لا بدّ من وقفة نقدية..

لا بدّ من وقفة نقدية..

عقاب يحيى

نعم يجب الاعتراف أن معظمنا لم يتوقع أن تستمر طغمة الاستبداد والفئوية هذه المدة(قرابة العامين)، وأن تظل متماسكة، وحولها قاعدة واسعة من فئات شعبية مختلفة، وإن غلبت عليها الحالة الطائفية وتزيّنت بمختلف مكوّنات الشعب السوري .

هذا الوضع المفتوح على مدى من المجابهة، او حل سياسي يلبي شروط الحد الأدنى للثورة، يطرح أسئلة مهمة، ويستوجب منا إعمال العقل فيه لتفهمه والتعامل معه من داخله وليس بسياسة الهوبرة والشعارات، والصراخ" الثوري"، او وضع كل الحق على حلفاء النظام ودعّامه ..

لنبدأ بنا : أهل الثورة بمختلف فئاتها : الثوار الشباب، والمعارضة التقليدية والجديدة.. ونسأل :

ـ هل قمنا بالدراسات اللا زمة لبنية النظام وعوامل ارتكازه وقوته، وسرّ تماسكه ؟؟..

ـ هل أنشأنا خلايا ولجاناً لدراسة هذا الوضع بغية اختراقه والنفاذ منه إلى الحاضن، وبغية فهم الذي يجعل عديد قواه تقاتل بشراسة وتتماسك بدرجة ملفتة ؟..

ـ هل كان خطاب الثورة هادفاً، موجهاً، واعياً ويسير ببوصلة واضحة نحو الهدف ؟..  أم أن الفوضى والتداخل، وبعض المراهقة والتزمت وردود الفعل طفت على السطح فكانت تربة خصبة تستخدمها الطغمة في مخططها التجييشي، وإشعار من معها، ويشمل ذلك معظم الطائفة العلوية، وكثير من المؤيدين والمشبحين والبواقين والمبوقين، بأنهم مستهدفون حتى القتل.. وإما قاتل أو مقتول ؟..

ـ هل امتلكنا رؤية وتكتيك التعامل مع هذه المكونات والمفردات فتوجهنا بخطاب جمعي، عقلاني يرسخ بنيان وأسس الوحدة الوطنية ويخلق الثقة بأن الثورة هي شعبية، ولجميع فئات الشعب السوري، وأنها ثورة مدنية، وديمقراطية ستقيم العدل والمساواة بين المواطنين وفقا للدستور المقرر من الشعب ، والقوانين الناظمة لحقوق وواجبات المواطن ؟..

ـ هل تقدمنا ـ بوقت مبكر ـ بمبادرة وطنية سياسية تحدد الإطار، وتقف عند الثوابت والشروط التي تجمع عليها قوى الثورة والمعارضة : تنحية رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين للقتل إلى المحاكم العادية، وتوجيه خطاب تطميني واثق للجميع ؟.. وأن الحلول السياسية ليست نقيضاً، او بديلا عن العمل العسكري، والمقاومة المسلحة، ولا يمكنها أن تنتصب في الهواء والفراغ، بل هي نتاج ميزان القوى على الأرض، وما يستلزمه ذلك من جهد جماعي مدروس ومنظم في التسليح، وإيجاد الأطر الموحدة الناظمة، وفي الأغاثة، والنهوض بما يمكن من أعباء النكبة السورية.. بديلاً للفوضى، وعقلية الدكاكين والمليشياوية، والحزبوية.. وبما سمح لأطراف كثيرة الدخول على خط الثورة والعمل المسلح، ومحاولة القبض عليهن او تجييره لهذا الطرف أو ذاك ؟..

ـ نعرف جميعاً طبيعة القوى التي تدعم النظام، وإن كان ما يزال البعض في القوى السياسية يراوغ في حقيقة العلاقة العضوية بين الطغمة والنظام الإيراني، والتي تتجاوز علاقات التحالف والمصالح إلى شيء عضوي يرتبط بصلب المشروع الإيراني : القومي الراكب على حامل مذهبي تفتيتي، وأن سقوط نظام الطغمة يحمل معه احتمال سقوط المشروع الإيراني في المنطقة، أو تقطّعه على الأقل، ولذلك فإيران طرف وليست مجرد حليف, ينطبق ذلك بالقطع على حزب الله كفصيل في تلك الترسانة، وبما يعني أخذ ذلك في الحسابات والتكتيك. وكذا عوامل  ومحركات الموقف الروسي، وسقفه، وإمكانية السمسرة والمقايضة فيه مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقابلية الطرفين على الاتفاق ، وموقع بلدنا في ذلك ..

ـ ويعرف الجميع، أيضاً، خلفيات، ومحركات، وسقوف أصدقاء سورية، وعلى رأسهم : الولايات المتحدة، والتي تنطلق من حسابات وأجندات ومشاريع خاصة لا تغيب عنها ـ بالقطع ـ الاستراتيجية الصهيونية، والتي ما زالت تتراوح بين الكلام اللفظي، وبعض الدعم الهزيل، والإصرار على الحلول السياسية التي لا تصل حدّ الموافقة على تنحية رأس النظام وكبار رموزه ..

ـ الثورة السورية خبرت كل ذلك بالدم والدمار والتضحيات الجسام، وتدرك أنها يجب أن تعتمد أكثر فأكثر على قواها الذاتية، وتنمية طاقاتها، واستنهاض الوطنية السورية في مشروع مدروس،  يتواكب مع بلورة المهام وفق أولوياتها وتداخلها، ووضعها على جدول التجسيد...

ـ لكن ودون مراجعة جدية لمسار الثورة : تقدمها وتراجعها. إيجابها وسلبها. واقعها الفعلي على الأرض، وليس التخيلي، الشعاري .وسائل اختراق الكتلة الشعبية التي ما تزال ملتفة حول الطغمة . موقع الحلول السياسية والتكتيك المشروع .  دور الإئتلاف وواجباته ومستلزمات النهوض بمهامه .. فإن الصراخ الدائم بوضع الحق على الآخرين، وتحميل المجتمع الدولي مسؤوليات فضفاضة عبر البكائيات، أو سياسة رد الفعل، أو الاستجداء..

دون ذلك وإنجاز المطلوب من الثورة بكل فئاتها وأجنحتها المحسوبين عليها.. ستزداد التعقيدات تعقيداً، وكأننا ندخل متاهة، أو نفقاً لا نهاية له، ولا ضوء في آخره ..