الشعب يواجه النظام !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

قبل أيام كتب صحفي من أتباع النظام مقالة طويلة يشيد فيها بالشخص الذي رشحه النظام ليسرق الثورة ، وهدد بتحويل ميدان التحرير إلى سلخانة يذبح فيها أحرار الوطن بحجة استعادة الأمن ، بعد أن قام النظام بتجربة مذبحة العباسية ونجح في قتل أحد عشر شهيدا ، وأصاب المئات ، واعتقل الآلاف ، واقتحم مسجد النور ،وأسر من داخله العشرات من الفتيات ، وسلط أبواقه المزورة لتتهم رواد المسجد بتخزين السلاح !

الصحفي المذكور حدثنا عن بطولات مرشح النظام وإسقاطه للعشرات من طائراته في الجو، فهو النسر الجوي  من طياري المقاتلات الذين اثبتوا المهارة والجسارة في مواجهة الطيارين اليهود الذين لاذوا بالفرار بطائراتهم إلي قواعدهم في فلسطين المحتلة وتخلصوا من حمولات القنابل والصواريخ بإلقائها في الحقول وفوق البحر بعدما عجزوا عن الوصول إلي أهدافهم في العمق وباءت بالفشل محاولات التسلل إلي قواعد الصواريخ في الجبهة!.

ويضيف الصحفي الموالي للنظام أن  النسر الجوي - كما يسميه - ورفاقه الطيارين المقاتلين لم يعرفوا الراحة من الطلعات الجوية المتلاحقة ضد الطائرات اليهودية المعادية ، وصنعوا مظلة حماية للمطارات المصرية في العمق وقواعد الصواريخ في الجبهة، وكان الرئيس السادات يتابع بنفسه معارك الطيران المصري ويعتبرها نقطة تحول في الحرب بعد العبور وإقامة رءوس الكباري في سيناء!. ... إلخ

نسي الصحفي الحكومي أن مئات الألوف من أبناء مصر البسطاء عاشوا في الخنادق والملاجئ ، وكانوا يلتحمون مع أفراد العدو في معركة تاريخية نادرة ، ولم يأخذوا شيئا من الحكومة أو النظام ، ولم يتكلم عنهم هو وأمثاله من أبواق الزور والبهتان والتضليل والتدليس !

ما كتبه الصحفي الموالي للنظام لم يأت عفوا ولا عشوائيا ؛ فقد جاء وسط سيل من محاولات تلميع مرشح النظام مقابل تشويه مرشح الثورة ،والتمهيد لما سيأتي من مصادرة لإرادة الشعب ، وازدرائه واحتقاره علنا وعلى رءوس الأشهاد ، كي يعود النظام الفاسد البائد برموزه وممارساته وتجلياته القبيحة الشريرة  .

الآلة الدعائية للنظام على المستويات الرسمية والخاصة والحزبية ، لم تذكر شيئا عما يوجه إلى النسر الجوي من فساد ، لأنه الابن المدلل للنظام الذي حظي بما لم يحظ به نظراؤه ؛ فقد ظل أطول فترة قائدا للقوات الجوية في مصر ( استمر في هذا المنصب مدة 6 سنوات) بعد أن ظل مدة مقاربة رئيسا لأركان هذه القوات  ؛ووزيرا للطيران لمدة أطول ، قبل أن يعينه أستاذه المخلوع آخر رئيس لوزراء مصر في التاسع والعشرين من يناير 2011 لتخفيف حدة التظاهرات الضخمة ، والاحتجاجات الشعبية الواسعة ، وكان قد برز اسمه بين الأسماء المرشحة لخلافة الرئيس المخلوع حسني مبارك، قبل قيام ثورة 25 يناير بأيام، وأشارت إلى ذلك( ديسمبر 2010م ) صحيفة وال ستريت جورنال الأمريكية تحت عنوان "منافس جديد يبرز في مصر".

يُتّهم مرشح النظام بأنه تسبب في زيادة المديونية باقتراضه مليارات ليبني المطارات ، وكان يقوم بتسريب المناقصات إلي أصدقائه وفي مقدمتهم مجدي راسخ مذ كان في القوات الجوية ، كما كان من أشد المدافعين عن محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق لأنه- كما يقول الاتهام -  قام بإعطائه أراضي بالتجمع الخامس ليبني عليها قصورا له ولأولاده ، فضلا عن تستره علي الطيار سمير عبد المعبود ، ثم ما يقال عن تبديد أموال صندوق كوارث الطيران مقابل إنشاءات شكلية ، وهناك اتهامات عديدة كان من المقرر إعلانها في مؤتمر صحفي بنقابة الصحفيين تم إفشاله وضرب القائمين عليه بوساطة من يعنيهم الأمر!

ثم هناك بلاغات أمام النائب العام عن فساد عظيم وصلت إلى ستة وثلاثين بلاغا ، لم يتم البت فيها حتى الآن ، ولم يقل النسر الجوي كما يصفه الصحفي الموالي للنظام هل هي كاذبة أو صادقة ؟

هذا النسر الجوي قد يُنصّب قبل نشر هذا الكلام رئيسا لمصر الثورة ،  ضد إرادة شعبها  المظلوم ، وإعادة النظام الفاسد الذي لم يفصل في الاتهامات الموجهة إليه منذ عام ونصف حتى الآن ، مما يعني أن دماء الشهداء ضاعت هباء ، ودون عائد يذكر !

لقد سقطت الأقنعة عمن كان الناس يحسنون الظن بهم ، حين سخروا إمكانات الدولة لإنجاح النسر الجوي المتهم بالفساد ، ولم يرقبوا إلا ولا ذمة حين حركوا قوى الشر والفساد وقسم الشائعات ليواجهوا ثورة الشعب المظلوم ويطفئوا فرحته ، ولم يتورعوا عن إعادة الطوارئ في ثوب جديد والتكويش على السلطات ، واستخدام المادة 28 من الإعلان الدستوري لتمرير ما يريدون .

في خبر نشره مراسل الفاينشيال تايمز على موقعه 19/6/2012  ، ذكر أن مصدرا أمنيا مصريا أخبره أن نتيجة الانتخابات الرئاسية ستكون لصالح النسر الجوي ، وسيعلن حظر التجول في البلاد ، حتى لا يعبر الشعب عن رفضه للجريمة المتوقعة ، وأي عاقل لا يستبعد أن يحدث ذلك ، في بيئة أ سفرت عن وجه كالح للاستبداد والظلم المقيت !

لقد عدّ الكاتب البريطاني الأشهر روبرت فيسك أن نهاية الثورة المصرية باتت وشيكة، وأن من الممكن أن نري هذه النهاية في القريب العاجل . وقال فيسك في مقاله بصحيفة " الإندبندنت " البريطانية 16/6/2012 إن ما يحدث في مصر الآن يستدعي إلي الأذهان ما كانت تشهده الجزائر في بداية تسعينيات القرن الماضي .  وتنبأ فيسك بأن تشهد مصر ما شهدتها الجزائر بعد ذلك من فرض قوانين طوارئ ، تعطي الجيش سلطات استثنائية، ثم تشهد البلاد عمليات ملاحقة أمنية للنواب المنتخبين، يتخللها أعمال قمع وتعذيب واعتقالات، ثم ينتهي الأمر بحرب عصابات !

من المؤكد أن الشعب المصري المظلوم لن يستسلم للاستبداد والقهر ، وليت المستبدين يتذكرون أن هذا الشعب قد أدخل مستبدا سابقا القفص في محكمة الجنايات  وشاهدته الملايين في أرجاء الأرض . فاعتبروا يا أولي الألباب !