منظومة البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي في السودان: واقع وتطلعات

منظومة البحث العلمي

بمؤسسات التعليم العالي في السودان:

واقع وتطلعات

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

فى مقالة للدكتور/ سليمان زكريا سليمان عبدالله نشرت فى  02/12/2013 إنسكب قلمه بحيث يفرد تلك الدارسة لمعالجة النقص العلمي حيث يقول : يعتبر البحث العلمي أحد الركائز الأساسية للمعرفة الإنسانية فى كافة ميادين الحياة ومحوراً أساسياً من محاور التنمية البشرية بمختلف تطلعاتها وأهدافها وهو أحد وسائل تطور المجتمعات وسبباً من أسباب نهضتها وتقدمها كما أنه يساهم فى تسيير منظومة التنمية الشاملة وفى رفع مستوى المجتمع من جميع النواحي الثقافية والفكرية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية والتقنيه والعلمية والعملية. فهو بذلك يعتبر إستثماراً إستراتيجياً لخدمة القضايا التنموية الوطنية وهذا ما يفسر الإهتمام المتزايد الذى تبذله مؤسسات التعليم العالى فى الدول المتقدمة على تطوير بيئة البحث العلمي وتشجيع الباحثين والأكاديمين بمؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية وإثارة الحوافز لديهم حتى يتمكنوا من القيام بهذا النشاط الحيوي على أكمل وجه تحقيقاً لأعلى معدلات الكفاءة والتميز فى نوعية المخرجات البحثية، حيث صارت ترصد فى مقابل ذلك ميزانيات مالية ضخمة بسبب إدراكها أن عظمة الأمم تكمن فى قدرات أبنائها العلمية والفكرية والمهارية وإلى أن تحقيق أهدافها ومرامي سياساتها الكلية مرهون بالدرجة الأولى بالتفوق فى مجالات البحث العلمي. ولقد تزايد الإهتمام بالبحث العلمي فى الأونه الأخيرة فى جميع بلدان العالم النامي منها والمتقدم على حد سواء نتيجة لتزايد طموحات المجتمعات المختلفة وتطلعاتها نحو النمو والتقدم، فبدأت هذه المجتمعات بالبحث عن الأساليب العلمية لإيجاد الحلول لمشكلاتها فكان نتيجة ذلك إنتشار مراكز البحث العلمي وتزايد إهتمام المؤسسات التعليمية بتنمية كفاءات البحث العلمي لدى الأكاديميين والباحثين والطلاب.

وتعد مؤسسات التعليم العالي المعقل الأساسي لإجراء البحوث العلمية التى تغني المعرفة البشرية وتعالج قضايا المجتمع بمختلف قطاعاته، لذلك عملت هذه المؤسسات على أن يكون البحث العلمي جزءً رئيساً من وظائفها ومهام أعضاء هيئة التدريس فيها ومكوناً من مكونات الرؤية والرسالة والخطة الإستراتيجية حيث تولي مؤسسات التعليم العالي المتميزه أهمية قصوى لتفعيل منظومة البحث العلمي من خلال العمل الجاد والمستمر على إيجاد بنية تحتية متميزه تزيد من فعالية أعضاء هيئة التدريس والباحثين في إنجاز البحوث العلمية التي تخدم قضايا التنمية وتعالج مشكلات المجتمع في مجالات الحياة المختلفة وهي تضع في إعتبارها أن إنتاج البحوث العلمية المتميزة من أهم المعايير التي تؤخذ في الإعتبار عند تصنيف مؤسسات التعليم العالي والتمييز فيما بينها هذا بالإضافة إلى أنه أحد المتطلبات المهمة والمؤثرة فى حصول هذه المؤسسات على الإعتمادات الأكاديمية المحلية والاقليمية والعالمية. وتشير أدبيات التعليم العالي بأن الجامعات تؤدي دوراً محورياً  في إنجاز الأبحاث العلمية وذلك لأسباب كثيرة من أهمها: وجود عدد كبير من الإختصاصيين من أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ووجود عدد من مساعدي الباحثين وطلاب الدراسات العليا بالإضافة إلى توافر مستلزمات عديدة للبحث مثل المختبرات والمكتبات والأجهزة الحديثة والتسهيلات اللازمة لاجراء وتنفيذ البحوث العلمية.

البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي السودانية

كغيرها من مؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم، فقد إهتمت الجامعات السودانية بمنظومة البحث العلمي من خلال إنشاء عمادات وكليات مستقلة تتولى إدارة هذا النشاط والتخطيط له، هذا بالإضافة إلى التوسع في برامج الدراسات العليا بالجامعات المختلفة والتي يتمثل أحد اهدافها في تفعيل منظومة البحث العلمي لخدمة المجتمع السوداني في مجالات الحياة المختلفة. ومن جانب آخر يمكن القول أن معظم الجامعات السودانية تتبنى خططاً إستراتيجيه توضح من خلالها أن البحث العلمي يعتبر أحد أنشطتها العلمية وكثيراً ما نجد صياغة ذلك فى رؤي ورسالات هذه الجامعات وهنا يبرز التساؤل التالي: هل تحققت هذه الرؤى والرسالات فى جانب البحث العلمي وتطبيقاته؟ فالإجابة علي هذا التساؤل تحتاج دراسة متأنية من شأنها التحقق من ذلك.

وتبذل الجامعات السودانية جهوداً مقدرة في تطوير بيئة البحث العلمي وذلك إنطلاقاً من إن القضايا التنموية فى السودان وخدمة المجتمع بتحديد وفهم وحل المشكلات التي تواجهه فى كافة مجالات الحياة هى اليوم فى أشد الحاجه إلى الدراسات والبحوث العلمية  أكثر مما كانت عليه فى أي وقت مضى وهذا يتطلب الإستثمار في مجال الأبحاث وزيادة مخصصات الإنفاق على هذا النشاط العلمي المؤثر بما يحقق الأهداف الإقتصادية والإجتماعية وتطوير الجامعات لتصبح مراكز التمييز فى الأبحاث والتطوير وإنشاء الوحدات ذات الطابع الخاص ومراكز الدراسات المستقبلية بها من أجل تقدم المعرفة وتطبيقاتها لتحقيق برامج ومشاريع التنمية الشامله.

والمتتبع لمسيرة مؤسسات التعليم العالي السودانية فى السنوات الأخيره يلاحظ التوسع في إنشاء الجامعات وإزدياد أعداد أعضاء هيئة التدريس فيها إلا أن ذلك لم يصاحب بنمو فى إنجاز البحوث العلمية كما لم يتبعه وجود قاعده علميه بحثية تستطيع من خلالها هذه المؤسسات العلمية أن تنافس على المستوى العالمي وذلك على الرغم من وجود علماء أكفاء فى الكثير من هذه الجامعات. فعلى سبيل المثال أشارت الإحصائيات أن العدد الكلي لهيئة التدريس من مرتبة أستاذ مساعد فما فوق بلغ في العام 2007م في الجامعات الحكومية والأهلية (5198) أستاذاً بينما عدد أبحاث الأساتذة التي أجريت خلال نفس الفترة بلغ (819) بحثاً فقط (بنسبة 6:1) (ورشة عمل حول الجودة والبحث العلمي بوزارة التعليم العالي،  25 يوليو2010) مما يشير إلى تدنى حجم البحث العلمي لأعضاء هيئة التدريس فى الجامعات السودانية وعدم الإستفادة من طاقاتهم البشرية بشكل فاعل. وفي هذا الإتجاه يمكن الإشارة الى ضعف (إن لم يكن إنعدام) مساهمة الباحثين والأكاديميين بالجامعات السودانية فى الدوريات العلمية العالمية المدرجة فى المعهد العالمي للمعلومات العلمية (ISI) وقد نتج عن ذلك (من ضمن عوامل أخرى) التصنيفات المتدنيه التي آل اليها حال مؤسساتنا التعليمية حديثها وقديمها فمن يتتبع ذلك لا يكاد يجد آية جامعة سودانية من ضمن أفضل 1000 جامعة على مستوى العالم وهذه لوحدها تعتبر مؤشراً لعدم جودة مخرجات الأنظمة التعليمية (البحثية) بهذه الجامعات وفى هذا الإتجاه يمكن الإشارة إلي أن تصنيف أول جامعة سودانية - وهى جامعة الخرطوم- جاء في المرتبة رقم 1216 وذلك حسب تصنيف ويبوميتركس (Webometrics) لشهر يناير 2012، كما لم يرد ذكر أسم آية جامعة سودانية فى تصنيف شنغهاي للجامعات العالمية منذ إطلاق ذلك التصنيف للمرة الاولي فى العام 2003م.

