. واجتناب إدخال الطعام على الطعام.

5 من أجود الأغذية العسل. وتناول العسل فيه شفاء للناس، قال تعالى عن النحل: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) النحل.

6 ينبغي شرب الحليب، فهو لبن سائغ نافع، قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ (66)النحل.

7 يحسن تناول التمر فهو من شجرة طيبة مباركة (تؤتي أكلها بإذن ربها)

8  يحسن أكل الزيت والادهان به، قال عليه الصلاة والسلام: (كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة). رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والمنذري والألباني.

9 تناول التين والزيتون والرمان وغيرها من الفواكه التي ورد ذكرها في القرآن الكريم مفيد ونافع.

10تناول الأسماك، فهي لحم طري نافع ولذيذ، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا).

11 والثريد من أطيب الأطعمة وأفيدها، ففي الحديث: (إنَّ فضل عائشةَ على النِّساءِ ، كفضل الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ). صحيح الجامع، للألباني.

والثريد: "ما يُثرد من الخبز ، طعام من خبزٍ مفتوت ولَحْم ومَرَق".

12 الامتناع عن الأطعمة الضارة كالميتة والدم ولحم الخنزير، وذلك لقوله تعالى: ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ).

13 الامتناع عن الأشربة الضارة كالخمر.

***

ثانيا: الحركة والرياضة

حث ربنا على السير في الأرض  والحركة فيها والنشاط والقوة

1 فقد حث على المشي والتأمل، قال تعالى: (قل سيروا في الأرض). كما حث على المشي والطعام، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك.

والمشي سنة رسول الله عليه وسلم،  فقد (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَأْتي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا). رواه مسلم.

2 وحث على القوة والإعداد والرياضة من أسباب القوة،  قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ). وجاء في الحديث الشريف: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ). رواه مسلم.

3 وحثت الشريعة على رياضات معينة كالرماية، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ارموا فأنا معكم كلكم). رواه البخاري.

4 وحثت الشريعة على المصارعة: روى أبو داود أَنَّ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم.

5 وحثت الشريعة على ركوب الخيل، والفروسية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارْمُوا وَارْكَبُوا ، وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا ، كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ المُسْلِمُ بَاطِلٌ ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ ، وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الحَقِّ). رواه الترمذي.

6 والصلاة وما فيها من حركات كالقيام والقعود والسجود هي نوع مفيد من الرياضة، وللدكتور فارس علوان كتاب بعنوان (وفي الصلاة صحة ووقاية).

7 وحثت الشريعة على تعلم السباحة، ففي الحديث: (كلُّ شيءٍ ليس من ذِكْرِ اللهِ فهو لَهْوٌ أو سَهْوٌ إلا أربعَ خِصَالٍ : مَشْىُ الرجلِ بينَ الغَرَضَيْنِ - المَرْمَى - وتأديبُه فَرَسَهُ ومُلَاعَبَتُهُ أهلَه وتعليمُه السِّبَاحَةَ). حديث صحيح، أخرجه النسائي في (السنن الكبرى)والبزار والطبراني.

8 وأباحت الشريعة الصيد وهو مهنة شريفة، ورياضة مفيدة، ومهارة رفيعة، قال تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما).

وكان النبي إسماعيل عليه السلام يصطاد ليطعم أهله.

9 والحج رحلة روحية ورياضية فيها سير وحركة ومشقة على البدن، فهو يسهم في تقوية البدن وتنشيطه، وذلك من خلال رحلة السير إلى الأماكن المقدسة وبخاصة قديما قبل عصر المواصلات الحديثة، وكذلك من خلال أعمال الحج من طواف وسعي وصعود لعرفات ...

10 وحث النبي صلى الله عليه وسلم  على المسابقات بين أدوات الجهاد من السهام والإبل والخيل، جاء في موقع (الإسلام سؤال وجواب) الآتي: "السَبَق لا يدفع إلا فيما نص عليه الشارع من الإبل والخيل والسهام ، وما يلحق بها مما يعين على الجهاد في سبيل الله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ ) رواه الترمذي (1700) والنسائي (3585) وأبو داود (2574) وابن ماجه (2878) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

والسبق : العوض أو الجائزة . والنصل : السهم . والخف : المقصود به الإبل . والحافر : الخيل".

***

ثالثا: الطب الوقائي

ويتمثل في أمور كثيرة منها:

1 تجنب العدوى، ففي الحديث: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد).

2 المحافظة على نظافة البيئة والمياه من التلوث، ففي الحديث: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه ) رواه مسلم.

