الأهمية الإستراتيجية لدخول العاصمتين على خط المواجهة
الأهمية الإستراتيجية
لدخول العاصمتين على خط المواجهة
محمد عبد الرازق
بعد اتباع خطة ( قضم الأطراف ) الناجحة التي اتبعتها كتائب الجيش الحر، و الكتائب الأخرى المساندة لها في التعامل مع كتائب الأسد، على مدى الشهور الماضية؛ و التي نتج عنها سيطرة الثوار بنسب متفاوتة على عموم المناطق في المحافظات الحدودية، بقي أمامهم أمران لإحكام القبضة عليه:
الأول: بسط السيطرة على المنافذ الحدودية؛ من أجل التحكم في حركة الخروج، و الدخول إلى سورية، لحرمان قوات الأسد من الاستفادة من العوائد المالية المترتبة على ذلك، و تسهيل حرية التنقل للمواطنين السوريين المتضررين من عنف هذه القوات، و إيصال المساعدات لهم، هذا فضلاً على ممارسة أعمال السيادة في هذه المناطق التي هيمنوا عليها، و هي تشكل امتدادًا لتلك المنافذ الحدودية.
الثاني: نقل العمليات العسكرية إلى مدينتي ( حلب، و دمشق )؛ لما لهما من الأهمية الستراتيجية في حسم المعركة.
و لكل من هاتين المدينتين خصوصيتها في الحراك الثوري، فــ ( حلب ) تمثل العاصمة الاقتصادية لسورية بشكل عام؛ ففيها ثمانون بالمائة من الصناعة السورية، و النظام ما فتأ يتغنى بوقوفها إلى جانبه في مواجهة الحراك الشعبي. حيث كان يمدّ يده إلى جيوب تجارها، و أصحاب رؤوس الأموال فيها ليدفع الأجور اليومية للشبيحة، و المرتزقة الذين أضحت خدماتهم في القتل و الإجرام سندًا قويًّا له.
و كثيرًا ما قيل عن البعد الاقتصادي المؤازر للأسد المتمثل فيها. و هو أمر شعر بوطأته قادة الحراك في الداخل على وجه الخصوص؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الوطأة شديدة على عموم السوريين، كانت يد من التجار الحلبيين تمتد لتغدق في العطايا على جموع المرتزقة من الشبيحة، و لجان الحماية الشعبية ( كما يحلو للنظام أن يسميهم ).
و بالطبع ليس الأمر حكرًا على تجار حلب في هذا؛ فهناك آخرون في المحافظات الأخرى، ممن ساندوه، و هم ممن انتفخت جيوبهم في ظل الانفتاح الاقتصادي المزعوم في عهد بشار، و شكلوا واجهات مالية لرجالاته، فقام الأسد بابتزازهم في هذه المرحلة.
و بالتالي فإنها عندما تخرج عن سيطرته، و تنضم إلى باقي المحافظات في الحراك الثوري؛ فإنها تمثل كسرًا للحلقة الاقتصادية التي كان يمسك بها في هذه المواجهة. يأتي ذلك في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها سورية، نتج عنها فقدان السيولة المادية في البنوك السورية حسبما أشارت تقارير منظمات الأمم المتحدة مؤخرًا.
و أمّا فيما يتعلق بمدينة دمشق؛ فإنها إلى جانب ثقلها الاقتصادي الكبير أيضًا؛ تمثل العاصمة السياسية التي تمنح له الشرعية الدولية طالما هي تحت قبضته. و من هنا توجب على قادة الحراك الثوري أن يعيروها الأهمية المطلوبة في تحركهم الميداني، و لا سيما بعدما أحاطوا به من أطرافها؛ حيث غدت مدن، و بلدات ريفها خاضعة لهم بشكل جيد؛ ممّا مكَّنهم من التحرك باتجاه المركز، و جعل مدن الأطراف هذه مثابةً لهم تمدهم بأشكال الدعم كافة.
و مازلنا نتذكر كلام المعلقين على ما يجري في سورية، و هم يستبعدون سقوط الأسد طالما أنه يحكم السيطرة على عاصمتي سورية: السياسية ( دمشق )، و الاقتصادية ( حلب ).
أما، و قد انخرطت هاتان العاصمتان في خضم الثورة الشعبية؛ فلم يبق ثمَّة نقاش في جدية الثورة، و قدرتها على هزّ عرش الأسد، و اقتلاعه.
إنَّ سقوط الأنظمة لا يكون في غير العاصمة السياسية؛ و لذلك نرى جلَّ المقدرات العسكرية المعدة للدفاع عن النظام تكون فيها. و هو الأمر الذي على المعارضة المسلحة أن تتهيأ له، و فيما يبدو فإن قادة الكتائب في الجيش الحر قد أعدّوا العدة لذلك؛ اعتمادًا على الله أولاً، و على قدراتهم الذاتية ثانيًا.
يأتي ذلك متزامنًا مع جملة من الأمور التي أعطت لحراكهم زخمًا، و قوة، منها:
ـ عملية (الثامن عشر من تموز) النوعية؛ التي حصد فيها الجيش الحر رؤوس خلية الأزمة، إلى جانب رؤوس أخرى من جنسيات أخرى كانت حاضرة، سيُماط اللثام عنهم تباعًا.
ـ انفضاض أصحاب رؤوس المال الدمشقي عن الأسد، على غرار الحلبي؛ قناعة منهم أن الأمور قد أصبحت خارج السيطرة؛ و بالتالي أصبح لزامًا البحث عن ملاذات آمنة يضع فيها هؤلاء حصاد السنين.
ـ تزايد أعداد العلماء، و المشايخ الدمشقيين المنتقدين سياسات النظام، و ظهور كبار هؤلاء على القنوات الفضائية معلنين الطلاق البائن معه.
ـ انخراط أبناء المخيمات من اللاجئين الفلسطينيين في الحراك الشعبي إلى جانب إخوانهم السوريين. و قد كان الدافع الأساس في هذا هو الموقف المعلن و الصريح لحركة حماس من سياسات النظام، و استعانة النظام بالتنظيمات الفلسطينية الموالية له في التصدي للحراك الشعبي، و هو الأمر الذي طالت آثاره حتى أبناء القضية نفسها في أكثر من حالة، كان آخرها اليوم حيث عثر على ( إحدى عشرة جثة لفلسطينيين متعاطفين من أبناء المخيمات ).
لقد أخذت نتائج انخراط العاصمتين في الحراك الثوري، و دخولهما على خط المواجهة تظهر سريعًا؛ فبيان وزير الخارجية الفرنسي الأخير الداعي لتشكيل حكومة انتقالية؛ تمهيدًا لمرحلة ما بعد الأسد، و اِلتآم شمل اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة الملف السوري، و مجلس وزراء الخارجية العرب، و ما نتج عن ذلك من دعوة الأسد للتنحي، و الطلب من المعارضة و الجيش الحر أيضًا تشكيل حكومة انتقالية، و العقوبات الأوربية المقرّة اليوم بشكل ملفت للنظر.
كلُّ ذلك ماكان له أن يصدر لولا هذا الدخول المؤثر لعاصمتي سورية على خط المواجهة مع نظام الأسد؛ الذي بات خارج السياق في المشهد السوري.