كما أن المتتبع لواقع البحث العلمي فى معظم الجامعات يجده قائماً على أساس المبادرات الفردية من قبل أعضاء هيئة التدريس وذلك بهدف الترقية العلمية، ولذلك فهو من جهة لا يمثل إستجابة حقيقية لإحتياجات المجتمع، ومن جهة أخرى فإن عضو هيئة التدريس غالباً ما يتوقف عن نشاطه البحثي بعد حصوله على الترقية. ولذلك فإن الإتجاه العام للبحث العلمي فى الجامعات فى مجمله يخدم مصلحة أعضاء هيئة التدريس فيها ولا يخدم قضايا ومشكلات المجتمع السوداني بصورة أساسية وليس أدل على ذلك من أن نتائج الأبحاث العلمية للغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية تكون بين صفحات المجلات العلمية التي تصدرها العديد من الجامعات. وأكثر مايوخذ على هذه المجلات العلمية، أن هناك إتجاهاً عاماً بدأ يسود عند البعض بأن إصدار هذه المجلات إنما جاء ليفسح المجال أمام أعضاء هيئة التدريس لنشر أبحاثهم العلمية بهدف الحصول على الترقية العلمية دونما كبير إهتمام بقضايا المجتمع. وفى المقابل  هناك بعضاً من أعضاء هيئة من يسخرون مجهوداتهم فى إجراء البحوث العلمية التي تخاطب مشكلات المجتمع إلا أن هؤلاء يواجهون بمشكلات عديدة أبرزها ضعف المخصصات المالية التي تعينعم فى إنجاز تلك البحوث.

يمكن القول عموماً بأن الجامعات السودانية تذخر بأعداد مقدره من الكوادر الأكاديمية المؤهلة والقادرة على إنتاج ونشر المعرفة والإبتكار متى ماتوافرت لها الإمكانات والتسهيلات وتعتبر هذه الكوادر أحد الأعمدة البشرية الأساسية فى التنمية الإقتصادية والإجتماعية الشاملة فى السودان ومساهمتها الفاعلة فى ذلك تعتمد على تنميتها وتطويرها وتوفير الدعم المالي اللازم لها بهدف إعداد قاعدة علمية وتكنولوجية فاعلة.

وما دامت الجامعات تنشد التطور والتميز نحو الأفضل فى مجال البحث العلمي فلابد أن ينبي ذلك على أسس  علمية سليمة تحلل الواقع بعناية فائقة وتخطط للمستقبل بنظرة فاحصة. ومن أجل الإرتقاء بمنظومة البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي السودانية أدناه بعض المقترحات:

•§         زيادة المخصصات المالية الموجهة لاغراض البحث العلمي لإعضاء هيئة التدريس ضمن أسس تضمن الشفافية والعدالة.

•§         على إدارات الجامعات المختلفة العمل على تعزيز التواصل بين الباحثين والجهات المستفيدة من البحوث العلمية.

•§    أن تسعى إدارات الجامعات والكليات ببرامجها المختلفة على بناء علاقات وشراكات فاعلة مع المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية من أجل الإستفادة مما تقدمه هذه المؤسسات من دعم مالى للبحوث العلمية.

•§    تيسير مشاركة أعضاء هيئة التدريس فى المؤتمرات العلمية الإقليمية والعالمية وذلك لأن المشاركة والتواصل العلمي يرفع من كفاءة عضو هيئة التدريس ويمنحه فرصة الإطلاع على ماهو جديد مما ينعكس إيجاباً على إنتاجه البحثي.

•§         تشجيع الباحثين من اعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية على التعاون لاجراء بحوث جماعية.

•§         تشجيع اعضاء هيئة التدريس على البحث العلمي المتميز (تخصيص جائزة سنوية على مستوى الكلية والجامعة لأفضل البحوث المنجزة).

•§         إعتماد نظام المكافات المالية لأعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بتقديم البحوث والدراسات من خلال المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية.

•§         دعم المكتبات الجامعية بالكتب والمراجع والدوريات الحديثة لمساعدة الباحثين فى إجراء البحوث العلمية.

•§         توفير الدوريات والمجلات العلمية فى مختلف التخصصات من خلال اشتراك سنوي للجامعات فى هذه الدوريات.

•§    العمل على تخفيف الأعباء التدريسية لأعضاء هيئة التدريس من خلال الزيادة فى أعدادهم ثم منحهم بشكل دوري تفرغاً علمياً ليتسنى لهم التفرغ للبحث العلمي والمشاركة الفعلية فى الأبحاث العلمية.

•§    على وزارة التعليم العالى والبحث العلمي أن تعمل على خلق نوعاً من التواصل بين الجامعات السودانية فيما بينها والتنسيق فى إعداد المشاريع البحثية المشتركة.

•§    إتاحة الفرصة وتوفير الدعم اللازم لأعضاء هيئة التدريس الحاصلين على درجة الدكتوراة من الداخل للإلتحاق ببرامج مابعد الدكتوراه فى جامعات متميزة على مستوى العالم.

•§    رفع المكافآت والرواتب التي تمنح لأعضاء هيئة التدريس حتى لا تكون الحاجة إلى المال دافعاً لتدريس ساعات زائدة عن النصاب كوسيلة تعويضية لإنخفاض الرواتب.

•§         إعتماد نظام لتحقيز طلاب الدراسات العليا المتميزين في البحوث العلمية.