3 المحافظة على البيئة النباتية والحيوانية يساهم في بقاء التوازن البيئي واستمرار الحياة ..وهذا يهب الأمن للإنسان والحيوان معا، فعن عمرو بن الشريد، قال: سمعت الشريد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل عصفورا عبثا، عج إلى الله عز وجل يوم القيامة منه يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة " رواه أحمد. فليس مسموحا بالقتل للتسلية ولا تدمير الغابات لغير ضرورة.

4 الاستراحة في الظل بعد التعب، وذلك يجدد نشاط الإنسان، قال تعالى عن موسى عليه السلام: (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص.

5 اجتناب الأغذية الضارة كالميتة والدم ولحم الخنزير.

6 اجتناب المشروبات المؤذية كالخمر

7 عدم إرعاب الناس، لأن الرعبة صدمة تخلف بعض الأمراض. قال عليهالصلاة والسلام: (لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّعَ مسلمًا). رواه أبو داود.

8 الحمية والصيام من أسباب الصحة.

9 النظافة في البدن والثياب والمكان وغسل اليدين قبل الطعام. ففي الحديث:  (إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أراه قال أفنيتكم). رواه الترمذي.

10 قص الأظافر وتنظيف الفم والجسد وإزالة الوسخ عنه، ففي الحديث: (عَشْرٌ من الفِطْرَةِ : قَصُّ الشارِبِ ، و إعْفاءُ اللِحيَةِ ، و السِّواكُ ، و اسْتِنْشاقُ الماءِ ، وقَصُّ الأظْفارِ ، و غَسْلُ البَراجِمِ ، و نَتْفُ الإبِطِ ، و حَلْقُ العانَةِ ، و انْتِقاصُ الماءِ). رواه مسلم.

11 حفظ الطعام والماء من تأثير الحشرات والجراثيم، ففي الحديث: (غطوا الإناءَ ، وأوكوا السّقاءَ ، فإن في السنةِ ليلةٌ ينزلُ فيها وباءٌ ، لا يمرّ بإناءٍ ليسَ عليهِ غطاءٌ ، أو سقاءٌ ليسَ عليهِ وِكاءٌ إلا نزلَ فيهِ من ذلكَ الوباءِ . قال الليثُ : والأعاجمِ يتقونَ ذلكَ في كانونَ الأولَ). رواه البغوي. ومسلم مع اختلاف يسير.

12 إبعاد العظام عن البيت فهي طعام الجن. روى مسلم في صحيحه أن الجن سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزاد، فقال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم). وما في سنن الترمذي مرفوعا: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام  فإنه زاد إخوانكم من الجن). صححه الألباني.

13 كف الصبيان بعد المغرب احترازا من أذى الجن، ففي الحديث: (لا تُرْسِلُوا فَواشِيَكم ، وصِبْيانَكم إذا غابَتِ الشمسُ ، حتى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ ، فإنَّ الشياطينَ تُبْعَثُ إذا غابتِ الشمسُ ، حتى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ). صحيح الجامع، للألباني.

14 ذكر الله تعالى قبل الجماع للوقاية من تأثير الشيطان، ففي الحديث: (إذا أتَى أحدكُم أهلهُ فليقُلْ اللهم جنّبنا الشيطانَ وجنّبِ الشيطانَ ما رزقتنا). رواه البخاري ومسلم.

15 التزام البيوت الآمنة والملابس الواقية من الحر والبرد والجراح .. كل هذا من أسباب السلامة، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) النحل.

16 الحفاظ على المقاصد الخمسة للشريعة، وهي: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

فحفظ الدين يحمي العقل من التشوش بالإلحاد أو التعلق بالأوهام كالأوثان..

وحفظ العقل يقي الأعصاب من الأمراض التي يسببها شرب الخمر

وحفظ العرض يقي من الأمراض الجنسية والتناسلية

وحفظ النفس والمال يقيان النفس من الثأر والانتقام والغل والحقد.

***

رابعا: الصحة النفسية

للدين منهجه في إرشاد النفس وإصلاحها، وجعلها حرة وإيجابية، ووقايتها من شرور الأمراض النفسية، ومن معالم هذا المنهج ما يأتي:

1 اجتناب مسببات الأمراض النفسية من الهم والحزن والعجز والكسل والدين والقهر، ففي الحديث: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه البخاري

2 اجتناب ما يعكر النفس والمزاج من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، والغيبة والنميمة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) الحجرات.

