مرسي ونصرة السوريين في إيران!!
حسام مقلد *
يشاهد العالم أجمع مأساة الشعب السوري التي تتفتَّتُ لها الأكباد وتنفطِرُ القلوب... ولا يتحرك أحد فعليا على أرض الواقع لوقف نزيف الدماء السورية الزكية... وكل ما نفعله جميعا أننا نتابع ببلادة حس منقطعة النظير آلة البطش الوحشية في أيدي شبيحة السفاح المجرم بشار الأسد وهي تحصد يوميا أرواح مئات السوريين... ونحن ماذا نفعل؟!! نشجب ونندد ونُرغي ونُزبد... ونصرخ بأعلى صوتنا بيننا وبين أنفسنا حينا أو عبر الفضائيات حينا آخر مستنكرين ما يحدث... ثم نذهب إلى بيوتنا هادئي البال مرتاحي الضمير وكأننا أنقذنا أرواح إخواننا أو عصمنا دماءهم... وكأن صراخنا أوقف النظام السوري المتوحش عن القتل والخراب والدمار... وكأن حناجرنا الملتهبة وأصواتنا الزاعقة وأيدينا المرتعشة أخافت روسيا والصين، وأرعبت إيران وحزب الله... وأجبرت جميع داعمي نظام الأسد الدموي الفاجر على الوقوف مع الحق والعدل، ونصرة الشعب السوري والتخلي عن بشار وزبانيته!!
ولو كانت الشعوب العربية (بنخبها الوطنية والإسلامية) جادة في نصرة أشقائها السوريين لرأينا منها مواقف أكثر حزما وقوة، ولخرج الناس بالملايين ـ خاصة فيما يسمى بدول الربيع العربي ـ مطالبين حكوماتهم باتخاذ مواقف عملية أكثر نفعا وجدوى للشعب السوري البطل!!
في مصر مثلا دعا نفر من الكتَّاب القوى الإسلامية والوطنية والثورية مرارا وتكرارا للخروج في مليونيات حاشدة خاصة بنصرة أشقائنا السوريين، لكن بكل أسف لم يستجب الكثيرون لذلك، رغم أننا رأينا عشرات (وربما مئات) الآلاف من الأخوة السلفيين مثلا يتظاهرون أمام محكمة لمناصرة شيخ سلفي جليل كانت المحكمة تنظر دعوى مرفوعة ضده من فضيلة مفتي الجمهورية... فتظاهرت هذه الآلاف المؤلفة لنصرة فضيلة الشيخ الجليل في تلك القضية، وهذا حقهم طبعا ولا اعتراض عليه.
لكن الغريب أننا لم نرَ هذه الحميَّة ذاتها في نصرة الشعب السوري الشقيق لا من السلفيين ولا من الإخوان المسلمين، ولا حتى من الشباب الثوري، ثم يتصايح البعض رافضين ذهاب الرئيس الدكتور محمد مرسي لطهران، وقد يجعل الله تعالى فرج أشقائنا السوريين على يديه حال تَمَكَّنَ من الضغط على إيران بورقة مصالحها مع مصر ودَفَعَها لرفع أيديها عن السفاح المجرم بشار الأسد...!!
ولو كان المعترضون على ذهاب مرسي لإيران منصفين وبعيدين عن الهوى لاعترضوا على علاقاتنا (وعلاقات الدول العربية والإسلامية الأخرى...) مع روسيا والصين، ولاعترضوا على زيارة الرئيس مرسي نفسه لبكين، فلا تزال روسيا والصين تحميان نظام المجرم بشار الأسد وتستخدمان حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يدين هذا النظام المتوحش، فضلا عن أن يغل يده ويمنعه من إراقة المزيد من الدماء السورية الزكية.
والعجب كل العجب أن يُحَمِّل البعض الرئيس مرسي مسئولية الدماء السورية الغالية علينا جميعا إن هو ذهب إلى إيران لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز، زعماً منهم أن في ذلك دعم معنوي للسفاح بشار الأسد الذي تسانده إيران، ويعلم الله تعالى أنني من أكثر الناس كراهية لقادة الشيعة وعلمائهم بسبب سبهم ولعنهم للصحابة الكرام ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ ولأم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله تعالى عنها وعن أبيها ـ وهؤلاء الشيعة في نظري بعيدين عن الإسلام ـ ولا أدعي أنني عالم دين، بل لا أزعم حتى أنني طويلب علم...!! ـ لكنني أعتقد بذلك لأنهم حرَّفوا صحيح الدين عن مقاصده وغاياته السامية، والفروق الجذرية والجوهرية بين عقائدهم المنحرفة وعقيدة التوحيد الصافية التي تطمئن إليها نفس المؤمن أوضح من الشمس!!
