ما بعدَ اِنتصارِ غزَّة
محمد عبد الرازق
في الوقت الذي تدفقت فيه جموع أهل غزة إلى ساحاتها، و ميادينها؛ للاحتفال بوقف العمليات العسكرية في غزة ليلة الخميس ( 22/ 11/ 2012م ). بحسب تفاهمات توصلت إليها الفصائل الفلسطينية مع الكيان الصهيوني برعاية ( مصرية ـ تركية ـ قطرية )، و بمباركة إقليمية، و دولية؛ فإن هناك مَنْ كان يتحسب لما هو قادمٌ من الأيام.
فانتصارُ غزة إيذان بعهد جديد، وتغيير في قواعد اللعبة، و ليس هذا في التعامل مع الكيان الصهيوني فحسب، بل مع أدعياء وتجار المقاومة، ولاسيما مع نظامي دمشق، وطهران.
لقد ظنَّ الأسد أنه عندما طرد قادة حماس، وأقفل مكاتبها؛ قد أصاب فيها مقتلاً، و أنه قد قدَّم أوراق اعتماد جديدة لدى إسرائيل؛ الأمر الذي سينعكس عليه إيجابيًّا، فتوعز إسرائيل مُجدّدًا إلى القيادة الأمريكية في بداية الفترة الرئاسية الثانية لأوباما بأن تبقى على موقفها البارد تجاه الثورة السورية؛ بما يعطي فرصة جديدة للأسد كي يُعطَى مهلةً جديدة علَّهُ يستطيع من خلالها أن يحسم أمره، و يُجهِز على الثورة.
غير أنه بحسب ما يرى المراقبون قد أخطأ في قراءة عناوين الفترة الثانية للرئيس ( أوباما )؛ فعادة ما يتحرر الرئيس الأمريكي في فترته الثانية من الضغوط التي كانت تمارسها عليه جماعات الضغط اليهودية تجاه سياسته في الشرق الأوسط. إنه عازم على التعامل مع المنطقة بموجب مناخ ما بعد الربيع العربي. و ها قد بدأت بعض نتائجه تظهر سريعًا في أحداث غزة.
إنها أسرع هدنة يطلبها، و يقبلها الكيان الصهيوني؛ بعد أن هرولت الوزيرة كلينتون لإنقاذه من ورطته الحقيقية. فالوقتُ لم يَعُدْ يعمل لمصلحته، و لا أدلَّ على ذلك من طريقة تعاطي مصر ( و معها العرب )، و القيادة التركية مع أحداث غزة.
إنَّ الإدارة الأمريكية في سنة ( 2012م ) تنوي أن تفتتح الفترة الثانية بالالتفات إلى العرب، و التعامل معهم، بعد أن كانت قد افتتحت الفترة الأولى ( 2009م ) بالالتفات إلى إيران، و عقدت معها سلسلة من التفاهمات؛ عززتْ بموجبها نفوذها في العراق، و لبنان. و هو ما استفاد منه نظام الأسد أيضًا.
لقد أدركت إدارة الرئيس أوباما أن إسرائيل بزعامة ( نتنياهو: الراغب في نجاح رومني ) أرادت أن تفرض عليها رؤيتها في التعاطي مع ملفي ( فلسطين، و سورية ). و هو ما لا يريد أوباما أن يقوم فيه؛ فمسارُ الأحداث في سورية يُنبِىءُ أن الأمور آخذة في الميل بشكل واضح لغير مصلحة الأسد؛ و عليه فإنَّ على إدارته أن تتدارك الموقف، و تتدخل في الوقت المناسب قبل أن تخرج الأمور من يدها، و تفرض قوى الثورة مع الحليف التركي رؤيتها في الحل.
فكان أن ضغطت بشكل كبير، و تدخلت بشكل مباشر من أجل إنجاح مشروعها؛ فكان لها رؤيتها في العنوان السياسي للمعارضة في الخارج ( تهميش المجلس الوطني؛ بحجة سيطرة الإخوان المسلمين عليه، و قيام الائتلاف الوطني )، و أعطت الكثير من التطمينات من أجل إقناع المعارضة السورية بجدية التحرك الأمريكي في المرحلة القادمة. و عليه فإنّ على قادة إسرائيل أن يقتنعوا بأن قواعد التعامل مع الشأن السوري قد تغيَّرت بما يتيح التخلص من حقبة الأسد.
أعود فأقول: لقد ظنَّ الأسد أنه و هو في أشد لحظاته خزيًّا، وبؤسًا أنه قادر على ان يجعل من تقديم رِشًا جديدة، يخطب بها وُدَّ الإسرائيليين مرة أخرى، من خلال الإساءة الى حماس فإذا بها تحقق نصرا عزيزا يذهل العدو ويفرح الأمة. و ها هي ترتقب انتصار السوريين الذين وقفت معهم، ضد استبداده؛ لتفرح هي، و الأمة مرة أخرى بنصر آخر في دمشق الفيحاء، يؤلم الأعداء والخونة والمنافقين معًا، ولا يقل أهمية عن سابقه في غزة هاشم.
إنَّ انتصار غزة درسٌ لكم يا ثوار سورية: اِقرأوه جيدًا، و توقفوا عند دروسه، و عِبَره؛ فالمقدمات الصحيحة توصل إلى النتائج السليمة بعون من الله، و توفيق.