3 اجتناب الوسوسة، وهي حديث وهمس الشياطين الخفي. وسورة الناس كلها للاستعاذة من الوسواس الخناس لما له من خطورة.

4 استخدام الأدعية التي تحصن الإنسان من البلايا والأمراض، ففي الحديث: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ البرصِ والجنونِ والجذامِ ومن سيِّئِ الأسقامِ). رواه أبو داود وأحمد.

والرقية هي دعاء خاص من الأدعية.

5 العلم : وهو من أعظم الوسائل للتبصرة والتنوير ومعرفة الحق واجتناب الأمراض النفسية،  قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) الزمر.

6 الإيمان بالله وذكر الله تعالى يهدئ القلب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد.

7 العمل: هو سبب للنجاة في الدنيا والآخرة، والكسب الحلال يقي من مذلة السؤال، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا ، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ). رواه البخاري.

8 تعويد النفس على البذل والعطاء: وذلك من خلال بذل الزكاة والصدقات وهو ما يعزز الإيمان بالله وتقوية الإرادة والثقة بالذات فلا يخاف الباذل من الفقر ولا غوائل الدهر، قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة.

9 الحفاظ على المقاصد الخمسة للشريعة: الدين والنفس والعقل والعرض والمال، هو مما يجعل المرء في صحة نفسية جيدة فلا توتر ولا اضطراب ولا جريمة.

10 اجتناب النفاق لأنه مرض نفسي يورث الخوف والقلق، قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة.

11 رعاية الحيوان سبب للغفران كمن سقت كلبا فغفر الله لها، ففي الحديث: (بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ). رواه البخاري.

 .. ولا شك أن صحبة الحيوان فيها منافع كثيرة نفسية واجتماعية ولذلك ذكر الكلب في قصة أهل الكهف لكونه مرافقا لهم، فهو وفي أمين.

***

خامسا: العلاج والتداوي

اهتمت الشريعة بإرشاد الناس إلى بعض الأدوية وطرق العلاج، وفي هذا الصدد نلحظ الآتي:

 * أمرت الشريعة بالتداوي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم. وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. وصححه الحاكم، والذهبي.

*وأشار القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى بعض العلاجات فمن ذلك:

1 التداوي باليقطين كعلاج للالتهابات الجلدية، فقد أشاد الله بشجرة اليقطين، حيث قال تعالى عن نبيه يونس عليه السلام بعد أن نجاه سبحانه من بطن الحوت: (وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) الصافات.

وقد جاء في موقع (الطبي) عن فوائد اليقطين ومنها: المساعدة في عملية الهضم. · ملين. · مضاد للسعال. · مدر للبول. · ملطف للأغشية المخاطية. · علاج للبواسير. · علاج للاكتئاب، والأرق...

2 التداوي بالحبة السوداء، ففي الحديث: (إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا من السام.  قلت: وما السام؟ قال: الموت). رواه البخاري عن عائشة.

وقد جاء في موقع (الطبي) حديث عن بعض فوائد الحبة السوداء:  "فوائد الحبة السوداء عديدة ومدهشة، حيث استخدمت بذور حبة البركة لصنع الدواء منذ أكثر من 2000 عام، وقد استخدمت هذه البذور لعلاج الصداع وألم الأسنان واحتقان الأنف والربو والتهاب المفاصل والديدان المعوية، والتهاب ملتحمة العين بالإضافة لعلاج العديد من الحالات الأخرى".

3 التداوي بالكمأة لبعض أمراض العين، ففي الحديث: (الكمأة من المن وماؤهـا شفاء للعين) رواه البخاري. ومسلم.

 وقد جاء في موقع (ويب طب) حديث عن فوائد الكمأة:  "تأخير الشيخوخة، وعمليات التقدم الطبيعي في السن. حماية الكبد من أي خلل أو مرض. حماية جهاز الدوران من الأمراض، خاصة مرض تصلب الشرايين".

4 العسل  وفيه شفاء للناس كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

 وقد جاء في موقع (مايوكلينك) حديث عن بعض فوائد العسل: "تشير  الدراسات إلى أن العسل ربما يفيد عند استعماله كمضاد للاكتئاب، ومضاد للاختلاج ومضاد للقلق. وتبيَّن في بعض الدراسات أن العسل يساعد على الوقاية من اضطرابات الذاكرة. العناية بالجروح. تبين أن الاستعمال الموضعي للعسل ذي الاستخدامات الطبية يعزز التئام الجروح، خاصةً في حالة الحروق".