لكن عمل السياسة شيء آخر غير هذا، والذي أفهمه أن الأمور لا تُقاس بمثل ذلك، فهناك حتما مكاسب وخسائر ستترتب على ذهاب الرئيس مرسي لإيران أو عدمه، وينبغي أن نوازن بين هذه المكاسب والخسائر لاختيار ما يحقق مصلحة مصر وأمتها العربية والإسلامية، وخصوصا مصلحة الشعب السوري الشقيق الذي تربطنا به نحن المصريين علاقات تاريخية ذات خصوصية شديدة، ورغم وجاهة آراء المعترضين على ذهاب مرسي لإيران إلا أنني ممن يرجِّحون كفة المصلحة في القيام بذلك، بل إنني أزعم أن هذه الزيارة ستصب مباشرة بإذن الله تعالى في مصلحة الأشقاء السوريين، ولعل مبادرة الرئيس مرسي الرباعية (مصر وتركيا والسعودية وإيران) تكون بفضل الله تعالى أول خطوة عملية جادة على مسار حل الأزمة السورية التي دخلت نفقا مظلما منذ أمد ليس بالقصير بعد أن عجزت الجامعة العربية عن حلها، وفشلت الأمم المتحدة ذاتها في حلحلتها ولو قليلا، وينبني رأيي هذا على ما يلي:
1. ليس في ذهاب مرسي لإيران لحضور مؤتمر دولي أي دعم للسفاح بشار الأسد الذي تساعده إيران وحزب الله في ارتكاب مجازره البشعة ضد أشقائنا السوريين، ولو كان الأمر كذلك لكان الأوْلَى ألا يدعو خادمُ الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحضور قمة دول منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقدت في مكة المكرمة قبل أيام، ولكان من المنطقي أن تقوم جميع الدول العربية بقطع علاقتها مع إيران، وأن يطالِب العرب جميعا بمنع عقد قمة دول عدم الانحياز في طهران.
2. يجب استغلال كافة المحافل السياسية والمنابر الدولية لإحراج إيران ودفعها للتخلي عن طاغية الشام، وكفِّ أيديها وأيدي الموالين لها عن إراقة الدماء السورية العزيزة... وهذا في رأيي أضعف الإيمان وأكثر نفعا وجدوى لإخواننا السوريين من الكلام النظري الكثير والصراخ عبر الفضائيات...!!
3. ينبغي ألا نتعامى عن حقيقة كون الحرب الدائرة في سوريا الآن هي حرب بالوكالة كما عبر عن ذلك صراحة الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) ومعظم أو كل أوراق اللعبة للأسف الشديد ليست في يد العرب، بل هي مع الأسف في يد إيران والصين وروسيا من جهة، ومن جهة أخرى في يد أمريكا ومن يدور في فلكها.
4. لو نجح الرئيس محمد مرسى خلال مؤتمر دول عدم الانحياز في حشد هذه الدول للضغط على إيران وإقناعها ـ أو إجبارها ـ على وقف دعم بشار وعصابته فستكون هذه بداية مهمة وموفَّقَة لنزع فتيل الحرب بالوكالة الدائرة في سوريا، وترطيب الأجواء وإيجاد حلول عملية تنقذ السوريين من مزيد من الدمار والخراب والقتل.
5. بعد أن أطلق الأمريكان أيدي إيران في العراق بات معلوما أنه يخضع الآن لسيطرة إيرانية تامة، ونفوذ إيران القوي في لبنان عبر حزب الله لا يحتاج إلى برهان، وبالتالي فهي تدعم نظام بشار المجرم بكل قوتها لإحكام سيطرتها على ما أسماه الملك عبدالله ملك الأردن بالهلال الشيعي لتضمن تحقيق مصالحها في المنطقة من خلاله، والعرب عاجزين عن إدارة هذا الصراع بشكل مؤثر وفعال يحمي مصالحهم في منطقتهم التي يتصارع الجميع عليها، وليس لديهم حتى الآن قدرة على إحداث أي اختراق في الموقف الدولي أو التأثير في منظومة العلاقات الدولية بشكل فعال يجبر طاغية الشام على الرحيل... وأعتقد أنه في المدى المنظور لا مجال أمام العرب سوى استغلال مبادرة الرئيس محمد مرسي الرباعية لإحداث تغيير حقيقي في الوضع على الأرض بعيدا عن التنظير الذي لم يجد السوريون أي غناء فيه حتى الآن.
6. لابد من مصارحة الأخوة الكرام في المعارضة السورية وكذا الثوار السوريين على الأرض أنهم في حاجة ماسة لتوحيد جهودهم وتأجيل خلافاتهم حتى يتم إسقاط نظام السفاح بشار وإزاحته هو وشبيحته وزبانيته تماما من المشهد، ولا أعتقد أن أحدا من الشعب السوري الشقيق سيعترض على أية مبادرة يقوم بها الرئيس مرسي أو غيره لإنهاء الأزمة ونصرة الثورة السورية.
7. حتى الآن فشلت جميع القوى المساندة للثورة السورية في توفير غطاء آمن للشعب السوري وحمايته من مسلسل القتل اليومي الذي يحصد أرواح المئات من الأبرياء، ولا حل يلوح قريبا في الأفق، ويُخشى أن يطول الصراع ويستمر السوريون في دفع الثمن، وما دامت كافة العوامل على الأرض كما هي فلابد من التفكير في حل المشكلة بشكل مختلف، وحيث إن الجامعة العربية والأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى عاجزة عن الحسم العسكري، تصبح إذن محاولة الرئيس الدكتور محمد مرسى خطوة محمودة خاصة إذا نجح في اختراق الموقف الإيراني بحنكته السياسية وتمكن من إقناع الإيرانيين بالتخلي عن بشار، وحلحلة الأمور للوصول إلى حل سلمى للأزمة السورية، وإنهاء الصراع المكتوم الدائر في المنطقة، أو على الأقل تأجيله وترحيله عدة سنوات من خلال توافق الجميع على صفقة شاملة متوازنة تحفظ مصالح كل دول وشعوب المنطقة... فلنعطِ الرئيس فرصة لإنجاز مهمته!!
* كاتب إسلامي مصري