وساطة أمريكية عابثة في مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزة مع وساطة عربية مهمتها نقل ما يقرره الوسيط الأمريكي
وساطة أمريكية عابثة في مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزة مع وساطة عربية مهمتها نقل ما يقرره الوسيط الأمريكي إلى الطرف الفلسطيني وهو منحاز كليا للطرف الصهيوني
قبل طرق هذا الموضوع من الضروري التذكير بأصل المشكلة الفلسطينية كما شهد بذلك التاريخ الحديث الذي لا يمكن تجاهله أو طمس حقائقه . إن حقيقة هذه المشكلة هي أنها مشكلة من صنع الإنجليز عن عمد وسبق إصرار حيث جمعوا شتات اليهود في كل أنحاء العالم، ووَطَّنوهم بالقوة العسكرية في أرض كانت تحت احتلالهم المسمى انتدابا على حساب تهجير جزء من الشعب الفلسطيني منها، وفرض الاحتلال الصهيوني البغيض على الباقي مع نية مبيتة منه لاستئصاله كليا مع مرور الوقت .
ولقد اخترع اليهود المُوطّنون في أرض فلسطين بالقوة العسكرية خرافة من تخاريفهم التلمودية التي يدعون فيها أن أرض فلسطين وما حولها هي ما سموه وطنهم القومي الموعود ، وذلك لتبرير عدوانهم على الشعب الفلسطيني وتقتيله ، وتهجيره . علما بأن اليهود لا زالوا إلى يوم الناس هذا منقسمين عقديا على أنفسهم ، حيث يسوق بعضهم خرافة الوطن القومي ، بينما يرفض البعض الآخر فكرة توطينهم في فلسطين ، ويعتبرون عيش الشتات في المعمور هو قدرهم المحتوم التزاما بتعاليم دينهم الذي يعتبرونه هو صحيح مسفهين رأي دعاة التوطين . ولا زال الخلاف على أشده بخصوص هذا الأمر بين هؤلاء وأولئك ، وسيظل كذلك إلى حين زوال الاحتلال عن أرض فلسطين .
ولقد غض الغرب الطرف أجمع عن أصل المشكلة الفلسطينية ، متبنيا الخرافة التلمودية الصهيونية التي تُملِّك أرضا فيها شعبها منذ قرون وأجيال لشعب شتات يشهد عليه التاريخ ، وذلك للتمويه على أطماعه في مقدرات وخيرات منطقة الشرق الأوسط التي احتلها ووزعها وفق ما سمي بخطة " سايكس بيكو "، واستنزف خيرتها ومقدراتها لفترة زمنية ، وصنع بذلك رفاهيته الحالية . ولقد استمرت أطماعه فيها بعد رحيل جيوشه الغازية المحتلة ، فجعل من اليهود الذين هَجَّرهم إلى فلسطين ما يمكن اعتباره " مسمار جحا " الذي به يبرر أطماعه الدائمة في الوطن العربي ،وهو وجود تشهد عليه قواعده العسكرية المنتشرة هنا وهناك .
ويحاول الغرب المتآمر مع الاحتلال الصهيوني القفز على السبب الحقيقي لحدث طوفان الأقصى باعتباره رد فعل منطقي ومتوقع على حصار الصهاينة الخانق لقطاع غزة منذ خروجهم منها سنة 2005 بعد احتلالها منذ سنة 1967 . ولقد كان على أهل غزة أن يثوروا لكسر ذلك الحصار الجائر الذي كان بمثابة عبارة أكبر معتقل عرفه التاريخ البشري المعاصر . ولم يكن الحصار وحده السبب الوحيد وراء طوفان الأقصى، بل كانت وراءه أيضا مؤامرة غربية لا تقل مكرا وخبثا مفادها إعادة احتلال الصهاينة للقطاع من جديد تمهيدا لإخلائه من أهله وتهجيرهم قسرا بغرض تحويله إلى ما سمي " ريفيرا ترامب " كما عبر عن ذلك بعظمة لسانه مباشرة بعد تسلمه السلطة للمرة الثانية . ولقد شهدت على هذه المؤامرة مؤشرات منها ما سمي "صفقة القرن "، أو " البيت الإبراهيمي " لتحقيق هدف التطبيع الذي يضمن من جهة السلام للكيان الصهيوني فوق أرض احتلها بالقوة ، وقد أعانه على ذلك الغرب ، كما يضمن من جهة أخرى لهذا الأخير الاستمرار في نهب مقدرات وخيرات المنطقة العربية برمتها من محيطها إلى خليجها هو وعرّابه الصهيوني .
ولقد كشف طوفان الأقصى عن كل هذا الذي بيّته الغرب ، واتضح ذلك بكل جلاء لشعوب المعمور بما فيها شعوب بلاد الغرب التي أنكرت المؤامرة الصهيونية الماكرة والخبيثة ، وخرجت في مسيرات مليونية تدينها بشدة ، وتقر بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال بعد أن ظلت أنظمتها المتواطئة مع الصهاينة تضللها من خلال تسويق مقولة " معاداة السامية "، وهي تلوح بها كتهمة وإدانة تلاحق كل من ينكر الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ، وما يرتكبه من جرائم وحشية في حق شعبها والت فاقت في قطاع غزة حدود الإبادة الجماعية تقتيلا ، وحصارا، وتجويعا .