*وجاءت في الكتاب والسنة إشارات إلى بعض الطرق العلاجية، فمن ذلك:

1 الحجامة، وهي علاج لبعض الأمراض، ففي الحديث: (الشِّفاءُ  في ثَلاثَةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ كَيَّةٍ بنارٍ، وأنا أنْهَى أُمَّتي عَنِ الكَيِّ). رواه البخاري.

جاء في موقع (الطبي) حول فوائد  الحجامة ما يأتي:

"تمثل النقاط التالية أهم فوائد الحجامة في الجسم:

الراحة والاسترخاء، تساهم الحجامة في زيادة إنتاج الأفيون (بالإنجليزية: Opioid) الداخلي في الدماغ مما يؤدي إلى تحسن التحكم بالألم كونها تساهم في رفع عتبة الألم (بالإنجليزية: Pain Threshold).

 كما أن من فوائد الحجامة للظهر أنها تقلل من آلام الظهر.

تقليل الالتهاب.

تعزيز الدورة الدموية، وطرح السموم والنفايات إلى خارج الجسم، إزالة المواد الضارة من الشعيرات الدموية في الجلد ومن السائل بين الخلايا.

تعزيز إصلاح الخلايا البطانية في الشعيرات الدموية وتسريع تكوين الأوعية الدموية في منطقة الحجامة.

خفض مستويات الكوليسترول الضار (LDL) في الرجال وبالتالي قد يكون لها دوراً فعالاً في محاربة تصلب الشرايين (بالإنجليزية: Atherosclerosis) وأمراض القلب والأوعية الدموية. ومن المعروف أيضاً أن للحجامة دوراً كبيراً في خفض مستوى الكوليسترول الكلي ونسبة الكوليسترول الضار إلى المفيد (LDL/HDL Ratio).

خفض عدد الخلايا اللمفية (بالإنجليزية: Lymphocytes) في الدم الموجود في المنطقة المعرضة للحجامة مع زيادة عدد العدلات (بالإنجليزية: Neutrophils) وكريات الدم الحمراء.

تخفيف الالتصاقات وتجديد الأنسجة الضامة.

من فوائد الحجامة للأعصاب أنها تعمل على تحفيز الجهاز العصبي الطرفي.

التحكم في ارتفاع ضغط الدم.

تنظيم جهاز المناعة.

خفض مستوى السكر في الدم لدى مرضى السكري". انتهى.

2 تبريد المحموم بالماء، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء ) رواه البخاري.

3 الصيام وهو علاج للسمنة وبعض أمراض الجهاز الهضمي، وقد جاء في الحديث: (صوموا تصحوا). رواه الطبراني وحسنه السيوطي.

وجاء في موقع (الطبي) عن فوائد الصيام:  " تحسين صحة القلب: يقلل الصوم من ضغط الدم والكوليسترول، ويُحسن من وظائف القلب. تنظيم مستويات السكر في الدم: يساعد الصوم على تنظيم مستويات السكر في الدم، وتحسين حساسية الجسم للأنسولين. تحسين صحة الجهاز الهضمي: يساعد الصوم على تحسين صحة الجهاز الهضمي والتخلص من السموم في الجسم".

4 العلاج بالماء البارد، كما جاء في قصة أيوب: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)ص.

وجاء في موقع (الطبي) عن فوائد الماء البارد: "تحسين عمليات الأيض، وهذا ما يمكن أن يكون له دور في تخفيف الوزن. تحسين حركة الدورة الدموية. التقليل من آلام والالتهابات المرتبطة بمختلف أنواع الأمراض والمشكلات الصحية، بما فيها التهاب المفاصل الروماتويدي، ومتلازمة النفق الرسغي، والالتواء في القدم والكاحل. تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة التمارين".

5 استخدام السواك، وهو أداة مهمة لنظافة الفم،  ففي الحديث: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب). رواه  البخاري.

وقد تحدث الأطباء عن فوائد السواك، وقد جاء في موقع (الطبي): "السواك  هو عصا مضغ طبيعية تقليدية، تشبه الغصين الصغير، شاع استخدامها منذ القدم كوسيلة طبيعية لتنظيف الأسنان في معظم البلدان العربية، والهند، وباكستان، والعديد من الدول الأفريقية، والآن وبعد ما ثبت عن المسواك من خصائص مطهرة ومضادة للفيروسات، والجراثيم، والبلاك، والفطريات، وحتى مضادة للسرطان".

