انتصرت إرادة الحرافيش

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

في خلفية مشهد جولة الاعادة في سباق الرئاسة ، لم تكن السياسة والثورة واﻷيديولوجيا فقط هي الحاضرة بقوة ، لكن أيضا كانت هناك مواجهة على أعلى مستوى بين رجال القصر وأبنائه وبين ابناء الشعب أو الحرافيش.. فطبقة الحرافيش التي صورها اﻷديب نجيب محفوظ للتعبير عن أهل مصر المحروسة كانت تخوض الصراع ﻷول مرة في تاريخها الطويل عبر سبعة آلاف سنة للوصول برجل من الحرافيش واحد من الشعب واحد مننا لسدة الحكم !!

ﻷول مرة في عمر أرض الكنانة يحكمها واحد من أبنائها خرج من طبقة الشعب من طبقة الفلاحين أو طبقة الحرافيش ، لم يعد يحكم مصر واحد من اﻷسرة الفرعونية الحاكمة من سلالة ملوكية يتم تربيتها في أحضان القصر ، ولا يحكمها والي من قبل سلطة احتلال ، أو فرد من طبقتها المخملية يتم اختياره ودعمه من خلال امبراطورية عظمى ، أو حتى مملوك من المماليك أو أمير من أمرائهم. حتى هؤلاء الذين حكموا  مصر بعد ثورة يوليو كانوا فعليا من أرض مصر لكنهم كانوا يستندون على المؤسسة العسكرية التي أتت بهم إلى سدة الحكم ، فكان الحكم العسكري على مدار ستين عاما بمثابة النسخة المعاصرة من نظام حكم أمراء المماليك..       

في جولة الاعادة في السباق الرئاسي كان المشهد المصري منقسما على عدة مستويات وكان الاستقطاب الحاد يدور على عدة محاور ، فتم تقسيم السباق الرئاسي بين مرشح ثوري ينتمي بشكل أو آخر إلى ثورة ( 25 يناير  )وإلى ميدان التحرير وبين مرشح كان جزءا من نظام ثار عليه الشعب ، وكان مشهد السباق منقسما ايضا بين مرشح نظام جديد وبين اعادة انتاج النظام القديم البائد والمخلوع بأوامر الثورة ودماء الشهداء.. وكان المشهد منقسما كذلك بين مرشح عسكري على مستويين متفاوتين، مستوى الخلفية العسكرية لرجل عسكري وصل لرتبة فريق ، فهو أحد جنرالات الجيش ، وعلى مستوى دعم المؤسسة العسكرية والمجلس العسكري المسيطر على مقاليد المرحلة الانتقالية ، فلولا هذه المساندة والدعم لم يكن لتقبل أوراق ترشحه من اﻷساس ، كان الانقسام والاستقطاب بين رجل عسكري وبين رجل مدني، ثم كان استقطاب آخر بين الثورة والثورة المضادة ، وأخيرا استقطاب ودعاية بين ما اعتبره أنصار مرشح النظام القديم بين مرشح الدولة المدنية ومرشح الكتلة الإسلامية !!

وكأن التيار اﻹسلامي ليس تيارا مدنيا خالص المدنية!!

كل هذه الانقسامات كانت حاضرة وبقوة في مشهد السباق الرئاسي  ،لكني أقول أهم هذه الثنائيات على الاطلاق كان السباق الشرس بين واحد من الناس بين رجل من الشعب ، بين حرفوش من الحرافيش ، وبين ابن النظام ومنتج المؤسسة العسكرية وواحد من رجال الدولة!

السباق اﻷهم واﻷعمق اذن كان بين رجل الشعب وبين رجل الدولة ، بين ابن القرية وبين ابن القصر .. وانقسم الشعب ، انقسم الحرافيش بعيدا عن طبقات مسيسة أو مؤدلجة أو ( ممصلحة ) تلك الطبقات التي مثلت رجال الاخوان ومن يدور في فلكهم الفكري ومعهم طبقة الثوريين المسيسين من جهة في مواجهة طبقة من المسيسين هدفهم اعادة النظام القديم، وطبقة من ( المصلحجية الاقتصادية والاجتماعية ) ارتبطت مصالحهم بذات النظام القديم من جهة أخرى.. بعيدا عن هذه الطبقات انقسم الشعب العادي غير المسيس إلى فريقين ، فريق يرى في نفسه وأبنائه وفي رجال الشعب القدرة على القيادة والتوجيه وتسلم مقاليد الحكم، وبين فريق شعبي غير مسيس أيضا يرى الاستقرار الامني والاقتصادي والدولي في الرهان على رجل دولة وابن من ابناء النظام..

وجرى السباق العنيف هكذا بين الحرفوش وابن النظام ، حتى حسمه الحرافيش لصالحهم ولصالح الشعب ولصالح بن القرية ، ليسقط لﻷبد نظام حكم اﻷسرة المالكة ونظام المماليك قديمه وحديثه

انتصرت ارادة الحرافيش في منافسة شرسة كادت تصل إلى حد تكسير العظام زاد من حدتها انقسام الحرافيش أنفسهم بين ثقتهم في أنفسهم وبين رهانهم على رجال الدولة العميقة..

وما هي إلا شهور أو سنوات قليلة ان شاء الله حتى يثبت الحرفوش بن الشعب أنه قادر على قيادة دولة محورية مثل مصر أفضل ما تكون القيادة!!

كل ما أرجوه من جماعة الاخوان المسلمين أن تخلي بين الشعب االمصري وبين ابنه ، بين الحرافيش والحرفوش الناجح في سباق الرئاسة، وان تضع بينها وبينه مسافة تكشف بجلاء أنه لم يكن أبدا مملوك اخواني تم بناءه وتربيته داخل مؤسسة مماليك مختلفة.. ليس معنى هذا اننا نطالب الاخوان بالتخلي عن الوقوف وراء مرسي أو دعمه ، ولكن أن يتم ذلك باعتباره حرفوش من الشعب أولا وأخيرا وليس باعتباره مملوك من المماليك هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ان يتم هذا الدعم والدفع والعون والمساندة باعتبار الجماعة نفسها مكون طبيعي من مكونات الشعب لا يمارس اي نوع من الوصاية والاستعلاء .. وهو ما أرى بوادر قبوله والعمل عليه ليهنأ الحرافيش بقيادة حرفوشهم القادم من أعماق القرية إلى سدة الرئاسة!!