نظامُ الأسد، و النظامُ في بورما: تاريخٌ من المجازر، والتهجير

نظامُ الأسد، و النظامُ في بورما:

تاريخٌ من المجازر، والتهجير

محمد عبد الرازق

لم يبقَ أمام الأمين العام للأمم المتحدة في افتتاح أعمال الجمعية العامة اليوم ( 25/ 9 ) سوى أن يُشبِّه النظام السوري بماينمار ( بورما )، هذه الدولة المارقة في شرق آسيا؛ لما بين بينهما من أوجه التشابه في سجل الإجرام الوحشي.

فرئيس ماينمار يعلنها دونما خجل أن المسلمين الروهينجا ليسوا من رعاياه، ويعدهم مهاجرين غير شرعيين قدموا من بنجلاديش، و عليهم العودة من حيث أتوا؛ فهم كما وصفتهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات تعرضًا للاضطهاد في العالم. إنَّهم يتعرضون لعمليات اضطهاد ممنهجة منذ سنوات من قبل السلطات العسكرية الممسكة بمقاليد الحكم هناك منذ عام ( 1962م ) بمساندة السوفييت.

و كذا هو نظامُ الأسد الذي يرى الجميع المجازر اليومية التي تحصل على يديه في سورية، ويذهب ضحيتها الرضيع، و الشيخ الكبير، وسط عجز عربي دولي عن اتخاذ إجراء حقيقي لوقفها.

هذا في الوقت الذي يصف فيه الأسد في مقابلة مع قناة الدنيا (29/ آب ) عمليات الانشقاق ، و موجات التهجير القسرية التي تقوم بها قواته المجنونة بعمليات التطهير الذاتي للمجتمع السوري

ليس غريبًا على أن هذين النظامين أن يكونا في هذا المستوى من السادية؛ فكلاهما من مخلَّفات الاتحاد السوفييتي البائد، و قد قفزا على سدة الحكم في وقت متقارب ( البورمي في: 1962م، و بدايات تسلق نظام الأسد في: 1963م )، و كلاهما له سجلٌ حافلٌ بالمجازر، و عمليات التهجير، و التطهير اليموغرافي.

فأزمة مسلمي بورما ليست حديثة، ولكن وتيرتها تصاعدت جراء قتل مجموعات بوذية لعشرة من دعاة بورما المسلمين مؤخرًا لدى عودتهم من العمرة، حيث قامت هذه المجموعات بضرب الدعاة بأبشع الصور حتى أودت بحياتهم، وذلك بعدما اتهمتهم ظلمًا وجورًا بالوقوف وراء مقتل فتاة بوذية.

الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب شاملة في إقليم أراكان على المسلمين هناك من قبل مجموعات بوذية مسلحة بالأسلحة البيضاء والعصا، تمارس كافة أعمال القتل والتعذيب وحرق وهدم بيوت المسلمين.

هذه الحادثة أشعلت المنطقة التي لم تهدأ يومًا؛ فما يواجهه مسلمو بورما من قمع وقتل وتهجير وتجويع يمتد لستة عقود، حاول فيها البوذيون بكل ما أوتوا من سلطة وسطوة النيل من حقوق المسلمين هناك، بدءًا من اعتبارهم مهاجرين غير شرعيين، وممارسة الضغوط الاقتصادية عليهم، من خلال طردهم من الوظائف الحكومية، ورفع أسعار السلع الغذائية الضرورية في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة، الأمر الذي أدى إلى حصول شبه مجاعة لديهم، إلى محاولة محو هويتهم الإسلامية من خلال هدم المساجد والمدارس التاريخية والآثار الإسلامية، ومنع ترميمها والحيلولة دون تطوير المدارس الإسلامية وعدم مصادقة الشهادات الصادرة عنها، وإجبار الموظفين المسلمين "القلة" على تغيير أسمائهم الإسلامية.

وكان من ضمن مسعى البوذيين للقضاء على مسلمي بورما وطمس هويتهم، التقليص من أعدادهم من خلال فرض شروط قاسية على زواج المسلمين.

هذا عدا عن حملات التهجير التي تعرضوا لها بأعداد كبيرة، تصل الواحدة منها إلى قرابة نصف مليون مسلم على مدار التاريخ من عام 1962م إلى عام 1991م في محاولة للتغيير الديموغرافي في البلاد.

إن الحال في بورما تشبه في فظاعتها ما كان في سورية على الأسد ( الأب ) في الثمانينات، و لاسيما في حماة التي تعرضت إلى إبادة جماعية ذهب ضحيتها (50 ألف ) شخص، ونظرًا لفظاعتها ما يزال الناس يؤرخون بها.

و هي في عهد الأسد ( الابن ) أشدَّ فظاعةً، و أنكى؛ فلقد ارتكبت عصاباته من المجازر ما يجعله في مقدمة طواغيت العصر الحديث، و الذاكرة مشحونة بأسماء مئات المجازر التي حدثت خلال سنة و ثمانية أشهر مضت من عمر هذه الثورة الشعبية غير المسبوقة في تاريخ المنطقة.

هذا فضلاً على عمليات النزوح ( داخليًا، و خارجيًّا ) التي تجاوزت أعدادها الخمسة ملايين شخص. ناهيك عن الأضرار التي لحقت بالمباني التي تقدر بمليونين و ثمانمائة ألف مبنى [ منها حوالي 800 ألف مبنى قد دمرّ دمارًا كاملاً، من بينها شقق سكنية، ومدارس، وكنائس، ومساجد، ومستشفيات ]، و للمدارس التي تقدر تجاوزت ( 22 ألف ) مدرسة من أصل ( 220 ألف ) مدرسة، و للبنى التحتية كافة؛ ممَّا يجعل سورية بحاجة إلى ثلاث سنوات حتى تعود إلى سابق عهدها، و بكلفة مالية تتجاوز ( 35 ) مليار دولار.

في تقرير لها عن مجريات الأحداث، تقول وكالة "الأناضول" التركية للأنباء: إن القنابل والهجمات التي تشنها الدبابات الموالية للأسد على الأراضي السورية قد دمرت أجزاء واسعة من سورية، وكأن زلزالاً قويًّا قد هزّ أركانها.

إنّ كلا البلدين بحاجة إلى وقفة جادة من أصحاب الضمائر الحية؛ لإعانتهم بكل السبل الممكنة، كما يتطلعان إلى موقف مسؤول وحاسم يدعم ثوراتهما الشعبية حتى تحقيق النصر والعدل؛ لأنه ما لم تتخذ خطوات قوية وجذرية، فإن الأمور ستقود إلى خذلانهم، وإعادتهم تحت وطأة الظلم إلى ما لا نهاية.

فهل ستترك الأمور هكذا حتى يشهد أولادنا وأولادهم في قابل الأيام مجازر جديدة، على غرار ما نشهده نحن اليوم، و شهده آباؤنا، و أجدادنا بالأمس؟!!