6 التداوي بالقرآن الكريم، وهذا يدخل في الطب الروحاني .. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالشفاءين العسل والقرآن). رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

يقول الشيخ ابن باز في رده على سؤال عن حكم التداوي بالقرآن: "مشروع، الله جعله شفاء؛ فإذا نفث الإنسان على نفسه بآيات من القرآن بالفاتحة، أو بآية الكرسي، أو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذات كله طيب، كان النبي يعالج نفسه بالقرآن عليه الصلاة والسلام، فالعلاج بالقرآن من أفضل العلاج، بل هو أفضل العلاج". انتهى. (كذا من موقعه).

***

سادسا: التفاعل مع الطبيعة

من شمس وقمر ونجوم...  وهو يفيد الحواس ويهدئ النفس ويحفز العقل ويدفع السآمة والضجر، وفي هذا الصدد يقرر المولى سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ما يأتي:

1  الكون كله مسخر للإنسان بما فيه من أجرام وظواهر كونية، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) إبراهيم. وقال أيضا (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)الجاثية.

وعليه فالإنسان هو الجزء الأهم في هذا الكون، وهو منفعل بجمال هذا الكون، ومتفاعل معه، وهذا يوقظ في نفسه مشاعر الحب والجمال تجاه كل ما في الكون أرضه وسمائه... وهو يبث مشاعره في كل اتجاه، مما يورثه طاقة إيجابية في هذه الحياة.

2 المشي في الشمس مفيد ونافع لجسم الإنسان، مع الأخذ بأسباب الوقاية من شدة الحر، قال تعالى في شأن المنافقين: (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)التوبة. فليست المشكلة في حر الشمس، وإنما هي في ترك الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أشعة الشمس، مما سيورثهم حر جهنم والعياذ بالله تعالى  .

3 النظر في النجوم يرشد إلى الهداية والطريق الصحيح، ويدفع عن الإنسان التخبط والضياع، قال تعالى: (وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) النحل .

4 وكل ما في الأرض من بساتين وأشجار وثمار هو مصدر تفكر وإلهام لهذا الإنسان، مما ينمي ملكاته الذهنية وقدراته الفكرية، وهذا يجعله أقدر على مواجهة الحياة وتقلباتها، قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) النحل.

5 اتباع الأسباب كما في قصة ذي القرنين جعلته يكتشف مشرق الأرض ومغربها... والاكتشاف بحد ذاته إنجاز، فهو طريق العلم والمعرفة.

6 وأهم ما ينبغي أن يكتشفه الإنسان نفسه، فيبحث عن أسرار نفسه وقواه الروحية والعاطفية والعقلية والجسدية والتخيلية، فهي مليئة بالآيات المذهلة، والعجائب الهائلة، كما قال تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21). الذاريات.

فإذا عرف الإنسان ذاته عرف كيف يحافظ عليها من الأمراض والأسقام وكيف يجد لتلك العلل الأدوية المناسبة.

ونختم هذه الفقرة بما قاله أينشتاين:  "إن الإنسان يُعَد جزءاً من كيان كبير نسميه الكَوْن ‎‏جزء محدود بحدود الوقت والمكان  إنه يدرك نفسه وأفكاره ومشاعره كشيء منفصل عن الآخرين كنوع من الخداع البصرى لإدراكه. إن هذا الوهم أو الخداع البصرى ما هو إلا نوع من السجن بالنسبة لنا يقيدنا فى حدود رغباتنا الشخصية والحب لأشخاص قليلين أقرب ما يكونون لنا. لابد أن تكون مهمتنا هي تحرير أنفسنا من هذا السجن وذلك عن طريق توسيع دائرة الحب لتشمل جميع المخلوقات والكائنات الحية والطبيعة بكل ما فيها من جمال". انتهى. (من موقع الجزيرة).

***

والخلاصة من هذا المقال هي أن دين الله تعالى أرشد إلى قواعد الصحة النفسية والجسدية بشكل مجمل وإشارات خاطفة، وهي كافية لتجعل المرء يعيش حياة سعيدة لو تأملها وفهمها والتزم بمقتضاها، وهذا لا يمنع من أن يستفيد أيضا مما وصل إليه العلم الحديث من نتائج مذهلة في هذا الصدد، فقد جاء في الحديث: (الكلمةُ الحِكْمَةُ ضالَّةُ المؤمنِ ، فحَيْثُ وجدها فهو أَحَقُّ بها).

فالحمد لله رب العالمين على نعمة التوحيد ونعمة هذا الدين.

والله تعالى ولي التوفيق.

وسوم: العدد 1075