ولما عجز المحتل الصهيوني، ومن ورائه الغرب المتواطىء معه بشطريه الأميركي والأوروبي عن تحقيق حلم " الريفيرا " ، وقد واجه صمود المقاومة الباسلة التي احتضنها الشعب الفلسطيني بالرغم مما قدمه من تضحيات جسيمة ، رضخ مرغما لفكرة المفاوضات من أجل تحرير رهائنه المحتجزين لدى المقاومة مقابل إطلاق صراح سجناء فلسطينيين في سجونه ومعتقلاته والانسحاب من القطاع ، لكنه بعد البدء في اتفاق تم بينه وبين المقاومة عن طريق وسطاء مصريين وقطريين وأمريكان ، وقد انتهى شطر منه بتحرير عدد من رهائنه مقابل إطلاق عدد من السجناء الفلسطينيين، تراجع عن استكمال الشطر الباقي من الاتفاق الذي أقره ووقع عليه ، ليواصل من جديد إبادته الجماعية في حق أهل غزة ، محاولا مخادعة ، واستغفال الرأي العام العالمي بأنه هو الضحية ، وأن من حقه ارتكاب تلك الإبادة ، وكأنه ليس هو الذي احتل القطاع أول مرة مدة ثمانية وثلاثين سنة من سنة 1967 إلى سنة 2005 ، وحاصره بعد الخروج منه مدة ثمانية عشرة عاما .
وبتراجعه الفاضح عما التزم به أمام الوسطاء، ومواصلته الحرب على أهل غزة بكل ضراوة و وحشية ، اتضح أنه ليس جادا لا هو ولا الوسيط الأمريكي في الوصول إلى حل ينهي العدوان على القطاع، بل صرح علانية أمام العالم بأنه جاد في إخلائه من أهله، و احتلالها من جديد ، ومن أجل تحقيق حلم " ريفيرا ترامب " الرئيس الأمريكي ، و هو تعبير مموه عن الطمع المكشوف في مقدرات وخيرات الوطن العربي ، وقد نال منها مؤخرا في زياته للخليج ما اعتبر مقدم ابتزاز واضح كان عبارة عن تريليونات عاد بها كغنائم إلى وطنه بعدما زود الكيان الصهيوني بالآلة الحربية المدمرة كي يبيد أهل القطاع ، ويضطرهم إلى مغادرته قسرا كي ينعم بالريفرا هو وعرّابه المحتل الصهيوني .
ومن العبث أن يكون الطرف الأمريكي " وسيطا "، وهو متورط في جرائم الإبادة الجماعية في القطاع بالدعم اللامشوط واللامحدود للمحتل الصهيوني ، تسليحا ، وبواسطة الفيتو الذي يحول دون وقف هذه الإبادة . ويستغل" الوسيط " الأمريكي ـ وما كان ينبغي له أن يكون وسيطا أصلا ـ خضوع الوسيطين القطري والمصري له، واللذين تنحصر وساطتهما في مجرد تبليغ الطرف الفلسطيني بما يريده " الوسيط الأمريكي " من أجل ترجيح كفة الطرف الصهيوني الذي لا يصرح بأنه لا يريد إنهاء هذه الحرب الظالمة ، ولا الخروج من قطاع غزة ، بل يريد استرجاع ما بقي من رهائنه المحتجزين لدى المقاومة الأحياء منهم والأموات ثم يواصل الإبادة الجماعية بعد ذلك تمهيدا لمشروع " ريفيرا ترامب " .
ولقد تملص " الوسيط الخصم الحكم " الأمريكي الذي لا رأي ، ولا قرار في المفاوضات إلا رأيه المطابق تماما لما يريده العرّاب الصهيوني من مسؤولية ضمان حقيقي لوقف الحرب في القطاع حيث صرح علانية من أطلق ما سمي خطة أمريكية بأنه لا يمكنه ضمان ألا يعود الصهاينة إلى الحرب بعد حصولهم على رهائنهم ، فهل بعد هذا العبث عبث أو بعد هذه المسرحية الهزلية مهزلة ؟
إن الأصل في الوساطة أن يلتزم الوسطاء كل الحياد بين الفرقاء المتصارعين، لأنه لا يمكن للوسيط أن يكون خصما وحكما في نفس الوقت . ولقد كان من المفروض أن يلتزم " الوسيط " الأمريكي لو كان محايدا ومنصفا بضمان وقف شامل للحرب كي تسمى خطته بالفعل خطة حقيقية ، ولو فعل ذلك لأنهى مأساة الشعب الفلسطيني التي تطالب كل شعوب المعمور بإنهائها حتى أن بعض الأنظمة الغربية التي كانت دائما مساندة للكيان الصهيوني ، وفي صفه، اضطرت لأول مرة مرغمة إلى التناغم مع مطلب شعوبها المنادية بحرية واستقلال فلسطين ، ورفع الظلم عن شعبها المظلوم ظلما صارخا.
إن الذي يمنع " الوسيط الخصم الحكم الأمريكي " من تحمل مسؤولية ضمان وقف الحرب في قطاع غزة هو جشعه ، و طمعه في " الريفيرا " ، وفيما وراءها من تفاصيل " صفقة القرن " المشئومة .
فمتى سينتهي عبث وهزل" الوسيط الخصم والحكم الأمريكي " الذي يتاجر بمأساة الشعب الفلسطيني وبكل خسة ، ويتلذذ هو وعرّابه الصهيوني بمعاناته في مأساة رهيبة يخزى بسببها كل الساكتين عليها في المعمور حكاما ومحكومين ما لم تتحرك ضمائرهم المعطلة بكل جد وبكل صرامة لوضع حد ونهاية لها ؟؟؟
وسوم: العدد 1127