هل يمكن أن نتوافق؟... أم أن سوسة الخلاف هي الأقوى

هل يمكن أن نتوافق؟...

أم أن سوسة الخلاف هي الأقوى؟؟...

عقاب يحيى

بين التوافق والتنابذ.. والمثل الشعبي" رضينا بالمرّ وما رضي بناّ" وأشباهه يدور في أروقة المعارضة إما بشكل رسمي أو عبر حركات احتجاج.. وهو يعبّر عن شيء متأصل : استحوازي، تملكي، استئصالي رغم أطنان الشعارات عن وحدة عمل المعارضة، وواجب معالجة أوضاع الفرقة، والتشتت ونتائج ذلك على الجميع، وعلى الثورة والوطن..

ـ لقد اسهمت مجموعة عوامل في تطور أفكار التلاقي، والتوافق، وفي الأسّ منها ما آلت إليه الثورة من أزمة متشابكة، ودخول قوى دولية كبيرة على خطها، وتدويلها ـ تقريباً ـ بمعزل عن رأي وإرادة السوريين.. وبدت عملية تجميع المعارضة، ومختلف قوى الحراك الثوري والعسكري والمدني في المرتبة الأساس لبناء ميزان قوى جديد، ولانتزاع حقوق الشعب، وتحقيق أهداف الثورة..

ـ هنا يجب أن نسجّل، وبغض النظر عن الخلفيات والدوافع، وعن مستوى الوعي والإيمان بأهمية التوافق، والمؤتمر الوطني الجامع، وعن مصالح البعض، أو حرّتقاتهم التي يمكن أن تكون محرّكاتهم، فقد نما داخل الإئتلاف، وبقوة الإيمان بأهمية توسيع دائرة المشاركة السياسية، والانفتاح على جميع القوى المعارضة وغيرها من قوى الثورة، والبدء بعدد من اللقاءات.. كانت الحوارات مع " هيئة التنسيق"، وتيار بناء الدولة أبرزها في الأشهر الأخيرة، وصولاً إلى "لقاء باريس" الأخير وما أسفر عنه من توافق على الوثيقة السياسية المقدّمة من وفد الإئتلاف، بعد بعض التعديلات الطفيفة.. ثم حدوث تلك الزوبعة القوية في فناجين الهيئة، وعلى أطرافها، وانشقاق البعض، وإصدار بيان شديد ممن اعبروا أنفسهم قيادات وإطارات في هيئة التنسيق يرفضون فيه ما جرى، ويحملون " الوفد المفاوض" وقيادة "هيئة التنسيق" بالتفريط ب"نتائج لقاء القاهرة"، وبعديد الثوابت.. لصالح الإئتلاف.. وما ورد من توصيف له.. وتعابير كثيرة نافية لروح التوافق، واللقاء..

                                                          ****

كل لقاء. كل توافق . كل حوار بين طرفين وأكثر يستلزم " التنازل" من الجميع للوصول إلى المشتركات. التنازل هنا لا بدّ أن يكون للصالح العام، ولخدمة الثورة والشعب، طالما أن الجميع يدّعي أنه يعمل لصالحهما، وأن لا مصلحة ذاتية، ولا حزبية، ولا عصبوية له فيهما.. لذلك لايمكن أن نسميه تنازلاً بقدر ما هو تعبير عن الروح العالية بالمسؤولية، وعن الحرص على تجاوز الجزئيات الخلافية وصولاً لما هو أهم.

ـ حتى الأزواج الجدد.. ورغم طغيان الذكورة البارزة في بلادنا العربية، فإن نجاح الزواج وديمومته يقتضي شيئاً من التفهّم، والتنازل، والتسامح من الطرفين وإلا لفشل الزواج، وتحوّل إلى مناكفة تودي به إلى نهاياته ..فكيف والأحزاب السياسية المحسوبة على الثورة لا تكلّ ولا تملّ كلاماً عن التجميع، والوفاء للثورة، وتجاوز عوامل الضعف فيها..؟.

ـ عندما عقد مؤتمر القاهرة للمعارضة ـ تموز 2012 ـ جرى التوافق على " وثيقة العهد" من قبل اللجنة التحضيرية التي كانت تمثل معظم أطياف المعارضة، وتمّ التوقيع بالأسماء الصريحة عليها، ثم صادق المؤتمر العام عليها، خاصة تلك الفقرة" الإشكالية" المتعلقة بمضمون الحل السياسي الذي يشترط " تنحية رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين بالقتل إلى المحاكم".. ثم حاول البعض التنصّل منها بعد ايام ..

ـ ورغم شيء من من التدوير في العبارات الواردة في وثيقة المبادئ الأساسية التي أقرتها الهيئة العامة للإئتلاف، إلا أنها تكرّس ذلك المضمون بشكل واضح، وقد أعلن وفد" هيئة التنسيق" الموافقة عليها وإن ببعض التعديلات الطفيفة، والتي تبدو أنها المخرز الذي يقلع عيون التوافق، ويخبّئ موقفاً مختلفاً سيكون مانعاً فعليا للوصول إلى صيغ مشتركة.. رغم كثير المناورات، والتعبيرات الملتبسة.. ووضع الظروف حائلاً، او المتغيّرات مبرراً..

ـ من جهة أخرى فما يزال العقل التناكفي، الضرَرَي(من ضرّة) يسود في "هيئة التنسيق " وفي عقول عديد الإئتلافيين.. إذ يعيش بعض هؤلاء شيئاً أشبه بالانتشاء"لنجاحهم" في عقد لقاء القاهرة، وتشكيل لجنة للتحضير لمؤتمر واسع يسعون لعقده وفق رؤيتهم، وما يعتبرونه انتصارهم، وبوجود عدد من أعضاء الإئتلاف الذين شاركوا بصفة شخصية فيه، وما تمتلئ به رؤوس البعض بأن ذلك يمثل بديلاً، وتجاوزاً للإئتلاف، أو فرضاً عليه الانصياع له.. لتشكيل جسم ما.. آخر.. بينما يرفض ـ أصحاب العقل إيّاه ـ في الإئتلاف ما جرى، ويعملون على إفشاله بطرق متعددة..وكأننا نعود إلى ذهنية المباكسة التي أشرت إليها في مداخلة أثناء مؤتمر القاهرة للمعارضة، تلك المشبعة بالأنا، والأوهام.. والتي كانت سبباً مهماً في تفويت تلك الفرصة الكبيرة..

ـ إن من يكون صادقاً في معالجة أوضاع المعارضة المشتتة باتجاه وحدة عملها.. عليه ان يكون متسع الصدر والأفق، متجاوزاً لمختلف الجوانب الثانوية، متمسكاً بالمشتركات وعاملاً على توسيعها، والسعي لملاقاة الآخرين في أكثر من منتصف الطريق,,, وليس بالمناكفة، وتوظيف حالة ظرفية، أو محورية إقليمية.. للفرض، والقسر..